وداعاً أمريكــا

بحث موجز في فلسفة نهاية التاريخ

د. الدكتور وليد سعيد البياتي

توطئة في المعايير:

تحدثنا في بحوث سابقة حول معايير قيام الدول ونهايتها، وكيف ان نهاية الامم يبدا من فساد مترفيها فيحق القول الالهي في هذه الامم فتفنى اوتباد، ولا يمكن عقلا فهم الفساد وفق الاعتبارات الاخلاقية فقط، فقد يكون فسادا سياسيا أو اجتماعيا، او اقتصاديا وحتى الفساد الفكري والثقافي يقع في دائرة الفساد التي اشار اليها الكتاب العزيز. وهنا يظهر عامل الوعي في تفسير هذه العلاقات، إذ لايمكن اعتبار الوعي عاملا ثانويا في فهم العلاقة بين الانسان والخالق، بقد ما هو عامل تأسيسي، من هذا المنطلق سنحاول تفسير علاقات الانسان مع الخالق في حركة التاريخ, وقد وجدنا انها تتحدد بمفهومين:

المفهوم الاول: أن تكون العلاقة واعية، باعتبار ان الوعي يمثل احد المعايير الايجابية في رسم العلاقة، فيمكن عندها تفسير العلاقة بكونها علاقة تعبدية (او الجدل الصاعد). وقد تمثلت هذه العلاقة بحركة الرسالات السماوية ( الانبياء والرسل) وما رافقها من تشريعات وعقائد.

المفهوم الثاني: أن تكون العلاقة غير واعية، وهي نتاج للفكر القائل: " انا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ". الزخرف/ 23. وتتمثل في هذه الاية كل النظريات الوضعية أو اللاإلهية ( أي التي لا تتفق و الفكر الرسالي). وإذا كانت العلاقة غير واعية ولا تتبع منهجا عقلانيا فانها ستؤول بالتالي الى الافساد كناتج منطقي.

فالوعي بحقيقة الانسان وقيمة الوجود تقدم مفهوماعقلانيا في علاقة الانسان بالخالق، وبالتالي يجب ان تكون هذه العلاقة ايجابية الاصول ليكون الناتج ايجابيا (نتائج العمل الصالح)، وماذلك إلا وفق مفهوم اسلامي أسلامي يقول بلاعبثية الوجود: " وما خلقنا السماوات والارض باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ". ص/27. ومن هنا فإن اصحاب الوعي السلبي سيكونون من اصحاب النار نتيجة لانحرافهم عن الحقيقة الالهية.

سقوط الحضارات:

لاشك ان سقوط الحضارات عبر حركة التاريخ ما هو إلا نتاج للانحراف عن المسار الالهي، فعندما يتخد المفكرين والسياسيين وغيرهم من القادة قيما منحطة يحلونها مكان القيم العليا فقدحكموا على انفسهم وحضارتهم بالفناء، ولاشك أن انهيار الشيوعية وفشل فلسفتها وتفكك منظومتها الاقتصادية والسياسية وانهيار البناء الاجتماعي الذي اتبعها لدليل قريب، وربما يقول البعض إن النظام الراسمالي الليبرالي هو من ساعد على انهاء الفكر الشيوعي وسقوط الاشتراكية في العالم، هذه المقولة صحيحة إلى حد كبير فالله عزوجل يسلط الامم بعضها على بعض وتلك سنة من السنن الالهية الدائمة البقاء. فاذا كان سقوط النظرية الشيوعية سياسيا، فان سقوط النظرية الراسمالية سيكون إقتصادية وما الازمة الاقتصادية الاخيرة إلا احد أكثر الادلة صراحة.

إن بقاء النظام الرأسمالي وأستمرار فكرة الرأسمالية الليبرالية محكوم هو الاخر بمحاكمة معايير هذه الانظمةأمام المعايير الالهية في نشوء الامم واستمرارها، وقد ادرك مفكري اليمين الجديد هذه المفاهيم ومن هنا ظهرت تصريحات كل من بوش الابن وبلير (في وقت حكمه) وهي تحمل تلميحات بل تصرح بأن افعالهم مسددة من الله وتحمل شيئا من النبوءة الكاذبة بل انها كانت نبوئات كاذبة لحمل أتباع هذه الانظمة الى الانصياع لمقولات القادة. ومن هنا ظهرت مقولات حديثة تقول بنهاية هذه الانظمة الراسمالية وبفشل فلسفتها في قيادة الحياة.

ستشهد العشر سنوات القادمة أن اتباع النظام الراسمالي سيتخلون عن نظريتهم ويبحثون عن مناهج فلسفية اخرى كما هو جاري الحدوث الان، بل انا نجد ان التخلي عن الرأسمالية اصبح منهجا للعديد من المفكرين ورجال السياسة، والفكرة باتت اشبه بالهوس الفكري وهي تقلق بال الفلاسفة المعاصرين لانهم أدركوا ان انهيار الفلسفة الاشتراكية الشيوعية وانهيار الفلسفة الراسمالية استعادة الفكر الاسلامي هيمنته بعد ان دكت الثورة الاسلامية في إيران ببزوغها اول أول المسامير في نعش الانظمة الوضعية.

أين الحل:

قد تبين ان أنهيار بنك ليمان مثلا كان بسبب تهريب اليهود لاكثر من 400 مليار خارج الولايات المتحدة، وما ذلك ألا لوجود اتجاه حتى عند مفكري الحركة اليهودية الصهيونية انفسهم الذين خلقوا النظام الرأسمالي كما خلقوا النظام الاشتراكي الشيوعي سابقا، هذا الاتجاه يعترف بقرب نهاية عصر الراسمالية الذي سيعني قرب نهاية النظريات التي اوجدتها الحركة الصهيونية. من جانب آخر فان العديد من مفكري الغرب يؤمنون بقوة الفكر الاسلامي وقدرته على التحدي، وعندما تمت معايرة الفكري الاسلامي وفق نظرية التحدي والاستجابة تبين لدى اساتذة فلسفة التاريخ في عدد من الجامعات الامريكية إن الفكر الاسلامي هو الفكر الوحيد حاليا وفي السابق القادر على الاستمرار، فهو الفكر الوحيد الذي شهد انهيار الحضارتين الرومانية والفارسية المعاصرتين له، وهو الفكرالوحيد الذي شهد بدء وانهيار عدد كبير من الفلسفات والنظم الاقتصادية والسياسية، كما انه الفكر الوحيد الذي يحمل رؤيا مستقبلية تتمثل في الظهور المبارك للامام الحجة عجل الله فرجه الشريف.

لاشك ان الفكر الاسلامي الذي عاصر كل تحولات حركة التاريخ خلال خمسة عشر قرنا هو الاقدر على الاستمرار، وهو الاقدر على ان يقود الانسانية، وهو الذي يحمل مفاتح الحل، والنظرية الاسلامية هي نظرية البقاء والتطور، فهل سيدرك الفلاسفة المعاصرين أن لا مناص الا في اتباع الاسلام؟

* المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/تشرين الأول/2008 - 16/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م