ظاهرة تسرب الأطفال من المدرسة: اسباب وعلاجات

تحقيق/زينب شبيل

 

شبكة النبأ: أفرزت الظروف التي مرت بالعراق الكثير من الظواهر السلبية، التي لا تزال تلقي بظلالها القاتمة على المجتمع العراقي، مما انعكس بشكل هو اقرب ما يكون الى مأساة تهدد مستقبل اطفالنا ومصائرهم.

فظاهرة تسرب الاطفال من المدرسة من القضايا الاجتماعية والتربوية الخطيرة، لما لها من تأثير على مختلف الاصعدة الانية والمستقبلية للاجيال القادمة، والتي اصبحت ظاهرة تتفشى في طبقات المجتمع, مخلفة العديد من الهموم والمشاكل، خصوصا في ظرفنا الحالي وما يتعرض له العراق من هجمة ارهابية واجرامية لم تستثني الاطفال او النساء من اجندتها المسمومة، المتمثلة في استغلال الاطفال لتجنيدهم في العمليات الارهابية.

فضلا عن تسول البعض منهم قرب أشارات المرور والتقاطعات, وانجرافهم مع أصدقاء السوء.

ولتسليط الضوء على أبعاد هذه الظاهرة ومدى تأثيرها على مستقبل أطفالنا, توجهنا الى احدى تقاطعات شوارع كربلاء الرئيسية، والتي دائما ما يتواجد على ارصفتها عدد من الصبية والفتيات صغار السن، وهم يمارسون  التسول هناك باساليب مختلفة، كمسح زجاج السيارات او بيع البخور او غيرها من هذه الأعمال.

سألتُ علي عباس 17 سنة، يزاول (مهنة) مسح زجاج السيارات في التقاطع المروري، هل أنت طالب في المدرسة؟ فأجاب وثنايا الحزن بدأت تظهر على وجهه, تركت المدرسة وأنا في المرحلة الثانوية منذ ثلاثة سنوات عندما توفى والدي بحادث أجرامي وتركَنا بلا معيل, فقمت بإعالة أسرتي لأني الأبن الأكبر وتكفلت بمعيشتهم.    

سوسن إبراهيم فتاة في العاشرة من عمرها كانت تعترض السيارة لبيع العلكة بينما كانت والدتها تدور بين السيارات, وهي حاملة طفلة صغيرة تحت عباءتها وكانت أيضاً تلبس الخمار وترتدي الكفوف السوداء, فأخذني الفضول ودنوت نحو الفتاة لأسألها فيما اذا كانت  تذهب الى المدرسة أم لا..!؟

قالت سوسن لم أذهب الى المدرسة بحياتي, لأنني نشأت في أسرة لا تعرف ما هو التعليم.. فقط اعرف التسول بين هذه السيارات. وعندما قلت لها هل ترغبين بدخول المدرسة؟ فردّت.. كانت أمنيتي أن أدخل المدرسة وأتعلم.

والدة التلميذ حسن عبد الزهرة اشتكت من بعض الأساليب التي تستخدمها المعلمات.. قالت لـ شبكة النبأ، هذه المرحلة من العمر تحتاج الى مراعاة خاصة من قبل المعلّمات, لأن ولدي لا يرغب بالذهاب الى المدرسة لأنه قام بتناول بعض الطعام أثناء الدرس ولم تحسن المعلّمة التعامل معه لتتفادى هذه الظاهرة التي من الطبيعي ان يقوم بها الأطفال الصغار الجدد عند دخولهم المدرسة، بل قامت بالصياح عليه بطريقة مرعبة ومخيفة جعلت حسن يرفض الذهاب الى المدرسة مجددا.     

المواطنة باسمة كاظم، أرملة ولها ستة أيتام, حدثتنا عن سبب عدم ذهاب أولادها الى المدرسة في هذا العام, لأنهم أيتام وحالتها يرثى لها ولم تتمكن من أرسالهم الى المدرسة بسبب كثرة تكاليف واحتياجات المدرسة التي لاتستطيع شرائها لأولادها من ملابس وحقائب ولوازم مدرسية وغيرها من المتطلبات..

مريم علي(9 سنوات), تسرَّبت من المدرسة بعد أن قُتلت والدتها من قبل عصابة اقتحمت منزلهم أمام عينها, وبعد أسابيع قُتل والد مريم في شارع فلسطين من قِبل نفس العصابة التي كانت تهدده وتلاحقه باستمرار لأعطاءهم المال, فاشتدت حالتها صعوبة وقامت خالتها بإعالتها مع أخوانها الثلاثة, ولا ترغب بالرجوع إلى المدرسة لأنها تقوم بالاهتمام بإخوانها الصغار.    

في مديرية تربية كربلاء التقينا الاستاذ جواد كاظم، مدير التعليم العام لمعرفة التدابير والمعالجات التي تتبعها وزارة التربية للتصدي لهذه الظاهرة حيث اجابنا قائلا: ان نسبة تسرب التلاميذ هذا العام قليلة جداً مقارنة بالسنوات الماضية وذلك لإقبال التلاميذ على المدرسة بحماس كبير وجدية واضحة, وان هذا الإقبال لا أقول بأعداد كبيرة بل بنسبة كبيرة جداً.

وأضاف جواد لـ شبكة النبأ، هناك حملات نهضت للحد من هذه الظاهرة فقد كان في السابق تقوم المدرسة بأرسال الشرطة الى أهل التلميذ أو الطالب لحضوره اجبارياً الى المدرسة والآن يوجد قوانين مماثلة للسابق في أستمرارهم وعدم تركهم للتعليم, أستطرد جواد وحدثنا عن معاملة المعلّم أو المعلّمة لتلاميذ الصفوف الأولى وأكد على وجوب معاملتهم معاملة مميزة وان كوادرها يجب أن يكونوا متخرجين من كليات التربية ومن دورات تطويرية لإكسابهم هذه المهنة, حيث بين آسفاً الافتقار الشديد الى الكادر التعليمي التربوي وبشكل كبير في مدارسنا.

 كفننا أوراقنا وذهبنا إلى مدير التخطيط التربوي علاء حسن الصافي, اخبرنا عن مكافحة التسرب والأمية للأطفال, والتي شهدتها المحافظة بشكل واضح للعيان, حيث تم فتح مدارس اليافعين ومدارس التعليم المسرّع.

وأضاف الصافي لـ شبكة النبأ، في العام السابق احتوت المدارس ما يقارب على 5000 طالب في عموم المحافظة, ولم تشمل المراكز بل طالت الاقضية والنواحي, منوهاً بأن التركيز على الإناث أكثر من الذكور, مشيراً الى أن محافظة كربلاء من أكبر محافظات القطر التي ضمّت هؤلاء الطلبة, ولكن قلة المدارس والأبنية تحد من جهود مكافحة التسرب والامّية.

المشرف التربوي حسين ياس الغانمي، حدد العوامل الأكثر بروزاً وتأثيراً وعملاً في تهيئة ارضية خصبة تحتضن وتغذي وتديم هذه الظاهرة.

 وأشار حسين الى أن للأسرة دور في هذه الظاهرة من حيث نوع العلاقة بين أفرادها, مستواها الاقتصادي, مصادر عيشها, ثقافتها العامة, مستوى أفرادها العلمي..الخ.

بالاضافة الى عوامل اخرى ساندة كالحالة الصحية للتلميذ, والاضطراب العاطفي والحالة النفسية العامة ومستوى الطموح والنظرة إلى المستقبل وتحديد الأهداف التي على ضوءها يمكن للتلميذ أطلاق دافعية تتناسب وتحقيق هدفه إيجابياً أو سلبياً.

منوهاً الى تأثير المؤسسة التربوية التعليمية التي ينتمي اليها التلميذ (المدرسة) من ناحية موقعها, بناؤها, والحد الذي تؤمِّنه في إشباع الحاجات المشروعة للتلميذ وتنمية مواهبه ومهاراته وعدد المناهج المقررة ومدى تأثيرها في بناء شخصية. ووضح المشرف حسين، كلها عوامل تعطي مردودات ذات حدين, إيجابي: عندما تكون مطابقة للمواصفات التي أنشأت من أجلها المدرسة والأستمرار في الدوام. وسلبي: عندما يكون العمل عشوائياً والإقرار بالأمر الواقع فيؤدي إلى النفور من المدرسة والتسرب.

وأستطرد حسين، للحد من قضية التسيب الدراسي يجب أن يصار الى بناء علاقة وطيدة وطيّبة بين المدرسة وأولياء الأمور من خلال التعاون المتبادل, وتوعية المجتمع واقناعه بضرورة التحاق أبناءه في المدارس المتواجدة في مناطق سكناهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الثاني/2008 - 10/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م