q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

التطور البيولوجي والحروب الصامتة

هل البيولوجية وسيلة للتحدي بين الدول؟

حسب المؤشرات المتاحة ومتوفرة حول الصعود المذهل للصين، فأنها بالتأكيد ستكون هدفاً استراتيجياً لإيقاف او تعثر مسيرتها، التي اعتبرت القوة الاولى اقتصادياً في العالم وهذا تحدٍ كبير للامريكان، لذا يراودنا تساؤلا كبير لماذا استهدفت الصين في هذا الوقت؟ ولماذا تحديدا في منطقة ووهان الاكثر اهمية علمية وعملية في الصين؟...

ان تطور مفهوم البيولوجي واستخدامه ليس مفهوماً جديد، وانما يعود الى القرون السابقة، فقد استخدم بالسابق في الحروب، ومن ابرز تلك الامثلة على استخدامه، الحرب الفرنسية والهندية في القرن الثامن عشر الميلادي، عندما قامت القوات البريطانية تحت إشراف "جيفري أمهيرست" بتقديم الوسائد القطنية التي استخدمها ضحايا الجدري للأمريكان الأصليين في محاولة استخدام وباء الجدري للتسبب في المرض بين قوات العدو، حتى وصلت تلك الحروب إلى التطور خلال القرن العشرين، اثناء احداث الحرب العالمية الأولى، طور الجيش الألماني (الجمرة الخبيثة، والكوليرا، وفطريات القمح) واستخدامها كأسلحة بيولوجية مما تسبب بكوارث كبيرة، استمر تلك الحروب حتى في الحرب العالمية الثانية، قامت القوات اليابانية بأنشاء منشأة سرية لأبحاث الحرب البيولوجية في منشوريا والتي أجرت تجارب بشرية على السجناء، مايقارب أكثر من 3000 ضحية للطاعون والجمرة الخبيثة والزهري وعوامل أخرى في محاولة لتطوير المرض ومراقبته، حتى أُعدم بعض الضحايا ومنهم من توفى بسبب إصاباتهم، كما تم إجراء التشريح لفهم أكبر للآثار على الجسم البشري.

ان جميع تلك الاساليب اطلق عليها "بالحروب البيولوجية" التي لم تتوقف عن استخدامها بعض الدول في فرض سيطرتها، لاسيما في ظل عجز دولي كبير في احتواء والسيطرة عليها، فقد فشلت الجهود الدولية في عام 1925 في مؤتمر جنيف بشأن حظر العوامل الكيميائية وخاصة فيما يتعلق بالعوامل البيولوجية، وعلى خلفية هذه الحروب السابقة وما تسبب من كوارث انسانية، اتجه القطبين الامريكي والاتحاد السوفيتي باجراء بعض التجارب البيولوجية حول انتشار امراض الطاعون والجمرة الخبيثة في سنوات مختلفة امتددت من خمسينات الى تسعينات القرن الماضي تحسباً لاي هجمات قد تتعرض عليها وكيفية التعامل معها . حتى اصبح هذا الامرغاية لتحقيق ما تصبو اليه الدول.

ووفقاً لمجريات الاحداث والمتغيرات الدولية ولاسيما في فرض قوة دولة ما، نلاحظ ان القرن الحادي والعشرين الحافل بكثير من المتغيرات منها بروز قوى جديدة تمتلك مقومات تكنولوجيا كبيرة وعلى كافة الاصعدة، فضلا عن الدول الكبرى التي كانت لها تجارب سابقة بهذا الشأن، بيد انه لم تتوصل الجهود الدولية وضع آلية مراقبة على هذه التكنولوجيا المفرطة وماتشمله، حتى أخذت منحى ليس بالجديد وانما تعود جذوره الى عقود سابقة في استخدام البيولوجية وتطوريها بشكل اكثر قساوة، لتصبح قوة تستخدم في الحروب البيولوجية التي تصنف بانها ابشع انواع الحروب الصامتة، نظراً لاستهدافها كافة الفئات عكس الحروب التقليدية التي تستهدف القوى العسكرية، فقد تميزت الولايات المتحدة الامريكية عن غيرها من الدول الاخرى في استخدام هكذا نوع من الحروب، لاسيما في ابادة الهنود الحمر بالسابق.

ويشار إلى ان الأسلحة البيولوجية ، مثل الأسلحة الكيميائية والأسلحة الإشعاعية والأسلحة النووية ، من فصيلة أسلحة الدمار الشامل، كما وان الأسلحة البيولوجية الفتاكة قادرة على التسبب في وفيات جماعية ، لكنها غير قادرة على التدمير الشامل للبنية التحتية أو المباني أو المعدات، حتى أصبحت الحروب البيولوجية وسيلة في تنفيذ سياسة الدول صوب دولا اخرى، من اجل فرض قوتها على كافة الاصعدة، ونظراً للخطر الجسيم لهذه الاسلحة ، فقد وقعت 180 دولة اتفاقية الأسلحة البيولوجية (BWC) في عام 2013، التي اطلقت للتوقيع منذ عام 1972، وبموجب اتفاقية الأسلحة البيولوجية، يحظر استخدام تلك الأسلحة في الحروب أو تطويرها أو اختبارها أو إنتاجها أو حتى تخزينها ونشرها، ومع ذلك لم تلتزم البعض من الدول، وواصلت السعي وراء قدرات الحرب البيولوجية، سعياً لامتلاك سلاح استراتيجي أقل كلفة، واكبر ضرر، بدلاً من اتباع المسار الأكثر صعوبة والأكثر تكلفة إلى الأسلحة النووية، وبمجمل مايحصل في هذا القضية نشهد اليوم تكرار هذه الحروب الذي يأخذنا وفق تفسير مايحدث الان، لاسيما تعرض الصين الى وباء جديد ومتطور جداً (كورونا) الذي هاجم مقاطعة ووهان الاكثر اهمية عن باقي المدن الصينية والمركز الرئيسي للاقتصاد والمصانع الصينية، فضلا عن انها المركز العلمي والتعليمي وتتوافد اليه الطلبة من جميع انحاء العالم لتلقي المعرفة، الذي شكل هاجساً من الشك بان استهداف هكذا مكان حيوي وتحديدا في الصين التي تشهد تطوراً كبيرا غير مسبوق، وفي كافة المجالات الحيوية، وهذا المؤشر يأخذ بنا الى ان هذا الاستهداف البشع وقع بفعل فاعل.

ان المتخصص بدراسة الصين وتاريخها الحافل في تطوير امكانياتها ولاسيما مجالها الاقتصادي المذهل، الذي ادى باطاحة الاقتصاد الامريكي من العرش الدولي، وتبوء الصين هذا العرش بفارق كبير، قد يكلف الامريكان عشرات السنوات لرجوع الى مكانته السابقة وهذا الاحتمال ضعيف، كون الصين قوة طامحة وكبيرة وفي تطور مستمر غير مسبوق، فقد شكل خطرا كبير على كيان الغرب ولاسيما الولايات المتحدة الامريكية، ووفقاً لمتطلبات المصلحة الخاصة التي تجر بالطرف المتضرر بأستخدام كافة الوسائل الممكنة لايقاف الطرف الاخر، ونظرا لتاريخ الولايات المتحدة باستخدام التقنيات البيولوجية في السابق والتي تميزت به عن باقي الدول، وعلى مدار تاريخ الحروب التي خاضتها، واستخدام الاسلحة البيولوجية في فيتنام والعراق، وحسب المؤشرات المتاحة ومتوفرة حول الصعود المذهل للصين، فانها بالتأكيد ستكون هدفاً استراتيجياً لايقاف او تعثر مسيرتها، التي اعتبرت القوة الاولى اقتصادياً في العالم وهذا تحدٍ كبير للامريكان، لذا يراودنا تساؤلا كبير لماذا استهدفت الصين في هذا الوقت؟ ولماذا تحديدا في منطقة ووهان الاكثر اهمية علمية وعملية في الصين؟ هل الولايات المتحدة الامريكية مسؤولة عن ذلك!.

ان كل ماطرح في هذا المقال تحليل للاستخدامات السابقة للعوامل البيولوجية، ولاسيما في الحروب، وبمرور السنوات تم تطوير تلك الانشطة البيولوجية في غياب دولي غامض، ويفتقر الى وضع اجراءات صارمة بشأن الدول التي تسعى الى امتلاك هكذا انشطة فتاكة تنتهك الحقوق الانسانية بأبشع الاساليب ولاسيما في سلب حق حياة المدنيين العزل، الغير مسؤولين على مايجرى من سياسات الدول التي يعيشون فيها، حتى واذا كانت هذه الدول في تطور مستمر، فأن ذلك ينتج في نهاية المطاف كارثة بشرية وهذا مانشهد الان في الصين.

*ماجستير علاقات دولية باحث متخصص في الشؤون الدولية

.....................................................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق