q

لا نسأل عن اسباب وظروف البعض من الكتاب وهم يزرعون بذور اليأس والاحباط في النفوس، بمقالاتهم وأفكارهم؛ ربما تكون انعكاس لفورة غضب على موقف ما، او توتر في العلاقة مع هذا او ذاك، يبقى الكاتب انساناً، كأي انسان آخر، له مشاعر وحاجات يلبيها، بيد أن الاستفهام الذي يرتسم أمام القارئ والمخاطب الذي يجد في هذا الكتاب الرمز الثقافي الملهم؛ في آثار وتداعيات هذا الطرح السلبي على الحالة النفسية والبنية الفكرية للانسان الفرد، وايضاً الجماعة.

ومثالنا البارز والحيّ في العراق، حيث يعيش الناس جملة أزمات متشابكة ومعقدة فيما بينهم وبين النظام الحاكم، على صعيد الاشخاص (المسؤولين) والقوانين والتجربة السياسية بشكل عام. ومن أخطر الاسقاطات النفسية لخطاب اليأس والاحباط؛ تكريس حالة اللامسؤولية وتوسيع رقعة الفوضوية والشعور بالعبثية، فكل شيء غير قابل للحل، وإن كان؛ فانه ترقيعي وفاشل، ومن ثم لا تطلّع نحو المستقبل، حتى ولو لمسافة قريبة.

البعض من المثقفين، يتصور أنه بخطاب كهذا، يجسد الواقعية ويبتعد عن المثالية ورسم الوعود الكاذبة، فلابد من ان يكون صريحاً مع الناس، ليضمن التمييز بينه وبين السياسي والمسؤول الحكومي، ولكن؛ ربما يغفل هذا البعض أن "لا كل ما يعرف يُقال"، والامر الآخر الاكثر أهمية، ومعروف لدى الاعلاميين، أن وسائل الاعلام التلفزيونية والالكترونية وغيرها، مهما ادعت وعملت، لن تستوعب حجم الحقيقة، نعم؛ هي تتحدث عن حقيقة رسالتها واهدافها ومصالح من يقف خلفها. وقد قالها يوماً نقيب المحررين اللبنانيين ملحم كرم: "علمتني الحقيقة أن أكرهها فما استطعت". ومن الناحية الأدبية – كما هو المشهور- فان الحقيقة والصدق يكون احياناً ضاراً ويأتي بنتائج عكسية، والناس بحاجة الى النقاط البيضاء لتقليل المساحات السوداء في واقعهم، لا أن يكون العكس.

وبينا الكاتب "الصادق في مشاعره" مع القارئ، على هذه الحالة، وإذا يرى الحاكم يرفع لواء الأمل بالتغيير مشفوعاً باجراءات ملموسة تلاصق واقع الناس، مثل حلحلة أزمات خانقة مثل الكهرباء او البطالة او الامن وغيرها. ويجب أن نتذكر دائماً، قدرة المسؤول في الدولة على تنفيذ وعوده في الوقت المناسب لوجود الادوات بخدمته، من أموال وامكانات، يضاف اليها حالة الظمأ الشديد للناس الى التغيير من بعد طول يأس منها، وكلما اشتد يأس الناس، كلما ضمنت الاجراءات الحكومية نجاحاً اكبر.

يكفي ان نستمع الى بعض المحاولات الاخيرة لتكون الصورة واضحة، فقد جاءت محاولات الإصلاح السياسي تحت يافطة "التكنوقراط" لتمثل بارقة أمل جديدة تغيب كل المشاهد السيئة التي ملئت عيون الناس طيلة السنين الماضية، علماً أن حكومة التكنوقراط الموعودة، لن تكون سوى غصن من شجرة النظام السياسي القائم على المحاصصة السياسية والديمقراطية التوافقية، بمعنى أنه حتى هذه الحكومة ستتشكل من وزراء تكنوقراط من جميع المكونات السياسية!.

وما شهدناه من احداث متسارعة وغريبة من نوعها على الساحة السياسية، وتصعيد غير مسبوق في الغضب الجماهيري على مجلس النواب، يعود الى فشل رئيس الوزراء حيدر العبادي في إقناع مجلس النواب بالتصويت على الكابينة الوزارية الجديدة بثوبها "التكنوقراطي".

وبعيداً عن نوايا ومقاصد حكومة العبادي في عملية الاصلاحات ومدى مصداقيتها، ما يهمنا زراعة الامل في النفوس لحصد الوعي واليقظة ومن ثم الثقافة الجماهيرية الصحيحة، وهذه مهمة المثقف الذي يهمه بناء القاعدة الذهنية والارضية النفسية القادرة على اتخاذ القرار الصحيح والاختيار الصائب.

فالذي يحمل لواء الأمل الحقيقي هو المثقف في كتاباته وطروحاته وافكاره، عندما يتسامى على مشاكله و ازماته الخاصة، ويخرج من الامور الجزئية البسيطة في الحياة الى القضايا الكبرى والعميقة في السلوك والثقافة والواقع الاجتماعي، وبذلك يجعل الناس، ليس فقط بعيدين عن حالة اليأس والاحباط، وإنما مؤهلين للتأثير على القرار السياسي بشكل حقيقي وليس كما يحصل اليوم في العراق.

اضف تعليق