نَظرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ عَلى تَوّقِيْعِ الإتِّفَاقِيَّةِ الأَمْرِيْكِيَّةِ

محمّد جواد سنبه

(الطرف الذي ينتصر على خصمه في الحرب، سيحاول على ارجح الاحتمالات، أن يبدل علاقة القوة بينهما، بصورة تكفل له تفوقاً دائماً عليه)

(هانس مورجانثو /أستاذ في العلاقات الدولية)

سيبقى حقّ كلّ عراقي مكفولاً، بموجب الدّستور العراقي، في إبداء وجهات النّظر، سواء كانت موالفة أو مخالفة، لأيّة وجهة نظر أخرى غيّرها، بشرط عدم خرقها للقانون، وهذا جزء مهمّ من صُلب النّظام الدّيمقراطي النّاضج. و بدون مزايدة على وطنيّة أحدٍ من العراقيين البتّة، لا بدّ أنْ نقف ملياً كمراقبين، لكافّة الأدوار التي ظهرت في الأيام الأخيرة، من أحداث المصادقة على (إتّفاقيّة سحب القوات الأمريكيّة من العراق/ كما سمّاها الطرف العراقي. بيّد أنّ الطرف الأمريكي، لا يزال يطلق عليها اسم (الإتّفاقيّة الأمنيّة)).

وفي مجلس النّواب باعتباره الجّهة التي بموافقتها، تتحوّل الأفكار التي كانت قبل حين، مكتوبة على قراطيس و تسمى مسودّات، ستأخذ لاحقاً، (عند مصادقة مجلس الرئاسة عليها) صيغة محددة، ملزمة للعباد في عموم البلاد، و ستخرج المسودّات إلى الوجود بصفة تشريعيّة (قانونيّة).

 إنّ في تصويت مجلس النّواب، على اتّفاقيّة (سحب القوات الأمريكيّة من العراق)، ممارسة طيّبة للعمل الدّيمقراطيّ، بصيغه المعمول بها، في أكثر دول العالم، تطّبيقاً لمفاهيم الدّيمقراطيّة. فقد عكست جلسة يوم الخميس 27/11/2008، ممارسة راقية في التّصويت، على موضوع يخصّ مستقبل العراق كلّه. لكنْ يجب على كلّ متابع و ناقد و محلل سياسي، أنْ يفرز الجوانب السلبيّة لهذه العمليّة، و يخضعها للدراسة والتّقييم، مثلما يحدّد الجوانب الإيجابيّة فيها، ويخلع عليها حلل التّبجيل والإطراء.

 و يجب أنْ نتعلّمَ ؛ مثلما يتوجّب علينا أنْ نقول للصواب، هذا شيء حسَن. ينبغي أنْ نتعلّمَ ؛ بأنْ نقول للخطأ هذا شيء غير حسَن (على أقل تقدير)، إنْ لم نقل (تأدباً و ليس مجاملةً) أنّه قبيح. ولغرض تسليط الضوء على بعض الجوانب، التي تراءت لي، بأنّها إيجابيّة أو سلبيّة، حَرصت على أنْ أُضمّنها في النقاط التاليّة، (مبتدءاً بالإيجابيات أولاً):

1. مؤشرات على المفاوضات قبل ترحيلها إلى مجلس النّواب.

‌أ- إنّ الإشارة إلى فريق الحكومة، برئاسة السيّد رئيس الوزراء، الذي أدار دفّة عمليّة التفاوض، بطريقة سلسة ومرنة، تتّصف بطولِ أناةٍ، وصبرٍ جميل. سواءاً كانت مع الجانب الأمريكي من جهة، أو مع الأطراف السّياسيّة المعارضة، لتوقيع الاتّفاقيّة من جهة أخرى. فقد عكست روح التّفاهم، (كمؤشر مختلف) في هذه المباحثات، الأجواء الإيجابيّة التي سادت فيها، بالرغم من الشدّ العصبي الذي جرّ لبعض المماحكات، التي نأمل أنّ لا نرى شبيهاً لها مستقبلاً.

 و قدّ نستطيع القول أن هذه المباحثات، هي الأكثر طراوةً ونداوةً، من بيّن المناقشات السابقة، التي اتّسمت بروح التشنج و التصلّب، في إطار التّمسك بوجهة نظر معيّنة، دون الإلتفات إلى وجود وجهات نظر أخرى، قد تّكون أكثر عمقاً، و أكثر فائدةً. أو قد تّكون متساويةً من حيث المنافع والمضار، بمقارنتِها مع وجّهة النّظر للطرف الآخر.

‌ب- من ناحية ثانية، هذه المباحثات كشفتّ، أنّ التّيار الصدري، ظلّ متمسكاً بموقفه معبراً عن مبدئيّته الراسخة، وقناعاته القويّة، بالثبات على موقف محددّ، مفاده أنّ توقيّع الإتّفاقيّة، عمل لا يخدم مصالح الشّعب العراقي، دون أنْ يساوم أحد، من أجل التخلي عن موقفه، أو حتى تغييره جزءاً أو كلاً. و هذا الموقف الثابت، يُسَجّل لصالح التّيار الصدري، في إطار العمل الدّيمقراطيّ. لكنْ بعضّ الأطراف، لا زالت تفكّر بطريقة شموليّة في طرح قضاياها. أي، أمّا القبول بكلّ مطالبها، أو رفض الكلّ، وهذا خلل جسيم في فنّ التفاوض. في حين أنّ المنطق يحكم، بأنّ المفاوض الجيّد، هو من يتمكّن من تفكيك مطالبه، وتقديمها واحداً تلو الآخر. و لا بأس بتأجيل الأقل أهميّة، مقابل تحقيق النّجاح في كسب الموضوع الأكثر أهميّة.

2. مؤشرات على التصويت في مجلس النّواب.

‌أ- من المؤسف حقاً أنْ نثبّتَ، بأنَّ مجلس النّواب منذ تشكيله في نيسان 2006، و لحدّ الآن، لم يستطع أنْ يكمل سَنّ القوانين، التي نصّ الدّستور العراقي، على سَنّها، عند تولي مجلس النّواب مهامّه التّشريعيّة. فيذكر الاستاذ ((احمد جويد) مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث) ما يلي: (حوالي (50) مشروع قانون معطل داخل البرلمان، لم ينجز منها سوى (13) فقط، كونها لا تحظى بموافقة بعض الكتل، رغم الوصول لنصاب كافي للتصويت عليها (انتهى).

 ومن المعلوم أنّ وجود القوانين النافذة، تعطي حريّة كبيرة جداً، للسلطة التّنفيذيّة باستخدام سلطاتها وصلاحيّاتها لإدارة دفّة الحكم. فبدون القوانين، يصبح الدّستور حبراً على ورق، كما تصبح السلطة التّنفيذيّة مشلولة، أو مقيّدة في بعض أنشطتها. لأنّ السلطة التّنفيذيّة، تستند في تنّفيذ مهامّها، إلى قوانين نافذة تعمل بموجبها. وهذه النقطة، تفسّر لنا ضَعف الأداء الحكوميّ، في الكثير من الدوائر الرسميّة، و بسببها يستشري الفساد الإداري والمالي، في مفاصل الدولة العراقيّة المختلفة.

في الحلقة الثانية من هذا المقال، سأستكمل بعونه تعالى، ما تبقى لي من ملاحظات على هذا الموضوع، وسبحانه وراء القصد.

* كاتب و باحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 3/كانون الثاني/2008 - 4/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م