الظواهري: ضد النسيان!!

د. أحمد راسم النفيس

يحرص الأخ أيمن الظواهري من خلال بث أشرطته الدعائية على مشاركة المسلمين في أجواء الإثارة والعبق الرمضانية الناجمة عن خلطة المسلسلات التاريخية بالعاطفية والبرامج الحوارية بالخطب الوعظية فضلا عن امتزاج روائح الحلوى برائحة التقلية.

وبينما تؤجل بعض الأعمال الدرامية لبثها أثناء موسم الحج لعدم وجود وقت كاف لإذاعتها أثناء شهر الصيام ينجح السيد الظواهري في فرض إنتاجه على وسائل البث.. وهكذا البراعة وإلا فلا!!.

آخر هذه الأعمال الدرامية الظواهرية هو شريطه الأخير الذي شن فيه حملة لا هوادة فيها على (التحالف الإيراني الصليبي الذي يستهدف الأمة الإسلامية والذي تجسد في تسهيل إيران الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق وقال إن زعيم ايران يتعاون مع الاميركيين في احتلال العراق وافغانستان ويعترف بالنظامين في البلدين بينما يتوعد بالموت والدمار أي شخص يلمس شبرا واحدا من التراب الايراني( كما ندد الرجل بحزب الله اللبناني واضعا له في نفس الخانة المشار إليها سابقا!!.

على الفور جمعت الفضائيات العربية قضها وقضيضها وما يسمى بخبراء الجماعات الإسلامية لشرح وتفسير الدلالات الكامنة وراء الخطاب الظواهري الأخير حيث أكد كبير كبراء الخبراء في هذا الشأن أن الموقف العدائي الذي أعرب عنه الرجل تجاه الشيعة وإيران جاء نتيجة الظروف الموضوعية الناجمة عن التحالف الإيراني الأمريكي ضد تنظيم القاعدة في العراق وأماكن أخرى!!.

أو كما قال!!.

سنأخذ ما قاله الأخ أيمن عن التسهيلات الإيرانية للغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق على محمل الجد.

هل كانت إيران وحدها هي التي سهلت, أم أن غيرها من الدول العربية قد سهل وشارك بالفعل حيث قدم ولا زال يقدم المطارات والموانئ للقوات الأمريكية التي غزت البلدين؟!.

الجواب يعرفه الأخ الظواهري بكل تأكيد, وإذا كان غض الطرف الإيراني عن هذا الغزو يعد دليلا قاطعا على وجود حلف إيراني صليبي يستوجب أن يستنفر الظواهري أدواته الإعلامية التي تستنفر بدورها خبير الخبراء لتبليع هذا المنطق التافه لعموم الناس فلماذا خص الظواهري إيران بهذا الوصف (التحالف) رغم أنه لم يستثن بقية الدول العربية من تهجماته عندما قال أن «الأمة الإسلامية تواجه حملة صليبية عسكرية وفكرية وإعلامية أدواتها حكام العرب والمسلمين وأجهزتهم الإعلامية».

الأخ الظواهري حائر ومتردد ويوزع اتهاماته عشوائيا ذات اليمين وذات الشمال فهو يزعم أن الدول العربية التي يخاصم أغلبها إيران بسبب ما يعتبرونه مشروعا توسعيا إيرانيا هم مجرد أعضاء وأدوات في حلف تقوده إيران وأمريكا ومن ثم فقد أصبح (عرب الاعتدال) كلهم تابعين لأمريكا وإيران...

ولا أراكم الله مكروها في بقية عقل لديكم!!.

أما عن (الظروف الموضوعية) التي أملت على (التيار المعتدل) في تنظيم القاعدة تغيير موقفه من إيران والشيعة عامة فهي مزحة من العيار الثقيل ويبدو أن كبير الخبراء لم يكن قد ولد عام 1998 عندما أقدم هذا التنظيم الذي كان يحكم أفغانستان على ارتكاب المجازر الجماعية ضد الشيعة في أفغانستان أو أنه لم يسمع بذبح الدبلوماسيين الإيرانيين في مزار شريف وهي الجريمة التي كادت أن تؤدي إلى نشوب حرب إيرانية أفغانية في هذا الوقت!!.

لا جديد إذا في الموقف العقائدي لهذا التنظيم الذي تلقى ضربات موجعة في الفترة الأخيرة ومن أهمها خروج الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف من السلطة وقيام نظام حكم جديد لن يتحالف مع القاعدة من وراء الكواليس كما كان يحدث في السابق وقد تجسد هذا في الزيارة التي قام بها الرئيس الأفغاني حامد كارزاي أخيرا لباكستان لحضور مراسم أداء القسم للرئيس الجديد وهو ما يمثل تحولا كبيرا في السياسة الباكستانية وتقليصا لنفوذ بعض الجهات المتنفذة في المؤسسة العسكرية والتي كانت توفر الدعم والحماية لعناصر طالبان وتنظيم القاعدة.

العودة إلى المربع الأول

الجديد في الأمر إذا أن تنظيم القاعدة أصبح في وضع لا يحسد عليه بعد أن تراجعت مشاريعه في لبنان والعراق وهو يفقد تدريجيا الدعم والغطاء الباكستاني ويبدو أنه قرر الانضمام لمحور الاعتدال العربي أو لمن تبقى منه في مواجهة ما يسمى بالمشروع الإيراني.

لا بأس إذا من رشة شتائم على هذه الدول - التي اختلفت فيما بينها حول مواصلة هذا النهج من دون تحديد أسماء - خاصة وأنه هذه المرة لم يهاجم الدولة التي تقود هذا المحور أو التي كانت تقوده وحاولت تسويقه لدى الإدارة الأمريكية في الفترة الماضية.

وكما تذكر صحيفة الأخبار اللبنانية بتاريخ 9-9-2008 في تعقيبها على المصالحة التي جرت أخيرا في طرابلس بين العلويين والسنة فإنه (بالإضافة إلى القلق السوري من تنامي التطرف بالقرب من حدودها وإظهارها انزعاجاً قد يتحول إلى خطوات عملية، فإن مصر والأردن والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا أبلغت إلى النائب الحريري وإلى السعودية وبعض الشخصيات اللبنانية البارزة في فريق 14 آذار، ومنها النائب وليد جنبلاط وكذلك الرئيس فؤاد السنيورة بأنها «قلقة أكثر من أي وقت من اللعب بنار الأصولية، حتى لو كان الهدف من هذه اللعبة احتواء التقدم السوري الإيراني في لبنان».

ألم يكن إشعال الحرب الطائفية في لبنان هو السبب وراء قيام قوى الاعتدال العربي (أدوات المشروع الصليبي حسب وصف الأخ أيمن) بتمكين تنظيم فتح الإسلام (بقيادة شاكر العبسي الذي يصر الظواهري على الإشادة به) من الاستقرار في مخيم نهر البارد وإشعال تلك الحرب وإلهاب التوتر في الشمال اللبناني؟!.

لا يمكن للسيد الظواهري إذا أن يجمع بين النقيضين: سب وشتم النظم العربية ووصفها بالعمالة للصليبية والعمل في خدمة ما تخطط له بعض هذه الدول أي العودة إلى المربع الأول يوم أن جرى استدعاء الأخ أيمن والأخ أسامة إلى أفغانستان للجهاد (مع الصليبية) حيث وصفهم الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان ذات يوم بالآباء العظام للجهاد ضد الشيوعية.

ما هو جديد الأخ أيمن إذا؟!.

الجواب لا جديد وكل ما هنالك أن الرجل فتش في دفاتره القديمة فقرر العودة إلى خدمة رعاته الأصليين.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرزق الأخ أيمن حسن الخاتمة!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/أيلول/2008 - 24/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م