منطلقات اساسية لترميم الاقتصاد العراقي 

رؤى الإمام الشيرازي لمستقبل الاقتصاد

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تقدم دول العالم المتحضرة المحور الاقتصادي كرديف موازي للمحور السياسي، وركيزة أساسية من ركائز الدولة، فيما أمست الأجندة الاقتصادية من الاعتبارات الأولية لديمومة الدول وازدهارها، من حيث تأثيرها المباشر في السياسة الداخلية والخارجية فضلا عن العلاقات الدولية مع بقية دول العالم.

وتطل علينا الكثير من التجارب التي خاضتها الدول في هذا المنحى المهم والفاعل، كان للاقتصاد اليد الطولى في استقرار أنظمتها سياسيا وامنيا فضلا عن انتعاش شعوبها اجتماعيا، أو العكس من ذلك، حسب طبيعة نجاح أو فشل السياسات الاقتصادية التي اتبعها الساسة والمسئولين في تلك الدول.

 وكبلد مثل العراق، أمسُ ما يحتاج إليه هو سياسة اقتصادية محكمة قادرة على النهوض به من بين أنقاض الحروب المدمرة التي لا يزال يعاني من آثارها، سيما إن اقتصاده  تلازمه هشاشة من الصعب على الحكومة ترميمه منفردة، كونها تقف شبه عاجزة عن اتخاذ أي قرار اقتصادي مستقل، لفداحة التركة الضخمة التي خلفتها سياسات النظام السابق، كالفساد والترهل الذي يشمل كافة أجهزة الدولة فضلا عن حجم البطالة، وما ترتب على المساعدات المقدمة من النظام الدولي من شروط مقيدة لأي قرار قد تتخذه.

من هذا الباب كان للمرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي الكثير من الآراء المهمة للنهوض بالاقتصاد خصوصا انه توقع الكثير من تلك الأحداث التي سيعاني منها العراق بعد التغيير منها:

أولا: القضاء على الترهل في دوائر الدولة

" إن كل موظف بعد تجاوز القدر المحتاج إليه ليس إلا كلاًًّ على الناس وحائلا دون حرياتهم"

أن التضخم في جهاز الموظفين في الدولة هو أسوء من التضخم في الاقتصاد، بل قد يكون هو من أسبابه لأن التضخم في الجهاز الوظيفي يجعل المنتجين مستهلكين ويؤدي إلى سيطرة البيروقراطية التي تحول دون حريات الناس وحينئذ تتجه البلاد نحو الفقر والعوز بعد أن يستملك الجهاز الحاكم الأموال ويمنع الناس من حرية العمل والإنتاج.

إن دور الجهاز الوظيفي العامل في الدولة هو ضمان الأمن للناس ورفاهتهم والسهر على مصالحهم، وهذا القدر من الموظفين الذي لا يكون كلاً ولا حائلا دون حريات الناس هو الذي يكفي لتمشية أمور الدولة وخدمة الناس باعتبار أن الجهاز الوظيفي هو لخدمة الناس فحال الموظفين حال المعلم والسائق والطيار ومن أشبههم من الذين يحتاجهم المجتمع.

أما الوظيفة بما هي وظيفة لا تخدم الشعب ولا تحافظ على مصالحه بل تتحول إلى مهنة ومبعث رزق كما هو الحال في كل بلاد الدكتاتوريين فهي الطامة الكبرى إذ يتحول الجهاز الوظيفي إلى بيروقراطية تضع القوانين لتعرقل أعمال الناس وتقضي على حرياتهم. وفي هذا الحال يتحول الشعب إلى خاضع ومطيع للموظفين بدلا من العكس.

ثانيا: مستلزمات الاقتصاد الحر

من أهم الأمور في سلامة الاقتصاد هو جعل التجارة والصناعة حرة بما للكلمة من معنى، وعليه فاللازم (البرمجة الشاملة والدقيقة) لضمان سلامة الاقتصاد وتطويره، وعلى الحكومة أن تكوّن ـ وتسمح بتكوين ـ مؤسسات اقتصادية ولجان من أهل الخبرة لكل نوع من أنواع الاقتصاد كالزراعي والصناعي والتجاري الخارجي والداخلي والمصرفي وما إلى ذلك بحيث تكون قوانينها حيوية.

كل ذلك في إطار حرية رؤوس الأموال "فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون"، وترك كل الأمور بيد الناس.. والدولة مهمتها الإشراف والتقويم فقط، حتى المطارات وسكك الحديد والمعامل والمصانع الكبار والصغار والمستشفيات وغيرها.

وإعطاء الحرية لجميع الناس في الاستفادة من الأرض (الأرض لله ولمن عمرها) والماء والغابات وحيازة المباحات: كالأسماك وسائر أقسام الحيوانات، وكذا أنواع المعادن حسب القانون.

ثالثا: الاهتمام بالصناعة  وصولا إلى الاكتفاء الذاتي

وتطوير التصنيع من أهم ما يوجب تقديم الأمة إلى الأمام في كل الميادين، إذ الصناعة هي القمة التي تتربع على سائر الميادين الثقافية والخبروية والاجتماعية وغيرها.

إذ إن التصنيع يعطي حاجات البلاد ويوجب الاكتفاء الذاتي ويقلل من نسبة البطالة إلى أقل حد ممكن ويوجب رفع العوز والفقر ويقف حائلا دون التضخم وكل ذلك بدوره يوجب تقليل الفساد الأخلاقي، والسرقة، والمرض، واستعمال المخدرات، ونحوها.

ولا يخفى أن تقدم التصنيع وتطويره لا يكون إلا مع الحرية والتعددية وقلة الموظفين وانعدام الروتين ووجود الاستثمارات وتشجيعها على ذلك، وكذلك تشجيع الناس على إيجاد صناديق الإقراض، والبنوك المضاربة التي تساهم في تطوير الصناعة.

وبحسب الامام الشيرازي فأن الحرية لا يمكن أن توجد إلا بعد أن تكون مستندة إلى الأحزاب الحرة والمؤسسات الدستورية.

فإذا اُهتم بهذا الأمر وبدأت الدولة بإنشاء هذه المصانع تدريجيا عبر إنشاء المصانع الصغيرة ومن ثم وبعد فترة من الزمن تبدأ بالصناعات الثقيلة والكبيرة التي يتم إنشائها حسب الإمكانات والظروف وبذلك لا تمر خمسة أعوام إلا والبلاد مشرفة على الاكتفاء الذاتي في الحقلين الصناعي والزراعي وما يتبع ذلك من سائر الاكتفاءات.

ومن الملاحظ أن بعض دول العالم الثالث تركز معظم مصروفاتها على الاستهلاك والاعتماد كليا على ما تستورده من الخارج لتغطية احتياجاتها الأساسية والكمالية ولذلك فإنها تصبح تابعة وأسيرة للدول التي تعتمد عليها خاصة إذا كانت تستقرض منها ولو أنها صرفت هذه على تقوية بنيتها الاقتصادية لنالت اكتفاءها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/تشرين الثاني/2008 - 22/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م