أكثر من 2380 للطاغية صدام البائد هي حصيلة
أنصاب وتماثيل ولوحات وجداريات من البرونز والقماش والمرمر والشمع،
متنوعة الأشكال والألوان ومنتشرة في ساحات وميادين وشوارع المدن
والبلدات بالمئات، وتجعل من الرئيس العراقي المنافس الأول لمن كان له
في التاريخ أكبر عدد من الأصنام والأوثان، التي عبدها عرب الجاهلية قبل
الاسلام.
يكتبون ويروون أن أمانة بغداد تضم «مديرية النصب
والجداريات» حيث العاملون فيها يزيدون على 23 موظفا، أهمهم مدير عام
ينسق يوميا مع دوائر الشرطة لحماية التماثيل، التي كان ارتفاع آخرها 14
مترا من البرونز وتم نصبه في أوائل العام الماضي بعد أن وصل من ايطاليا
الى العراق عن طريق ميناء البكر، مكبدا الخزينة العراقية أكثر من 250
ألف دولار مع النقل والتأمين كتكاليف.
ويقولون عن دوائر الشرطة العراقية إنها كانت
تنشط دائما في ملاحقة المعتدين على جداريات وتماثيل صدام، الى درجة أن
أخبار سجلاتها وتحقيقاتها عبرت الحدود، خصوصا عن واحدة تروي قصة شاب من
البصرة قطع قبل عامين أذن أحد تماثيله هناك «فتم قطع أذنيه في الحال
تماما». ويروون عن آخرين بالمئات تم اعتقالهم في مدينة الثورة منذ 6
أشهر، لعثور الشرطة على شعار كتبه مجهول من المدينة على جدارية لصدام
مرفوعة هناك، وفيه قال: «خلنا نشبع شوف منك قبل ما تشد الرحال» وهي
عبارة مأخوذة من أغنية شعبية عراقية متداولة في الملاهي الليلية في
البصرة بشكل خاص. أما الأغرب عن معاقبة العابثين بالتماثيل الرئاسية في
العراق، فخبر عن هجوم شنه «فدائيو صدام» العام الماضي على مناطق يعيش
فيها آل رحمة وآل أبو صالح، والعساكرة من توابع محافظة ذي قار «فقتلوا
منهم وجرحوا العشرات بعد التأكد من أن واحدا منهم مع رفيقيه قام برشق
تمثال للرئيس القائد بطماطم فاسدة» وفق ما ورد عن الهجوم بصحيفة «بابل»
التي تولى رئاسة تحريرها عدي، النجل الأكبر لرئيس العراق.
وللتماثيل والنصب والجداريات الصدامية، التي صنع
منها أحد النحاتين 9 تماثيل دفعة واحدة «هدية» منه للرئيس العراقي في
منتصف العام الماضي، معمل للصب خاص أيضا في ضاحية من بغداد، يعمل فيه
أكثر من 80 موظفا وعاملا، مهمتهم نحتها ومعالجتها، وأشهرها الذي تم
نصبه في منتصف العام الماضي لصدام برونزي بزي عسكري يمتطي صهوة جواد،
وآخر عند مقر وزارة التخطيط التي دمر جزءا من مبناها صاروخ كروز انطلق
من غواصة في البحر الأحمر وشوه التمثال الذي غطي الآن بقماشة سوداء،
وذلك قبل ان تدمر القوات البريطانية والاميركية والمواطنون العراقيون
عددا كبيرا آخر منها مع بدايات انهيار النظام.
يذكرون أيضا أن بغداد مكتظة بتماثيل للرئيس
العراقي لم تنته بعد، وكانت مغطاة تنتظر الانتهاء من نحتها بقماشات
بيضاء (وهو امر لن يحدث الآن)، وبعضها يزيد ارتفاعه على 3 أو 4 طوابق،
ومعظمها شبيه بتمثال له وهو يحمل بندقية يرتفع عند مدخل مؤسسة التصنيع
العسكري التي تم قصفها خلال حرب تحرير الكويت، ثم بالصواريخ الأميركية
خلال الحرب الحالية. أما المنتهي والمنصوب من التماثيل واللوحات
والجداريات، فهو بكثرة الى درجة أن صالون فندق «الرشيد» المعتبر الأفخم
في بغداد يضم 22 منها، في حين تحتوي جامعة بغداد على 7 تماثيل و9 لوحات
وجداريتين 3 أنصبة.
أما عن مناطق الشمال، فكان فيها قبل 11 سنة أكثر
من 14 تمثالا للرئيس العراقي دمرها الأكراد حين سيطروا على المحافظات
بعد حرب تحرير الكويت، ومنها 3 تماثيل كانت في كركوك، ومثلها في
السليمانية، اضافة الى الكثير من النصب والجداريات كانت في الدوائر
الرسمية، ولم يبق منها واحد بعد تدميرها جميعها.
وكان العراقيون ينكتون، وهم قلما يفعلون بأن
المشكلة ليست في سقوط الرئيس صدام حسين، وانما في «لملمة» صوره من كل
زاوية في الطرق.
كان هذا قبل أن ترتفع النصب الهائلة والجداريات
الضخمة ابتداء من 1982، لكن لماذا احتاج صدام حسين كل هذه الصور والنصب
والجداريات؟
يقول لنا كنعان مكية في كتابه «النصب التذكارية»
نقلاً عن حنة ارتدت ان الدعاية الجماهيرية اكتشفت ان جمهورها على
استعداد دائم لتصديق الأسوأ مهما كان منافياً للعقل، وان هذا الجمهور
لا يمانع كثيرا في التعرض للتضليل.
ولعل النموذج الصارخ على هذا التضليل هو قوس
النصر الذي نُصب عام 1989، ووصفه الاعلام الرسمي بأنه «من اضخم الاعمال
الفنية حجماً في العالم».
* نصب الشهيد
* يتألف هذا النصب الذي اقيم عام 1983 من منصة
دائرية قطرها 190 متراً تجثم فوق متحف سفلي، وتحمل قبة من شقتين يبلغ
ارتفاعها 40 متراً. ويجثم هذا الطاقم باكمله وسط بحيرة صناعية واسعة.
ويقول مكية ان هذا النصب كلف الخزينة العراقية ربع مليار دولار. وبنته
شركة ميتسوبيشي وفقاً لمواصفات صارمة وضعتها مؤسسة اوف اروب وشركاه
للاستشارات الهندسية. وتولت تنفيذ مختلف مراحل التصميم التفصيلي
ورسومات التشغيل مجموعة من المهندسين العراقيين.
أما واضع فكرته فهو النحات العراقي المعروف
اسماعيل فتح الترك.
ويذكر مؤلف كتاب «النصب التذكارية»، ان الحرب
العراقية ـ الايرانية كانت في شهورها الاولى عندما اعلن عن مشروع اقامة
النصب رسمياً، رغم ان الكتيب الصادر عن النصب يقول «ان الفكرة الفنية
المتضمنة في نحت هذا النصب مستوحاة من مبادئ تمجيد الشهيد، لقد بدأت
الحرب في سبتمبر (ايلول) 1980، أما بناء النصب في موقع البناء الفعلي،
فبدأ في ابريل (نيسان) 1981، كما يذكر مكية، وفي الفترة نفسها، اقيم
صرح آخر هو نصب الجندي المجهول بكلفة اكبر من كلفة نصب «الشهيد». ويرى
مكية ان هذا النصب، بخلاف النصب الاول، ينطوي على فكرة ساذجة. فالجسم
المائل العملاق، الذي يبدو مثل طبق طائر معلق في الهواء، يصور درعاً
تقليدية تسقط من قبضة المحارب العراقي النموذجي الذي يلفظ انفاسه
الأخيرة. ولكن لا أحد من العراقيين او غيرهم، كما يضيف، قادراً على
رؤية الرمز من هذا المنظور، وصمم هذا الفنان النحات خالد الرحال «قوس
النصر» و«الشهيد» و«الجندي المجهول» هي النصب الثلاثة الكبرى التي اشرف
عليها صدام شخصياً.
وهي تمثل «وحدة متكاملة، لانها كلها تشير الى
الحرب الدامية التي استمرت ثمانية اعوام، والى التجربة الجماعية التي
خلفتها أهوال الحرب وآلامها في الوجدان العراقي. إلا ان كلا منهما يؤدي
تلك المهمة بطريقة مختلفة» .
وبالاضافة لهذه النصب، تنتشر في اغلب المدن
الرئيسية نصب اقل اهمية. ومنها نصب «مسيرة البعث» المقام في ساحة
المتحف ببغداد، وهو من تصميم خالد الرحال ايضا، ويبلغ ارتفاعه 35
متراً، وعرضه 15 متراً. وينقل مكية عن جريدة الثورة وصفها لهذا النصب:
«انه سفينة مرتحلة تحمل داخلها تجارب الأمة وتطلعها الى المستقبل» كما
هناك مجسم خشبي عملاق يمثل صدام حسين وهو يعتلي باب عشتار القديم في
بابل.
أما الجداريات فهي اكثر من ان تحصى، ومن حق
العراقيين ان يعتقدوا ان مهمة «لملمتها» مع بلايين الصور، اشق من مهمة
اسقاط صدام حسين.(اقتباس عن الشرق الاوسط) |