عِيْدُ (فَالَنْتَايِنْ) بَيّنَ التَنْدِيدِ والتَجْدِيدِ

 محمّد جواد سنبه

في الرابع عشرمن شهر شباط من كلّ عام، يُوَثّن أويكفّر أويفسّق، عدد غير قليل من المسلمين، لأنّهم يجارون الغرب في الاحتفال بعيد(فالنتاين)، أوعيد الحبّ. وتشتعل المجابهة، بيّن من يكفّر المحتفلين بهذه المناسبة، التي يطلقون عليها (عيد وثني)، وبين من يعتبرها مناسبة للبهجة والفرح. والذي يهمنا من هذه الظاهرة، اقتباس هذه المناسبة من قبل بعض المسلمين، من خارج واقعهم. فهؤلاء يرون أن تكاملهم لا يكون، إلاّ من خلال تقمّص واختزان وتقليد، ما يطرحه الغرب، من أفكار وثقافات وعادات. دون النظر إلى ذلك، هل يناسب مجتمعاتنا أم لا ؟. هل يضر بقيمنا أم لا ؟. هل يجعلنا تابعين لأفكار الآخرين أم لا ؟. وهل يؤدي ذلك التقليد إلى مسخ أفكارنا الأصيلة، وتشويه قيمنا الرّفيعة أم لا ؟. هل نحن نعاني من عوز حضاري وقيمي، ونحتاج إلى ما يعوّض هذا النقص، فنلجأ إلى لغرب لسدّه؟.

هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات، تنبع منها قوّة الاقناع بعمق، مع تقديم البديل الموضوعي، مدَعّم بالدليل المشّبَع بالواقعيّة العمليّة، بشرط أنْ يكونا مستَنبَطان، من قيمنا وتاريخنا وحضارتنا وواقعنا.

ليقوم الآن ولاة الأمور المعنيين بهذا الموضوع، بتوجيه الشباب المبهورين بالغرب، وتغيير وجهة نظرهم بكل حكمة وتدبّر، بدلاً من إبقاء جبهة التحدي، مفتوحة بين الطرفين، فهذا يحتفل بعيد (فالنتاين)، وذاك يواجه بالعقوبات والقمع والشدّة والاحتقار(كما يحصل في السعودية).

الدول الخليجية تعاني أكثر من غيرها من هذه الظاهرة، لأسباب تتعلق بمناهج التربية، والوضع المعاشي، والاندماج مع الغرب، من خلال الانفتاح عليه اقتصادياً وسياسياً وسياحياً وتقنياً وعلمياً، ولا ننسى اثر دور وسائل الاتصال الحديثة في هذا المجال.

في العام الماضي كتبت مقالاً، عالجت فيه ملابسات هذه الظاهرة، ونشر في العديد من المواقع الالكترونيّة. وناشدت من خلاله أصحاب المسؤوليّة، في المجتمعات التي تنتهج منهجاً يتحسّس من هذه الظاهرة السلبيّة، لاعتبارات عقيديّة، فاقترحت في حينها تحديد يوم فتح مكة (على سبيل المثال)، ليكون يوماً يبتهج فيه من يرغب من المسلمين، بأنْ يقوم كلّ واحد من المحتفلين، بإهداء وردة بيّضاء إلى من يحبّ، تعبيراً عن الحبّ والتسامح، اللذان علّمنا إيّاها رسول الله(ص) عندما فتح مكّة، وأصبح منتصراً على أشدّ الناس معاملة له، وأخشن القلوب مواجهة معه، فخاطبهم(ص) بقلب رحوم منفتح قائلاً:(يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟.) قالوا: (أخ كريم وابن أخ كريم) ، قال: (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه:{لا تثريب عليكم اليوم} اذهبوا فأنتم الطلقاء).

ومرّ عام كامل على هذا المقترح، الذي تلقيت عن فكرته، الكثير من ردود الاعجاب والثناء، ولكن مع لأسف الشديد، لا أذن سمعت ولا قلب وعى، ولم يتغير شيء، سوى العودة إلى اجترار إفرازات العام الذي سبق.

 الظاهر إنّ المسؤولين المعنيين، ومنهم ولاة أمور المسلمين في بعض البلدان العربية (بما لهذا المصطلح من دلالات دينيّة)، يعشقون وجود الأزمة وبقائها حامية، حتى يبقى ثمة موقف مأزوم، يستمدون منه الطاقة التي تحرك سياستهم، التي تتبنى منهج استدامة الأزمة، لا منهج البحث عن الحل.

 وأغلب الظنّ عندي، أنّ في العام المقبل إن شاء الله، سنعيد اجترار نفس الموضوع، لسبب بسيط، لأن ولاة أمور المسلمين لا يؤمنون بالتغيير. آمل أنْ يخيب ظني، وتأخذ المعادلة وضعها الصحيح.

ملاحظة : لمن يريد الاطلاع على مقال العام الماضي، فليتصل بالرابط الألكتروني التالي:

http://annabaa.org/nbanews/69/094.htm

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/شباط/2009 - 23/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م