q
ان قطر تواصل تحدي الحصار المفروض عليها من قبل 3 دول خليجية، حيث بدأت الدوحة تعتاد على هذا الواقع الجديد الذي فُرض عليها، وان قطر عمدت إلى فتح طرق جديدة للتجارة، وأصبحت تختار لنفسها تحالفات جديدة؛ قد تؤثر على توازنات الشرق الأوسط للسنوات القادمة.

مع استمرار الأزمة الخليجية بين قطر من جهة ودول المقاطعة من جهة أخرى، سعت الدوحة ومنذ بداية الازمة الى اعتماد خطط واجراءات خاصة لمواجهة الحصار الخليجي، وقطعت السعودية ودولة الإمارات العربية والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية ووسائل النقل مع قطر في الخامس من يونيو حزيران متهمة إياها بدعم الإرهاب، وهو اتهام تنفيه الدوحة. وأحدثت المقاطعة اختلالات في الواردات القطرية، التي كانت كثير منها تأتي عبر حدودها مع السعودية، ودفعت مودعين من الدول الأربع إلى سحب ودائع بمليارات الدولارات من البنوك القطرية.

وتضرر اقتصاد قطر وأسواقها المالية مع هبوط الواردات بنحو 40 % على أساس سنوي في الأسابيع الأولى من المقاطعة. لكن قطر وكما نقلت بعض المصادر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، طورت مسارات جديدة للتجارة وضخت عشرات المليارات من الدولارات من صندوقها السيادي للثروة، الذي يحوز أصولا تقدر بنحو 320 مليار دولار، لحماية بنوكها. هذه الاجراءات والخطط المهمة ربما ستدفع دول المقاطعة الى البحث عن سبل اخرى اكثر تأثير من اجل اجبار قطر على القبول بمطالبها، وهو امر استبعده بعض المراقبين الذين اكدوا ان تلك الدول ربما ستقدم تنازلات كبيرة امام اصرار الدوحة التي ترفض التدخلات والقرارات السعودية.

واكدت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن قطر تواصل تحدي الحصار المفروض عليها من قبل 3 دول خليجية، قائلة إن الدوحة "بدأت تعتاد على هذا الواقع الجديد الذي فُرض عليها". وأوضحت الصحيفة أن قطر عمدت إلى فتح طرق جديدة للتجارة، وأصبحت تختار لنفسها تحالفات جديدة؛ قد تؤثر على توازنات الشرق الأوسط للسنوات القادمة.

وأضافت الصحيفة: "قطر، وردّاً على الحصار المفروض عليها، أقامت العديد من التحالفات التجارية عبر إيران وتركيا، وهما الدولتان اللتان وفرتا بديلاً للمجال الجوي والتجاري السعودي". ونقلت الصحيفة عن نادر قباني، مدير الأبحاث في معهد بروكنجز بالدوحة، قوله: إنه "بالنسبة للسعوديين الذين يحاولون احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، فإن هذا التحول من قبل قطر باتجاه إيران وإن بدا وقتياً لكنه سيتحول إلى مستمر ومستقر بمرور الزمن، وهذا قد يؤثر على الجغرافيا السياسية في المنطقة مستقبلاً".

ميزانية 2018

وفي هذا الشأن قال وزير المالية القطري علي شريف العمادي إن ميزانية قطر لعام 2018 ستركز على تطوير الصناعات المحلية والقطاع الخاص مع محاولة البلد الخليجي تحقيق الاكتفاء الذاتي في مواجهة مقاطعة من دول عربية أخرى. وقال الوزير إن الاقتصاد تفادى أضرارا جسيمة. وأضاف أن قطر عازمة على ألا تترك نفسها عرضة للضرر مجددا مثلما حدث في الأسابيع الأولى من المقاطعة، حين أدى إغلاق الحدود مع السعودية إلى تقليص وارداتها من الأغذية الطازجة وسحبت دول خليجية ودائع بمليارات الدولارات من بنوكها.

وقال العمادي ”الأمر سيستغرق سنوات وسنوات حتى ينساه الناس، ولا أعتقد أنهم سينسون“، واصفا الأشهر الأخيرة بأنها كانت ”اختبار تحمل“ لقطر ماليا وعسكريا واجتماعيا. وقال العمادي إن الحكومة ستستخدم الدعم في تطوير بعض قطاعات الاقتصاد وتعزيز النمو. وأضاف أن الدوحة تدرس أيضا سبل تعزيز تنافسية مناخ الأعمال وجذب رؤوس أموال أجنبية.

ومن بين المجالات التي تركز عليها قطر قطاع الألبان، الذي تستخدم فيه شركة محلية تكنولوجيا متطورة لتربية الماشية في الصحراء. وتوقع العمادي أن تحقق البلاد الاكتفاء الذاتي الكامل في بعض منتجات الألبان بحلول الذكرى السنوية الأولى للمقاطعة. وقال أيضا إن الدوحة تتطلع لتربية الدواجن وإن العمل على المشروع. وأودعت الحكومة والمصرف المركزي مليارات الدولارات في البنوك المحلية لحمايتها من أثر عمليات السحب التي جرت خلال المقاطعة، وأوضح العمادي أن بلاده، وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، مستعدة لإيداع المزيد من المليارات إذا لزم الأمر. وقال الوزير ”إذا رأينا خطرا منهجيا في دولة قطر، ستتدخل الحكومة يقينا. لا شك في ذلك“.

لكن روري فايف كبير الاقتصاديين لدى بنك قطر الوطني، أكبر مصارف البلاد، قال إن اتجاه النزوح الصافي للتدفقات من النظام المصرفي القطري توقف في نوفمبر تشرين الثاني. وتراجعت التدفقات النازحة من البنوك في الوقت الذي استنفد فيه المودعون الخليجيون الأموال التي يمكنهم سحبها من القطاع المصرفي ووجدت فيه البنوك القطرية مصادر جديدة للأموال الأجنبية.

وأثار إنفاق الحكومة من أجل مقاومة المقاطعة تكهنات بأن صندوق الثروة السيادي جهاز قطر للاستثمار، الذي يملك أصولا تقدر قيمتها بحوالي 300 مليار دولار، قد يبيع بعض حيازاته لتدبير سيولة. وسعى العمادي إلى تبديد هذه التكهنات بقوله إن جهاز قطر للاستثمار مفوض باستثمار فائض السيولة القطري في أصول طويلة الأجل وإنه سيظل منخرطا في الأسواق العالمية. وقال الوزير إن الأصول الأجنبية المميزة التي يحوزها جهاز قطر للاستثمار، مثل حصة في فولكسفاجن وناطحة السحاب شارد في لندن ومتجر هاردوز، تحقق عوائد كبيرة.

وقال فايف إن تمويل نمو القطاع العام القطري لن يشكل تحديا في العام المقبل، وإن من المرجح أن تلجأ الحكومة وبعض البنوك إلى سوق السندات الدولية. من جانبه، قال يوسف الجيدة الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال إن الحكومة ستكون قادرة بسهولة على جمع تسعة مليارات دولار عن طريق إصدار سندات دولية في العام القادم، مشيرا إلى أن الصناديق الآسيوية تبدي اهتماما متزايدا بالدين القطري. بحسب رويترز.

من جانب اخر أظهر تقرير من صندوق النقد الدولي أن الأثر الاقتصادي والمالي المباشر على قطر نتيجة للمقاطعة الدبلوماسية المفروضة عليها من بعض الدول العربية الأخرى آخذ في التلاشي. وقال الصندوق في تقرير استند فيه إلى مشاورات رسمية مع قطر إن النظام المصرفي القطري تعافى من نزوح الأموال الذي حدث في بداية القطيعة الدبلوماسية وإن الاقتصاد من المتوقع أن ينمو 2.6 بالمئة هذا العام. وأشار إلى أن العجز المالي من المتوقع أن يكون قد انخفض إلى نحو ستة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2017 مقارنة مع 9.2 بالمئة في 2016.

خطة خمسية

على صعيد متصل أطلقت قطر خطة للتنمية مدتها خمس سنوات تركز على جعل الدولة الخليجية الصغيرة أكثر اعتمادا على نفسها في مواجهة مقاطعة من دول عربية أخرى. وتعهدت استراتيجية التنمية الوطنية الثانية 2018-2022 لترشيد استهلاك الطاقة وتشجيع تطوير الطاقة المتجددة مع زيادة مستويات الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي وصيد الأسماك. وتهدف الخطة، التي جاءت في 333 صفحة وأطلقها رئيس الوزراء الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني، لجعل قطر مكتفية ذاتيا بنسبة 30 بالمئة في طلبها على الماشية و65 بالمئة في الطلب على الأسماك محليا بحلول 2022.

ولم تتضمن الخطة أرقاما للمستوى الحالي من الاكتفاء الذاتي لقطر في هذه المجالات، لكن البلد الذي يقطنه 2.7 مليون نسمة يعتمد بشدة على استيراد الغذاء، حيث أن 6 في المئة فقط من أراضيه صالحة للزراعة بحسب الخطة. وبدأت الجهود الرامية إلى جعل قطر أكثر اعتمادا على الذات في غضون اسابيع من سريان المقاطعة، مع قيام بلدنا، وهي شركة محلية ذات ملكية خاصة تدعمها الحكومة، بجلب 3400 رأس من الأبقار إلى البلاد مستخدمة طائرات شحن من أسطول شركة الخطوط الجوية القطرية المملوكة للدولة. وتخطط بلدنا ليكون لديها قطيع من 14 ألف رأس في حظائر ذات درجات حرارة مناسبة باستخدام المراوح ووسائل أخرى. بحسب رويترز.

ولا توجد علامات تذكر على أي حل في الأفق للنزاع الدبلوماسي، وقال مسؤول إماراتي كبير إن عزلة قطر قد تستمر لأعوام. وفي يناير كانون الثاني، قدمت قطر شكوى إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك مزعوم لطائرة حربية إماراتية لمجالها الجوي، ونفت الإمارات أي انتهاك. وتتعامل أجزاء أخرى من الخطة القطرية مع الأوضاع الاجتماعية، حيث تتضمن تشجيع المواطنين القطريين على ممارسة الرياضة وتحسين صحة الشباب.

حرب اقتصادية

الى جانب ذلك اعتبرت قطر ان مقاطعتها دبلوماسيا من قبل دول خليجية ومصر وفرض عقوبات تجارية عليها، أعمال ترقى الى "حرب اقتصادية"، متعهدة بالسعي للحصول على تعويضات من هذه الدول بعد أشهر على اندلاع الازمة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر للصحافيين في الدوحة "نحن متفقون على انها حرب اقتصادية"، مشددة على ان الامارة الغنية لن تألو جهدا في محاولة تعويض الشركات والاعمال جراء الخسائر التي لحقت بها.

من جانبه قال يوسف الجيدة الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال إن المركز يتوقع زيادة كبيرة في أنشطة الأعمال مع قيام القطريين بتسجيل المزيد من أصولهم داخل البلاد، بينما تسعى شركات متعددة الجنسيات إلى تجاوز المقاطعة الخليجية لتعزز وجودها المحلي. وقال الجيدة إن شركات مملوكة للدولة أو شركات مملوكة في معظمها لمساهمين قطريين، وأفراد أثرياء يعيدون توجيه استثماراتهم إلى مركز قطر للمال.

ويعكس هذا قلقا لدى النخبة في البلاد من أن الاستثمارات المسجلة في الخارج قد يجري تجميدها، وأيضا رغبة شركات دولية في الحفاظ على روابط وثيقة مع قطر. وقال الجيدة إن هذا الإتجاه يشهد انتقالا من دبي في دولة الإمارات المجاورة، والتي كانت مركزا تقليديا للشركات التي تمارس أنشطة في أرجاء منطقة الخليج. وأضاف أن التحول إلى الدوحة هو نتيجة للمقاطعة الدبلوماسية والتجارية من الدول الأربع.

وقال الجيدة ”تمثل الإجراء الفوري في أن... الكثير من الشركات التي كان لديها وحدات لأغراض خاصة أقامتها في مركز دبي المالي العالمي، أعادت توجيه استثماراتها إلى مركز قطر للمال لأنها لا تعلم ما الذي ستؤدي إليه الضبابية في نهاية المطاف وإلى متى سيستمر هذا الغموض“. وتابع قائلا ”هم يفضلون حيازة تلك الأصول الدولية من هنا (قطر) بدلا من مواجهة غموض هناك بالنظر إلى خلفيتهم القطرية أو جنسيتهم... هم خائفون“. وأشار الجيدة أيضا إلى عدد الشركات المسجلة في مركز قطر للمال، الذي قفز بنسبة 45 بالمئة في الربع الثالث من العام مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي.

وقال الجيدة إن بعض تلك الاستثمارات كانت مسجلة في السابق في المنطقة المالية الحرة بدبي، لكنها تحركت إلى قطر بعد بدء المقاطعة في يونيو حزيران. ولم يذكر قيمة الأصول التي تحوزها تلك الشركات. وتابع قائلا “هم لا يعرفون كيف سيعاملون في الدول المجاورة... لذا فإن الكثير من الشركات التي اعتادت تأسيس مشاريع في دول الحصار عادت إلى الوطن“. بحسب رويترز.

ودفعت المقاطعة قطر إلى معانقة الشركات المتعددة الجنسيات والاستثمار الأجنبي. وأجرت الدوحة إصلاحات اقتصادية وفتحت التأشيرات أمام أكثر من 80 جنسية. وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مؤخرا إن حكومته تركز على إتمام مشروعات استراتيجية للتغلب على العقوبات، ومن بينها مشروعات للموانئ والمياه والأمن الغذائي. وقال الجيدة ”لو لم تكن هذه الأزمة، فربما كان هذا سيستغرق عشر سنوات“.

ميناء جديد

من جهة اخرى افتتحت قطر رسميا ميناء حمد الذي تكلف 7.4 مليار دولار على ساحلها على الخليج وقال مسؤولون إن الميناء سيصبح مركزا إقليميا للنقل وسيساهم في حماية اقتصاد البلاد من عقوبات فرضتها دول عربية مجاورة. وميناء حمد، الذي يقع على بعد 40 كيلومترا جنوبي العاصمة الدوحة، هو أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط.

لكن مسؤولين قالوا إن ميناء حمد سيمكن قطر من تفادي العقوبات من خلال استيراد السلع مباشرة من دول مثل الصين وسلطنة عمان، بدلا من مرورها عبر ميناء رئيسي لإعادة التصدير في دبي. وقال وزير المواصلات والاتصالات القطري جاسم بن سيف السليطي في حفل افتتاح الميناء ”إننا أثبتنا بما لا يدع مجالا للشك مدى المرونة والتماسك اللذين نتحلى بهما في مواجهة المحن دون التنازل عن قيمنا وتقاليدنا وطموحاتنا. ويحق لنا اليوم أن نرفع رؤوسنا عالية كوننا ندرك قدر الصعوبات التي اجتزناها وجسامة التحديات التي تخطيناها وانتصرنا عليها بما يشكل زادا ثرينا لنا في المستقبل“. بحسب رويترز.

وأدى إغلاق الحدود السعودية مع قطر ووقف خطوط النقل البحري عبر دولة الإمارات إلى خفض واردات قطر بأكثر من الثلث في يونيو حزيران ويوليو تموز عن مستوياتها في نفس الفترة من العام الماضي. وعززت قطر خطوط النقل البحري إلى الهند وسلطنة عمان وتركيا وباكستان، وأعلنت عن خطط لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنحو 30 بالمئة في محاولة واضحة لتهيئة نفسها لمزيد من الاستقلال الاقتصادي في الأجل الطويل. ويمتد ميناء حمد على مساحة 26 كيلومترا مربعا وستبلغ طاقته 7.5 مليون حاوية سنويا مع منشآت بنيت لاستقبال الماشية والحبوب والمركبات وسفن حرس السواحل بحسب ما قاله السليطي.

اضف تعليق