عام آخر على رحيل فقيدنا الغالي الامام الشيرازي.. (عام آخر بعد رحيلك أيها العظيم)

تحشية واقتباس من مقال سماحة العلامة المجاهد الشيخ عبد الله الصالح البحراني من أهالي قرية (جنوسان البحرين )

(ملاحظة هامة وهي أن روح المقال وجوهره  ومبتدع الفكرة وصاحبها هو سماحة حجة الاسلام والمسلمين العلامة الشيخ عبد الله الصالح البحراني من أهالي قرية جنوسان، وهو أحد العلماء والفضلاء الكبار الذين شهدت وتشهد له الحوزات العلمية الفضل وصاحب التاريخ الطويل والعريق في النضال والجهاد، وهو ممن عاصر الامام الشيرازي طوال ربع قرن وتتلمذ في مدرسته الفقهية والفكرية والثقافية والسياسية، وكتب هذا المقال الرائع تحت عنوان " عام آخر بعد رحيلك أيها العظيم "، لذلك فانني أحببت أن أشاركه فقط في التحشية والاقتباس والا فهو صاحب القلم وهو صاحب الفكرة وهو صاحب الموضوع، وقد أخذت اجازته للكتابة والاقتباس فيعذرني صاحب السماحة لذلك وأتمنى له التوفيق لخدمة الاسلام والأمة الاسلامية والمجتمع البحراني بقلمه ومنبره  القيم وجزاه الله عن الاسلام خير جزاء المحسنين).

بعد حياة متواصلة ملئوها العمل والجهاد الدؤوب وخدمة الاسلام وفي صبيحة اليوم الثاني من شهر شوال من العام الماضي 1422هجرية، غيب القدر شخصية تاريخية عظيمة من عظماء التاريخ والعالم الاسلامي والعالم الشيعي.

انه حقا لعظيم لم يعط ما يستحقه من المكانة والتقدير اللائق في أيام حياته وحتى بعد مماته وانتقاله الى الرفيق الأعلى. فقد حورب وكن له العداء لا لسبب وجيه غير قضية التخلف والجهل والعصبيات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

جاربته قوى الظلم والضلال والحكومات الجائرة والقوى السائرة في ركابها، لأنها كانت تكره من يقوم بارشاد الناس وتنويرهم بحقائق الاسلام وحقائق مذهب أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، وتنوير الناس بظلم الآخرين لهم واستغلالهم لمقدراتهم.

وحاربته قوى التخلف والجهل والظلام لأنها كانت تكره الحقيقة ولا تحب النور، وكانت تخاف من أفكار المرجع الراحل الحضارية التي تنسف أفكارها الهدامة والانتقائية التي تمسخ شخصية الانسان المسلم وتبعده عن هويته.

 ومع كل ما واجه الامام الشيرازي الراحل رضوان الله تعالى عليه منذ تصديه للمرجعية الدينية والسياسية للطائفة الشيعية في كربلاء من أنواع المحاربة من الطغاة ومن الجاهلين بحقه ومكانته، الا أنه وبعزيمة الأنبياء والأئمة المعصومين والثائرين والمصلحين شق طريقه نحو سلم المجد وبناء صرح ودعائم الحركة المرجعية الدينية في كربلاء المقدسة، سائرا على خطى أجداده من علماء ومراجع الدين الذين صنعوا التاريخ غير آبه لأحد من أولئك الذين ليس همهم الا انتقاص شأن العلماء ومحاربتهم.

كانت نية الامام الشيرازي من حركته نحو خدمة الاسلام والمسلمين واعتلاء شأن الطائفة الشيعية هو رضى الله سبحانه وتعالى ولم يكن ليخاف في الله لومة لائم ، وهو صاحب الظرفة اللطيفة التي تقول:"ان سبب خلق الله للأذنين متوازيتين، هو لكي نسمع الكلام من واحدة ونفسح الطريق للرديء منه بالخروج من الأخرى دون اكتراث !!".

في مثل هذه الأيام من شهر شوال من العام الماضي غيب القدر عنا صاحب التاريخ الجهادي وصاحب الفكر القرآني الأصيل، وصاحب المنهج الرسالي المستنير، وصاحب التأليفات الموسوعية المختلفة.

نعم قبل عام مضى قدغيب القدر عنا المرجع الكبير، المجدد الامام الشيرازي رضوان الله تعالى عليه، عن عمر يناهز الثانية والسبعين، قضاها في العلم والجهاد والعبادة، بعد أن رسخ مدرسة رسالية فكرية ثابتة الأساسات والقوائم والدعائم قائمة على انتهاج منهج القرأن الكريم والسنة النبوية ومنهح أهل البيت عليهم أفضل الصلاة وقائمة على اعتبار أن :

أولا  : أن القرآن الكريم هو دستور الحياة ومنهاج المؤمن، وهو القائد والموجه الذي يقود المؤمنين الى السعادة في الدنيا والفلاح والرضوان في الآخرة، وهو كتاب النور والهداية في كل عصر وزمان.

ثانيا : الجهاد  في سبيل الله الذي هو رأس الاسلام وهو طريق عزة الأمة التي لابد لها من السير فيه.

ثالثا : الايمان والتقوى هو سر تفاضل الناس وميدان التسابق فيما بينهم، والالتزام بالطاعات والابتعاد عن الذنوب والمعاصي هو سبيل نزول الرحمة والرضوان من قبل الباري عز وجل..

لقد كان المرجع الراحل الامام الشيرازي رضوان الله تعالى عليه بحق نموذجا ومعلما صادقا في تجسيد هذه الأساسيات، عمل بها قبل أن يقول، وجربه بنفسه قبل أن يطالب من الآخرين تطبيقها، ومارسها في حياته الفكرية والعملية كمبادىء ثابته لا يمكن الانفكاك منها.

فعلى صعيد القرآن الكريم فقد كان الامام الشيرازي صائنا  له وحافظا، ومفسرا له وشارحا، وقائلا به ومجسدا، في أخلاقه ومواقفه، وفي دروسه وكتاباته، فقد أسس مراكز لتحفيظ القرآن في كربلاء المقدسة، وهو صاحب تفسير "تقريب القرآن الى الأذهان"، وهو صاحب تفسير "التبيين"، وهو المدافع الأول عن القرآن في "متى جمع القرآن" و"لماذا يحاربون القرآن" وغير ذلك.

لقد كرس الامام الشيرازي الراحل رضوان الله تعالى عليه حياته مجاهدا في سبيل الله، مقاوما للطغاة، ومدافعا عن الدين وعن الشريعة الاسلامية النبوية الغراء وقادتها من أهل بيت العصمة عليهم أفضل الصلاة والسلام بفكره وقلمه ولسانه وبكل ما يملك، وكان الصادق في دفاعه، والمؤمن برسالته، لا يبتغي بذلك سوى مرضاة الله سبحانه وتعالى والتسابق لتنفيذ أوامره، فكان صاحب الفكر الموسوعي الذي ما ترك بابا من أبواب العلم الا وطرقه، ولا ثغرا من ثغور الجهاد الا وغاص فيه، وكان المبدع في ممارسته للتغيير، والمنظر في صياغته الجديدة، وغير ذلك من أسفاره الرائعة.

أما على الصعيد الثالث فكان فقيدنا الراحل من الذين أصروا على بسط قضية الايمان والتقوى في قوالب جديدة تكون في متناول كل الناس، مثقفين وغيرهم، علماء وغيرهم، حتى اتهم رضوان الله تعالى عليه بالسطحية وعدم العمق الفكري، وحورب من قبل بعض الناس، اما لعدم ادراكهم لمقاصد سماحته قدس الله نفسه الزكية، واما لحاجات في أنفسهم المريضة، لكن الامام الشيرازي واصل طريقه الذى آمن به واختطه لنفسه غير مكترث بهذين الفريقين، فشرح لمن كان يحتاج للشرح وجهة نظره المباركة، وأعرض عمن عارض لأمور في نفسه، وشق الطريق الى بناء الحضارة الاسلامية والمجتمع الاسلامي المناقبي والأمة المؤمنة والانسان الرسالي بعزيمة واصرار، واختط له خطا يتمنى الكثيرون هذه الأيام أن يقتدوا به ليكونوا على خطاه وطريقه وهو تحمل هموم الأمة ومشاكلها وتطلعاتها نحو المجد.

نعم لقد رحل الامام الراحل في العام الماضي وها نحن في الذكرى السنوية الأولى له نحي ذكراه وقد ترك وخلف لنا كما جاء في الحديث الشريف :"يموت ابن آدم وينقطع الا من  ثلاث : صدقة جارية، وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له".

1- موسوعة فكرية ودينية وعلمية لا يستهان بها جاوزت الألف عنوان في مختلف المجالات.

2- علماء أفذاذ وفقهاء جهابذة ضالعين في مختلف أمور الدين والفقه والأصول وتفسير القرآن والحديث متصدين، قدموا ولا يزالون يقدمون للأمة عصارة جهدهم وجهادهم لرسم طريق المستقبل المشرق الذي رسم ملامحه الامام الراحل العظيم قدس ره كالسيدين العلمين :آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دامت بركاته وآية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله الوارف .

3- آيات الله مثل سماحة آية الله محمد رضا الشيرازي  وسماحة آية الله السيد هادي المدرسي و  دام ظلهما الوارف , وآية الله السيد مرتضى الشيرازي

4- سلسلة من الأعلام والمفكرين والخطباء الأجلاء  كالعلامة الشيخ عبد الحميد المهاجر، وآية الله العلامة السيد مرتضى القزويني وحجة الاسلام والمسلمين السيد عبد الحسين القزويني والعلامة  المجاهد السيد عباس المدرسي وحجة الاسلام والمسلمين السيد حسين المدرسي وحجة الاسلام والمسلمين العلامة السيد محمد العلوي البحراني وغيرهم. وحجة الاسلام والمسلمين السيد محمد باقر المدرسي وحجة الاسلام والمسلمين الشيخ ضياء الزبيدي، وحجة الاسلام والمسلمين الشيخ مرتضى الشاهرودي، وحجة الاسلام والمسملمين السيد محمد باقر الفالي وحجة الاسلام والمسلمين العلامة الشيخ محمد علي المحفوظ الجمري البحراني وغيرهم وغيرهم الكثير الذي لا يتسع هذا المقال لذكرهم.

واليوم - ونحن نقف - في ذكراه الثانية بألم وحسرة، وقلوب ملؤها الحزن والأسى لفراقه المؤلم والمحزن، نقول له : أيها الامام الشيرازي الراحل والعظيم، نم قرير العين، فهذه الثلاثية العزيزة عليك، جاء من يحملها بعدك بصدق وأمانة، تلميذك الذي درس وتتلمذ عليك..

جاء ليتصدى ويتحمل مسؤولية الافتاء، وتحمل هموم الأمة وتطلعاتها، وليتخذ من القرآن الحكيم كتاب دين وهدى ورؤى، ورسالة حضارة، ودعوة للحياة الحرة الكريمة القائمة على العدل والحق والحرية.

جاء ليقول : ان القرآن هو روح الدين وجوهره وطريق العزة التي يجب الرجوع اليها حتى ترجع الينا عزتنا وحضارتنا وقوتنا.

جاء مجاهدا يسير - كما سرت - على درب أجدادكما الطاهرين، رافعا كلمة لا اله الا الله محمدا رسول الله (ص)، لا يخشى - كما كنت - لا تخشى في الله لومة لائم، لا خائفا ولا مداهنا..

قائلا للناس كل الناس : حتى نفهم الشريعة لابد من فهم روحها ومقاصدها..

فرحمك الله أيها الامام الشيرازي العظيم وجزاك عنا وعن الدين أفضل الجزاء، وأسكنك فسيح جناته مع جدك محمد المصطفى وآله الطاهرين صلوات الله عليكم أجمعين.

محمد حسين زيد الجمري