الإمام علي والتسامح

ضمد كاظم وسمي

هذه نتف عبقة من سيرة رجل لم ينصف قط لا من اعدائه.. ولا من اشياعه لأنهم لم يعرفوه حق معرفته، وقديماً قيل: لايعرف الفضل الا ذووه. وقال الامام : ((والجاهل لايعرف العالم)).. وقد قال النبي ((ص)) بحق الامام : ((وما عرفك إلا الله وأنا))!!!.

ففي معركة الجمل الشهيرة.. فأن ربة الجمل وهي القائد العام للجيش المناويء للامام علي تحرض مقاتليها على الامام صارخة : من يأتيني برأس الأصلع – الامام -، فله هذه البدرة!!!.. لكن ما ان تمكن الامام منها ((واصبحت حياتها بين شفتيه)) بادر الى تبجيلها بل وتمادى في اكرامها.. رغم انها شقت عصا الطاعة وناجزته بالسيف وضعضعت اركان جبهته لتمهد الامر كله الى الطلقاء الامويين الذين عاثو بالعرب والمسلمين فساداً.. لذلك قال امير الشعراء احمد شوقي يصف مواقفها من الامام :

ياجبلاً تأبى الجبال ما حمل.. ماذا رمت عليك ربة الجمل.

وبرغم تساهل الامام وتغافله وكرمه وتسامحه معها حتى ردها الى المدينة معززة مكرمة.. لكن كل ذلك لم يمنعها من ان تخر ساجدة لله شكراً عند بلوغها نعي الامام.. ثم رفعت راسها قائلة :

فألقت عصاها وأستقربها النوى كما قر عيناً بالأياب المسافر.

ولما عوتبت بمرارة على جحودها الغريب.. أجابت : أني نسيت، فأذا نسيت فذكروني!!!

اماعبد الرحمن بن ملجم المرادي الذي كان الأمام كلما رآه يذكره بقول الشاعر:

أريد حياته ويريد قتلي.. رويدك من خليلك من مراد

فقد كمن للأمام في مسجد الكوفة.. وبادر الى الامام يريد غرته والامام في صلاته غارقاً في الذات الالهية..وما ضربة ابن ملجم القاتلة الا استجابة لنداء ذاته المنحرفة عن سواء السبيل وتلبية لطلب البغي ((قطام)).. والعجيب في الامر ان الامام وهو يغرق في دمائه الزكية لم يقل الا قولته الشهيرة : ((فزت ورب الكعبة)).

وبعد ان علم الامام ان اجله دنا.. اوصى بأبن ملجم خيراً.. وكان لايطعم أو يسقى.. إلا وأمرأن يطعم ويسقى اسيره – ابن ملجم – قبله بل واوصى.. ان يضرب ابن ملجم ضربة واحدة.. كما هو ضرب الامام علي ضربة واحدة.. والاعظم من كل ذلك والاكثر دهشة ان الامام اوصى ابناءه قائلاً : وان تعفو اقرب للتقوى!!!

في معارك الرسول ((ص)) الكثيرة.. كان لابد من الامام علي في كل نازلة.. ففي احدى تلك المعارك تقدم احد المشركين من قريش وكان بطلاً جسوراً يدعى ((كبش الكتيبة)).. فنازله الامام وتمكن منه وصرعه ارضاً ورفع السيف ليقتله، فقال له كبش الكتيبة : ((اتقتلني ياعلي، ومن لصبيتي الصغار؟!)) فخلى عنه الامام وقال : ((انت لصبيتك.. ولقد وهبتك لهم)).. فأي كرم واية اريحية.. واية روح انسانية تتجلى في هذا الامام العظيم.

وفي معركة اخرى برق سيف الامام علي على راس احد خصمائه المعاندين ولما ايقن هذا الخصم بالموت المحقق بادر الى الامام قائلاً : ((ياعلي هبني سيفك هذا)).. فأجاب الامام : ((اجل، هولك)).. وأنحله السيف.. بينما شخص الامام امام عدوه اعزلاً إلا من سلاح الايمان والتسامح والحب حتى لاعدائه.

وهذا وغد شرير يتصدى للأمام ويريد قتله.. لكن الامام يمسك بتلابيبه ويسقطه على ظهره.. ويقعد فوق صدره وجهاً لوجه.. فتيقن الشرير بالموت الذي لابد منه طالما برق سيف الامام فوق رقبته.. ولما عدم كل حيله لجأ الى خسة الاوغاد الاشرار..فقد بصق في وجه الامام، لكن الامام تمالك نفسه وقام عنه واخلى سبيله قائلاً : ((خشيت اذا انا قتلته يكون ذلك غضباً لنفسي، لالله)).

اما قصة الامام مع ابن العاص فمعروفة اذ ما ان تمكن الامام من ابن العاص وصرعه ارضاً ولمع السيف فوق رأسه حتى شغر عمرو رجليه مبدياً عورته.. فغض الامام طرفه حياء وتكرماً وتسامحاً لذلك قال ابو فراس الحمداني :

لاخير في صد الردى بمذلة كما ردها يوماً بسوءته عمرو

في هذا الظرف العصيب الذي يمر به بلدنا.. كم نحن بحاجة الى هذه الروح السامية في التسامح والمحبة والتآلف.. وكم نحن بحاجة الى تمثل مواقف الامام والاهتداء بأنواره وتلمس سيرته النقية.. لكننا منينا بقوم لايفقهون وان كانوا لحبه ينتحلون!!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء 4/شباط/2009 - 8/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م