q
قال الصدر إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم بغض النظر من كان البادئ أمس، أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث. أنا أنتقد ثورة التيار الصدري. بئس الثورة هذه بغض النظر...

انسحب أنصار مقتدى الصدر الثلاثاء من المنطقة الخضراء في بغداد بعد أن أمهلهم زعيمهم ستين دقيقة لوقف كل الاحتجاجات، مندّدا باستخدامهم العنف بعد مواجهات بينهم وبين القوى الأمنية وأفراد الحشد الشعبي أسفرت عن مقتل 23 منهم خلال 24 ساعة.

وفور بدء الانسحاب، أعلن الجيش رفع حظر التجوّل الذي أعلنه الاثنين في البلاد الغارقة في أزمة حادة سياسية واقتصادية منذ الانتخابات النيابية التي جرت في 21 تشرين الاول/أكتوبر 2021.

بدأت المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية الاثنين بعد نزول أنصار الصدر الى الشوارع غاضبين، إثر إعلانه اعتزاله السياسة "نهائيا". وتلت ذلك فوضى عارمة تطورت الى اشتباكات.

وقال الصدر في مؤتمر صحافي عقده في النجف "إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم ... بغض النظر من كان البادىء أمس، أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث".

وأضاف "أنا أنتقد ثورة التيار الصدري. ... بئس الثورة هذه... بغض النظر عمن هو البادىء. هذه الثورة ما دام شابها العنف، ليست بثورة".

فور انتهاء ندائه، بدأ أنصاره ينسحبون من المنطقة الخضراء في العاصمة التي تضمّ المؤسسات الرسمية والسفارات وتعتبر محصنة أمنيا. وسكت صوت السلاح.

وقعت المواجهات بين "سرايا السلام" التابعة لمقتدى الصدر من جهة وقوى أمنية وفصائل من الحشد الشعبي موالية لإيران تشكل جزءا من القوات العراقية الرسمية.

وقتل خلال المواجهات في المنطقة الخضراء 23 من أنصار الصدر بالرصاص، وفق مصدر طبي. وجرح 380 آخرون.

وندّد الإطار التنسيقي، القوة الثانية في البرلمان بعد التيار الصدري والذي يضم ممثلين عن فصائل في الحشد الشعبي وأحزاب أخرى بينها ائتلاف "دولة القانون" برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بـ"مهاجمةِ عناوين الدولةِ المختلفة، بما فيها مجلس القضاء والقصر الحكومي ومقر مجلس الوزراء وغيره، وتعطيل ومهاجمة مؤسساتِ الدولةِ"، في إشارة الى اقتحام أنصار الصدر هذه المؤسسات في مناطق مختلفة.

وأكد الوقوف "مع الدولة ومؤسساتها"، ودعا "جميع الفعاليات دينيةً وسياسيةً واجتماعيةً الى التدخلِ والمبادرة من أجل درءِ الفتنة، وتغليب لغة العقلِ والحوار، وتجنيب البلد مزيداً من الفوضى وإراقة الدماء". كما دعا التيارِ الصدري "الى العودةِ الى طاولةِ الحوار والعمل مع اخوانهم من أجل الوصول الى تفاهماتٍ مشتركة".

ودعت الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة الى ضبط النفس.

يشهد العراق أزمة سياسية حادة منذ انتخابات 2021 بعد فشل أقطاب السياسة العراقية في الاتفاق على اسم رئيس جديد للحكومة، كما فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد.

ويلتقي مقتدى الصدر والإطار التنسيقي على أن حل الأزمة يكمن في تنظيم انتخابات جديدة. لكن الصدر يريد حل البرلمان قبل كل شيء، بينما يريد أنصاره تشكيل حكومة أولا.

وتصدّر التيار الصدري نتائج الانتخابات الأخيرة ليشغل 73 مقعدا (من 329 هو مجموع مقاعد البرلمان)، لكن لم تكن لديه غالبية تمكنه من تشكيل حكومة. وبسبب الفشل في الاتفاق على صيغة حكومية، أعلن الصدر في حزيران/يونيو استقالة نوابه من البرلمان.

اعتزال السياسة

ومنذ قرابة الشهر، كان أنصاره يعتصمون قرب البرلمان مطالبين بحلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة من أجل السير بالبلاد على طريق الإصلاحات.

ويدعو الصدر إلى "إصلاح" أوضاع العراق من أعلى هرم السلطة إلى أسفله وإنهاء "الفساد" الذي تعاني منه مؤسسات البلاد.

وغالبا ما يعلن الصدر الذي يتمتع بنفوذ كبير في العراق مواقف مفاجئة يعود ويتراجع عنها أحيانا. وهو لم يتوقف عن التصعيد في الأسابيع الأخيرة؛ فقد خيم أنصاره خارج البرلمان وأغلقوا لفترة وجيزة المنافذ إلى مجلس القضاء الأعلى.

وقال الصدر في بيان مقتضب الاثنين "إنني الآن أعلن الاعتزال النهائي" للعمل السياسي. كما أعلن إغلاق كافة المؤسسات المرتبطة بالتيار الصدري "باستثناء المرقد الشريف (لوالده محمد الصدر المتوفى عام 1999)، والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".

وردا على سؤال طرح عليه خلال المؤتمر الصحافي الثلاثاء عما سيحصل لاحقا، رفض الصدر الرد قائلا إنه "لا يتعاطى السياسة".

وتشوب علاقة الصدر بإيران التي تتمتع بنفوذ كبير في العراق، الضبابية. فهو عاش لفترة طويلة في إيران، لكنه يتمسك في الوقت نفسه بشيء من الاستقلالية على الصعيد الوطني الداخلي.

اشتباكات مميتة

واندلعت اشتباكات ضارية في العاصمة العراقية بغداد أودت بحياة نحو 20 شخصا يوم الاثنين، ومع حلول الليل، دوت أصوات نيران المدافع الرشاشة والانفجارات في المنطقة الخضراء التي تضم مقار حكومية وسفارات أجنبية، في أسوأ قتال تشهده العاصمة العراقية منذ سنوات.

وأعلن الصدر لاحقا الإضراب عن الطعام احتجاجا على استخدام السلاح من قبل جميع الأطراف.

ودفعت المواجهة السياسية بين الصدر وخصومه من الشيعة، المدعومين في الغالب من إيران، العراق إلى جولة أخرى من العنف في الوقت الذي يكافح فيه للتعافي من حرب وعقوبات وحرب أهلية وفساد مستشر على مدى عقود.

ودارت أحدث جولة من أعمال العنف بين أنصار الصدر، الذين يضمون مجموعات مسلحة بأسلحة ثقيلة، في مواجهة فصائل شبه عسكرية متحالفة مع إيران وقوات الأمن.

وقال مسؤولون أمنيون إن بعض الاشتباكات كانت بين مقاتلي سرايا السلام التابعة للصدر وأفراد من قوات الأمن العراقية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، لكن من المحتمل أيضا أن تكون الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران متورطة فيها.

ولم يتسن لرويترز التحقق بشكل مستقل ممن أطلق النار على من ليل الاثنين.

وهاجم الموالون للصدر، الذين يحتلون مبنى البرلمان منذ أسابيع، مقر الحكومة في المنطقة الخضراء الآمنة ببغداد، كان في السابق قصرا لصدام حسين، حيث قفز بعضهم في حوض سباحة ولوحوا بالأعلام.

ثم اندلعت اشتباكات بين شبان موالين للصدر وأنصار الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران، إذ رشق بعضهم بعضا بالحجارة قرب المنطقة الخضراء، قبل الاشتباكات المسلحة ليلا.

وقالت الشرطة وعاملون في القطاع الطبي إن ما لا يقل عن 17 شخصا قتلوا وأصيب العشرات.

وعلى إثر ذلك، حثت سفارة الكويت في العراق مواطنيها على مغادرة البلاد، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الكويتية. وطلبت السفارة من الكويتيين الراغبين في السفر للعراق تأجيل رحلاتهم.

حرب اهلية

يخشى عراقيون كثيرون من أن تؤدي تحركات كل معسكر شيعي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة.

وقال كاظم هيثم أحد أنصار الصدر "جاء الموالون (لإيران) وأحرقوا خيام الصدريين وهاجموا المتظاهرين".

وأنحت الجماعات الموالية لإيران باللوم على الصدريين في الاشتباكات ونفت إطلاق النار على أحد. وقال عضو في فصيل مسلح طلب عدم الكشف عن هويته "هذا غير صحيح. لو كان لدى أفرادنا سلاح فلماذا يحتاجون لرمي الحجارة؟".

وقال مصطفى الكاظمي، حليف الصدر والذي يقود حكومة لتصريف الأعمال، إنه وجه بتعليق جلسات مجلس الوزراء حتى إشعار آخر بعد "دخول متظاهرين إلى القصر الحكومي" يوم الاثنين. وناشد الصدر علانية التدخل لوقف العنف.

ويواجه العراق صعوبات في التعافي منذ دحر تنظيم الدولة الإسلامية في 2017، ويعود السبب في ذلك إلى الصراع بين الأحزاب السياسية على السلطة والثروة النفطية الهائلة التي يمتلكها العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

صواريخ في المنطقة الخضراء

وقال الجيش العراقي إن مسلحين أطلقوا عدة صواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد يوم الثلاثاء، فيما استمرت اشتباكات متفرقة لليوم الثاني بين فصائل شيعية متنافسة.

وخلت الشوارع إلى حد كبير من المارة بينما جاب الشوارع مسلحون على متن شاحنات وهم يحملون أسلحة آلية ويلوحون بقاذفات قنابل. وخلال الليل استمر اطلاق النار والصواريخ في أنحاء العاصمة العراقية.

ويعارض الصدر كافة أشكال التدخل الأجنبي في بلاده سواء من الولايات المتحدة والغرب أو من إيران. ويقود فصيل مسلح قوامه آلاف، فضلا عن ملايين الأنصار في أنحاء العراق. ويسيطر منافسوه، وهم متحالفون مع إيران، على عشرات من الفصائل شديدة التسليح دربتها القوات الإيرانية.

وبعد ليلة هادئة نسبيا، تجددت صباح الثلاثاء المواجهات العنيفة بين أنصار رجل الدين الشيعي النافذ من جهة والجيش وعناصر من الحشد الشعبي الموالي لإيران من جهة أخرى رغم فرض حظر التجول في كل أرجاء البلاد فيما دعت الأسرة الدولية الأطراف السياسيين العراقيين إلى ضبط النفس والحوار.

ويسمع إطلاق نار من أسلحة آلية وقاذفات صاروخية في أرجاء العاصمة مصدرها المنطقة الخضراء على ما أفاد مراسلو وكالة فرانس برس.

وانصار الإطار التنسيقي وهو تحالف يضم فصائل شيعية موالية لإيران.

دعوات إلى الحوار

وقال مصدر امني أن "سرايا السلام" التابعة لمقتدى الصدر استهدفت المنطقة الخضراء من الخارج فيما كانت وحدات الجيش الخاصة ووحدة من الحشد الشعبي داخلها.

وانتقلت الاضطرابات إلى مناطق أخرى، ففي محافظة ذي قار في جنوب العراق، سيطر أنصار الصدر على كامل مبنى ديوان المحافظة الواقع في مدينة الناصرية.

وفي محافظة بابل جنوب بغداد، أكد شهود لفرانس برس أن متظاهرين من أنصار التيار الصدري سيطروا على مبنى المحافظة في مدينة الحلة. وقطع آخرون الطرق الرئيسية آلتي تربط مدينة الحلة، مركز المحافظة، بالعاصمة بغداد وباقي المحافظات الجنوبية.

ومساء الاثنين، ندّد الاطار التنسيقي ب"الهجوم على مؤسسات الدولة" داعياً انصار الصدر الى "الحوار".

وبعد اجتياح القصر الحكومي، علّق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي اجتماعات مجلس الوزراء "حتى إشعار آخر"، ودعا إلى اجتماع أمني طارئ في مقر القيادة العسكرية.

وللخروج من الأزمة، يتفق مقتدى الصدر والإطار التنسيقي على نقطة واحدة هي الحاجة إلى انتخابات مبكرة جديدة. لكن فيما يصر مقتدى الصدر على حل البرلمان أولاً، يريد خصومه تشكيل الحكومة في البدء.

وقال حمزة حداد، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية (ECFR) إنّ إعلان الصدر "ليس واضحًا تمامًا". وأضاف لفرانس برس "بناء على مواقفه السابقة، يمكننا ان نتوقع منه التراجع (لكن) وهذا أكثر ما يخيف، قد يدعو هذا للاعتقاد بأنه يعطي أتباعه الضوء الأخضر لفعل ما يشاؤون، بقوله إنه لم يعد مسؤولاً عن أفعالهم".

ولم يكن الخلاف بين التيار الصدري والإطار التنسيقي قد تطور إلى مواجهات مسلحة حتى الآن، لكن الحشد الشعبي الممثل ضمن الإطار التنسيقي أعلن استعداد فصائله "للدفاع عن مؤسسات الدولة".

غلق منشآت نفطية

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف العراقية إلى "ضبط النفس" و"اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع".

وقال غوتيريش في بيان إنّه "يتابع بقلق التظاهرات (...) ويدعو إلى الهدوء وضبط النفس، ويحضّ كلّ الجهات الفاعلة ذات الصلة على اتّخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع وتجنّب العنف".

بدورها، دعت بعثة الأمم المتحدة في العراق، ومقرّها داخل المنطقة الخضراء، المتظاهرين إلى مغادرة المنطقة، وحثّت جميع الأطراف على التزام "أقصى درجات ضبط النفس".

ووصفت البعثة الوضع بأنه "تصعيد شديد الخطورة"، محذّرة من أنّ "بقاء الدولة نفسها بات على المحك".

وفي القاهرة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كما نقل عنه المتحدث باسم الرئاسة بسام راضي "اتابع باهتمام الموقف الراهن بالعراق، وأحزنني ما آلت اليه التطورات الحالية في هذا البلد الشقيق".

واكد السيسي "دعم مصر الكامل لأمن واستقرار العراق وسلامة شعبه الشقيق"، داعيا "كافة الاطراف العراقية الى تغليب المصلحة العليا لوطنهم من اجل تجاوز الأزمة السياسية عبر الحوار وبما يحقق الاستقرار والأمن والرخاء للعراقيين".

لكنّ الاضطرابات انتقلت إلى مناطق أخرى، ففي محافظة ذي قار في جنوب العراق، سيطر أنصار الصدر على كامل مبنى ديوان المحافظة الواقع في مدينة الناصرية.

وأفاد مراسل لوكالة فرانس برس وشهود أن أنصار الصدر رفعوا لافتة كبيرة على البوابة الرئيسية للمبنى كتب عليها "مغلق من قبل ثوار عاشوراء". كما اقتحم آخرون مقار حكومية.

وقال عضو مجلس شركة نفط ذي قار ثائر الاسماعيلي لوكالة فرانس برس إن المتظاهرين الصدريين "قاموا بغلق منشآت نفطية في المحافظة ووضعوا لافتات على البوابات كتب عليها: مغلق بأمر ثوار عاشوراء".

وفي محافظة بابل جنوب بغداد، أكد شهود لفرانس برس أن متظاهرين من أنصار التيار الصدري سيطروا على مبنى المحافظة في مدينة الحلة. وقطع آخرون الطرق الرئيسية آلتي تربط مدينة الحلة، مركز المحافظة، بالعاصمة بغداد وباقي المحافظات الجنوبية.

تأزيم الأزمة أو حلّها

والزعيم الشيعي معروف بعمامته السوداء ويحمل لقب "السيّد" الذي يُطلق على المنتمين لسلالة النبي محمد، وهو أحد أبرز رجال الدين ذوي الثقل السياسي ويتمتّع بنفوذ كبير. كما أنه بين أبرز القادة السياسيين القادرين على تأزيم الأزمة أو حلّها بفضل قدرته على تحريك قسم كبير من الوسط الشيعي الذي يشكّل أكبر مكوّنات الشعب العراقي.

من جانبه، قال الخبير الأمني والاستراتيجي فاضل ابو رغيف لوكالة فرانس برس، ردا على سؤال عن هدف التيار الصدري، إن "الهدف هو إرغام الزعامات السياسية التي تمسك سلطة البرلمان والحكومة على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة".

وكان الصدر أمهل السبت جميع الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية منذ سقوط صدام حسين بما في ذلك حزبه "72 ساعة" للتخلي عن المناصب الحكومية التي تشغلها وإفساح المجال للإصلاحات.

والصدر، المولود عام 1974، لم يحكم قط. لكن نفوذه قوي بعد غزو تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة العراق في آذار/مارس 2003، ولا سيّما من خلال تشكيل جيش المهدي للقتال ضد المحتلين.

ولم يتحدّث الصدر عن جيش المهدي أو سرايا السلام، وهي قوة مسلحة أخرى شُكلت عام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل.

وتعد مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة وتقع جنوب بغداد، معقلاً للتيار الصدري فيما ينتشر عشرات الالاف من أنصاره خصوصا في وسط والعراق جنوبه.

إيران تغلق حدودها مع العراق

من جهته قال مسؤول كبير يوم الثلاثاء إن إيران أغلقت حدودها مع العراق وحثت مواطنيها على تجنب السفر إلى هناك وسط تصاعد العنف بعد إعلان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر اعتزال الحياة السياسية.

ويسافر ملايين الإيرانيين إلى مدينة كربلاء العراقية سنويا لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين حفيد النبي محمد. وتوافق ذكرى أربعينية الحسين هذا العام 16 و17 سبتمبر أيلول.

ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن ماجد مير أحمدي مساعد وزير الداخلية قوله "الحدود مع العراق أغلقت لدواع أمنية. من الضروري أن يمتنع الإيرانيون عن السفر إلى العراق حتى إشعار آخر".

وقال التلفزيون الرسمي إن إيران أوقفت جميع رحلات الطيران إلى العراق "حتى إشعار آخر بسبب الاضطرابات الراهنة".

ونقل التلفزيون عن مسؤول طيران كبير "نحاول ترتيب رحلة طيران طارئة لإعادة الإيرانيين الموجودين في المطار حاليا من العراق وبغداد. نأمل في إجلائهم اليوم".

هجمات بالصواريخ على حقل غاز

من جهة أخرى دفعت سلسلة من الهجمات الصاروخية على حقل للغاز في شمال العراق المتعاقدين الأمريكيين الذين يعملون في مشروع توسعة الحقل إلى حزم حقائبهم والرحيل، مما وجه ضربة لآمال المنطقة الكردية في زيادة إيراداتها وتقديم بديل صغير للغاز الروسي.

تم تعليق مشروع توسعة حقل خور مور في نهاية يونيو حزيران بعد ثلاث هجمات صاروخية. والمشروع تديره شركة بيرل بتروليوم التي تمتلك شركة دانة غاز أبوظبي ووحدة نفط الهلال التابعة لها الأغلبية فيها.

وقالت مصادر في الصناعة ومن الحكومة الكردية إن عمالا من شركة إكستران في تكساس عادوا الشهر الماضي لاستئناف العمل لكن صاروخين آخرين أصابا الموقع في 25 يوليو تموز، مما أجبر الشركة على المغادرة مرة أخرى دون تحديد موعد للعودة.

خور مور هو واحد من أكبر حقول الغاز في العراق وتهدف الخطة الرامية لتوسعته إلى مضاعفة الإنتاج في منطقة في أمس الحاجة إلى مزيد من الغاز لتوليد الكهرباء ووضع حد للانقطاع شبه اليومي للتيار الكهربائي.

وقالت المصادر إنه لم تقع أضرار جسيمة جراء الهجمات ولم تتعطل العمليات الحالية لكن مشروع التوسعة الذي يتضمن بناء خط أنابيب جديد في مرحلة لاحقة إلى تركيا تم تعليقه إلى أن تنعم المنطقة بالأمن.

ويهدف المشروع أيضا إلى تصدير الغاز إلى تركيا وأوروبا فور تلبية احتياجات السوق المحلية. ويتم تمويل المشروع جزئيا من خلال اتفاقية بقيمة 250 مليون دولار مع شركة تمويل التنمية الدولية الأمريكية.

وأصبحت إكستران ثالث شركة تعلق أعمالها منذ أن بدأت الهجمات في استهداف الحقل في 21 يونيو حزيران بعد أن أوقفت شركتان تركيتان من الباطن، هما هافاتك وبيلتك، العمل بالفعل.

وامتنعت دانة غاز عن التعقيب. ولم ترد إكستران وهافاتك وبيلتك على طلبات للتعليق.

في العام الماضي، وقعت الحكومة الكردية عقدا مع شركة كار المحلية للطاقة لبناء خط أنابيب من خور مور عبر العاصمة الإقليمية أربيل إلى مدينة دهوك بالقرب من الحدود التركية، وذلك بالتوازي مع خط أنابيب قائم بالفعل.

وقد تكلف التأخيرات حكومة إقليم كردستان المثقلة بالديون غرامة كبيرة وستعطل الخطط الكردية الرامية إلى تصدير الغاز.

وقال المصدر الحكومي إنه إذا لم تكن البنية التحتية جاهزة بحلول مايو أيار 2023، وهو الموعد المحدد للاستلام أو الدفع، فسوف يتعين على الحكومة الكردية دفع 40 مليون دولار لشركة دانة غاز شهريا إلى أن تصبح جاهزة.

وقال علي الصفار مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وكالة الطاقة الدولية "الأكثر من ذلك هو الضرر الذي يلحق بالسمعة لأن التهديدات الأمنية المتزايدة تضيف بعدا آخر من المخاطر التي يمكن أن تؤثر على تكلفة رأس المال والتأمين".

ولم ترد حكومة إقليم كردستان على طلب للتعليق.

وتمتلك دانة غاز الحق في استغلال اثنين من أكبر حقول الغاز في العراق وهما خور مور وجمجمال اللذان ينتجان حوالي 450 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا. وتخطط الشركة لمضاعفة الإنتاج إلى ما يصل إلى مليار قدم مكعب يوميا في السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية.

ومع وجود 16 تريليون قدم مكعب من الاحتياطيات المؤكدة، يمكن أن يرتفع الإنتاج إلى 1.5 مليار قدم مكعب يوميا، مما يتيح كمية كبيرة للصادرات.

وتوفر دانة غاز حوالي 80 بالمئة من المواد الخام للغاز في المنطقة، وفقا لمصدر في الصناعة.

ومع ذلك، فإن خطة المنطقة لتصدير الغاز قد تهدد مكانة إيران كمورد رئيسي للغاز إلى العراق وتركيا في وقت ما زال اقتصادها يعاني من العقوبات الدولية.

وقال مسؤولون إن الحرس الثوري الإيراني أطلق في مارس آذار عشرات الصواريخ الباليستية على أربيل في هجوم بدا أنه يستهدف خطط المنطقة لتزويد تركيا وأوروبا بالغاز.

وفي حين لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجمات الخمس على خور مور منذ يونيو حزيران، قال مسؤولون أكراد ودبلوماسيون ومصادر بالصناعة وخبراء في الطاقة إنهم يعتقدون أن فصائل تدعمها إيران هي المسؤولة عن الهجمات.

ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب للتعليق.

لكن اثنين من الدبلوماسيين المقيمين في العراق قالا إنهما يعتقدان أن التنافس داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب الذي يسيطر على الأرض التي يقع فيها الحقل، أدى إلى انتقام طرف ما لاستبعاده من مشروع التوسعة.

ونفى مسؤول في الاتحاد الوطني الكردستاني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، هذه الرواية للأحداث.

يقع حقل خور مور قرب منطقة عازلة بين الجيش العراقي والقوات الكردية وميليشيات شيعية، وانطلقت منها أولى الهجمات الصاروخية.

وبسبب عدم الاتفاق على السيطرة على الأراضي، فإن ثمة مناطق لا يستطيع الجيش العراقي ولا القوات الكردية دخولها، مما يترك فراغا أمنيا يتيح للميليشيات المسلحة حرية العمل.

لكن الهجومين الأخيرين بصواريخ أكبر حجما انطلقا من مناطق أقرب إلى مدينة كركوك الخاضعة لسيطرة الحكومة الاتحادية.

وقال مسؤول كردي "خور مور يحتوي على الكثير من الإمكانات ويمكنه أن يساعد الأكراد. نتعرض للهجوم من جميع الجهات. المستقبل غير واضح تماما".

وتأتي الانتكاسة التي تعرضت لها الخطط المتعلقة بالغاز في وقت يعاني فيه قطاع النفط، شريان الحياة المالي للمنطقة، من مشاكل أيضا.

وبدأت احتياطيات النفط في النضوب بأكثر من ضعف المتوسط العالمي، وأدى حكم المحكمة الاتحادية العليا في فبراير شباط، الذي اعتبر الأسس القانونية لقطاع النفط والغاز في إقليم كردستان غير دستورية، إلى إجبار بعض شركات النفط الأجنبية على المغادرة.

وقالت مصادر في الصناعة ومن الحكومة إن إكستران أوقفت العمل لأسباب أمنية وليس بسبب الحكم.

ومن شأن أي تأخير إضافي في الاستثمار في القطاع أن يكون له تأثير كبير على حكومة إقليم كردستان، التي تواجه أزمة اقتصادية في منطقة تواجه بالفعل صعوبات نتيجة حالة عدم الاستقرار بالعراق.

وتبلغ ديون حكومة إقليم كردستان حاليا حوالي 38 مليار دولار، وفقا لما أعلنه مسؤول حكومي. وقال النائب كروان غازناي العضو في لجنة النفط والغاز بالمنطقة إن صادرات النفط تمثل 85 بالمئة من ميزانية إقليم كردستان العراق.

وأدى التأخير في دفع رواتب القطاع العام وضعف الخدمات العامة والفساد إلى تأجيج الاحتجاجات، التي اتسمت بالعنف في كثير من الأحيان، على مدى العامين الماضيين ضد الأحزاب السياسية التي تدير المنطقة.

وتعد الصعوبات الاقتصادية المنتشرة بين الشباب الأكراد أحد العوامل الرئيسية وراء أزمة المهاجرين على الحدود بين روسيا البيضاء والاتحاد الأوروبي والتي بدأت في عام 2021.

اضف تعليق