السيد محمد الشيرازي مصلحُّ لم تنل منه المنافي

مجلة الشبكة العراقية

عالم دين وفقيه، شغل مكانة رفيعة بين كبار علماء التقليد والفتاوى في العالم الاسلامي، وتتلمذت على يده أجيال من طلبة المعارف والعلوم الدينية، كما عرف عن الامام الجليل محمد مهدي الحسيني الشيرازي،أنه صاحب مشروع نهضوي اسلامي، اراد من خلاله النهوض بواقع الامة الاسلامية، فشرع بتنفيذ الكثير من جوانبه، وراح يعمر المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات والحوزات العلمية والدينية التي بانت معالمها بمدن كربلاء والنجف والكاظمية، وامتدت الى عدد من الدول العربية والاسلامية لتشمل الكويت والبحرين وسوريا وايران وباكستان والهند.

كان يقضي ليله بشهادة المقربين منه بالدعاء ثم يواصل كتاباته، ومنذ الصباح الباكر، يحاضر طلاب البحث الخارج “اعلى مرحلة دراسة” لينهلوا من زاد علمه ثم يلقي محاضرة حلقته الدراسية ومن حوله طلبة الحوزة، ويؤدي فريضة الظهر ، صلاة جماعة داخل الصحن الحسيني الشريف بمدينة كربلاء، ويمضي الى ديوان منزله لاستقبال المراجعين والسائلين والمستضعفين، وعادة ما يقف مع العامة على قارعة الطريق، ربما كان احدهم، شيخاً مسناً او امرأة او صبياً، يقضي حاجاتهم حتى وان صادف ظهيرة يوم صيف حار.

ولد في مدينة النجف الاشرف عام 1926، وهاجر مع والده الى مدينة كربلاء المقدسة وهو في ربيعه التاسع، وتسلم مهام الحوزة العلمية عندما بلغ عمره 33 عاماً.

ينتمي السيد محمد الى اسرة الشيرازي العلمية التي سكنت العراق قبل اكثر من 150 عاماً، وعرفت هذه العائلة بالتقوى والصلاح والعلم والحكمة، فكان جده الميرزا محمد الشيرازي  المرجع الدين الاعلى قبل قرن من الزمان.

وخاله الشيخ محمد تقي كان يمثل المرجع الاعلى في فترة الحرب العالمية الاولى وأحد قادة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني في العراق، اما والده فهو العالم الزاهد مهدي الشيرازي، الذي تولى زعامة الحوزة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة، وتولى ايضا أخاه الشهيد السيد حسن، مؤسس الحوزة العلمية “الزينبية” في منطقة السيدة زينب عليها السلام، في سوريا.

كان النظام السابق، يدرك خطورة التيار الديني الذي اطلقه السيد محمد الشيرازي في مدينة كربلاء، ويتحين الفرصة للاجهاز عليه مستغلاً ظروف الصلح الذي عقده مع شاه ايران باتفاقية الجزائر عام 1975، وعلى اثرها ادرك السيد محمد انه لا يمكن الاستمرار في نهضته الدينية مع بقائه في ظل نظام جائر. خصوصا بعد اعتقال اخيه الشهيد حسن الشيرازي وتعذيبه في سجون النظام، وكان أمامه خياران اما ان يصطدم به او يهاجر عنه، وفضل الخيار الثاني لاكمال مشروعه الديني. فسافر الى سوريا ثم الى لبنان، وحط رحاله في الكويت لسنوات عديدة، ثم رحل الى ايران”.

وخلال مشواره الاصلاحي، اسس مدرسة الامام الصادق بالتعاون مع جمع من علماء المدينة واسس مدارس حفظ القرآن الكريم للبنين والبنات وشرع بتأسيس هيئة التبليغ السيار التي تقوم بزيارات دورية للقرى والارياف، للتوعية الارشاد، وبنى العشرات من المساجد والحسينيات ورمم اكثر مساجد مدينة كربلاء.

كان السيد محمد الشيرازي، يشجع العلم والتعليم واسس ما يقارب عشر مجلات ثقافية، منها “الاخلاق والآداب، صوت المبلغين، نداء الإسلام، منابع الثقافة الاسلامية، مبادئ الاسلام(باللغة الانكليزية)” وغيرها.

كما أسس العديد من المكتبات منها “مكتبة القرآن الكريم، المكتبة الجعفرية”، وعشرات المكتبات الصغيرة وساهم في تأسيس مطبعة اهل البيت. واما في المجالين الخدمي والاصلاحي فقد اسس جملة من المؤسسات، منها “مستوصف القرآن الكريم، النادي الاسلامي، المدرسة الصناعية، لجنة تشغيل العاطلين، وغيرها الكثير.

اما مؤلفاته فقد اصدر اكثر من 130 مطبوعاً بين مجلد وكتيب، كما بلغت موسوعته الفقهية 160 كتاباً.

في آخر خطابه له، خص كلامه تقوى الله وذكر الموت والصبر في النائبات، وفي ليلتها عندما اشارت عقارب الساعة الى الثانية فجراً سقط في فراشه وأصيب بجلطة دماغية وتجمع أولاده واحفاده من حوله، فنظر اليهم وابتسم مثلما كانت عادته، ثم نقل الى المستشفى وراح في غيبوبة طويلة لم يعد منها حتى وافاه الاجل رحمه الله في مدينة قم عام 2001.

وشيعه الى مثواه الاخير عشرات الالاف من جموع المحبين والمخلصين من العلماء والعوام، تكريماً لمنزلته ومكانته، ومناقبه وعلمه وورعه.

* المصدر: مجلة الشبكة العراقية( العدد التسعون)

شبكة الاعلام العراقي

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/كانون الثاني/2008 - 3/ذي الحجة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م