q

ماريانا مازوكاتو

 

لندن- ان النظرة التقليدية في الاقتصاد بشكل عام اليوم ان الحكومات لديها امكانيات قليله من اجل اطلاق الابتكار وطبقا لتلك النظرة فإن الدولة يجب ان تلعب اقل دور ممكن في الاقتصاد وان تتدخل فقط في حالات "فشل السوق" وهذا الكلام بعيد جدا عن الحقيقة.

في واقع الامر فإن الحكومات تلعب دورا حيويا في تحفيز الابتكار حيث تنشط في خلق اسواق جديده بدلا من اصلاحها فقط وللحقيقة فإن مناصري الدور الاقتصادي المحدود للحكومة يعتقدون ان فشل السوق يبرر بعض التمويل للبنية التحتية والعلوم الاساسية ولكن من الصعب ان يفسر مثل هذا التدخل المحدود مليارات الدولارات من الاموال العامة والتي تتدفق على الابحاث التطبيقية وحتى انها تستخدم في التمويل الاولي للشركات وفي واقع الامر فإن الدولة لعبت دورا رياديا فيما يتعلق بالمشاريع في بعض مراكز الابتكار المشهورة حول العالم حيث قامت الدولة بطرح تصورات مستقبلية وتمويل خلق مجالات جديده كاملة بما في ذلك تقنية المعلومات والتقنية البيولوجية وتقنية النانو والتقنية الخضراء.

في وادي السيلكون على سبيل المثال تصرفت الحكومة كمستثمر استراتيجي من خلال شبكة لامركزية من المؤسسات العامة: وكالة مشاريع الابحاث المتقدمة الدفاعية، ناسا، برنامج ابحاث الابتكار للشركات الصغيرة ومؤسسة العلوم الوطنية.

ان المبالغ المتوفرة هي مبالغ مذهلة وتلك المبالغ لم يتم صرفها على تقنية المعلومات فحسب فهناك مبالغ كبيرة قد تم صرفها على علوم الطاقة والحياة وفي سنة 2011 على سبيل المثال استثمرت المؤسسة الوطنية الامريكية للصحة 31 مليار دولار امريكي في ابحاث الطب الحيوي. ان مارسيا انجيل وهي استاذه في كلية هارفارد للطب قد اظهرت ان مثل هذا التمويل لعب دورا حيويا في تطوير بعضا من اكثر الادوية الجديدة ابتكارا في العقود الأخيرة كما انه في حالة بعض اكثر الشركات الامريكية ابتكارا فإن التمويل من برنامج ابحاث الابتكار للشركات الصغيرة اثبت انه اكثر اهمية من رأس المال الاستثماري الخاص.

ان الأمثلة خارج الولايات المتحدة الامريكية تشمل اسرائيل حيث ان صندوق رأس المال الاستثماري العام يوزما يوفر تمويل أولي الى بعض من اكثر الشركات ديناميكية في البلاد وفنلندا حيث قام صندوق الابتكار العام سيترا بتوفير تمويل اولي لنوكيا. أما في الصين فيقدم بنك التنمية المملوك للدولة مليارات الدولارات كقروض الى بعض من اكثر الشركات ابتكارا في البلاد بما في ذلك هاواوي وينجلي سولر.

ان مثل تلك الانواع من الاستثمارات العامة هي حيوية من اجل خلق وتشكيل الاسواق الجديدة وفي واقع الامر فإن الاستثمار الحكومي لعب دورا مركزيا في تطوير معظم التقنيات تقريبا والتي جعلت الاي فون هاتفا ذكيا بالإضافة الى الانترنت ونظام تحديد المواقع العالمي جي بي س وشاشات اللمس والتطور الحاصل في برنامج الكمبيوتر سيري للتعرف على الصوت كما انه في العديد من البلدان فإن القطاع العام هو الذي يلعب دورا قياديا في جعل التقنية الخضراء ممكنة.

ان الاقرار بأهمية الاستثمار الحكومي في الترويج للابتكار والنمو يوحي بالحاجة لإعادة التفكير بالحكمة التقليدية المتعلقة بتدخل الدولة فعوضا عن التركيز على انتقاء التقنيات الفردية او الشركات فإنه يتوجب على المؤسسات العامة التصرف كالمستثمرين بحيث تراهن على "محفظة" متنوعة من الخيارات.

ان الدولة كأي مستثمر آخر لن تنجح على الدوام وفي واقع الأمر فإن الفشل هو الاحتمالية الاكثر ترجيحا لأن الوكالات الحكومية عادة ما تستثمر في المجالات التي يكتنفها اكبر قدر من التشكك والتي يتردد رأس المال الخاص في الدخول بها وهذا يعني انه يتوجب على المؤسسات العامة ان تكون قادرة على ان تخاطر وتتعلم من التجربة والخطأ.

اذا كان الفشل هو جزء لا يمكن تجنبه من لعبة الابتكار واذا كانت الحكومة حيوية بالنسبة للابتكار فإن المجتمع يجب ان يكون اكثر تسامحا مع "الفشل الحكومي" لكن الواقع هو انه لو فشلت الحكومة فستحدث ضجه شعبية ولو نجحت فستقابل بالصمت.

على سبيل المثال فإن افلاس شركة الطاقة الشمسية الامريكية سوليندرا والتي تلقت 500 مليون دولار امريكي كقرض بضمان الحكومة اشعل احتجاجات على اساس حزبي ولكن القلة هم الذين قدروا ان الحكومة هي التي وفرت نفس المبلغ الى شركة تيسلا من اجل مساعدتها في تطوير سيارة تيسلا س وهي منتج يعتبر مثال جيد على الابتكار في وادي السيليكون.

اذن ما الذي يجعل العامة اكثر قبولا للفشل الحكومي؟

ان اصحاب رؤوس الأموال من القطاع الخاص يغطون خسائرهم من الاستثمارات الفاشلة بالأرباح من الاستثمارات الناجحة ولكن نادرا ما يتم تأسيس البرامج الحكومية من اجل جني عوائد كبيرة وبينما يجادل البعض ان العوائد الحكومية تأتي من خلال الضرائب فإن النظام الضريبي الحالي لا يعمل نتيجة للثغرات القانونية فحسب ولكن ايضا بسبب التخفيضات في المعدل فعندما تم تأسيس ناسا كان معدل الضريبة الهامشية اكثر من 90% ولقد انخفضت ضريبة المكاسب الاستثمارية بأكثر من 50% منذ الثمانينات.

من اجل بناء الدعم للاستثمار العام في الابتكار ذو المخاطر العالية ربما يتوجب على دافعي الضرائب ان يتلقوا عائد مباشر اكبر وذلك عن طريق توجيه بعض الارباح الى صندوق للابتكار العام من اجل تمويل الموجة القادمة من التقنيات. عندما تكون الاستثمارات في مرحلة الابحاث الاساسية المبكرة فإن التأثير الممتد للصناعات والقطاعات هو في بعض الاحيان كافيا ليتم اعتباره كمكافأة اجتماعية ولكن هناك حالات اخرى يمكن ان تتطلب خلق حوافز بديلة.

على سبيل المثال بعض الارباح من استثمار الحكومة في تيسلا كان من المفترض استردادها من خلال الاسهم (أو حقوق الملكية) واستخدامها في تغطية الخسائر من استثمارها في سوليندرا. ان سداد القروض العامة على الشركات يمكن ان تكون مشروطا بتحقيق الدخل كما هو الحال في قروض الطلاب كما يمكن فرض سقف على اسعار الادوية والتي يتم تطويرها بشكل عام بتمويل من مؤسسة الصحة الوطنية وذلك حتى لا يقوم دافع الضرائب بالدفع مرتين.

ان هناك شيء واحد واضح وهو ان المقاربة الحالية تعاني من أوجه قصور خطيرة والسبب وراء ذلك الى حد كبير هو ان هذه المقاربة تعمم المخاطر وتخصص المكاسب وهذا لا يضر فرص الابتكار المستقبلي فحسب ولكنه يضر كذلك قدرة الحكومة على التواصل مع العامة فيما يتعلق بدورها. ان الاقرار بالدور الذي تلعبه الدولة –ويجب ان تستمر في لعبه –في تشكيل الابتكار يمكنا من البدء في مناقشة السؤال الاكثر اهمية وهو: ما هي الاستثمارات العامة ذات الرؤية المستقبلية والتي نحتاجها لتحريك النمو الاقتصادي المستقبلي؟

* أستاذة اقتصاديات الابتكار في وحدة الأبحاث العلمية في جامعة ساسكس

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق