q
اكتشف العلماء في شرق الصين فيروسًا جديدًا، حيواني المصدر، يمكن أن يسبِّب أعراضًا تنفسيةً لدى البشر. غير أنهم لا ينظرون إلى الفيروس بقلقٍ بالغ؛ بالنظر إلى أنه لا ينتشر بسهولةٍ بين البشر، على ما يبدو، كما أنّه ليس مميتًا، هذا الفيروس، الذي أُطلق عليه لانجيا هينيبا...
بقلم: سمريتي مالاباتي

اكتشف العلماء في شرق الصين فيروسًا جديدًا، حيواني المصدر، يمكن أن يسبِّب أعراضًا تنفسيةً لدى البشر. غير أنهم لا ينظرون إلى الفيروس بقلقٍ بالغ؛ بالنظر إلى أنه لا ينتشر بسهولةٍ بين البشر، على ما يبدو، كما أنّه ليس مميتًا.

هذا الفيروس، الذي أُطلق عليه «لانجيا هينيبا» Langya henipavirus (ويُشار إليه بالاسم المختصر: «لاي في» LayV)، يمكن أن يتسبب في ظهور أعراض تنفُّسية، مثل الحمى والسعال والإجهاد، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بفيروسَين آخرَين من فيروسات «هينيبا»، معروف عنهما أنهما يصيبان البشر، هما الفيروسان «هيندرا» Hendra، و«نيباه» Nipah. يمكن لهذين الفيروسين أيضًا أن عدوى تنفُّسية، قد تكون مميتة. يرجِّح الباحثون أنّ «الزبابات» shrews (وهي ثدييات صغيرة تشبه الفئران) هي مصدر فيروس «لانجيا»، ومنها ربما تكون قد انتقلت إلى البشر، مباشرةً أو عبر عائلٍ حيواني وسيط. وقد جرى توصيف الفيروس في دراسة نُشرت بدورية «ذا نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين» The New England Journal of Medicine في الرابع من أغسطس (X.-A. Zhang et al. N. Engl. J. Med. 387, 470–472; 2022).

يقول الباحثون إنّ فيروس «لانجيا» أصاب 35 شخصًا فقط منذ عام 2018، ولا يبدو أنّ ثمة ارتباطًا بين أيٍّ من الحالات المكتشَفة. وقد علَّق إدوارد هولمز، المتخصص في علم الفيروسات التطوُّري بجامعة سيدني في أستراليا، بقوله: "ليس هناك ما يدعو إلى القلق في هذا الشأن، لكن المراقبة المستمرة أمرٌ شديد الأهمية". وأضاف أنّ إجراء فحوصٍ دوريةٍ للأشخاص والحيوانات بحثًا عن فيروساتٍ ناشئةٍ ممارسة ضرورية للوقوف على مخاطر الأمراض حيوانية المصدر؛ أي تلك التي يمكن أن تنتقل من الحيوانات الأخرى إلى البشر.

ترى إيميلي جورلي، وهي عالمة أوبئة أمراض مُعْديةٍ من جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ميريلاند، أن حالات التفشي الكبيرة للأمراض المُعْدية تنطلق عادةً بعد كثير من البدايات الفاشلة. تقول: "إذا كثّفنا البحث عن تلك الشرارات الأولى، فسوف نكون أكثر استعدادًا لإيقاف الانتشار، أو العثور على دلائل مبكرة".

وهذا ما فعله فريقُ البحث الذي اكتشف فيروس «لانجيا» أثناء مراقبة المرضى في ثلاثة مستشفيات في مقاطعتَي شاندونج وهينان، الواقعتين شرق الصين، بين أبريل 2018 وأغسطس 2021. وكان الباحثون يستقطبون الأشخاص الذين يُصابون بحمَّى للمشاركة في الدراسة.

وقد عيَّن الفريقُ التسلسل الجينومي لفيروس «لانجيا» من مسحةٍ من الحلق مأخوذةٍ من أول مريضةٍ شُخّصَ لديها المرض، وهي امرأةٌ تبلغ من العمر 53 عامًا.

قال المؤلف المشارك لينفا وانج، وهو عالم فيروسات من كلية ديوك الطبية في جامعة سنغافورة الوطنية، إنّ الفيروس سُمي باسم بلدة المريضة، وهي بلدةُ «لانجيا» في شاندونج.

وطوال فترة الدراسة، عثر الباحثون على 35 شخصًا مصابًا بفيروس «لانجيا»، معظمهم مزارعون، تراوحَت أعراضهم بين الالتهاب الرئوي الحاد والسعال. قال معظم المرضى، في استبانةٍ وُزعت عليهم، إنّهم تعرّضوا لحيوانٍ ما في غضون شهرٍ قبل ظهور أعراضهم.

وبتعيين التسلسل الجينومي لفيروس «لانجيا»، تبيَّن أنّ الفيروس يرتبط ارتباطًا وثيقًا بفيروس Mojiang henipavirus، الذي عُزِلَ أولَ مرة من فئران في منجمٍ مهجورٍ في مقاطعة يونان جنوب الصين عام 2012. تنتمي فيروسات «هينيبا» إلى عائلة الفيروسات المُخاطانِيَّة Paramyxoviridae، والتي تشمل «الحصبة» و«النكاف»، والعديد من فيروسات الجهاز التنفسي التي تصيب البشر. وقد سبق اكتشاف العديد من فيروسات «هينيبا» الأخرى في الخفافيش والجرذان والزبابات، في مناطق من أستراليا وكوريا الجنوبية والصين، ولكن لا يُصيب البشر من هذه الفيروسات سوى «هيندرا» و«نيباه»، اللَّذَين يُضاف إليهما الآن فيروس «لانجيا».

لم يجد الباحثون دليلًا قويًا على تفشِّي «لانجيا» بين البشر؛ إذ لم يكن هناك عنقودٌ من الحالات في العائلة نفسها، أو في فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ، أو في أماكن جغرافيةٍ متقاربةٍ. يقول وانج: "من بين 35 حالة، لا توجد أيّ حالتين مرتبطَتَين بعضهما ببعض". تقول جورلي إنّ هذه أخبارٌ سارَّة، لكن الدراسة تتبَّعت، بأثرٍ رجعي، المخالطين لـ15 فردًا فقط من أفراد عائلات 9 مصابين؛ ما جعل من الصعب تحديد الآلية الدقيقة للتعرّض للعدوى. ومع ذلك، تشير الباحثة إلى أنّها لم ترَ أي شيءٍ في البيانات "يثير المخاوف من حدوث جائحة".

فيروس حيواني المنشأ

لتحديد الأصل الحيواني المحتمل للفيروس، فحص الباحثون بضعة أنواع من الحيوانات، تشمل ماعزًا وكلابًا وخنازير وماشية، تعيش في قرى المرضى المصابين بحثًا عن أجسامٍ مضادةٍ لفيروس «لانجيا»، وأخذوا عينات أنسجةٍ وبولٍ من 25 نوعًا من الحيوانات البرّية الصغيرة، للبحث عن وجود الحمض النووي الريبي (RNA) لهذا الفيروس. وجد الفريق أجسامًا مضادةً للفيروس في حفنةٍ من الكلاب والماعز، واكتشفوا الحمض النووي الريبي الفيروسي لهذا الفيروس في 27% من 262 زبابةً أُخِذَتْ منها عينات. تقول جورلي إنّ هذا يشير إلى أنّ الزبابات تُعدُّ مستودعًا للفيروس، الذي ينتشر فيما بينها، "ومنها تنتقل العدوى إلى البشر هنا وهناك بمحض الصدفة".

لكنّ جورلي تقول إنّه ليس من الواضح كيف أُصيب البشر في المقام الأول، وما إنْ كانت العدوى قد من «الزبابات» مباشرةً، أم عبر عائل حيواني وسيط. وترى أنَّ الباحثين لا يزالون بحاجة إلى إجراء الكثير من الأبحاث لمعرفة كيفية انتشار الفيروس في «الزبابات»، وكيفية انتقال العدوى إلى البشر.

يقول هولمز إن هناك حاجةً ملحةً إلى نظام مراقبةٍ عالمي لاكتشاف الفاشيات الفيروسية، وللإبلاغ عن النتائج بسرعة، لتجنُّب مزيد من الجوائح، على غرار جائحة «كوفيد-19». يقول: "هذه الأشكال من انتقال الفيروسات من الحيوانات قائمة طوال الوقت، فيجب على العالم أن يبقى متيقِّظًا".

اضف تعليق