الازمة الاقتصادية من خلال قصة قارون

برير السادة

بينما كنت اتابع اليوم تداعيات الازمة الاقتصادية العاليمة التي تعصف بالعالم, والتي انقسم المحللين حيالها الى صفين, الاول راى فيها مؤامرة اقتصادية كبرى تحاك ضد الدول النامية على غرار المؤامرة السياسية (11 سبتمبر) فيما راى الفريق الاخر, انها ازمة الراسمالية الكبرى التي سوف تعصف بهذه الايدلوجية, ايذانا بظهور ايدلوجية جديدة بسبب الازمات الاجتماعية الخطيرة التي خلقتها الراسمالية المغامرة والمتعدية على الشعوب والامم.

تذكرت قصة قارون التي ذكرها القران, وغصت في عمق ذاكرتي ارسم اياتها على تجربتي البسيطة في سوق الاسهم (سوق الهوامير), فكم كنت اتمنى ان يكون حظي وحصتي من الاكتتاب في بعض الشركات مثل الذين فازوا باعلى الاربح, بينما كنت احمد الله على اني لست من يملكون قليلا او كثير في سوق الاسهم خصوصا وهي تكتسي بثيابها الحمراء النارية, ولعلى في اختيار هذا اللون حكمة في اشعال القلوب وملئها بالهم والحزن..

ولنا في قصة قارون عبرة من خلال الارتباط بالله عزوجل لكونه الامان النفسي في تقلبات الزمان , فهي التي رسمت لنا صورتين متغايرتين لفريقين راى احدهما ان  قارون ذو حظ عظيم "يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" , غير ان الفريق الاخر راى في اموال قارون بلاء يجب ان يحذر من زينته وفتنته. فما كان جواب قارون!!!!!!!!!! "إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ"  "وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ".

يقول العلامة الطبطبائي في هذا الصدد "لا شك أن قوله «إنما أوتيته على علم عندي» جواب عن جميع ما قاله المؤمنون من قومه و نصحوه به و كان كلامهم مبنيا على أن ما له من الثروة إنما آتاه الله إحسانا إليه و فضلا منه من غير استيجاب و استحقاق فيجب عليه أن يبتغي فيه الدار الآخرة و يحسن به إلى الناس و لا يفسد في الأرض بالاستعلاء و الاستكبار والبطر.

فأجاب بنفي كونه إنما أوتيه إحسانا من غير استحقاق و دعوى أنه إنما أوتيه على استحقاق بما عنده من العلم بطرق اقتناء المال و تدبيره و ليس عند غيره ذلك، و إذا كان ذلك باستحقاق فقد استقل بملكه و له أن يفعل فيما اقتناه من المال بما شاء و يستدره في أنواع التنعم و بسط السلطة و العلو و البلوغ إلى الآمال و الأماني.

و هذه المزعمة التي ابتلي بها قارون فأهلكته - أعني زعمه أن الذي حصل له الكنوز و ساق إليه القوة و الجمع هو نبوغه العلمي في اكتساب العزة و قدرته النفسانية لا غير - مزعمة عامة بين أبناء الدنيا لا يرى الواحد منهم فيما ساقه إليه التقدير و وافقته الأسباب الظاهرة من عزة عاجلة و قوة مستعارة إلا أن نفسه هي الفاعلة له و علمه هو السائق له إليه و خبرته هي الماسكة له لأجله" .

لقد تجلى الله وقدرته وعظتمة بعد ان خسف الله بقارون وامواله وظهرت الحقيقة في خشوع النادمين, والتائقين لرحمة الله يقول تعالى "وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" , فهذه الاية ترسم صورة الحجاب الذي رسمه التعلق بالدنيا على قلوب الفريق الاول, لتتجلي لهم حقيقة السلطان الالهي ومظاهر قدرته وسلطانه على الكون بعد تمزيق سطوة المال والجبروت (الخسف) التي مثلها قارون. فهل تتجلى لنا قدرة الله وملكة وتدبيره لهذا الكون بعد سقوط المارد الاقتصادي واضطرابه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/تشرين الأول/2008 - 9/شوال/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م