إقليم كردستان أمّ إقليم أمريكان؟

 محمّد جواد سنبه

أروع خصال السياسي الحكيم، أنْ يكون حاضر الذهن، متوقّد الذّكاء، يطرح أفكاره وهو يحدس وقعها في ذهنية الغير. أنْ يعرف كيف يقنع الغير بأفكاره، وأنْ يعرف كذلك متى يتحدى، ومتى يهادن. وأذكى الأفكار التي يطرحها السّياسي المحنّك، هي التي تحيّر ذهن المتقبّل، أفكار حمّالة لعدة وجوه. هذه الخصال وغيرها هي التي تسهم في صنع شخصيّة السّياسي المرن، وهذه الشخصيّة، هي التي تمتلك فرص صناعة القرار السّياسي الصائب أكثر من غيرها.

في صحيفة الحياة الصادرة يوم الأحد 2/11/2008 ورد الخبر التالي: (وكان بارزاني توجه إلى واشنطن الاثنين الماضي بناء على دعوة رسمية من الرئيس جورج بوش، حيث عقد هناك سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين الاميركيين تركزت حول الاتفاق الامني)(انتهى).

وما يثير الاستغراب، تصريحات السيّد البرزاني يوم 2/11/2008، لوكالة (فرنس برس): (اربيل (العراق) (ا ف ب): (قال الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني ان "برلمان وحكومة وشعب" اقليم كردستان العراق "يرحبون" باقامة قواعد اميركية في الاقليم اذا لم يتم توقيع الاتفاقية الامنية بين واشنطن وبغداد وفقا لصحيفة كردية محلية). هذان الخبران يثيران في ذهن المراقب التساؤلات التاليّة:

1. هل اللقاء الذي جمع الرئيس بوش، والسيّد البرزاني كان بموافقة من الحكومة العراقيّة.

2. هل اللقاء كان ذا طابع سرّي.

3. هل الدستور العراقي يسمح بهذا اللقاء.

4. هل حققت هذه الزيارة نتائج طيّبة لصالح العراق أم لا ؟. وهل أضرّت بمصالح العراق أم لا ؟.

الإجابة على هذه الأسئلة كما يلي:

الجواب الأوّل: لم تذكر وسائل الإعلام العراقيّة أو العربيّة أو الأجنبيّة، أنّ السيّد البرزاني قد ذهب إلى واشنطن، بتفويض أو موافقة من الحكومة العراقيّة. ومن جانب آخر فإنّ من غير المتعارف عليه في البروتوكولات الدوليّة، أنْ توجه دعوة من رئيس دولة (وهنا الرئيس بوش)، إلى مسؤول في دولة أخرى(وهنا السيد البرزاني)، وهو ليس بمستوى درجة مقدم الدعوة (وهو السيّد بوش)، فالسيّد البرزاني، ليس بمنصب رئيس دولة أو رئيس وزراء. إنّ المستضاف(السيّد البرزاني)، هو رئيس اقليم في دولة اتحاديّة، يرأسها رئيس دولة و رئيس مجلس وزراء، بموجب الدستور العراقي. فالسيّد (بوش) قد امتهن رمزيّة الدّولة العراقيّة، من خلال تخطيّه لقمة هرم السلطة التنفيذية لدولة العراق، (التي أفنى (الرئيس بوش) من اجل تأسيس نظامها الديمقراطي الولد والتلد).

الجواب الثاني: لو كانت المهمّة سرّية، لما سمح البيت الأبيض نقل المقابلة، من قبل وسائل الإعلام.

الجواب الثالث: من يراجع الدستور العراقي يجد أنّ المادة 80 الفقرة سادساً، حصرت موضوع التفاوض بشألأن الاتفاقيّات في واجبات مجلس الوزراء حيث تقول: (التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، والتوقيع عليها، أو من يخوله)(انتهى). وبناءاً عليه تكون مفاوضات السيّد البرزاني مخالفة للدستور. وقد أكد ذلك رئيس الجمهورية السيّد جلال طالباني، في مقابلة أجرتها معه فضائيّة العراقيّة مساء يوم 3/11/2008، فردّ على ما إذا كانت مقابلة السيّد بارزاني للرئيس بوش دستورية أم لا ؟. فأجاب: إنّ مقابلة السيد برزاني للرئيس الامريكي ليست دستوريّة.

أمّا الجواب على السؤال الرابع فأقول:

من الواضج جداً أنّ هذه الزيارة، لم تحقق أيّة فائدة لصالح العراق وشعبه، ولو كانت قد حققت أدنى فائدة لهما، لقامت الدنيا ولم تقعد لهذا الحدث (التاريخي).

أمّا أنّ مقابلة السيّد البرزاني للرئيس بوش، قد الحقت ضرراً بالغاً في مصالح الشعب العراقي، فأقول نعم للأسباب التاليّة:

1. أنّ هذه الزيارة قد خرقت الدستور العراقي، وإذا كان الدستور لا يُحترم من قبل ممثلي الشعب العراقي، فماذا يكون حال حرمته و احترامه عند المواطن العادي؟.

2. إنّ الموقف السّياسي العراقي، يحتاج لبلورة موقف سياسي موحّد، يعكس وحدة الإرادة السّياسية الوطنيّة العراقيّة، بخصوص قضيّة غاية في الحساسيّة، لها صلة بحاضر العراق ومستقبله، فضلاً عن كونها تمثّل أوّل تجربة تفاوضيّة مع القوّة الأعظم في العالم.

3. موقف السيّد البرزاني، عكس للرأي العام بمختلف هوياته، هشاشة الجبهة السّياسية العراقيّة، وأعطى مؤشراً بامكانيّة تصدعها من أول أزمة تحيط بها. وهذا الوهن في الجانب العراقي، يعطي دفعة من الاستقواء لجانب المفاوض الأمريكي، وبالوقت نفسه تفتّ من عضد المفاوض العراقي وتضعفه.

كلمات لابدّ من قولها:

1. إنّ السيّد البرزاني يمثل شريحة عددها بسيط جداً، مقابل المجموع الكلي لمكوّنات الشعب العراقي. وبموجب آليات الديمقراطيّة، فهو يمثل جزءاً من مجموع القوميّة الكرديّة، وليس كلّها، هذا أولاً. وثانياً، القوميّة الكرديّة تشكل المجموع الأقل، بالنسبة لمجموع الشعب العراقي كله، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يصل مجموع كلّ القوميّة الكردية، إلى نسبة الـ 50% من مجموع الشعب العراقي. وبناءاً على ذلك فلا يحق للسيّد البرزاني أنْ يختزل كلّ تطلعات الشعب الكردي في شخصه، ويضعها في جعبته لوحده، فضلاً عن مصادرته لإرادة كلّ العراقيين الرافضين لعقد الاتفاقيّة مع أمريكا. فهذه ممارسة دكتاتورية مخالفة لروح الدستور العراقي، الذي يؤكد على النهج الديمقراطي لدولة العراق. ولا أدري كيف سمح السيّد البرزاني لنفسه، أنْ يتحدى ويتجاهل إرادة الشعب العراقي (من غير الشريحة التي يمثلها)، بترحيبه بالوجود العسكري الأمريكي على أرض العراق ؟. ألاّ يعدّ ذلك خرقاً لمبادئ الديمقراطيّة ؟.

2. يفترض بأي سياسي له وجهة نظر بقضيّة معيّنة، لا يتوفر فيها عنصر الاجماع، أن لا يحاول تحدي الآخرين، فتصريح السيّد البرزاني: ("برلمان وحكومة وشعب" اقليم كردستان العراق "يرحبون" باقامة قواعد اميركية في الاقليم اذا لم يتم توقيع الاتفاقية الامنية بين واشنطن وبغداد)، يعتبر تحدياً كبيراً لمشاعر العراقيين غير المقتنعين بعقد هذه الاتفاقيّة. فكردستان أرض عراقيّة والشعب الكردي جزء من الشعب العراقي، ولا يحقّ لأحد كائناً من كان، أنْ يعلن وصايته عليه، فإنّ مقولة (وهب الأمير ما لا يملك) قد عفى عليها الزمن.

3. تصريح السيّد البرازني قد أضرّ بمصالح الأكراد والعرب معاً، لأنّه أثار بتصريحه حفيظة الجارين (ايران وسوريا) ضدها. وكلا الجارين يرفضان الوجود الأمريكي على الأراضي العراقيّة، وإنّ شعبيهما يضمّان أقليات كرديّة. إضافة لذلك فقد أعطى السيّد البرزاني إشارة لأكراد تركيا، بأن للكرد العراقيين دولة مستقلّه، وهذا ما لا تطيقه تركيا و ايران و سوريا على الإطلاق.

4. والسؤال المحيّر جداً، لماذا لا يبادر البرلمان العراقي، أو مجلس رئاسة الجمهوريّة، أو رئيس مجلس الوزراء، بتقديم اشعار(على أقل تقدير) إلى السيد البرزاني، يذكّره بأنّ أرض كردستان أرض عراقيّة، وإنّه جزء من حكومة اتحاديّة، وهو ليس رئيس دولة مستقلة ؟. علماً أنّ الدستور العراقي ينص في المادة (109) مايلي: (تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي.).

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 8/تشرين الثاني/2008 - 8/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م