q
وجود عقبات قانونية وإدارية عديدة تحول دون الوصول إلى الغاية المتمثلة بقانون صالح لتمثيل الإرادة الشعبية في العراق، لذا سنركز في ورقتنا هذه على أهم العقبات التي تحول دون الوصول إلى تقسيم قائم على أسس موضوعية يفضي بشكل تلقائي إلى نتائج حقيقية تعكس توجهات وإرادة...

للانتخابات في العراق مقدمات من شأنها ان تترك أثراً كبيراً في نجاح العملية الديمقراطية وفي مقدمها الدوائر الانتخابية، فمن الثابت وجود عقبات قانونية وإدارية عديدة تحول دون الوصول إلى الغاية المتمثلة بقانون صالح لتمثيل الإرادة الشعبية في العراق، لذا سنركز في ورقتنا هذه على أهم العقبات التي تحول دون الوصول إلى تقسيم قائم على أسس موضوعية يفضي بشكل تلقائي إلى نتائج حقيقية تعكس توجهات وإرادة الناخب العراقي وتضمن وصول سلس لممثلي الشعب في المجالس المنتخبة.

فالديمقراطية تقوم على الانتخابات وذاك يعني أن الشعب هو الذي يقرر ويحدد شكل النظام الحاكم، ويختار الحكام بملء أرادته، بيد أن آلية ممارسة الشعب لسلطته تكاد تنحصر في الانتخابات والاستفتاءات الشعبية، وكلاهما يتطلب تحديد للدوائر الانتخابية، وكلما كان التقسيم موضوعياً كانت العملية الديمقراطية أكثر تعبيراً عن رغبات الناس السياسية والاقتصادية وغيرها.

فيما يخص (تقسيم الدوائر الانتخابية وفق القانون العراقي) "نجد إن الدستور العراقي النافذ لعام 2005 أخذ بالنظام الديمقراطي، المادة (1) التي بينت بأن "جمهورية العراق دولة واحدة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي"، فالديمقراطية هي وصف وألحق بنظام الحكم، ووسيلتها الأولى التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة النزيهة،بأن تكون كلمة العليا للشعب فلا يعلى فوق صوت الشعب، لذلك المادة (الخامسة) من الدستور تضمن النص على أن "السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية"، لكن ينبغي لنا أن نؤمن بان الانتخابات هي الوسيلة وليست الغاية فالانتخابات هي التي توصلنا إلى ما أراده الدستور، وهو الشريعة العليا في البلد ان يكون للشعب عبر صناديق الاقتراع الخيرة من أمره، فان صلحت الوسيلة وصلنا للغاية بسلام وإن فسدت كان التعثر بلا شك مصيرنا.

وان تقسيم الدوائر الانتخابية، وطريقة توزيع الأصوات محكومة في العراق بقانونين، الأول خاص بمجلس النواب العراقي ويحمل الرقم (45) لسنة ( 2013) والذي عدل ثلاثة تعديلات كلها كانت في العام (2018)، والقانون الآخر هو قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية ويحمل الرقم (12) لسنة (2018)، تطرق القانون الأول إلى مسالة الدائرة الانتخابية في المادة (الأولى)، وعرف الدائرة الانتخابية، "بأنها كل منطقة محددة خصص لها عدد من المقاعد وفقاً لأحكام هذا القانون" ثم مضى في المادة (11) إلى الحديث عن مجلس النواب العراقي وتطرق إلى أنه سيتكون من (329) مقعداً، يتم توزيع (320) مقعداً على المحافظات العراقية وفقاً لحدودها الإدارية ووفقاً للجدول المرفق بالقانون ويتم توزيع (9) مقاعد حصة الكوتا"، ونستطيع القول أن المشرع العراقي تبنى نظام الدوائر المتعددة، وقانون انتخابات مجالس المحافظات أيضا في المادة (23) أشار إلى إن " تكون كل محافظة غير منتظمة في إقليم وفقاً للحدود الإدارية الرسمية دائرة انتخابية في انتخابات مجالس المحافظات".

والسؤال هل ما تقدم يتفق مع المعايير الدولية الحاكمة للانتخابات؟ وعلى رأسها:

1- عدالة العملية الانتخابية.

2- تكافؤ الأصوات الانتخابية.

3- المساواة بين الناخبين.

4- نزاهة للانتخابات.

5- حرية الانتخابات.

ولتتحقق الأهداف أعلاه في القانون الانتخابي فالباب الموصل إليها هو تقسيم الدوائر الانتخابية، فالتكافؤ مثلاً يعني أن يكون الوزن واحد لكل الأصوات ولا يكون هنالك تفوق لمحافظة على أخرى من حيث قلة عدد نفوسها وزيادة عدد مقاعدها عن نظيراتها المحافظات الأخرى، والعدالة تعني فيما تعنيه التمثيل العادل فلا يكون هنالك طيف من المواطنين غير ممثلين في المجلس النيابي، وهذا للأسف ما تؤكده تقارير المراقبين الدوليين بأن هنالك هامش يتراوح بين (10%-20%) في بعض المحافظات العراقية من المواطنين غير الممثلين بشكل حقيقي في المجلس النيابي، وللعلم ان المادة (49) من الدستور حددت مقاعد مجلس النواب بنسبة مقعد لكل (100) ألف نسمه من نفوس الشعب العراقي، وأن النائب سيمثل الشعب العراقي، من هذا نتساءل هل يتفق تقسيم العراق إلى دوائر متعددة مع الفلسفة المتقدمة في تمثيل النائب لكل الشعب وليس لدائرته؟

البرلمان من جهته أعطى لنفسه سلطة التقسيم وجعل من المحافظة دائرة واحدة، بالتالي هو هجر بعض التطبيقات التي كانت عندنا في العراق، منها على سبيل المثال القوانين السابقة التي كانت مطبقة في العراق بما فيها قانون مجلس الأمة رقم (7) لسنة (1967)، وقانون المجلس الوطني الذي صدر في العام (1980) بالرقم (55) أو الذي صدر في العام (1995) بالرقم (26) والتي حددت لجاناً محلية هي تقوم بتقسيم الدوائر، والحقيقة التي أهملها المشرع العراقي هي عدم اتباع طريق واضح ومحدد يتفق مع نظلم الأغلبية أو التمثيل النسبي أو المختلط الذي يحلو للبعض تسميته بالنظام المتطور، كما اختطت بهذا المجال اليابان وألمانيا وبعض الدول الأخرى.

وتقسم المقاعد على المستوى النظري تكون وفق الآتي:

1- في نظام الأغلبية يقسم البلد إلى دوائر صغيرة تتفق مع عدد أعضاء المجلس المنتخب.

2- أما نظام التمثيل النسبي فنقطة الشروع فيه هي جعل البلاد دائرة واحدة أو تبني نظام الدائرة الكبيرة، لتتمكن الأحزاب الصغيرة من الحصول على موطأ قدم في المجلس المنتخب.

3- والأنظمة المختلطة التي تتبنى التقسيم وفق المناطق الإدارية أو الجغرافية أو تأخذ بالتقسيم المتساوي لكل عدد محدد من السكان بغض النظر عن الجغرافيا.

مما تقدم نخرج بتوصيات أهمها:

1- ضرورة تعديل المواد (11) من قانون انتخابات مجلس النواب و(23) من قانون انتخابات مجالس المحافظات في ضوء نظام انتخابي صالح لتمثيل المواطنين وفق الآتي:

‌أ- في انتخابات مجلس النواب ينبغي ان يقسم العراق إلى دوائر انتخابية متعددة ان اتبعنا نظام الأغلبية والتصويت والترشيح الفردي، ونظام الدائرة الواحدة ان تم تبني نظام التمثيل النسبي والتصويت والقوائم الانتخابية المتعددة.

‌ب- في انتخابات مجالس المحافظات الأولى ان يتبع نظام متطور يسمح بالترشح الفردي على مستوى أقضية ونواحي المحافظة.

‌ج- كما إن الرؤية الأخرى للمشرع العراقي ان يتبع الطريق المتطور بجعل العراق مقسم على نظامين أولهما الدائرة الواحدة والترشح بالقوائم الانتخابية لاختيار ما لا يقل عن (40%) من المقاعد، والآخر توزيع ما لا يقل عن (60%) على المحافظات بطريق الدوائر الصغيرة والترشح الفردي وبذلك يكون الناخب يملك بطاقتين أولهما على المستوى المحلي والأخرى على المستوى الوطني أما ناخبي الخارج فيحق لهم التصويت لمرشحي المستوى الوطني فحسب.

2- ان تحال مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية إلى لجان خبراء فرعية مشتركة مكونة من قاضي ينسبه مجلس القضاء الأعلى في كل محافظة وعضو من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وممثل عن منظمات المجتمع المدني من ذوي الخبرة والاختصاص يتحدد بالانتخاب من قبل أعضاء المنظمات المسجلة أصوليا في كل محافظة على حدة.

3- ان يتم التقسيم للدوائر الفرعية على أساس جغرافي بحت، أو على أساس مصلحي بجمع ذوي المصالح المشتركة في دوائر انتخابية وإعداد جداول انتخابية تلائم ذلك فعلى سبيل المثال يتم تجميع المناطق الحضرية مع بعض أو الريفية مع بعض وتقسيمها بشكل عادل ومنصف على أساس عدد السكان وما يوازيها من مقاعد.

4- إن تقسيم الدوائر الانتخابية وفق ما تقدم يحتم على المشرع العراقي ان يعيد النظر بقواعد احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد على الفائزين بإتباع نظام يحقق العدالة في التمثيل والتكافؤ في قوة الصوت الواحد وعدم إهدار أي صوت انتخابي قدر المستطاع.

5- ما تقدم يحتم على المشرع ان يفرض على مرشحي كل دائرة بالانتقال من الحملات الانتخابية العشوائية والتركيز على الصور الخاصة بالمرشحين والتي سببت وتسبب أضراراً للذوق العام والمال العام وإهدار في الأموال والانتقال نحو التنافس الحر النزيه على أساس البرامج الانتخابية.

* الورقة الأولى المقدمة الى مشروع (إصلاح النظام الانتخابي في العراق)

....................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-2019

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه إلى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق