q
تمثل الضريبة أحد موارد الدولة التي تغذي الموازنة العامة للدولة ومن شأنها أن تسهم في تحقيق أهداف اقتصادية عدة تنعكس إيجابا على الواقع المعاشي للعديد من الفئات المجتمعية شريطة أن تستثمر بالشكل الأمثل وفق سياسة ضريبية محكمة، كما أنها قد تسهم بشكل سلبي في تحقيق ما تقدم...

تمثل الضريبة أحد موارد الدولة التي تغذي الموازنة العامة للدولة ومن شأنها أن تسهم في تحقيق أهداف اقتصادية عدة تنعكس إيجابا على الواقع المعاشي للعديد من الفئات المجتمعية شريطة أن تستثمر بالشكل الأمثل وفق سياسة ضريبية محكمة، كما أنها قد تسهم بشكل سلبي في تحقيق ما تقدم أن تحولت إلى أداة هدفها الحد من الرفاه الاجتماعي أو أداة لتوجيه السلوك الفردي والجمعي لتحقيق أهداف السلطة الحاكمة، ما يبتعد بنا عن الغاية المتوخاة المتمثلة بتأمين الحق بالعيش الكريم.

والأخير يعد وبحق أحد أهم الحقوق التي كفلها الدستور العراقي النافذ والوثائق الدولية ذات الصلة التي أشارت إلى هذا الحق وكفلته للأفراد في جميع الأوقات، وفي جميع الأماكن والدول بلا أي استثناء، إذ ألزمت السلطات العامة في الدولة على بذل المستطاع من الجهد بغية الوصول إلى ذلك، ويعني العيش الكريم قدرة الإنسان على إشباع حاجاته وتلبية رغباته، وبلوغ ما تقدم يتطلب جهداً تشاركياً بين السلطة العامة والفرد فهنالك العديد من العوامل التي من شأنها أن تحقق ذلك ((كمستوى دخل الفرد، والحالة الاقتصادية في البلد، والمسار التنموي، والمناخ الاقتصادي، والاستقرار الأمني والاجتماعي، ولتحفيز المالي، والتسهيلات الاستثمارية)) وغير ما تقدم كثير.

فالعيش الكريم، إذن واحداً من أهم متطلبات الحياة الفردية والجماعية وواجباً يقع على كاهل الدولة وهدفاً يستحق المضي باتجاهه، فهو مصلحة يستأثر بها المواطن من شأنها أن تحقق له حالة من الاستقرار النفسي والاطمئنان، ولا يكون ما تقدم ما لم تسهم الدولة بذلك من خلال قيامها بواجباتها ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي حيث انتهى الدستور العراقي للعام 2005 في المادة (30) إلى أن من واجبات الدولة في العراق أن تتكفل وبخاصة للمرأة والطفل "الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم" وفيما تقدم إشارة واضحة لواجب الدولة في القيام بكل ما أوتيت من قوة بواجبها تجاه المجتمع عامة والمرأة والطفل خاصة لتحقيق الغاية المبتغاة.

ولما تقدم نلحظ أن الحق في العيش الكريم مفهوم يتمثل في "العيش بلا خوف" فلا خوف من الجوع أو التشرد أو البطالة أو غيرها من الآفات التي تقلق الإنسان وتجعل حياته غير مستقرة بعبارة أخرى ان تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي وبحق يعد مقدمة صالحة لتحقيق الحياة الحرة الكريمة حيث انتهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن الأمن الاقتصادي هو "الحالة التي تمكن الأفراد أو الأسر أو المجتمع من تأمين احتياجاتهم الأساسية وتلبية النفقات الإلزامية بشكل مستدام يلبي متطلبات الكرامة الإنسانية، ويشمل ما تقدم الحاجات الأساسية كالطعام أو الشراب والمسكن واللباس ومستلزمات التعليم اللائق".

بعبارة أخرى هو مجموعة من تدابير الحماية والضمان التي تمكن الإنسان من تلبية احتياجاته الأساسية من مأكل وملبس وعلاج وتعليم وضمان الحد الأدنى من الرفاه الاجتماعي أي أن يملك الفرد الوسائل المادية التي من شأنها أن تعينه على حياة مستقرة، أما الأمن الاجتماعي فينصرف إلى اطمئنان الإنسان على نفسه وأسرته من أي خوف ولأي سبب فيطمأن على ذاته من الخوف والمضايقة لأسباب تكوينية أو مكتسبة الأولى تعني الخصائص الذاتية كالجنس أو اللون أو السلامة الجسدية من العاهات والثانية تتعلق بالمستوى المعاشي والتعليمي والاقتصادي.

ليس ما تقدم فقط فالأمن الاجتماعي يحمل في ثناياه معنى أدبي أو معنوي وليس مادي فحسب يتمثل في الاطمئنان على الحالة الدينية أو الاعتقادية للفرد في الوقت الحاضر والمستقبل، ويرى البعض أن الحالة الأسرية تحتمل ما تقدم كذلك بأن الفرد يطمأن على مستقبل أسرته ولا يشعر بالخوف إزاء ما يواجهون في الحاضر أو المستقبل، ولما كان العمل والسكن ومستوى الدخل وتكوين الأسرة والحالة المعنوية المرابطة بالفكر والعقيدة وغيرها تمثل مسألة نسبية تتوقف على مقومات بالغالب اقتصادية أو اجتماعية، فإن الدولة ليست ببعيدة عن تحقيق الأمن بالمفهوم المتقدم بتبني المشروع المدني حيث سيكون له عظيم الأثر على سرعة الانتقال لحالة العيش الكريم لمواطني الدولة بما يتطلبه من سن قواعد قانونية متكاملة ومرنة من شأنها الاستجابة وتحقيق حالة من التوازن بين المتطلبات العامة للبلد والحالة المعاشية للفرد، فليس من الصواب التضحية بإحداهما بل لترابطهما ينبغي بناء إستراتيجية فعالة قادرة على خلق التوازن بينهما.

والسياسة المالية بأدواتها التقليدية أو الحديثة لا سيما الضريبة ليست ببعيدة عما تقدم بل ستلقي بظلالها على تحقيق الأمن الإنساني عامة والاقتصادي والاجتماعي خاصة وتسهم في تحقيق العيش الكريم الهدف الاستراتيجي للسلطات العامة في البلد فالضريبة عبارة عن مبلغ مالي أو فريضة تستوفيها الدولة من الأفراد بلا مقابل بما لها من سلطة الأمر والنهي والإلزام تقصد من ورائها أهدافاً معينة تستقيها من فلسفتها في الحكم، وبالغالب تذهب الحصيلة الضريبية لتمويل الموازنة العامة وللقيام بمشاريع استثمارية أو تنموية تنعكس على المجتمع ايجابياً، ما يعني أن فلسفة الحكم التي يكرسها القانون الصادر في الدولة والذي يعكس أيدلوجية معينة ويمثل رؤية القابض على السلطة وتوجهاته الاقتصادية والمالية، فسيكون لما تقدم الدور الكبير في تحديد الضريبة وآليات فرضها ومستويات ذلك، ولذا كانت الحكومات المتعاقبة على العراق تحاول أن تستثمر في السياسة الضريبية لتحقق أهداف معينة :

1. مساعدة أفراد الشعب: بتضمين القانون الضريبي الكثير من الإعفاءات والسماحات التي من شأنها أن تأخذ بمظهر الاعتبار الوضع الأسري والاجتماعي لمكلف بدفع الضريبة ولنا فيما ورد بقانون ضريبة الدخل رقم (113) المثال الأبرز في ذلك.

2. الحد من بعض السلوكيات كالضرائب التي تفرض على استيراد السكائر والمواد المسكرة أو السفر عبر المطارات العراقية وهذا ما كرسته المادة (18) من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (23) لسنة 2021

3. تحسين الخدمات العامة والإسهام الجاد برفع مستوى الرفاه الاجتماعي وذلك بتخصيص جزء من الواردات الضريبية للمحافظات لتقديم الخدمات العامة للأفراد حيث ورد بقانون الموازنة العامة الاتحادي رقم (23) لسنة 2021 بالمادة (19) التي قضت بأن تؤل (50%) من واردات المنافذ الحدودية للمحافظات الموجودة فيها هذه المنافذ لتقديم الخدمات والقيام بالمشاريع الاستثمارية.

بيد أن للضرائب أحياناً دور مؤثر بشكل غير إيجابي على الأفراد ومن أمثلة ما تقدم نذكر:

1. ما ورد بالمادة (18) من قانون الموازنة الاتحادية رقم (1) لسنة 2019 بإلزام هيئة الإعلام والاتصالات بالاستمرار بجباية ضريبة المبيعات على شركات الهاتف النقال في العراق والتي تمكنت الشركات المذكورة من خلال رفع أسعار كارتات التعبئة من نقل عبء الضريبة إلى المواطن العراقي وبهذا أثرت سلبا على الفئات الأكثر ضعفاً والتي عانت الأمرين من سوء الخدمة وارتفاع أسعارها بشكل كبير.

2. الضريبة على الخدمات التي تقدمها الفنادق والمطاعم والتي أسس لها قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (36) لسنة 1997 والتي أكد عليها المشرع في قوانين الموازنة المتعاقبة ما تسبب برفع تكاليف تقديم الخدمة واضطرت العديد من الفنادق إلى تقليص عدد العاملين وبالغالب ما تقدم يسهم في الحد من خلق فرص عمل.

3. الضرائب الكمركية والتي تلعب دوراً في الحد من سياسة الإغراق والاستيراد وتدعم ميزان المدفوعات وتحسن المركز التجاري للبلد ولكنها بالوقت عينه قد تلعب دوراً سلبياً حين تسهم في رفع الأسعار لاسيما للسلع الأساسية كالأدوية وضروريات الحياة لاسيما أن علمنا أن الدول تسعى حماية منتجاتها المحلية ولعدم امتلاك العراق لجهاز إنتاجي مرن قادر على الاستجابة للطلب والموازنة بين المواصفات المطلوبة في السلع المنتجة والسعر المعروض ما تسبب بتشوهات تمثلت بمحاولات منع الاستيراد تارة وبرفع الضرائب الكمركية تارة أخرى.

مما تقدم نجد أن الضريبة من الممكن أن تكون أداة للإصلاح وتحقيق المصلحة العامة وأداة من شأنها أن تسهم في حماية وتعزيز الحياة الحرة الكريمة للمواطنين وبالآن ذاته قد تكون أداة تنتهك هذا الحق الأساسي لاسيما أن كانت غاية الدولة من وراء الضريبة تحقيق أهداف اقتصادية بحتة، لذا يمكن لنا أن نقول إن تحقيق الحياة الحرة الكريمة يتطلب العديد من المقومات أهمها:

1- سيادة حكم القانون: فحين يسود حكم القانون يشعر الجميع بالاطمئنان على حياتهم وأموالهم وسائر مصالحهم، كما أن التحول نحو حكم القانون من شأنه أن يسهم في سيادة الفضائل إذ ستكون الفضائل هي المعيار وليس القرابة أو المحسوبية بل سيكون القانون نفسه ترجمة لهذه القيم ويهدف إلى تكريسها كونه سيكون القوة المادية اللازمة التي تقف بوجه كل من تسول له نفسه انتهاك حرمة القيم، فتتحول الضرائب إلى أداة إيجابية هدفها التعويض عن الأضرار بالدرجة الأساس فمن يملك المعمل أو المصنع أو المقاول أو التاجر هو يتسبب أكثر من غيره بإلحاق الضرر بالبنى التحتية والمناخ ومن العدل أن يتحمل جزء من تبعة إصلاح ما تقدم وهو ما أشارت إليه المادة (44) من قانون المحافظات رقم (21) لسنة 2008.

2- التعايش: فمن شأن الضريبة أن تحقق التعايش بإلزام الهيئات العامة لا سيما التنفيذية منها بضرورة حماية وتكريس سبل الحياة المشتركة والوقوف بحزم بوجه كل ما من شأنه أن يعكر الحياة المشتركة أو يحول دون تحقيق الحياة الحرة الكريمة، ويتحقق ذلك بـ(منع نقل عبء الضريبة إلى الفقراء، وتقرير الإعفاءات الضريبية للفئات الأكثر ضعفا، وتوجيه الحصيلة الضريبية نحو المشاريع الاجتماعية والتنموية) ومن المؤمل أن تم ما تقدم أن نصل إلى التعايش وقبول الفكر الآخر والرأي المختلف، كما أن من مقتضيات التعايش ((التسامح ونبذ العنف)) والذي من شأنه الانتقال السريع والسلس إلى مجتمع تسود فيه قيم المدنية وتذوب القيم القائمة على العنف أو التهديد بالعنف والتي تحول لا محالة بين المجتمع وبين الحياة الحرة الكريمة.

3- من شأن الضرائب أن تحقق التكافل الاجتماعي الذي يعني فيما يعنيه إعادة توزيع الدخل بنقل جزء من القوة الشرائية من الفئات الأعلى دخلاً ونقلها إلى الفئات الأقل إما عيناً بتقديم سلع وخدمات للفئات الأكثر ضعفاً أو نقداً.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2022
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق