سباق الرئاسة الأميركية ومستقبل العالم العربي

أحمد شهاب

هل يعنينا كثيرا من سوف يصل في سباق الرئاسة الأميركية إلى البيت الأبيض؟ وهل يؤثر على عالمنا إن كان الرئيس المقبل للولايات المتحدة ديمقراطيا أم جمهوريا؟ من المؤكد أن سباق الرئاسة الأميركية يجتذب اهتمام كل دول العالم، فجميع الدول بلا استثناء تشعر بأنها معنية بصورة مباشرة في التعرف إلى هوية الرئيس المقبل، ومنذ عام كامل وحتى الآن، لا تزال جميع وسائل الإعلام تتابع أخبار وتحركات ماكين وأوباما، وأيهما يتقدم على الآخر، ويتساءلون باستمرار عن وجه العالم الذي سوف يتغير إذا فاز هذا الطرف أو ذاك.

لكني أعتقد أن المسألة الأبرز التي ينبغي الاهتمام بها، ولاسيما خارج الولايات المتحدة، تحوم حول أصل استمرار تأثير الولايات المتحدة في المسار العالمي، فالأزمة الاقتصادية الهائلة التي اجتاحت العالم والولايات المتحدة على وجه الخصوص خلال الأسابيع المنصرمة، فتحت باب النقاش بقوة حول احتمالات انحسار نفوذ الولايات المتحدة، وعودة نظام التعددية القطبية.

وفقا للفيلسوف البريطاني «جون غراي» فإن حجم الكارثة الاقتصادية ينذر بانهيار الولايات المتحدة، وان الزلزال الذي ضرب أسواق المال الأميركية هو إعلان نهاية الإمبراطورية العظيمة، ويستعيد المحللون هذه الأيام نبوءات المؤرخ الأميركي بول كينيدي في كتابه «صعود وسقوط القوى العظمى» ‏العام 1987‏ بأن الولايات المتحدة في طريقها للضياع‏، ويستذكرون لحظات انهيار الاتحاد السوفيتي العام 1991ويتساءلون عمَّا إذا كان المشهد السوفيتي سوف يتكرر أميركيا في السنوات القليلة المقبلة؟

وفي تحليل لافت جدا كتب المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما صاحب الكتاب الشهير «نهاية التاريخ» مقالا تحت عنوان «انهيار أميركا كمؤسسة» تنبأ فيه بأن الولايات المتحدة لن تنعم بوضعها الذي ظلت تتمتع به حتى الآن كقوة مهيمنة على العالم، وهو ما أكده الغزو الروسي لجمهورية جورجيا في 7 أغسطس الماضي، وأشار إلى أن بعض مفاهيم الرأسمالية سقطت مع انهيار كبرى الشركات في وول ستريت.

هذه المقولات كانت حتى وقت قريب مستبعدة جدا، وتُعد من القراءات المغالية في تطرفها ضد الرأسمالية، أما الآن فإنها تبدو شديدة العقلانية، فالديون الأميركية فاقت العشرة تريليونات دولار، واقتصادها يسير نحو الكساد العظيم، وجبهات القتال في العراق وأفغانستان ورَّثت مشاعر العداء والكراهية في العالم ضد الولايات المتحدة.

وقد أشار «داييل غروس» في النيوزويك عدد 25 سبتمبر المنصرم إلى انه مع انتشار المعرفة المالية والاقتصادية في كل أنحاء العالم، تقوضت مكانة أميركا كرائدة عالمية في الحد من المخاطر المالية بسبب أزمة القروض في وول ستريت، وتبخر المدخرات أجبر المصرفيين الأميركيين على الاستنجاد بصناديق استثمارية حكومية في آسيا والخليج، والشركات الثلاث الكبرى المصنعة للسيارات تحاول الحصول على ضمانات فيدرالية على قروضها، وبالتالي فإن «مجتمع المُلكية» تحول إلى «بلد مستنجد».

وتبدو الأوضاع الآن بعد «العاصفة الاقتصادية»، أكثر سوءا مما كانت تتوقعه أكثر القراءات لمستقبل الولايات المتحدة تشاؤما، لذلك أصبح الأميركيون، حسب غروس، أكثر ميلا لرؤية أنفسهم كضحايا للعولمة، وليس كمستفيدين منها، لأن الأمور وبصورة واضحة تتجه وبفضل العولمة إلى تقليص النفوذ الأميركي في توجيه الاقتصاد العالمي، كما تتجه إلى دخول لاعبين جدد في الساحة الاقتصادية، وعلى عكس السائد، فإن الخبراء المحسوبين على المخابرات الأميركية يتكهنون بأن أحد أهم مشاغل بلدان العالم في السنوات القليلة المقبلة سوف تتركز في طرق الحصول على النفط والغاز، ويتوقعون دخول الصين والهند في طليعة مستوردي النفط والغاز ومنافسة الولايات المتحدة.

طبقا لفريد زكريا في كتابه «عالم ما بعد العصر الأميركي» فإن المصدر الحقيقي لأوجاع أميركا‏ يأتي من صعود قوى جديدة أخرى وتفوقها على أميركا في مختلف المجالات، للمرة الأولى في التاريخ الحديث‏:‏ أطول مبنى في العالم لم يعد في أميركا‏،‏ وإنما في تايبي عاصمة تايوان،‏ وسيصبح في دبي قريبا‏،‏ أضخم شركة تجارية في بكين،‏ أضخم طائرة في أوروبا، أضخم صندوق للاستثمار في أبو ظبي،‏ أضخم صناعة للسينما في بوليوود الهندية،‏ كما أن أضخم سوق تجارية في أميركا لم تعد من بين العشرة الأضخم في العالم اليوم.‏

وعليه فإن قدرة الضغط الاقتصادي الذي كانت تُمارسه الولايات المتحدة بالكثير من الفعالية آخذة بالتلاشي شيئا فشيئا، وأصبحت أداة غير فعالة، كما أن اللجوء إلى استعمال القوة العسكرية-وإن كانت لا تزال القوة تتركز في يد الولايات المتحدة- أضحى مُكلفا جدا ويُفاقم من المشاعر الأميركية بالاستياء من تبديد الثروات والمغامرة بأرواح الجنود، وتأجيج مشاعر الكراهية ضد الولايات المتحدة، والدفع المستمر لافتعال أزمات جديدة في العالم، حتى أن أحدا في الولايات المتحدة لم يستطع أن يُقدّم جوابا عن سؤال من قبيل: لماذا على الولايات المتحدة أن تشن الحروب وتستعدي دول العالم، ولماذا عليها أن تُحقق النصر الشامل في العراق وأفغانستان؟ وماذا يعني مفهوم «النصر الكلي» الذي تتضمنه خطابات الرئيس الأميركي في العادة؟ وما هي علامات إنجازه؟

حسب تلك المعطيات فإن المسألة التي تستوجب المتابعة والتأمل يُنتظر أن تتعدى من يفوز في سباق الرئاسة المقبل أو من يخسر؟ بقدر ما ينبغي التفكير مليا في مستقبل العالم ما بعد هيمنة الولايات المتحدة على العالم، ولا أشير هنا إلى سقوط الولايات المتحدة وانهيارها، بل إلى التعددية القطبية الآخذة بالتشكل على الرغم من أنف الولايات المتحدة، وازدهار الدول الآسيوية بصورة خاصة.

فالعالم يتجه اليوم إلى التخلص من الأحادية و«العصر الأميركي» وصياغة منطق جديد يعتمد توزيع مناطق النفوذ والقوة، وبالتالي فإن إدارة المصالح تتحرك اليوم فعلا من مناطق مختلفة في العالم، وثمة شعور بالكرامة يدعم مساعي العديد من الدول والشعوب لتعزيز منجزاتها الاقتصادية والتأكيد على قيمها الوطنية، والسعي الدؤوب للمشاركة والاستقلالية، ولا يوجد استثناء من هذا الشعور إلا «العالم العربي» الذي على رغم حدة المنافسات لأخذ مواقع على الخارطة الجديدة، لا يزال خارج نطاق التغطية.

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 2/تشرين الثاني/2008 - 3/ذي القعدة/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م