مَن المسؤول عن تدنّي مستوى التعليم في العراق؟

تحقيق: بتول شلال

شبكة النبأ: مَن مِنّا يرفض ان يكون في رحال الرقي والترقّي ويُشار له بالبنان عند تسلّقه سلّم العلم والمعرفة حيث قال الرسول الاعظم صلى الله عليه واله: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، لكننا نرى تغاضياً مطّرداً عن هذه الفريضة، ولأسباب مختلفة اصبح التعليم يعاني المشاكل المعقدة في البنى التحتية وفي الرعاية وكذلك في وعي المجتمعات لاهميته ومكانته.

وفي العراق بقي العِلم والتعليم أسير الحروب المتتابعة ورهن الايديولوجيات الشمولية للأنظمة السابقة، وبعد التغيير الذي جرى في البلد عام 2003 ظل قطاع التعليم على حاله في المعاناة من نقص المستلزمات وخراب البنى التحتية لقطاعاته كافة، بسبب موجات العنف والارهاب التي شهدها العراق ولايزال.

ولاجل الإطلاع عن كثب على الواقع الحالي لمستوى التعليم في البلد قامت (شبكة النبأ المعلوماتية) بمحاولة الوقوف على اسباب ظهور مؤشرات ترَدّي مستوى التعليم عموماً.

الست فاطمة، مديرة مدرسة الرسالة المتوسطة قالت، ان تدهور مستوى التعليم باعتقادي نابع من ثلاثة اسباب، الاول الطالب والثاني الكتاب والثالث المدرِّس.

اما الطالب فأنه تأثر كثيرا بما جرى ويجري من تدهور أمني وتردّي في الخدمات الحيوية التي تعتبر من اهم مقومات الاستمرار في التعلّم، او انجرف بسبب ضغوط الاهل عليه لإيجاد فرصة عمل لرفع المستوى المعيشي للعائلة، او انحدرت به ثقافة بيئته والعائلة التي يعيش فيها نحو مهاوي الإنحراف والتسيب نتيجة انعدام رقابة الاهل وقلّة توجيههم..

وهنا صارت مداخلة من قِبل احد الأساتذة فقال، قبل عدّة ايام أمسكتُ أحد الطلاب وفي يده جهاز موبايل مفتوح ويسمع ويرى فيه مالا يخطر على بال، وحينما أستدعيت والده لأسرد له قصة ولده، إلتفت الأب الى الابن وقال له، متى أستطعت أن تنقل هذا المقطع من موبايلي وأنا نمتُ في الساعة الثانية صباحاً؟!.. وهذا مثال نستنتج منه حالة الانحلال الخلقي  في البيت الذي أدى الى انجرار الولد الى قضايا غير اخلاقية وفي قعر داره، التي من المفروض ان يتلقى فيها التربية والاخلاق الطيبة.

وتكمل الست فاطمة حديثها لـ شبكة النبأ، المحور الثاني الذي اعتقد انه يساهم في تدنّي مستوى التعليم هو المنهاج التدريسي، حيث تعاني بعض المدارس من مشاكل سواء كانت ترتبط بنفس المدرسة أو بمديرية التربية او بالوزارة من تأخر استلام الكتب والدفاتر والقرطاسية، وخصوصا عندما يضاف منهج جديد لأحدى المراحل، فمثلا ان دخول مادة الانكليزي في منهاج الصف الثالث الابتدائي كان شيئا جديدا خلال هذه السنة لكن الكتاب التدريسي له لم يُسَلَّم حتى الان، وهذا التاخير سوف يخلق ارباكاً كبيرا لدى الطالب اذا ما ازداد زخم المادة عليه في المستقبل..

الست زينب، مدرّسة في مدرسة نهج البلاغة الابتدائية قالت لـ شبكة النبأ، أن السبب في تدهور التعليم في العراق بصورة عامة هو عدم كفاءة المدرسين الجدد، حيث تخرَّجت في الاونة الاخيرة مجموعات من المدرّسين ليست لديهم الدراية حتى في الكتابة، فإذاً كان المدرّس لديه أخطاء تعليمية كبيرة فكيف بحال الطلاب الذين سوف يدرّسهم.

واضافت زينب، من الاسباب الاخرى قيام وزارة التعليم العالي بقبول ادنى مستويات المعدلات في كلية التربية بالذات، حيث ان المعدل للدخول الى هذه الكلية (60) وهو ما لا نراه في اي كلية اخرى فهل ان كلية التربية غير مهمة الى هذه الدرجة؟ وهل انها أقل شأناً من باقي الكليات!؟.

الست سرى، معلّمة في مدرسة فاطمة الزهراء عليها السلام قالت، ان تدني مستوى التعليم يرجع الى كون المدرسين اصبحوا يتمتعون بالقدرة الشرائية العالية ما ادى لإنشغالهم بتطوير احوالهم التي كانت متردية أشد التردي في زمن النظام السابق، أما من جهة الطلاب فغلبت على عقولهم التطورات التي دخلت حديثاً الى البلد من التلفاز الحديث والستلايت والموبايل والانترنت والسيارات والدراجات وغيرها..

وهنا قالت الطالبة دعاء، في مدرسة اليرموك الثانوية، اصبحت الضغوط على الطالب تتصاعد من جهات مختلفة، من المدرسة والبيت، وكذلك من بعض المدرِّسات الإستغلاليات حيث تقوم بعضهن بتفضيل طالبة على اخرى، بسبب وضعها الاجتماعي، كأن يكون والدها مسؤول في احدى الجهات او والدتها مدرِّسة في نفس المدرسة..

وبيَّنت الطالبة ان وضع ثانوية اليرموك رديء جداً من ناحية التدريس ومن ناحية البنى التحتية للمدرسة وفقدانها للعديد من المستلزمات الحيوية كالمرافق الصحية والكهرباء ومستلزمات التدريس. واضافت دعاء، كذلك اللوم علينا نحن الطلاب حيث رغبتنا العارمة في مشاهدة التلفاز الذي يكون فيه مضيعة للوقت.

أما الطالبة فريال، من مدرسة رقية بنت الحسين الابتدائية فقالت، ان الجهل الذي يصيب عائلتي دفع والدتي الى ان ترغمني على ترك المدرسة.. والحقتني بركاب ربّات البيوت، حيث يجب عليّ أن اقوم بواجبات والدتي المنزلية، التي بدورها فرضتها عليّ فرضاً لأنها موظفة ووالدي يعمل كاسب واخوتي الذين عددهم أربعة طلبة ويعملون بعد الدوام ايضاً..

وهنا انهالت دموع فريال.. وكأن الدمعة تنطق وتقول أريد حقي في التعليم.. وبعد الانتهاء من البكاء قالت، انني متمسكة في الدراسة وأرى صورتي المستقبلية فيها. وأضافت، ان توسلاتي مع اهلي لم تجدي نفعاً.. وختمت فريال كلامها بقول"لا اله الا الله وحسبي الله ونعم الوكيل".

وعندما سألنا والدة فريال عن مستقبل ابنتها ولماذا هذا الضغط عليها قالت، ااترك "أربعمائة وخمسون ألف دينار" من اجل ابنتي!! التي سوف تتزوج سواء اخذَت الشهادة ام لم تأخذها!!

والحقيقة ان تدني مستوى التعليم في العراق لا يقع على عاتق الحكومة وحدها كما هو وصف بعض الذين استطلعنا آرائهم، انما على الطالب والمعلّم والاهل ايضاً.. على قول الرسول الاعظم (ص) " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/تشرين الثاني/2008 - 4/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م