براجماتية أوباما قد تطيل شهر عسله مع الامريكيين

 

شبكة النبأ: في يوم أقل ما يُوصف بالأسطوري التاريخي، شهدت الولايات المتحدة تنصيب باراك حسين أوباما، الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة، وكأول رئيس من أصول إفريقية يعتلي أرفع المناصب السياسية في البلاد منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية.

يوم مميز في ذاكرة الشعب الأمريكي لن يُنسى، وسر تميزه ليس فقط لأن بطله هو أول رئيس أسود سوف يمكث في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات قادمة وقد تمتد لتكون ثمانية، وإنما تميزه أيضًا ينبع من اللحظة التي تعيشها الولايات المتحدة في الوقت الحالي، فهي لحظة أزمة بكل المقاييس، لحظة تحديات جسام، سوف يكون على الرئيس الجديد التعامل معها بذكاء، من أن أجل أن يعبر بالأمة الأمريكية إلى بر الأمان.

تحديات ليس فقط على المستوى الداخلي الذي يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية تعصف باقتصاد القوة الأكبر في العالم، وتهدد وضعها الدولي باعتبارها المسيطرة على مقاليد الأمور في النظام الدولي، ولكن أيضًا تحديات على المستوى الخارجي، بعد ثماني سنوات عجاف عاشتها الولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، لم تحصد خلالها سوى كراهية غالبية شعوب العالم عامة والعالم الإسلامي خاصة، بعد حرب شعواء - بلا هدف محدد وبلا مدى زمني معين – أعلنتها على ما تسميه الإرهاب، ودخلت بسببها في حربين في أفغانستان والعراق، سوف تزال تعاني من آثارهما في المستقبل، حتى يتمكن الرئيس الجديد إيجاد استراتيجية ملائمة لتسوية الأوضاع في هاتين الدولتين والخروج من هناك، وتحسين صورة الولايات المتحدة التي تسببت سياسات إدارة بوش في تدهورها بشكل غير مسبوق.

في ظل هذه الأوضاع يأتي الرئيس الجديد باراك حسين أوباما حاملاً الإيمان بإمكانية التغيير الذي كان رمزًا لحملته الانتخابية، والأمل في إنجاز هذا التغيير بشعاره Yes We Can. والسؤال هو: هل سيتمكن أوباما من إنجاز الوعود التي قطعها على نفسه خلال الفترة الماضية ومواجهة التحديات التي تروم بها الولايات المتحدة الأمريكية.

براجماتية أوباما والبعد عن الأيديولوجية

على شبكة MSNBC استضاف برنامج واجه الصحافة Meet The Press – الذي يقدمه ديفيد جريجوري– عددًا من الخبراء للحديث عن المستقبل عقب تنصيب أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، وهل سيكون قادرًا على استثمار اللحظة التي تعيشها الولايات المتحدة في الوقت الحالي، وفى هذا الإطار أكد ديفيد بروكس David Brooks أن استثمار اللحظة التي تحدث عنها باراك أوباما في خطابه في فيلادلفيا Philadelphia منذ أيام قليلة قبل تنصيبه، كان يعني – في أحد معانيه - التحرر من قيد الأيديولوجية في السياسة الأمريكية، وأشار إلى كتاب كان قد صدر في عام 1961 بعنوان "نهاية الأيديولوجية" "The End of Ideology" للمؤلف دانيال بيل Daniel Bell حيث كان الفكر الأيديولوجي والصراع الأيديولوجي مسيطرين على الساحة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وشهدت حقبة الخمسينيات ما يعرف بالحقبة المكارثية McCarthy era، والتي كانت من أسوأ الفترات التي شهدتها الولايات المتحدة على مستويات عدة، خاصة على مستوى حرية الرأي بحجة محاربة الشيوعية. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وأكد أن هذا الكتاب اكتسب شهرة كبيرة خاصة وأنه بعد ثلاثين عامًا من صدوره تحققت بالفعل تنبؤات

المؤلف، وأنه بالنظر إلى أن أوباما قد ولد في عام 1961، ومن ثم فهو يرى نفسه بعيدًًا عن تلك السياسات

الأيديولوجية التي سادت خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات. فهو الآن ينتهج سياسات عملية براجماتية يحاول من خلالها الخروج من حالة الأزمة التي تعيشها البلاد، فنجده قدم خطة اقتصادية لتحفيز نمو الاقتصاد الأمريكي والخروج من حالة الركود التي يعيشها، وبعدها وخلال عام 2010 سوف يبدأ إصلاحًا شاملاً في مجالات الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، ومن ثم فإنه إذا استطاع أن يضع رؤيته موضع التنفيذ، فبلا شك سوف يكون رئيسًا عظيمًا.

من لينكولن إلى أوباما.. طريق البحث عن مكان في التاريخ الأمريكي

وبالنسبة لإمكانية أن يكون أوباما رئيسًا عظيمًا، طرح البرنامج فكرة المقارنة التي تسود في الولايات المتحدة الآن بين باراك أوباما والرئيس الأمريكي السابق أبراهام لينكولن Abraham Lincoln، هذا الرئيس الذي ما يزال – رغم مرور حوالي 141 عامًا على وفاته – القدوة للرؤساء خاصة في أمانته وشجاعته وطموحه الكبير، ومن ثم فهل أوباما باعتباره أول رئيس من أصول إفريقية للولايات المتحدة، وينتمي إلى الولاية ذاتها التي انتمى إليها لينكولن Lincoln، هذه الولاية التي وقع قادتها على إعلان تحرير العبيد Emancipation Proclamation، سيتمكن من استغلال هذا التراث العظيم، وهل ستكون هذه التركة أحد العوامل لأن يأخذ مكانه بين عظماء الرؤساء الأمريكيين.

وفي هذا الصدد أكدت دورث كيرنز جودوين Doris Kearns Goodwin أن لينكولن Lincoln كان من القادة الذين وقعوا على إعلان تحرير العبيد Emancipation Proclamation، وبدأ بذلك خطوة كبيرة أوصلت مواطني الولايات المتحدة الأمريكية إلى انتخاب أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن بسهولة أن تجد شخصًا مثل لينكولن Lincoln، ولكن أوباما يحاول أن يصل إلى هذه المرتبة، من خلال إحاطة نفسه بمجموعة من الشخصيات القوية، مما يتيح له مجموعة أكبر من الخيارات، ومن ثم فهو يحاول استدعاء روح أبراهام لينكولن Abraham Lincoln وطريقته في إدارة العملية السياسية.

أما تافز سمايلى فقد أكد أن "الرؤساء العظماء لا يولدون وإنما يصنعون"، وفى هذا السياق أشار سمايلى Smiley إلى استطلاع للرأي تم بين صفوف الجمهوريين الذين أيدوا المرشح الجمهوري جون مكين، أكدت نتيجة الاستطلاع أن 58% منهم يريدون أن يبلي أوباما بلاء حسنا في أثناء فترة ولايته، ومن ثم فإن هذا يعني بالنسبة للسنوات الأربع القادمة في حكم أوباما أن الولايات المتحدة ومواطنيها يريدون أن يبلي الرئيس الجديد بلاء حسنا، ومن ثم "فإننا نريده أن يكون عظيمًا، وهو يمتلك المقومات التي تؤهله لذلك ، فالرؤساء – كما أكد سمايلى Smiley - يجب أن يتم دفعهم من قبل الشعب ليكونوا عظماء.

وفى هذا السياق لفت الانتباه إلى أن الرئيس أبراهام لينكولن اكتسب عظمته ومكانته الكبيرة في التاريخ الأمريكي، ليس فقط بسبب أفكاره العظيمة والنخبة القوية المحيطة به، وإنما كان كذلك لأنه كان هناك رجل يدعى فريدريك دوجلاس إلى جواره ويستلهم منه أفكاره.

جدير بالذكر أن دوجلاس هو أحد أبرز الشخصيات في التاريخ الأمريكي عامة، وفى تاريخ الأمريكيين من أصول إفريقية، ولد في عام 1818 وكان من أشد المناصرين لإلغاء العبودية وحق المرأة في التصويت، وفى عام 1872 أصبح أول أمريكي من أصول إفريقية يرشح لمنصب نائب الرئيس في الولايات المتحدة عن حزب الحقوق المتساوية Equal Rights Party، واشتهر عنه إيمانه الشديد بالمساواة بين الجميع. وبالتالى فإن سمايلى Smiley أكد على أنه لابد من أن يكون هناك من يلعب دور فريدريك دوجلاس Frederick Douglass ، إذا أردنا أن نرى أوباما رئيسًا عظيمًا للولايات المتحدة الأمريكية.

أوباما والشعب الأمريكي: متى ينتهي شهر العسل؟

وفي صحفية نيويورك تايمز كتب آدم ناجورنى مؤكدًَا أن انطباعات تسود الآن في الشارع الأمريكي، بأنه مع تنصيب أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، ورحيل جورج بوش بعد ثماني سنوات قضاها في الحكم، فإن الاقتصاد الأمريكي سوف يستعيد عافيته وقوته قريبًا، وأن الجنود الأمريكيين في طريقهم إلى الوطن قادمين من العراق، وسوف تمتد مظلة الرعاية الصحية لتشمل كل المواطنين.

ولكن الكاتب يشير إلى أنه يجب عدم الإفراط في التفاؤل، بأن هناك حلولاً سحرية سوف تطبق في الحال فتنهى حالة الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة، واستشهد في هذا الإطار بنبرة الخطاب الهادئة التي اتسمت بها كلمات أوباما التي ألقاها قبل تنصيبه بساعات قليلة، الأمر الذي ينم عن الحذر الشديد من جانبه في بداية عهده الرئاسي.

ولفت ناجورنى الانتباه إلى أن الأمريكيين سوف يعطون الرئيس الجديد وقتًا أكبر من أى وقت حظي به رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية، لأنهم يعلمون جيدًا أن أوباما جاء في وقت تواجه فيه البلاد تحديات غير مسبوقة.

ومن ناحية أخرى أشار الكاتب إلى أنه إذا كان منطقيًا أن يحظى الرئيس الآن ببعض الوقت أو ما يسميه الأمريكيون فترة شهر العسل Honeymoon ، فإن السؤال الأهم الآن كم من الوقت سوف سيسمح به الشعب الأمريكي للرئيس الجديد، ليتمكن من تحويل دفة الأمور ويعيد الولايات المتحدة إلى المسار الصحيح؟

ويشير الكاتب في هذا السياق إلى محاولات المستشارين المحيطين بالرئيس الجديد التأكيد على أن مواجهة هذه التحديات سوف يحتاج إلى وقت كبير، مع الحذر الشديد في تقديم أى تفصيلات حول المدى الزمني الذي من الممكن أن تستغرقه هذه العملية، بل إنهم في كثير من المقابلات الإعلامية التي تمت معهم، شددوا على أن الأمر لن يستغرق فقط مجرد شهور، ولكنه قد يحتاج إلى سنوات حتى تعاد الأمور إلى نصابها الصحيح.

وساق ناجورنى في مقالته نتائج استطلاع للرأي قامت به شبكة CBS الإخبارية مؤخرًا، أكد غالبية المستطلعين أن أوباما سوف يحتاج إلى مهلة لن تقل عن العامين من أجل تصحيح الأوضاع وتنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه في أثناء حملته الانتخابية، ومن أهمها تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتوسيع مظلة الرعاية الصحية، وإنهاء الحرب في العراق. وعندما سئل هؤلاء عن الفترة التي بعدها يمكن اعتبار أوباما هو المسئول عن الركود وليس الرئيس الأمريكي الأسبق "بوش"، أكدوا أن هذا الركود سوف يستمر إلى مدة عامين أو أكثر.

وأورد المقال عددًا من التحليلات التي تشير إلى الكيفية التي يمكن أن يكتسب أوباما بها مزيدًا من الوقت، وذلك من خلال تغيير في لهجة الخطاب، وتغيير في الأولويات، مع الأخذ في الاعتبار أن الوقت المتاح للتعامل مع معضلات بعينها يعتمد على طبيعة هذه المعضلات ومدى تعقيدها من جهة، وطبيعة الحلول والوعود التي قدمت من أجل مواجهتها من جهة أخرى، وهذا الأمر يشير إلى أن أوباما لديه - واعتمادًا على هذه المؤشرات - متسع من الوقت للتعامل مع معضلة الاقتصاد، وأيضًا متسع من الوقت للتعامل مع موضوع الرعاية الصحية، ولكن موضوعات أخرى – كما يشير الكاتب – لن يكون مسموحًا بأي تأخير في التعامل معها وتأجيل تنفيذ وعوده الانتخابية بشأنها، وعلى رأس هذه الموضوعات يأتي سحب الجنود الأمريكيين من العراق خلال ستة عشر شهرًا، طبقًًا للجدول الزمني الذي طرحه الرئيس الجديد أثناء حملته الانتخابية. فالرأي العام الأمريكي بصفة عامة وغالبية أعضاء الحزب الديمقراطي لن يقبلوا بأي تأخير في تنفيذ هذا الأمر. 

ولكن في نهاية المقال أشار ناجورنى إلى أن خبرة السنوات الماضية تؤكد أن كل شيء في السياسة يتغير بسرعة كبيرة خاصةً في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، فالرأي العام يمكن أن يتحول من اتجاه إلى اتجاه آخر مختلف أو حتى مناقض للسابق سريعًا، والإدراك أيضًا يتغير مع مرور الوقت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 28/كانون الثاني/2009 - 1/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م