أمريكا وإنهيار النظام الدولي الجديد

بحث في نهاية الحلم الامريكي

د. وليد سعيد البياتي

أشكالية البقاء وتعويض الخسائر:

تخوض الولايات المتحدة الان في الداخل حربا من نوع آخر، فالجيوش والقواعد خارج الاراضي الامريكية لم تعد ضمانا لاستمرار سياسة البيت الابيض المحكوم بلوبي اليمين المتطرف، والنظام الاقتصادي الامريكي المنهار لم يعد احد عناوين القوة التي حاول الاعلام الامريكي اياهم المجتمعات و الانظمة خارج الولايات المتحدة بها. بل ان رجل الشارع الامريكي قد فقد الثقة بسياسات نظامه الاقتصادي عوضا عن السياسات الخارجية، والمصداقية الامريكية التي كانت على المحك خلال الاربعين سنة الماضية قد تكشفت عن ضعف وتخبط شديدين كما تصرح به تقارير مراكز البحوث الاستراتيجية الامريكية والاوربية على السواء.

يصارع النظام الاقتصادي الامريكي في الكثير من المحاولات الفاشلة أو المتداعية من أجل المحافظة على البقاء قدر الامكان خارج سطح اللجة،فالخسائر المالية الكبيرة قد افقدت البيت الابيض ثقة حتى المجتمعات والانظمة الموالية له، وهو يحاول عبر الاتفاقية العراقية – الامريكية استعادة بعض الثقة وتعويض الخسائر من خلال النفط العراقي، وساستعرض هنا مانشرته وكالة اسوشيتد برس من بعض بنود الاتفاقية المزمع توقيعها أو التي ربما وقعت اصلا ونحن لا نعلم والتي نشرها موقع راديو سوا:

نشرت وكالة أسوشيتد برس مقتطفات من مسودة الاتفاقية الأمنية طويلة الأمد المزمع توقيعها بين بغداد وواشنطن، قالت إنها حصلت عليها من مصادرها الخاصة. وهذه أهم الفقرات الواردة في المسودة:

- يلتزم أفراد القوات المسلحة والموظفون المدنيون باحترام القوانين والمواثيق والعادات والتقاليد العراقية أثناء تنفيذ العمليات العسكرية والامتناع عن ممارسة أي نشاط يتعارض مع نص أو روح الاتفاقية وتلتزم الولايات المتحدة باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية في هذا المجال.

- ولغرض درء المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد جمهورية العراق وتمتين التعاون بغرض دحر تنظيم القاعدة في العراق وباقي المجموعات الخارجة عن القانون، فإن الطرفين يتفقان مؤقتا على ما يلي:

- تطلب الحكومة العراقية المساعدة من القوات الأميركية لدعم جهودها في ضمان الأمن والاستقرار، بما في ذلك التعاون في تنفيذ العمليات ضد تنظيم القاعدة وباقي المجموعات الارهابية والخارجة على القانون.

- يجري تنفيذ جميع العمليات العسكرية بموافقة الحكومة العراقية وبالتنسيق الكامل مع السلطات العراقية، ويتم الإشراف على العمليات العسكرية عبر لجنة مشتركة، وعند وقوع خلاف حول فحوى هذه العمليات و لا تستطيع هذه اللجنة حله يتم رفع الأمر إلى لجنة وزارية مشتركة.

- تنفذ جميع العمليات العسكرية بموجب الدستور العراقي والقوانين العراقية بما لا يتنافى مع السيادة العراقية والمصالح الوطنية حسبما تقرره الحكومة العراقية، ويتوجب على القوات الأميركية إحترام القوانين العراقية والقانون الدولي.

- يوافق الطرفان على إستمرار جهودهما في التعاون لتنمية القدرات الأمنية العراقية عن طريق التدريب والتجهيز وتحديث البنى اللوجسيتة من مواصلات وإسكان وإمداد القوات.

-يتم تحويل مهام السيطرة ومراقبة الأجواء العراقية إلى السلطات العراقية حالما تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ.

- للولايات المتحدة الحق بممارسة ولايتها القضائية على جنودها وموظفيها المدنيين المتعاقدين مع وزارة الدفاع الأميركية، ما دامت الحوادث تقع داخل القواعد.

- للعراق حق بممارسة الولاية القضائية على الجنود الأميركيين والموظفين المدنيين المتعاقدين مع وزارة الدفاع الأميركية، في حال ارتكابهم جناية كبرى مع سبق الإصرار خارج القواعد الأميركية وخارج أوقات خدمتهم.

نهاية الرأسمالية والانظمة الليبرالية:

لم يكن الانهيار الاقتصادي الاخير وليد ساعة الحدث بل أن النظام الاقتصادي الامريكي كان قد حمل جرثومة فناءه منذ البداية، وما خسارة بنك ليمان إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، فتراكم الاخطاء أصبح جزء حقيقيا من حلقات التداعي في السياسات الاقتصادية التي تتبعها الانظمة الرأسمالية، ومن هنا ظهرت دراسات في عقر النظام الراسمالي تطالب بالخروج من الانظام الراسمالي أو تجميد تفعيله لفترة من الزمن ( بين عشرة الى عشرين سنة) للخروج من الازمات الاقتصادية المتلاحقة، بل ان بعض فلاسفة الاقتصاد في جامعتي شيكاغو ومشيغين طالوا السلطات الحكومية بالعمل وفق النظام الاقتصادي الاسلامي في الكثير من مراحل تطبيق السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة الامريكية وفي الاتحاد الاوربي، فعلى الرغم من الخطط الداعمة لعمل البنوك ولايجاد غطاء للاصول المالية فاناسواق المال في كل منالولايات المتحدة والاتحاد الاوربي والسوق الخليجي قد شهدت انهيارات حادة للاسابيع الثلاث الاخيرة، بل ان البيت الابيض تهرب من مساعدة الاوربيين ولم يتبنى خططهم لمعالجة الازمات.

لاشك أن التغيير الحاصل سيعني نهاية عصر الانظمة الراسمالية سياسيا واقتصاديا كما سيعني فشل الانظمة الديمقراطية الليبرالية المعاصرة، من جانب آخر فلاشك ان نهاية الرأسمالية الليبرالية سوف لن يحدث بشكل متسارع كما سعت اليه الولايات المتحدة والانظمة الاوربية التابعة لها في انهاء الاتحاد السوفياتي السابق،( فسقوط الرأسمالية الليبرالية سوف يستغرق بضعة سنوات قد تمتد إلى (10 – 15) سنة غير انه مما لا شك فيه ان الانهيار حاصل والساسة ورجال الاقتصاد يحضرون انفسهم، ومانقل ودائع بنك ليمان (400 مليار دولار) من الولايات المتحدة الى اسرائيل معلنة بذلك ابتداء الازمة إلا ليقين خبراء الاقتصاد وخاصة اليهود منهم بقرب نهاية عصر الراسمالية).

إن رأيي السابق هذا ناتج عن تحليل موضوعي وعلمي لكم كبير من التقارير المتلاحقة عن خبراء وفلاسفة الاقتصاد في الولايات المتحدة الامريكية، الاتحاد الاوربي، روسيا، الصين والهند. فالمستقبل الاقتصادي الذي رسمه هؤلاء الخبراء والفلاسفة يقدم عرضا لتسلسل عمليات الانهيار والتي تشبه الى حد كبير التفاعل المتسلسل في تفجير القنبلة الذرية، فالحدث يبدأ صغيرا ثم يتفاقم عبر متواليات هندسية، مما يؤدي الى تسارع كبير في الانهيار النهائي، والغريب ان الحدث هنا لم يبدا صغيرا بل بدأ بحجم كبير (انهيار بنك ليمان) وسقوط الاسهم مما أدى سوق المال وهذا بدوره أدى الى انهيار اقتصادي عالمي.

أصرار الادارة الامريكية الحالية على الاتفاقية:

لا يمكن القول بعدم وجود علاقة بين الانهيار الاقتصادي الحالي وبين إصرار الادارة الامريكية الحالية على توقيع الاتفاقية العراقية – الامريكية خلال الاسابيع القليلة المتبقية من حكم بوش وطاقم ادارته في البيت الابيض، فالحلم الامريكي بانشاء ما يعرف بالشرق الاوسط الجديد، هوحلم تقوده حاجات اقتصادية اكثر منها سياسية باعتبار ما يعرف بزواج الاقتصاد والسياسة في الانظمة الرأسمالية المعاصرة. فالادارة الامريكية الحالية (بوش واليمين المتطرف) تتمنى أن لاتخرج خاسرة من معركتها الحالية وربما الاخيرة، وهذه أمنية قضى عليها الانهيار الاقتصادي الحالي، وما محاولات البيت الابيض الاخيرة من أجبار الساسة في العراق بالتهديد المباشر مرة وغير المباشر (عبر دول الخليج تقودهم السعودية وعبر ومصر والاردن وربما تركيا)، أو عبر الاغراءات والوعود والتي يثق الخبراء الامريكان انهم غير قادرين على تحقيقها، ألا من أجل بث روح الامل في النظام الرأسمالي الليبرالي المنهار اقتصاديا وسياسيا.

ومن هنا قلنا في بحوث سابقة انه على الدول المتأثرة بالانهيار الحالي وتلك التي تتاثر بشكل أقل، عليها ان تعمل على المزيد من التفاعلات المؤدية إلى تقويض القدرات الامريكية سياسيا واقتصاديا لتسارع وتعجل بوضع نهاية حقيقية للنظام الرأسمالي الليبرالي عسى ان يبحث المجتمع الدولي عن انظمة حكم تنبع من فلسفات تضع قيمة الانسانية في موضعها الحقيقي.

* المملكة المتحدة – لندن

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 22/تشرين الأول/2008 - 22/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م