q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

الانحياز اللاّواعي

موضوع الجلسة الفكرية لنجل سماحة المرجع الشيرازي

إقيمت الجلسة الفكرية السابعة لنجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام والمسلمين السيد حسين الشيرازي، في مكتب المرجعية بمدينة قم المقدّسة، يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الأولى 1438للهجرة (2/2/2017م).

حضر هذه الجلسة العلماء، والفضلاء، وأعضاء مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بمدينة قم المقدّسة، وعدد من الوكلاء، والضيوف من العراق وسوريا، وطلبة العلوم الدينية، وناشطين في المجالات الدينية والثقافية والإعلامية.

تناول نجل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في هذه الجلسة، موضوع: الانحياز اللاوعي.

إليكم رؤوس نقاط الكلمة، بشكل موجز:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعترته الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

ـ أهم المُرديات في الحياة وأبرز الخسائر التي تطال الإنسان لا محالة ولا تكاد تنفكّ عنه أبداً هي: «الانحيازات اللاواعية اللاإرادية»(موافق/ضد).

ـ عمدة هذه الانحيازات الكبرى المُردية خمسة عناوين:

1) الانحياز نحو الإنسان المألوف (الأقران الضعفاء)؛

2) الانحياز نحو العمل المقدور؛

3) الانحياز نحو المفاهيم المأنوسة (التوليف والتركيب)؛

4) الانحياز نحو النتائج والآثار السريعة (رصاصة الرحمة للصبر)؛

5) الانحياز للظروف والبيئة.

ـ قبل البدء في بيان تفصيل هذه العناوين الخمسة وشرحها وبسطها، نقدّم مقدّمة وجيزة عن رجل اسمه (ايسوب) قال تعالى: «ولقد آتينا لقمان الحكمة».

ـ يذكر أنّ في عهد يونان القديمة (ستمائة عام قبل ميلاد المسيح عليه السلام) كان رجل حكيم وفيلسوف كبير اسمه: «ايسوب» ولد في سنة (564 قبل الميلاد) وتوفي في سنة (620 قبل الميلاد) واشتهر بكتابة حكايات في غاية الروعة وهي في الواقع حكم ودروس فائقة الأهمية تمثل واقعنا المرير الذي لا يكاد ينفكّ عنه الإنسان لكن تلك الحكايات تم صياغتها على واقع حياة الحيوانات على غرار كتاب «كليلة ودمنة» لمؤلّفه الحكيم الهندي «بيدبا» الشهير الذي جاء بعده بنحو وألف عام (في القرن الرابع الميلادي).

يعتقد أنّ «ايسوب» هو ذاته «لقمان الحكيم» فكلمة «ايسوب» تعني في اليونانية معنى «الحبشي» مأخوذة من (لقمان الحبشي)، ومن جملة الشواهد على ذلك انّ كتاب «المثنوي» لجلال الدين البلخي أورد جملة من حكايات لقمان تطابق بالضبط حكايات ايسوب.

ـ أما الانحياز الأول: الانحياز نحو الناس المتوافقة طبيعتهم والمتّسقة والمتجانسة مع طبيعتنا (إنّ الطيور على أشكالها تقع). فالتجانس في النفوس يؤدّي إلى الاستيناس النفسي، وهو بدوره يؤدّي إلى الألفة، فالأخرس ينجذب ويستأنس بالأخرس لأنه يفهمه تماماً.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها اختلف» وقال تعالى: «قل كلّ يعمل على شاكلته فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً».

لا تكاد تحصل اُلفة واستيناس لدى الإنسان إلاّ مع أقران ضعفاء ومتواضعين فلا تحصل عنده مضايقة حيال تفوّقهم لأن هؤلاء ينعدم عندهم التفوّق.

يجب على الإنسان الاقتران بالعناصر الصعبة القلقة المشاكسة.

ـ أما الانحياز الثاني: الانحياز نحو العمل المقدور وضدّ العمل المعسور.

حكاية «ايسوب» بعنوان «الثعلب والعنب»: بينما كان الثعلب يمشي في بستان في يوم حارّ جدّاً رأى عنقوداً من العنب الناضج الخشن على غصن، كان هذا العنب الشيء الوحيد الذي يروّى عطشه، لذا رجع إلى الخلف وقفز ليناله لكنه خانه الحظ فحاول ثانية وثالثة و... لكنه لم يستطع أن يصل إليه، في النهاية كفّ عن المحاولة وسار بعيداً وتمتم قائلاً: «أنا متأكّد أنه رديء» ثم نظر الثعلب إلى «التوت» الساقط والمتناثر على الأرض، وبالرغم من فساده وتحوّله إلى عفن إلاّ أنه اعتبره أكثر لذةً وبادر إلى تناوله».

الثعلب أعاد تقييم أفكاره وانطباعه طبقاً لوصف القدرة التافهة وينتج الميل الشديد لأمور تافهة جدّاً واعتبارها اُموراً فائقة الأهمية وإعطاء حجم هائل للقضايا العادية مع الاستهانة المطلقة بالقضايا الحيوية جدّاً وتشويه ما لا نقدر عليه.

ـ الانحياز الثالث: الانحياز نحو المفاهيم المأنوسة والمتوافقة مع المنظورات الفكرية الراسخة والانحياز ضدّ الأفكار الراقية التي يصعب إدراكها وفهمها.

لا يكاد يدرك الإنسان شيئاً إلاّ إذا رآه في سياق، بل إنّ الإنسان لا تُعرض عليه معلومة إلاّ ويحاول أن يعثر لها موطئاً بين منظوراته الفكرية وهذا أهم عوامل غرق الإنسان في الجهل والضلالة حيث لا يقدر على ضبط الفكر عن التوليف والتركيب، فإذا سمع كلمات مثلاً (دُبّ، قبّعة، سيجارة) فإنّه لا محالة يؤلف ويركب هذه الثلاثة في ذهنه فيتصوّر القبّعة على رأس الدُّب والسيجارة في فمه.

الإنسان لا يقدر أن يقف على عتبة الادراك بل هو دائماً وبشكل لا إرادي يُعيد تكوين وتركيب وتوليف المعطيات الحسيّة التي يوفّرها العالم الخارجي.

خلاقية الإنسان البارعة الرهيبة تكمن في إعادة التكوين وفي التوليف لكن الإخفاق يأتي من الأسس الفكرية.

ـ الانحياز الرابع: الانحياز نحو النتائج والآثار العاجلة السريعة وضدّ النتائج المتأنّية (شنق الصبر). قال تعالى: «خلق الإنسان من عجل» وقال تعالى: «وكان الإنسان عجولاً» ومن أعجب الأمور انّ الله تعالى يشتكى من النبيّ آدم عليه السلام في موضوع الصبر، قال تعالى: «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً» العزم في كلمات القرآن عين الصبر، شجرة الخيزران الصينيّة خلال أربع سنوات من زراعتها والاهتمام البالغ بها وسقيها ورعايتها لا يحصل فيها نمو أبداً فلا يُرى شيئاً منها فوق الأرض إلاّ بحجم إصبع اليد لكن في السنة الخامسة تبدأ هذه الشجرة بالنمو السريع وبشكل هائل تبلغ ارتفاعها خلال فترة وجيزة ما يقرب العشرين متراً (أطول شجرة على وجه الأرض).

ـ الانحياز الخامس: الانحياز للظروف التي تفرض نفسها وتقحم الإنسان.

نحن لا نحاول التحرّر من ربقة التأثيرات البيئية التي تحيط بنا بل نستسلم لها مع انه يجب علينا امتلاك طبيعة العصيان والقهر ضدّ الظروف القاسية المحيطة بنا وضدّ التاريخ البائس لنا والعائلة الفاشلة والنداءات الداخلية السلبية التي تعودنا عليها.

في نهج البلاغة (هذه الخطبة أعظم كلمات أمير المؤمنين عليه السلام بنظر ابن أبي الحديد) قال عليه السلام: يتعلّل بالسرور في ساعة حُزنه ويفزع إلى السلوة ان مصيبة نزلت به ضنّاً بغضارة عيشه وشحاحةً بلهوه ولعبه».

عندما تُحبط إرادتنا في خلق الانجاز والعثور على النجاح فإنّنا نستسلم وننحاز نحو الشهوات والعمل التافة ذو المستوى الضحل طلباً لراحة البال.

ـ العلاج: كيف نتغلّب على الانحياز اللاواعي؟

اهزم نفسك وإقهرها عن طريق اعتماد وإيجاد نحو جديد من الانحياز المعكوس.

اضف تعليق