طبيعة حكم الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)

بمناسبة عيد الغدير يوم 18 من ذي الحجة الحرام

يوم الاعلان الالهي لولاية وخلافة علي بن ابي طالب عليه السلام للرسول صلى الله عليه واله وسلم

محمود الربيعي

مقدمة

في مثل هذا اليوم تحدث الرسول صلى الله عليه واله وسلم فخطب بالمسلمين خطابا جماهيريا كبيرا وفي اكبر تظاهرة جماهيرية حضرها الالاف منهم اثناء مسيره وعودته من مكة الى المدينة بعد انصرافه من اداء مناسك الحج وفي اخر حجة له صلى الله عليه وآله وسلم.

ويعتبر حديث الغدير اهم خطاب للرسول صلى الله عليه واله وسلم قبل وفاته حدد فيه مايجب عليه من تنصيب من وصفه باخيه وليا وخليفة له ليكمل الله دينه ويتم نعمته على الناس بهذه الولاية المتواصلة بالائمة الاثني عشر وهم ائمة اهل البيت عليهم السلام الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفا دقيقا في حديث الثقلين.

ولقد تأكد للجميع ان الامام امير المؤمنين علي عليه السلام وفق السنة المطهرة خير البرية وهو وصيه ووراث علمه وهو الذي يتمتع بكل صفات القيادة الناجحة، وهو القائد الشرعي المفترض الطاعة..  وحري بالمسلمين ان يتحدوا في مثل هذا اليوم، وان يقفوا موقفا موحدا من هذه الخلافة لانها الصائنة لحياتهم ومستقبلهم وسعادتهم، ولقد اردنا من خلال حديثنا في هذه المناسبة ان نلقي الضوء ولو باختصار عن طبيعة حكم الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام باعتباره النموذج الفريد والتلميذ الاول للقران وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

الادارة العالية للامام امير المؤمنين عليه السلام.. لماذا؟

يعتبر الامام علي عليه السلام اول تلميذ للنبي صلى الله عليه وسلم بل النموذج الفريد الذي لايرقى اليه احد، كما يعتبر الامام عليه السلام تلميذ القران وترجمانه الذي يعكس تطبيقاته بشكل نوعي ليس له مثيل ظهر ذلك من خلال رفقته للنبي عليه افضل الصلاة والسلام وكان صورة له تعكس كل افعال واقوال النبي صلى الله عليه وسلم في اوقات السلم والحرب.

الادارة المالية

كان من شدة ورع الامام علي عليه السلام انه كان يسعى لان يكون عادلا ومنصفا بدرجة عالية لايمكن ان يرتاب منه عالما او خبيرا، كما يعجز ان يقف امام حكمته اي انسان.

وتميز الامام علي عليه السلام بفهمه العميق للقانون الاسلامي ومعرفة كتاب الله وسنة نبيه وكان دقيقا في تصرفه في اموال المسلمين يصرفها في وجوه الانفاق الشرعية من دون تفريط او افراط، ويهتم بتوزيع الرجال الاكفاء من اهل النزاهة والايمان لكي يشرفوا على المال العام.

الادارة العسكرية

كما تميز الامام عليه السلام بشجاعته وحسن ادارته للجيوش اثناء المعارك الكبرى التي دارت بين المسلمين والمشركين وكان له الدور البارز فيها،  ولقد علم القاصي والداني صدق مواقفه الرسالية وصموده وفدائيته الفريدة في الدفاع عن الحق والجماعة.

كما اشتهر عنه قيامه بحركة التصحيح في النظام العام الاداري والمالي فقام بحملات عسكرية للقضاء على العناصر الفاسدة التي اساءت للاسلام والمسلمين في معارك الجمل والنهروان وصفين.

الادارة القضائية

وباعتباره النموذج الامثل الذي صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم ومشيئة الله سبحانه وتعالى التي ارادت لهذا العبد الصالح ان يقود الامة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما يمتلكه الامام عليه السلام من مقومات العلم والتقوى والشجاعة قضى في دار القضاء بين المسلمين بما يتوافق مع حكم الشريعة الالهية وساوى بين الشريف والوضيع، وبين القوي والضعيف، وبين الغني والفقير، وبين المراة والمراة، والرجل والرجل، وبين الرجل والمراة، وحكم للطفل كما حكم للكبير، وحكم لليهودي والنصراني كما حكم للمسلم وعدل بين الحاكم والمحكوم حتى غدا صيته في الحكم والقضاء شمسا ساطعة تشهد على عدله ونزاهته وحكمته وسلامة حكمه.

ادارة الحكم

اعتمد الامام امير المؤمنين عليه السلام في منهجه للحكم  اختياره لعناصر الدولة الناجحة ومنها النظرية الاسلامية المستمدة من القران الكريم لما يتضمنه القران من مؤشرات واضحة في السياسة والحكم والقضاء والقانون والاخلاق ومايتضمنه من المبادئ العامة التي تصون المجتمع وتحفظه من الازمات.

 كما كان واضح الاخذ بسنة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم التي بينت تفاصيل تلك المؤشرات، كما ان مايحمله الامام عليه السلام من المميزات والمؤهلات اتجعله حاكما وحكيما في منطقة الفراغ الشرعي باعتباره الامام المعصوم ولاحاجة لنا لبيان ذلك لما بينه لنا جمهور العلماء والباحثين والمحققين فاجتمعت عليه آراء المؤرخين على صحبته للرسول وقدم اسلامه وورعه واجتهاده وصواب رأيه.

الاعتماد على النزاهة والاخلاق العالية

ان غاية مايريده الناس هو حاكم عادل وقوي لايحتاج الى ظلم احد لان الذي يحتاج الى الظلم الضعيف كما بين ذلك الامام زين العابدين عليه السلام في احد ادعية الصحيفة الكاملة السجادية، وامير المؤمنين علي عليه السلام قوي وورع يخاف الله ولايخاف في الله لومة لائم لذلك فاننا نجد انه عند استقراء سيرته في الحكم انه اهتم باختيار اهل النزاهة والاخلاق العالية لشغل المناصب العليا في الدولة.

توزيع الثروات بشكل صحيح

يعتبر المال عصب الحياة وبه تستقيم امور الناس في تمشية امور حياتهم ومعاشهم، والدول تسعى للحفاظ على ذلك  المال لغرض الابقاء على الدولة قوية ومتماسكة لايطمع فيها عدو ولاينال منها طامع، ولقد سعى الامام امير المؤمنين عليه السلام لتوزيع الثروة بشكل عادل ليقضي على جميع المشاكل وتوفير فرص الحياة المستقرة والعمل تحت مفهوم الضمان الاجتماعي ووفق الاسس المالية التي اعتمدها القانون الاسلامي بالاعتماد على راس مال الدولة وتوزيع الحقوق المالية بشكل عادل والعمل على توفير فرص العمل وتشجيع الافراد على العمل والمشاركة في عملية الانتاج.

رعاية حقوق الانسان

كما اهتم الامام علي عليه السلام ببرنامج حقوق الانسان بما اعتمده على اسس سليمة مستمدة من القران الكريم والسنة النبوية المطهرة فحافظ على ارواح وممتلكات المواطنين وهيئ  لهم اسباب الحياة الكريمة من مأكل ومطعم وملبس..

ووفر لهم قضاءا عادلا يلجأ اليه المظلوم داخل دائرة حكمه الواسعة وفي كل الامصار والولايات التي حكمها هو ورجاله،  كما اعتمد عليه السلام على الرجال الاكفاء ووزعهم على ولاية الامصار، وولى اخرين منهم على القضاء، وتمكن الامساك بزمام الامور لولا المؤامرات والدسائس التي كان يكيدها الكائدين، ولكنه رغم استشهاده ترك منهجا عظيما لتطبيق العدالة بين الناس اشارت له اكبر المؤسسات الدولية التي تنظم شؤون العالم ومنها الامم المتحدة.

اقامة العدل بتطبيق قانون العقوبات الادارية والمالية

ان اعظم شخصية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تفهم التشريع بشكل كامل هو من كان تلميذا مجتهدا ياخذ عنه كل يوم علما وخلقا ويرى في رسول الله صلى الله عليه واله كل يوم خطوة جديدة من خطاه يستلهم منها روح الدين والايمان فورث بذلك  الامام علي عليه اللام ثروة علمية عظيمة كان لها اكبر الاثر في خلق جيل من الرواد من الذين اقتفوا اثره كسلمان واباذر وعمار والمقداد وجابر بن عبد الله الانصاري وغيرهم.

وقد سعى الامام عليه السلام في ولايته الى الاخذ بمبدأ العقوبات واقامة الحدود الشرعية على المتجاوزين على القانون وحكم في ذلك بالعدل وميز في التطبيق بين الجرائم، وورثت عنه الامة قوانين واضحة في الحدود والشبهات والاحكام خصوصا في الجرائم الكبيرة التي تقتضي اخذ موقف واضح منها.

القضاء على الفساد باقصاء العناصر غير النزيهة

لقد تجاوز الامام امير المؤمنين عليه السلام الحالات التقليدية في مجاملة الاغنياء واصحاب الوجاهة واهل الرشوة والفساد في السلطة والحكم والقضاء فلم يبقي احدا من الفاسدين والمفسدين وعمل على اقصائهم وابعادهم عن المواقع القيادية واختار رجالا من اهل الثقة لاتاخذهم في الله لومة لائم.

اهتمامه ببرامج الدولة المتنوعة

اهتم الامام عليه السلام بالعديد من البرامج ومنها:

اولا: تطبيق المناهج التعليمية حيث شجع على تعلم القراءة والكتابة عن طريق حفظ القران الكريم ووجه العلماء في اللغة الى علم النحو وطور تلك المناهج بطريق تقديم النصح.

ثانيا: اهتمامه بالتربية الرياضية المدنية والعسكرية والبدنية حيث شجع على ممارسة الرياضة وتعلم فنون القتال وركوب الخيل والسباحة والمصارعة والعدو والضرب بالسيف.

ثالثا:  اهتم بالقيادات المدنية حيث وزع الخطباء على المساجد لتثقيف الجماهير فاوعز مثلا الى كل من سهيل وزيد وصعصعة الاشراف على المساجد في الكوفة.

والمجال يطول فيما لو حققنا في طريقة واسلوب ادارة الامام امير المؤمنين عليه السلام للحكم ايام ولايته الشرعية ونكتفي بهذا القدر احياء منا لذكرى ولايته الشرعية العامة للمسلمين والتي تعتبر عيدا مهما في حياة المسلمين وبابا لولاية بقية الائمة الاثني عشر الذين تعرضوا الى حملات ومؤمرات واسعة من قبل الظالمين لهم في الوقت الذي نتطلع فيه الى الدولة العادلة التي ستشهد البشرية ثمارها العظيمة يوم ظهور القائم المؤمل والعدل المنتظر الامام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/كانون الثاني/2008 - 24/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م