q
ان جريمة مستشفى الحسين في الناصرية في حرق اجساد المصابين بكورونا هو جزء من جرائم متصلة والقادم أفظع لا محال بفعل طبيعة النظام العاجزة عن حماية ارواح المواطنين وقد سبقتها جرائم مختلفة اطالت الحرث والنسل والخدمات بما فيها تدمير الكهرباء، وبالتالي نحن امام اداء نظام سياسي تكون مخرجاته...

للمرة المليون يكشر نظام المحاصصة في العراق عن انيابه في ارتكاب جرائم مختلفة جراء ادائه الخرب الذي يستهدف حياة الناس الابرياء من خلال خراب مؤسساته القائمة على اساس المحاصصة والابتزاز وسرقة المال العام والعبث باستقرار المواطن وصحته وأمنه، بالأمس كانت جريمة حريق مستشفى ابن الخطيب في بغداد واليوم جريمة حريق مستشفى الناصرية الذي اودى بحياة العشرات من الضحايا تجاوزت 170 بين موت وجريح، انها جرائم قتل جماعي ترتكبها منظومة الفساد والطائفية الحاكمة في العراق حيث تداخل الادارة للقطاعات المجتمعية المختلفة مع توجهات المحاصصة في الاستحواذ على كل مرافق الدولة والمجتمع بما يحول الأداء لهذه القطاعات صفريا.

وحال الاختلاف والتناحر حول غنائم الدولة يتحول الصراع الى صراع ابادة وانتقام بمختلف الوسائل اللااخلاقية واللاانسانية ويكون ضحيتها المواطن بما يستهدف الانتقام من صحته ورزقه اليومي وتعطيل خدماته اليومية من صحة وكهرباء وماء وتعليم وغيرها.

جريمة مستشفى الحسين في الناصرية مركز المحافظة ذي قار في العراق انها جريمة نكراء بكل المقاييس بغض النظر عن الاسباب المباشرة وما يقال من انفجار قناني الاوكسجين وغيرها فنظام المحاصصة فاقد لأي آلية لحماية المؤسسات المجتمعية من اي طارئ مفاجئ، لأن بنية النظام غير قادرة على توفير الحد الادنى من الضمانات ضد الكوارث المحتملة هذا على افتراض ان لم تكن الجريمة بدوافع سياسية مباشرة تكمن اسبابها في سر نظام المحاصصة الذي عرض كل البنية التحتية المجتمعية ومؤسساتها لسنة الصراع الطائفي السياسي والاثني القائم على تدمير الدولة ومؤسساتها بهدف احلال الخراب المستديم الذي تقتاد عليه مليشيات اللادولة في صراعها من اجل تدمير العراق وتحويلة الى كانتونات طائفية واثنية مسلحة تعم فيها مزيدا من الفوضى واللاخدمات وتحويل الحياة العامة الى مزيدا من العسكرة العبثية وفوضى السلاح الذي يتنافى مع منطق الدولة التي هي المحتكر الوحيد للسلاح.

كما نسمع فقد تشكلت لجان على مستوى رفيع وتمت اقالة عدد من المسؤولين المباشرين وسوف يجري التحقيق وستعلن نتائجه كما هي الحال في سابقاتها من اللجان دون جدوى باستثناء استقالة وزير الصحة على خلفية حريق مستشفى ابن الخطيب الذي حصل قبل اشهر وبذات الاسباب التي حصل فيها اليوم مستشفى الحسين في الناصرية ثم اختفت لاحقا نتائج التحقيق بالحادث، وهذا يذكرنا بكل اللجان التي شكلت للكشف عن قتلة المتظاهرين ولجان محاربة الفساد وجميعيها لم تكشف ذرة من ما يجري من فساد واستباحة لدم الابرياء.

نظام المحاصصة بفعل تركيبته المافوية السياسية غير قادر على بناء دولة المواطنة والقانون وغير قادر على تشخيص مواقع الخلل في النظام لأنه جزء منه وبالتالي فأن التخادم المشرك بين أطراف المحاصصة يحجب النور عن اي دور للعدالة والقانون ويسهم في تغطية الجرائم المرتكبة من قبل كل الاطراف السياسية المساهمة في ادارة الحكم وفي مقدمتها قوى الاسلام السياسي.

ان هذا النوع من الجرائم المرتكبة وذات الطابع المقصود بسبب بنية النظام المتهالكة والفساد العام المقصود والمخطط له لتخريب مؤسسات الدولة في اطار العبث بمعايير الأداء السليم، وان كانت شرارتها اعمال فردية مقصودة وغير مقصودة، فهي تعكس حجم الهلاك والتردي الداخلي الذي يجسد بوضوح انعكاسات المحاصصة في الأطراف كما في القمة، انه عمل يحمل الكثير من القصدية في نتائجه النهائية لتخريب المجتمع ومؤسساته.

وبالتالي فهي جرائم لا يمكن ان تسقط بالتقادم، أسوة بجرائم الحروب الطائفية والتهجير وتدمير المدن وسلب الممتلكات العامة والخاصة وقتل المحتجزين، وان من يحرض عليها ويرتكبها يجب ان يساق للعدالة، فهي جرائم ضد الانسانية، وقد انتهكت في العراق كل حقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بكل تفاصيلها بلغت حد تهجيره وقتله ومصادرة ممتلكاته.

لقد عرقل نظام المحاصصة منذ نشأته في 2003 جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تقوم على منجزات العلوم الاقتصادية والاجتماعية ومنجزات التقدم التقني والتكنولوجي، وذلك من خلال إسناد المواقع الحساسة والمفصلية في الاقتصاد والدولة إلى رموز تنتمي طائفيا أو عرقيا ولا تنتمي إلى الكفاءات الوطنية أو التكنوقراط ولا تستند إلى انتقاء المواهب والقابليات الخاصة لإدارة الاقتصاد، بل حصرها بأفراد الطائفة أو إلى توافق من هذا النوع بين هذه الطائفة أو تلك، أن هذه السياسة لا تؤسس إلى تنمية شاملة، بل تؤسس إلى "إفساد للتنمية".

وقد عززت هذه السياسات من استفحال الفساد بمختلف مظاهره من سرقات وهدر للمال العام ومحسوبية ومنسوبية وحتى الفساد الاخلاقي بواجهات دينية مزيفة لا صلة لها بالدين الحنيف، والأسوأ من ذلك حصر الامتيازات في دعاة كبار رجال الطائفة أو الحزب أو العرق وترك السواد الأعظم في فقر مدقع، أن أدعاء الطائفية والعرقية لتحقيق العدالة الاجتماعية هو ادعاء باطل، وان الفقر وعدم الاستقرار والقلق على المستقبل يلف الجميع باختلاف دينه ومذهبه وطائفته وعرقه.

ان جريمة مستشفى الحسين في الناصرية في حرق اجساد المصابين بكورونا هو جزء من جرائم متصلة والقادم أفظع لا محال بفعل طبيعة النظام العاجزة عن حماية ارواح المواطنين وقد سبقتها جرائم مختلفة اطالت الحرث والنسل والخدمات بما فيها تدمير الكهرباء، وبالتالي نحن امام اداء نظام سياسي تكون مخرجاته الخراب والتدمير والحرائق ونسف البنية التحتية.

بالتأكيد ان التغير المرتقب نحو الافضل هو خيار صعب وعسير حيث قوى اللادولة وانتشار السلاح والفساد المتمترس الى جانب احزاب مليشياوية ستدخل من جديد الى العملية السياسية وتراهن على جمهور غوغائي لا يفقه غير لغة الانصياع وراء قائد الضرورة وبالتالي فأن صعوبات تغير موازين القوى لصالح القوى المدنية ليست سهلا ابدا وقد تكون الحقبة القادمة اشد قتامة إن لم يحسمها خيار الشعب الواعي صوب التغير لإنقاذ شعبنا ومجتمعنا من براثن التخلف والظلامية.

المجد والخلود لضحايا مستشفى الحسين في الناصرية والصبر لذويهم والخزي والعار لمرتكبي الجرائم بقصد او اهمال، وهذه القضايا كلها في النهاية تحتاج إلى العامل الخامس والأهم، وهو مكافحة آفة الفساد في البلاد؛ إذ لا يمكن لنجاح أي دولة وهي تعاني من الفساد من أبسط الأمور إلى أكثرها تعقيداً، إلا أن يكون قطع رأس الفساد هو العامل الأهم لديها.

وإن لم يتم تبني هذه الإجراءات في العراق، فمن المحتم أن نعلن الحداد فيه وعليه مجددا، فقد أهدر 1400 مليار دولار للفترة ما بعد 2003 وغابت في العراق التنمية الشاملة وتنوع القطاعات الاقتصادية، حتى بات العراق يبيع نفطا ليأكل.

هذه الآراء يضعها كتاب عراقيون وعرب وليست مني فقط لإحساسهم المرهف بحال العراق وتمنياتهم بإصلاح حاله ولكن الأمر مرهون كله بتغير المنظومة السياسية الحاكمة كي تسنح الفرصة للبدء في عمليات التغير الجذري، فأن موازين القوى هو من يسمح بإصلاح المنظومة السياسية الفاسدة اما عدا ذلك فأن العراق يسير الى حيث لا تشتهيه سفن ابنائه!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق