تداعيات الازمة الاقتصادية: نعي الإمبراطورية الامريكية وزيادة حالات الانتحار

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: أدت الأزمة المالية المتفاقمة في الولايات المتحدة والعالم إلى ردود فعل قوية من جانب العديد من القيادات العالمية، السياسية والاقتصادية والدينية على السواء، التي تعتُبر مناهِضة للولايات المتحدة وكلها تصب باتجاه إلقاء اللوم على النظام الرأسمالي، الذي وصفه البعض بأنه متوحش. ففي أعقاب ما ذكره عزّام الأمريكي والبابا بنيديكت السادس عشر حول هذه الأزمة المالية المتفاقمة، والتي اعتبرها الأول دليلاً على أن أعداء الإسلام يواجهون الهزيمة، فيما اعتبر الثاني أنها نتاج الثقافة المعاصرة، انهالت الاتهامات للولايات المتحدة من قادة وزعماء عرب ومسلمون.

فقد قال رئيس الوزراء الفلسطيني المُقال، إسماعيل هنية إن "العالم يشهد اليوم انهيار الإمبراطورية الأمريكية" ، في إشارة إلى الأزمة المالية الحادة في العالم، مضيفاً أن "ما نشهده من انهيار لأسواق المال العالمية وانهيار للنظم الاقتصادية ما هو إلا دليل واضح على حالة السخط التي تعيشها تلك الدول".

واعتبر هنية أن ما يجري هو نتاج "اعتداء أمريكي" على الفلسطينيين والصومال والعراق وأفغانستان وعلى المسلمين في دول العالم المختلفة، وهو ما ذهب إليه أيضاً، الزعيم الدرزي اللبناني، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط. فقد قال جنبلاط إن العاصفة المالية العالمية ستجتاح ثروات العالم العربي والعالم، كي يرتاح بعض منوصفهم بـ"الكاوبوي" في "وول ستريت" ويجوع العالمان العربي والإسلامي أكثر فأكثر، نقلاً عن وكالة الأنباء الإيرانية.

وأضاف جنبلاط: "فلسطين وستبقى فلسطين أولاً. من يقول لنا اليوم عن الذي يجري في باكستان أو أفغانستان أو العراق وكل الأمة العربية، آن لا علاقة له بفلسطين؟ لماذا الغضب الإسلامي على الغرب المستعمر، لولا أن فلسطين محتله والعراق محتل، وأفغانستان محتلة وباكستان تحت وطاه الضربات الغربية؟ لا يمكن لأي امرئ اليوم أن يفهم ما الذي يجري في هذا العالم العربي والإسلامي، ألا أن يدين سياسة الغرب، كل الغرب، وسياسة الأنظمة المنحازة للغرب الذي يهددنا علنا بالمجاعة والإفقار." بحسب سي ان ان.

من جانبه، دعا رجل الدين الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله العالم لإعادة النظر في أنظمته السياسية والاقتصادية مؤكداً أن الاستكبار العالمي هو المسؤول عن "توحش الأنظمة" التي باتت تحكم الإنسان إلى المستوى الذي لا يعود يتحكم هو بها مع كونها صنيعته وإبداعه، مشيراً إلى أن ما هو أكثر خطورة يتمثل في غياب القيم الأخلاقية عن حركه الأنظمة. وأضاف فضل الله أن غياب منظومة القيم عن أنظمة العالم أدى إلى تحكم الجشع والأنانية والغريزة والهوى الشرير، بحركة العالم، "فبات الإنسان ينتج الشر باسم الحضارة، ويحرك الفساد باسم التمدن، ويدمر العالم باسم الترفيه ويؤسس للفوضى باسم البناء."

وهو في ذلك يذهب إلى ما ذهب إليه بابا الفاتيكان حين قال إن "الثقافة المعاصرة" هي السبب في الأزمة التي يتعرض لها العالم حالياً، معتبراً أنها (الثقافة) "أبعدت الناس عن الإيمان"، الأمر الذي أدى إلى فقدان الدول لهويتها الحقيقية.

وحذر البابا في قداس ديني بالفاتيكان من أن "الثقافة المعاصرة تدفع الرب خارج حياة الناس"، الأمر الذي يؤدي إلى أن تفقد الدول الغنية إلى إيمانها، وبالتالي هويتها.

وقال بابا الفاتيكان في قداس بكنيسة القديس بولص: "اليوم.. تفقد الدول، التي كانت غنية بإيمانها والوظائف فيها، هويتها بفعل التأثير المدمر والمؤذي لثقافة معاصرة بعينها."

أما الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد فدعا إلى ضرورة إحباط المخطط الأميركي الرامي لبدء مرحله جديدة من نهب الشعوب بهدف إنقاذ الاقتصاد الأمريكي.

وأكد نجاد أن التجربة أظهرت أن القوى الكبرى لن تتخذ أي إجراء يخدم مصالح الشعوب، وأنها تسعى فقط لنهب الدول والإساءة إلى الشعوب، مشدداً على ضرورة وقوف الشعوب جنباً إلى جنب والسعي لبناء بلدانها.

وتوقع الرئيس الإيراني أن تتجه الإدارة الأمريكية قريباً إلى أفريقيا لبدء مرحله جديدة من نهب الدول والشعوب وذلك لإنقاذ الاقتصاد الأميركي المتدهور.

أما الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز فقد اتهم صندوق النقد الدولي بأنه وراء الأزمة الاقتصادية العالمية، ودعا إلى إنهاء الهيكلية النقدية العالمية فوراً.

وتوقع شافيز أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية الأكثر تأثراً بهذه الأزمة المالية العالمية، لكنه أشار إلى أن دول العالم الثالث لن تكون بمنأى عن هذه الأزمة، ولن ينجو منها بسهولة.

وأضاف الرئيس الفنزويلي أن العالم سوف يستفيد من نهاية النظام الرأسمالي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن فشل النظام الرأسمالي.

وكان القيادي الأمريكي في تنظيم القاعدة، آدم يحيى غدن المعروف باسم عزام الأمريكي، قد تطرق في شريط فيديو بثته مواقع متشددة في وقت سابق، للمشكلات الاقتصادية في الولايات المتحدة واعتبرها دليلاً على أن "أعداء الإسلام" يواجهون الهزيمة.

وقال في شريطه المصور: "يواجه أعداء الإسلام هزيمة ماحقة، بدأت تكشف عن نفسها في الأزمة المتزايدة الانتشار التي يواجهها الاقتصاد."وأضاف قائلاً: "أزمة سببها الرئيسي، إضافة إلى إجهاض حملات الصليبيين وعدم ديمومتها في أفغانستان وباكستان والعراق، هو أنهم يديرون ظهورهم للقوانين الإلهية، التي تمنع الربا والاستغلال والجشع والابتعاد عن العدالة بأشكالها."

إيران تحتفل بانهيار النظام الرأسمالي العالمي

من بين الأنقاض التي خلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية، أعربت حكومة واحدة في العالم عن فرحتها، وهي الحكومة الإيرانية. فقد قال آية الله جنتي، أحد ابرز رجال الدين هناك "إننا سعداء بالوضع الخطير الذي بات فيه الإقتصاد الأمريكي، إنهم يدفعون ثمن ذنوبهم، إن الله يعاقبهم".

وكان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد قد قال في خطاب بثه التلفزيون الايراني الرسمي مؤخرا ان الازمة التي تضرب الاسواق المالية الغربية عائدة الى "انعدام الايمان بالله". وقال "إنه بإذن الله، ستطبق العدالة والحكم العالميان بفضل مقاومة الشعب الايراني الذي حمل لواء الامام المهدي"، مشيرا إلى ضرورة أن يكون الايرانيون مستعدين لإدارة العالم.

ويبدو أن إيران بعيدة حتى الآن عن لهيب الأزمة، فأسعار الأسهم في البورصة الايرانية، وإن شهدت مؤخرا بعض التراجع، ارتفعت قيمتها خلال هذا العام بمقدار 20 بالمئة.

وفي الواقع، فانك عندما تسير في بورصة طهران تشعر بأنك في عالم آخر مختلف عن عالمنا، ولك العذر في ذلك، فأسعار الأسهم لا يبدو وأنها قد تأثرت بالأزمة.

وقالت لي مصادر بورصة طهران إن ما يشغلها هو خطة الحكومة للخصخصة، وغيرها من العوامل المحلية.

وقال برهوم، وهو سمسار في بورصة طهران "إن الأزمة توفر فرصا جيدة لايران، إن على المستثمرين الأجانب إلقاء نظرة على السوق الايراني".

وبالفعل يتعرض المستثمرون الأجانب للإغراءات للإنضمام للحفل الايراني، ولكن يجب تحذيرهم من أن الاستثمارات الأجنبية تتطلب موافقة الحكومة.

وإيران فخورة بانها تسير عكس التيار السائد، فهي الاقتصاد الوحيد في العالم وربما الوحيد في التاريخ الذي يمكن فيه أن تقترض من أحد البنوك ثم تضع ما اقترضته في نفس البنك مقابل الحصول على فائدة أعلى.

زيادة حالات الانتحار بسبب الازمة الاقتصادية

وفي سياق متصل اعربت منظمة الصحة العالمية عن خشيتها من ان تؤدي الازمة الاقتصادية العالمية الى ارتفاع حالات الانتحار والمشكلات النفسية.

وقالت مديرة المنظمة مارغريت تشان خلال لقاء مع اخصائيين في الطب النفسي "لا ينبغي ان نقلل من شأن الاضطرابات والعواقب المحتملة للازمة المالية". واضافت "لن يكون مفاجئا ان ترتفع حالات الاكتئاب والانتحار والاضطرابات النفسية". بحسب فرانس برس.

وتشهد الولايات المتحدة حالات ماساوية حيث فقد الالاف منازلهم بسبب ازمة الرهن العقاري. وخلال الاسبوع انتحر موظف في الخامسة والاربعين بعد ان قتل خمسة من افراد عائلته في لوس انجليس تاركا رسالة يؤكد فيها ان الازمة الاقتصادية هي التي دفعته الى ذلك.

وقبل اسبوع حاولت امرأة في التسعين من عمرها الانتحار في اوهايو بعد ان تلقت امرا باخلاء منزلها.

وقالت تشان ان ثلاثة ارباع الذين يعانون من امراض نفسية يعيشون في دول متدنية الدخل حيث لا يتلقون احيانا اي عناية ويعانون من التفرقة. واضافت عشية اليوم العالمي للصحة النفسية ان الاموال التي تخصصها هذه الدول للمرضى متدنية جدا. كما ان قرابة 75% لا يحصلون على العلاج الضروري وفق منظمة الصحة العالمية.

وقالت تشان بمناسبة انطلاق برنامج جديد لتعزيز خدمات الصحة النفسية في العالم ان "تقديم العلاج لهؤلاء المرضى ليس من قبل الاحسان اليهم. انه واجب اخلاقي ومعنوي".

تداعيات "مدمّرة" للأزمة المالية على البحث العلمي

الازمة المالية تهدد الصحة العقلية

وكشفت دراسة نفسية مؤخرا أن السقوط في براثن الأزمة المالية العالمية والمؤشرات على اقتراب حدوث كساد عالمي يعتبر أكبر تهديد للصحة العقلية في بريطانيا.

فإعادة الاستحواذ على بيوت العائلات من قبل البنوك يعتبر أكثر عامل يهدد سلامة القوى العقلية للناس، وذلك قبل التهديد بالفصل من العمل أو اكتشاف عدم القدرة على الإنجاب.  

وقد دعت منظمة "ريثينك" البريطانية إلى التحرك من أجل تجنب "كارثة تهدد الصحة العقلية". وقد نشرت الدراسة التي أعدتها المنظمة بالتزامن مع تقرير للأمم المتحدة يظهر أن بريطانيا هي أكثر الدول الأوروبية إنفاقا على الصحة العقلية.

وقال رئيس العلاقات العامة في "ريثينك"، بول كوري، إنه لن يستغرب إذا ما شهدنا ارتفاعا في أعداد المترددين على الأطباء للكشف على صحة قواهم العقلية في الشهور القادمة. وأضاف أنه حتى ولو لم يتم الاستحواذ على البيوت فإن ذلك لا يعني بالضرورة السلامة من الأمراض العقلية، وذلك بسبب القلق الذي ينتاب الملايين من حدوث ذلك، والذي يعد سببا كافيا للإضرار بسلامة القوى العقلية.

وقال إن عددا كبيرا من مؤسسات الإقراض تتجنب التعامل مع الأشخاص الذين يتعرضون لمشاكل في صحتهم العقلية، وهو ما يحرمهم من شبكة أمان تحميهم من المشاكل المالية. وأنهى بول كوري كلامه بالتأكيد على أهمية فعل شيء لمنع كارثة تهدد سلامة القوى العقلية على نطاق واسع.

مصري يقدم على الانتحار بعد ان فقد كل مدخراته في البورصة

وفي نفس السياق اقدم مواطن مصري على الانتحار شنقاً بعد ان فقد مدخراته التي استثمرها في البورصة المصرية التي شهدت هبوطا نتيجة الازمة العالمية كما افاد مسؤول امني. وعثر ابناء الرجل البالغ من العمر 56 عاما عليه ميتا وقد شنق نفسه في شقته.

وكان الرجل استثمر المال الذي جناه من عمله في الكويت في السوق المصرية التي كانت من اكبر ضحايا الازمة العالمية في المنطقة حيث فقد مؤشرها الرئيسي الاسبوع الماضي نصف قيمته. بحسب فرانس برس.

وقال الابناء ان اباهم كان هدد بوضع حد لحياته بسبب مشاكله المادية وفقا للمسؤول الامني. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية الاسبوع الماضي من خطر زيادة حالات الانتحار والاضطرابات النفسية والعقلية نتيجة الازمة المالية الحالية.

وجاء هذا التحذير اثر انتحار موظف اميركي كبير في الخامسة والاربعين من العمر بعد ان قتل خمسة من افراد اسرته في لوس انجليس. واوضح الرجل في رسالة موجهة الى الشرطة انه اقدم على ذلك بسبب وضعه المالي اليائس.

كنيسة المانية تعرض على المصرفيين فرصة للصلاة

من جهة ثانية قال قس امريكي في المانيا يعرض على المصرفيين فرصة لتوجيه صلواتهم المتعلقة بالازمة المالية الى السماء انه يتلقى اعدادا كبيرة جدا من طلبات المساعدة في هذه الاوقات الصعبة.

وقال القس جيفري مايرز وهو مصرفي سابق لرويترز ان الازمة المالية العالمية تقود أعدادا مذهلة من السماسرة ومديري البنوك والمستثمرين لزيارة كنيسته الواقعة بالقرب من الحي المالي في فرانكفورت.

وتمت دعوة المصرفيين لكتابة مخاوفهم على قطع من الورق والقائها في صندوق تابع للكنيسة ليقرأها مايرز في الصلوات ويدعو لاصحاب الحاجات.

وقال مايرز لرويترز "كانت فكرتي ان نقوم بذلك لكنني أقول دائما ان كل الافكار الجيدة تأتي من السماء."وقال مايرز (55 عاما) ان الفكرة قوبلت بحماس كبير وان أكثر من 50 شخصا قدموا دعواتهم بالفعل منذ نهاية الاسبوع الماضي.

وقال مايرز الذي كان يعمل مصرفيا في مدينة تكساس الامريكية انه رأى عددا من المصرفيين يأتون الى الكنيسة اثناء عطلات الغداء للدعاء. وأضاف "رغم انني امل ان يكون علينا القيام بذلك لفترة مؤقتة فقط الا انني اشك في أن الازمة المالية ستتبدد بين ليلة وضحاها."

المخازن فارغة في أكبر مصنع للذهب في العالم

وباتت مخازن أكبر مصنع للذهب في العالم، والذي يقع في جنوب أفريقيا، خاوية تقريبا في الآونة الأخيرة. ووسط أزمة مالية عاصفة، كان من تداعياتها تنامي الخوف لدى المستثمرين على صحة البنوك، والأسهم والعقارات، تزايد تحويل الكثيرين لأموالهم إلى الذهب.

وقال خبراء الصناعة إنّ رفوف الذهب الخاوية في منشأة "رند" لصنع الذهب، هي نتيجة لطلب غير مسبوق على المعدن النفيس حيث أنّ المستثمرين يرغبون في استثمارات مستقرة.

وقال الرئيس التنفيذي لمصنع "رند" جوف ميليت "أعتقد أنّه لا حدود للطلب في هذه الآونة. وإذا تمعّنتم في الخسائر التي وصلت إلى مليارات الدولارات في العديد من أسواق الأسهم وكذلك أجواء الشكّ، فإننا بصدد الحديث عن أطنان وأطنان من الذهب التي دخلت هذه الأسواق." بحسب سي ان ان.

ويقول الخبراء إنّ المستثمرين الكبار يخزّنون في هذه الآونة سبائك الذهب في خزائن خاصة لينأوا بأنفسهم عن مشاكل أزمة الأسواق الحالية، رغم أنّ الملاجئ الآمنة مثل الذهب، تعيش بدورها تحت وطأة عدم الأمان الذي خلفه الإعصار المالي.

وكانت حركة أسعار الذهب متذبذبة في نهاية الأسبوع الماضي  بعد ان لجأ المستثمرون المرعوبون الذين اشتروا الذهب، الى بيعه من أجل الحصول على السيولة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/تشرين الأول/2008 - 20/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م