الإمام الشيرازي والقضية الفلسطينية.. دعوة للمقاومة المشروعة والتمسك بالحقوق

 

بقي احتلال الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك محط اهتمام ومتابعة في تفكير الإمام السيد محمد الشيرازي إذ بلسان حاله وكأنه يتساءل: لماذا يقف العالم الغربي الذي يدعي اعتناق المسيحية مكتوف الأيدي، أمام اغتصاب أهم رمز لديهم، بعد كتاب الإنجيل الذي يمثله المسجد الأقصى في مدينة القدس فهل لأن للمسلمين يد المشاركة والشراكة مع إخوانهم المسيحيين في بيت الله المسجد الأقصى باعتباره كان قبلتهم الأولى قبل أن تتحول قبلة المسلمين إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة؟ ولماذا يعجز المسلمون عن استرجاع هذا الحق المغتصب للقدس ومسجدها من الصهاينة المحتلين؟ لعل طرح مثل هذه الأسئلة وغيرها ما تزال تشكل دافعاً له صلة بواقع حال الفروض السياسية الدولية، التي ترى ما لا يراه المسلمون والمسيحيون ذوي المصلحة الدينية المشتركة، في الحفاظ على المسجد الأقصى باعتباره مسجداً إسلامياً مسيحياً، يمثل وجوده أحد أهم رموز روح الإخاء بين المسلمين والمسيحيين المؤمنين معاً بتوحيد كلمة الله عز وعلا في أسمائه الحسنى.

* تقديس المسجد الأقصى.. إيمان وهوية

في الرجوع إلى القوانين الإسلامية شبه المنسية، ما يشير إلى أن فلسطين ومسجدها الأقصى المبارك سيعودان معاً إلى المسلمين عاجلاً أو آجلاً، وليس ذلك بعزيز على الله سبحانه وتعالى وهو المستعان به في كل شيء. وإذا ما تم التفكير ملياً أن موضوع استرجاع الأقصى، مرتبط تماماً باسترجاع أرض فلسطين، فإن دائرة حفظ الكرامة الإسلامية الجريحة الآن على الأرض الفلسطينية المحتلة، من قبل الغزاة الصهاينة، ستحسم إدراك أعم من كون حل القضية المستعصية في فلسطين، هي أزمة عابرة ولا يمكن أن تستمر على ما هي عليه الآن من انتهاك الحقوق والحرمات المقدسة، التي يدفع ثمنها غالياً كل أبناء الشعب الفلسطيني من دموعهم ودمائهم.

وإذ تتمسك الجمهرات الفلسطينية اليوم، بكل ما لديها من مبادئ وقيم أصيلة وصمود التي غرسها الإسلام الحضاري في النفوس أكثر من أي مبدأ آخر للتمسك بالحق المشروع الذي تكفله القوانين والشرائع لأن يعيش الشعب الفلسطيني على أرضه بحرية وسلام.

وبهذا المعنى العام الممزوج بالأمل الإلهي لاستعادة فلسطين ومسجدها الأقصى، كتب الإمام السيد محمد الشيرازي في الصفحة (7) من مقدمة كتابه: (الأقصى المبارك) الصادرة طبعته الأولى سنة 1422هـ - 2001م عن مركز الجواد للتحقيق والنشر بالتعاون مع مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر في بيروت – لبنان: (.... المسجد العظيم الذي أغتصب من المسلمين منذ أقل من ربع قرن بعد أن اغتصبت منهم فلسطين الإسلامية منذ نصف قرن.. سيرجعان إلى المسلمين إن شاء الله تعالى، بعد أن يقطع المسلمون توليهم لهما وبعد أن يرجعوا إلى القوانين الإسلامية).

* فلسطين التي سيحررها أهلها

رغم كل احكامات البرنامج الصهيوني لاحتلال فلسطين، الذي بدأ تنفيذ أول بنوده منذ أوائل القرن العشرين، إذ بدأت آنذاك تتزايد هجرات صهاينة الأرض لتدنيس ربوع فلسطين الإسلامية – المسيحية، وبدعم غربي مشهود حيث تعهدت حكومة بريطانيا بتاريخ (2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917م) بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين حيث ترجمته وثيقة (آرثر بلفور) وزير الخارجية البريطاني آنذاك ضمن رسالة وجهها إلى (اللورد روتشيلد) طالباً منه توزيع نص وثيقة رسالته، على تجمع العصبة الصهيونية التي سميت فيما بعد بـ (وعد بلفور) إلا أن القضية الفلسطينية مع كل تعقيداتها، بدأت تتفاعل بين المجتمعات العربية والإسلامية، وبصورة لا تدع مجالاً للشك أن فلسطين قد أمست القضية المركزية والأولى في النضال السياسي لديها، لدرجة أن أي جهة سياسية في أي بلد عربي أو إسلامي، لم يكن ينظر إلى إخلاصها للوطن الذي تعمل وتسخر نشاطها العلني أو السري فيه، إلا بما محدد لديها من موقفها الإيجابي نحو فلسطين.

وحتى في مرحلة مفاوضات السلام المتعثرة حتى الآن بين (العرب الفلسطينيين) و(الصهاينة الإسرائيليين) الذي انتقلت فيه قضية الصراع الفلسطيني – الصهيوني إلى حالة التفاهم، كما افترض ذلك لكن طبيعة الصراع الذي أججته مظالم الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني، قد أظهر نوايا أولئك الصهاينة المحتلون للأرض الفلسطينية، بأن أي توجه حقيقي لتحقيق السلام في فلسطين ليس وارداً في الواقع لدى الجانب الصهيوني، إذ أثبتت التجربة بين المتفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين أن الحكومة الصهيونية تفتقر إلى الالتزام بأي قيمة لتعهداتها بما في ذلك الوثائق الموقعة عليها مع الجانب الفلسطيني.

مع أن انتفاضة المسجد الأقصى قد دخلت عامها الثاني، فإن (إدارة الأزمة) في فلسطين التي تقوم بها الحركة الصهيونية لصالح تمييع الحق الفلسطيني، قد باءت بالفشل الذريع على الرغم من كل سياسات الإرهاب والبطش ضد شرائح المجتمع الفلسطيني. والإمام محمد الشيرازي كان سباقاً للتحذير من أخطار الصهيونية ومشروعها التوسعي الجهنمي في العالم الإسلامي بعد مرحلة مفاوضات ما سمي بالسلام، فإضافة لبياناته وفتاواه المنبهة لتلك الأخطار، كانت المؤلفات التنويرية، إحدى مجالات عمله الإرشادي في توعية الجماهير الإسلامية بحيل الجانب الصهيوني وإجرامه، ففي كتيبه القيم: (هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل) الصادر بطبعته الأولى سنة 1419هـ - 1998م عن دار المستقبل للثقافة والإعلام في بيروت – لبنان.. يقول تحت عنوان (إسرائيل وعروض السلام!) في نص صريح على الصفحة (42) (عصابة الإرهاب لا تترك مناسبة إلا وتطرح فيها عروضها للسلام!! وسلاحها الذي تنشده هو أن يقوم على أساس الأمر الواقع مع الاحتفاظ بالأراضي ورفض عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم...

وكثيراً ما تظاهروا بهذه العروض الكاذبة فقد تظاهر زعماؤهم بالسلام قبل العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م وقبل حرب 1967م. أي أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين عروضهم هذه وبين توقيت اعتداءاتهم...) أما تمسك الشعب الفلسطيني بوطنه ومقاومته للمحتلين، فهو أكبر أمل سيبرز حتماً بين أنقاض المشكلة الفلسطينية ليمرر أو يصل إلى تحقيق أهدافه السامية في التحرير وإقامة دولته المشروعة على أرض الآباء والأجداد.