q
{ }

طالما شكل الفساد المالي والإداري وحتى السياسي محوراً مهما وخطيراً داخل مؤسسات الدولة العراقية، وبالتالي صار لزاما علينا البحث عن آليات فاعلة بغية تطويق القضاء على تلك الظاهرة أو الحد منها، ولأجل ذلك عقد مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات ملتقاه الشهري تحت عنوان (التدابير الوقائية للحد من الفساد السياسي.. التجربة العراقية مثالا)، بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

 وقد أكد مدير الجلسة الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز آدم في بداية حديثه على "أن الفساد هو ضد الإصلاح وبالتالي أن التعريف المنطقي للفساد (هو استغلال السلطة أو استغلال نفوذ السلطة لتحقيق غاية أو غرض أو هدف شخصي)، وعلى هذا الأساس ثمة خلط كبير بين الفساد المالي والإداري من جهة وبين الفساد السياسي من جهة أخرى، فالكثير من الكتاب كانوا ولا زالوا يعرفون الفساد السياسي بنفس تعريف الفساد المالي والإداري، لكن في حقيقة الأمر هناك اختلافاً جوهريا بينهما".

 "فالفساد إذن هو المتاجرة بالسلطة ونعني هنا الفساد المالي والإداري، في حين الفساد السياسي ورغم انه هو نوع من أنواع المتاجرة بالسلطة أيضا، ولكن الغاية منه ليس المنفعة الذاتية فحسب، بل ربما هي اكبر من ذلك بحيث تكون فئوية أو حزبية أو سياسية أو تمثل أجندات خارجية، بالتالي عندما نريد أن نميز الفساد السياسي هو قطعا يمس شريحة معينة وهم السياسيين أو من المنتمين لحزب معين، لذا هم باستطاعتهم تعطيل عمل البرلمان وعدم سن القوانين، لذا هذا يعتبر فسادا سياسيا أو فساد سلطة".

 "لذا نحن أمام مسؤولية إعطاء التدابير اللازمة للحد من الفساد السياسي وهو ذو أسباب مباشرة وغير مباشرة، فبعض أسباب الفساد السياسي هي متعلقة بالأفراد أي أفراد الشعب السياسي، وأول سبب واهم سبب هو الجهل بالحقوق المدنية والسياسية، فغالبية أفراد الشعب العراق يجهلون الحقوق والحريات السياسية المدنية التي كفلها لهم الدستور والمواثيق الدولية، السبب الآخر هو الانتخاب على أساس قبلي أو ديني أو طائفي، بالتالي هذا سوف يفرز اتجاهات سياسية ليست قائمة على أساس البرامج الانتخابية والحقائق القانونية والدستورية، لذلك عندما نريد أن نتغلب على هذا الأمر فلابد أن نتغلب على النوازع الذاتية عند بعض الناخبين، كذلك الأفراد هم سبب في الفساد السياسي لأنهم أهملوا دورهم في ممارسة الرقابة الشعبية والوعي الشعبي، بالتالي التدبير الذي نقترحه هو أن يكون هنالك دور لمؤسسات المجتمع المدني وللأحزاب الوطنية الحقيقية، وذلك من اجل خلق وعي عام شعبي كي نجهز على الفساد السياسي المشتري عندنا في العراق، وهذا هو النوع الذي يتعلق بالأسباب العائدة للأفراد".

 "وهناك أيضا أسباب تتعلق بالسلطات العامة، ويعود السبب الأول إلى سوء البناء الدستوري في البلد، خصوصا وان دستور العراق لعام (2005) صيغت فقراته على عجل ولم تدرس الدراسة الكافية، لذلك تفسير تلك الفقرات كان يثير الكثير من الجدل واللغط، وخير مثال على ذلك الأزمات التي يعيشها الواقع العراقي منذ صياغة ذلك الدستور وآخرها أزمة استفتاء إقليم كردستان، وبالتالي التدبير الوارد هو إعادة النظر بالنصوص الدستورية التي تتعلق بالسلطات وتقاسم الموارد الطبيعية في البلد، وكيف تدار مركزياً وأن يتم اقتسامها اقتساما عادلاً".

 "السبب الآخر هو مبدأ الفصل بين السلطات حيث لم تشترط المادة الدستورية الفصل مع التعاون بين السلطات، بل على العكس من ذلك هي حاولت تقوية مجلس النواب على سبيل المثال على حساب سلطات أخرى، وبالتالي هذا مما أسس إلى فساد سياسي فضيع وعنداك تلقائيا يأتي الفساد المالي والإداري، الشيء الآخر هو عدم القدرة على سن قوانين حقيقية تخدم المصلحة الوطنية".

ولبلورة الرؤية أكثر في فهم حيثيات وتفاصيل هذا الموضوع تم طرح الأسئلة التالية:

السؤال الأول: كيف يمكن تكوين رأي عام قادر على فهم مظاهر الفساد السياسي بتطبيقاته المختلفة ليتمكن الأفراد ومكونات المجتمع المدني عموما من الضغط على السلطات العامة للحد منه والتقليص من آثاره الضارة؟

نظام الحكومة التوافقية

-الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يرى "إن شيوع ظاهرة الفساد يعود إلى نظام الحكومة التوافقية، مما خلق حالة من الصراع بين الأحزاب السياسية المشكلة للسلطة، وبالتالي اوجد نوع من المهادنة على تجاوز الأخطاء ومحاولة تغطية وشرعنة تلك التجاوزات، السبب الآخر لشيوع الفساد السياسي هو الجنسية المزدوجة للكثير من المسؤولين العراقيين، أيضا هناك سبب آخر وهو فهم المواطن الخاطئ للديمقراطية، وبالتالي التعويل يقع على منظمة المجتمع المدني وعلى المراكز البحثية والمؤسسة الثقافية وعلى الحوزات العلمية من اجل زيادة الوعي الجماهيري".

 الفساد هو مساس بالحقوق والحريات

- الحقوقي احمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات "يعتقد ان الفساد هو كل فعل يؤدي إلى المساس بالحقوق والحريات، واصل هذا الفساد يعود إلى كون الأحزاب القابضة على السلطة تسيء فهم المصلحة، لذا من المهم في هذا المنحى أن نرفع وعي المواطن كأحد التدابير الوقائية لسد ثغرة الفساد السياسي والمالي".

 الفساد السياسي هو تراكم السلطة

- الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "يصف الفساد السياسي على انه تراكم السلطة وتجاوز الحدود الموضوعة في أهداف السلطة وجدوى وجودها، وإن السبب ليس محصور بالنظام البرلماني بل بالفيروسات التي تخترق بنية النظام السياسي، وهي التي تسبب بهذه المشكلات وهذا الفساد، فأولا المركزية وهي جدا سيئة وتتسبب في طغيان السلطة التنفيذية، أيضا البيروقراطية وهي مرض سرطاني مستعصي موجود منذ سنوات طويلة، يضاف إلى ذلك النظام الانتخابي السيئ".

يكمل معاش "بالإضافة إلى ذلك فالقطاع العام الموجود يسمح في أن تقوم الدولة باستغلال الانتخابات واستغلال قدرتها، للمزيد من الطغيان من خلال خلق الوظائف والتعينات، الشيء الآخر إن الرأي العام أصبح بيد الدولة وهو قاصر، وبالتالي عندما لا تحل تلك الإشكالات سوف نذهب نحو الهاوية".

التعويل على الضاغط الخارجي

- الإعلامي علي صالح الطالقاني مدير مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام ورئيس تحرير صحيفة المختار "يرى إن احد مصاديق الفساد هو الاستعانة بالضاغط الخارجي، وبالتالي شكلت تلك الأحزاب عبء على الواقع العراقي، لذا من التدابير المهمة هو قيام بعض المنظمات برصد القوانين والنصوص والدستورية ومناقشتها وخلق رؤى صحيحة وناضجة، بالإضافة إلى تشكيل تيارات سياسية موازية وتعديل بعض فقرات الدستور".

 التغيير السياسي لم يأتي من الداخل

-الأستاذ جواد العطار برلماني سابق "يرى ان سبب هذا الفساد كون التغيير السياسي لم يأتي على يد الشعب العراقي، أضف إلى ذلك العملية السياسية جاءت على أساس التوافق، وكل هذا الأمور أسست للفساد المشتري وهو ينخر بجسد الدولة العراقية من الرأس إلى أخمص القدم، بالتالي التدابير المطلوبة هي تفعيل الوعي الجماهيري لممارسة الديمقراطية، وأيضا ضرورة الاستعانة بالمنابر على مستوى منظمات المجتمع المدني والحوزات، من اجل تفعيل الحراك الشعبي على المستوى العملي".

التدابير الوقائية ترتبط بالإدراك الحقيقي

- الدكتور حسين أحمد رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية "يعتقد أن التدابير الوقائية ترتبط بالإدراك الحقيقي للأسباب المؤدية للفساد، خاصة ونحن أمام غياب حقيقي لمشروع الدولة والمشروع السياسي، وبالتالي إن التدبير الوقائي الأول هو التنشئة السياسية الصحيحة".

الشعب العراقي لا يمتلك الوعي الكافي

- الباحث حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث "يرى أن الشعب العراق لا يمتلك الوعي الكافي حين صوت على المواد الدستورية الواردة في الدستور، أيضا إن مراحل تكوين الرأي العام تمر بمراحل عدة وهي ذات انساق اقتصادية وفكرية واجتماعية".

الوعي الاجتماعي هو الذي ينتج طبقة سياسية مسؤولة

- حامد عبد الحسين الباحث في مركز الفرات، "يجد إن العراق يحتل المراتب المتأخرة في إحصائيات الفساد العالمي، الشيء الآخر إن الوعي الاجتماعي هو الذي ينتج طبقة سياسية مسؤولة وواعية، وهذا بطبيعة الحال يجعلنا أمام خيار واحد وهو كيفية رفع الوعي الجماهيري والشعبي إلى مستويات متقدمة، خصوصا وأن ملامح تلك الخطوة تتركز على انساق ثلاث وهم رجل الدين والمثقف وشيخ العشيرة، الشيء الآخر لابد التركيز على الجانب الإعلام وحمايته في كشف المفسدين".

 الرأي العام يتشكل من جزئين

- مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية عدنان الصالحي، "يجد ان الرأي العام يتشكل من جزئين النخب والقاعدة العامة الشعبية، والغريب في الأمر إن كلا الجزئين لهما مشاكل، فالنخب الثقافية -على سبيل المثال- أما أفسدت وإما أن تكون خاضعة للتهديد، أما بالنسبة للمحور الثاني وهي القاعدة الشعبية فهي كثيرا ما تعتزم بالصنمية وبالتالي عقلية الشعب العراقي ترتبط بأشخاص، لذا نحتاج إلى التخلص من الصنمية وكذلك نحتاج إلى تحرير النخب الثقافية من سطوة الدولة".

السؤال الثاني: بما ان الأسباب المؤدية إلى استشراء الفساد السياسي لا زالت قائمة في العراق فما هي التدابير التي تقترحها للحد من هذه الظاهرة وآثارها الخطيرة؟

- الدكتور قحطان حسين "يركز على السلطة القضائية وضرورة تحررها من كل القيود التي تفرضها السلطة التنفيذية أو التشريعية عليها، وبالتالي هي تستطيع من خلال ذلك تفعيل أدوات القانون ومحاسبة مكامن الخلل والانحراف".

- احمد جويد "يدعو إلى تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات وإعطاء دور كبير للسلطة القضائية، واحترام قرارات هذه السلطة والأحكام الصادرة منها وتنفيذها، أيضا المضي بالإصلاحات وملاحقة بالفاسدين مهما كانت عناوينهم، بالتالي هذه الإجراءات ستنعكس بشكل ايجابي على السلوك الوطني للمواطن العراقي، وبالرغم من ذلك فنحن لا نستطيع القضاء على الفساد نهائيا بل يمكن الحد منه".

-الشيخ مرتضى معاش "يعتقد بان التدابير اللازمة هي الدعوة إلى انتخابات المجالس المحلية وضرورة تفتيت الدوائر الكبيرة، أيضا يوصي باستقلالية المؤسسات غير الحكومية وفصلها عن التأثيرات الحكومية حتى يكون لها دور كبير في عملية المراقبة، وأيضا تعزيز السلطة القضائية وعدم الإفلات من العقاب، أضف إلى ذلك ضرورة أن يدرك المواطن فكرة المراقبة والمحاسبة، وبالتالي هذه التدابير يمكن أن تحد من الطغيان السياسي".

- علي الطالقاني "يشكل على مراكز الرصد والتحليل بأنها لم ترصد القوانين والتشريعات ومن يقف خلفها، وبالتالي تقديم ملخصات عن هذه القوانين ومخاطرها إلى المرجعيات وإلى منظمات المجتمع المدني، أيضا ضرورة انفتاح منظمات المجتمع المدني بعضها على البعض الآخر من اجل إنضاج رؤية واضحة عن الانتهاكات التي تحصل".

- الحاج جواد العطار "يدعو إلى ضرورة تغيير الشخصيات الفاسدة وذلك يتم عن طريق صناديق الانتخابات، شرط أن يكون قانون الانتخابات عادل وان تكون مفوضية الانتخابات نزيهة".

- الدكتور حسين احمد "يدعو إلى مراجعة الدستور وأيضا بناء مشروع الدولة وكذلك الحال بالنسبة للانتخابات، وكل تلك التدابير مجتمعة ربما ستمكن الواقعي السياسي من تجاوز تلك الإخفاقات بشكل أو بآخر".

- حامد الجبوري "يراهن على تجفيف منابع الفساد وذلك من خلال تعضيد الاقتصاد تحويله من ريعي إلى إنتاجي، أيضا تفعيل الجانب القانوني والقضائي ومحاسبة كل الشرائح الفاسدة من دون أي استثناء، والشيء الآخر حماية الشهود وإعطائهم مكافأة مالية من اجل حثهم محاربة الفساد".

- عدنان الصالحي "يرى أن الأسباب المؤدية إلى استشراء أس الفساد هو محاولة كل حزب الاستئثار بالسلطة، وبالتالي لابد من إيجاد حركة قضائية لمحاسبة أي مسؤول تجاوز على المال".

والجدير بالذكر ان، مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، ونشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، ورصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

للتواصل مع المركز

هـ/7712421188+964

http://ademrights.org

[email protected]

اضف تعليق