الصومال: آمال عودة اللاجئين وشبحي العنف والتضخم

 

شبكة النبأ: من أخطر المناطق في العالم، هذا ما يصفه المراقبون والمهتمون بالشأن الدولي، لكثرة ما يتفجر فيها بين الفينة والفينة أنواع شتى من الأزمات والاقتتال، لتُحصدْ إذ ذاك أرواح الأبرياء، وينعم المستفيد في ظل الجو القائم على التوتر، فهذا هو شأن تجار الحروب دائما.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على الشأن الصومالي. ومقدار حجم المعاناة التي يرزح تحتها الشعب، فبين ارتفاع مستويات التضخم وتجدد الاقتتال تنمو الكارثة:

شهر رمضان في الصومال بين العنف والتضخم

قالت ناستيها حسين (30 عاما) وهي تجلس القرفصاء مع اطفالها الاربعة الذين يعانون من الجوع ان التضخم وانعدام الأمن في العاصمة الصومالية جعل صوم رمضان مسألة صعبة.

وللنجاة من قتال شبه يومي في واحدة من أكثر المدن فوضى في العالم تعيش ناستيها الان في كوخ مصنوع من فروع شجر مغطى بقطع قماش بالية في مخيم مع نازحين اخرين.

وبينما يقيم المسلمون الاخرون في انحاء العالم الولائم على مائدة الافطار فان سكان مقديشو التي يغلب المسلمون على سكانها يقولون ان التضخم الهائل والانخفاض الحاد في قيمة الشلن الصومالي يعني ان هؤلاء السكان لا يضمنون توفير طعامهم. بحسب رويترز.

وقالت ناستيها وهي ارملة: اعتدنا التوسل الى الناس في انحاء البلدة وشراء بعض الطعام على الاقل. لكن الحياة ازدادت سوءا بسبب التضخم وانعدام الامن.

وقالت: وباستثناء الحبوب التي نتلقاها من وكالات المساعدات من وقت لاخر ليس لدينا شيء. أكثر الناس سخاء يمكنهم اعطاء 1000 شلن لكن هذا المبلغ لا يشتري اصبع موز واحد.

وتبلغ قيمة الدولار الأمريكي الان 36 الف شلن مقارنة مع 6000 شلن في عام 1991 عندما انزلقت البلاد الى الفوضى بعد الاطاحة بالرئيس السابق محمد سياد بري.

ومنذ ذلك الحين لا توجد سلطة مركزية في الصومال وتحول الحكم المركزي الى مناطق نفوذ وفوضى وخاصة في مقديشو. والاطفال هم أكثر المتضررين من العنف في الصومال.

وقال ادن عيسى البالغ من العمر 14 عاما الذي يكسب قوته ببيع فضلات القات: ليس لدي منزل أو والدين. وأنام حيث تغفل عيناي وأعيش بمفردي.

عودة اللاجئين إلى أرضهم في الصومال لبناء المستقبل

يتذكر ألميس يحيى ابراهيم حين واتته وصديقيه فكرة بناء جامعة في واحدة من أكثر اركان المعمورة معاناة من الاهمال.. دولة ارض الصومال.

راودتهم فكرة انشاء جامعة القرن الافريقي الدولية في شتاء عام 1997 اثناء تجمعهم على احد مقاهي هلسنكي عاصمة فنلندا.

وبعد أربعة اعوام عاد الرجال الثلاثة وصديق اخر كان في ماليزيا لوطنهم مسلحين بشهادات جامعية ومدخرات تحدوهم رغبة في احداث فرق لبناء حلمهم. وتقف الجامعة الان في هرجيسة عاصمة ارض الصومال. بحسب رويترز.

وقال ابراهيم رئيس الجامعة: كانت حياتنا ووظائفنا في اوروبا أفضل. وتابع، لم يكن قرار ترك كل هذا والعودة الى ارض دمرتها حرب اهلية كليا سهلا.

واستثمارات اللاجئين العائدين شريان حياة للملايين في ارض الصومال التي لا تحصل على اي مساعدة اجنبية مباشرة لعدم الاعتراف بها دوليا.

بدأ اتجاه عودة الافارقة لاوطانهم يتنامى بشكل مبدئي في العديد من دول افريقيا جنوب الصحراء.

ومع تجنب تلك الدول ويلات الحروب وتبني حكم رشيد والاستفادة من الطفرة في اسعار السلع الاولية بدأت عودة لاجئين سابقين وافارقة في الشتات بدافع الوطنية وفرص الاستثمار في المنطقة التي يتوقع صندوق النقد الدولي ان تنمو بنسبة 6.5 في المئة هذا العام.

وفي سيراليون وليبيريا ونيجيريا واثيوبيا واماكن اخرى يستغل مواطنون عائدون مهارات اكتسبوها في الخارج ومعرفتهم بالواقع المحلي لادارة الاعمال.

وقال عبد الله علي الذي يقود سيارة اجرة مملوكة للاجئ عائد الى هرجيسة: غير العائدون ارض الصومال.

وانفصلت ارض الصومال المحمية البريطانية السابقة عن الصومال في عام 1991 اثر الاطاحة بالدكتاتور السابق محمد سياد بري لتهوى البلاد في براثن حالة من الفوضى.

وبدأ بعض اللاجئين العودة في منتصف التسعينات. ويقول المسؤولون ان اعداد العائدين بالالاف الان وانها تجتذب صوماليين من مناطق اخرى بفضل الاستقرار النسبي.

وغادر ابراهيم في الثمانينات وتوجه اولا لمصر ومنها لفنلندا. وفر زميله الاخر من ارض الصومال واثنان اخران من الصومال.

تتمتع ارض الصومال بسلام ورخاء نسبيين واجريت انتخابات ديمقراطية ومن المقرر ان تجري انتخابات الرئاسة في العام المقبل.

ويقول محللون انها لم تحظ باعتراف دولي نتيجة مخاوف من ان يؤدي اي تغيير لحدود الحقبة الاستعمارية لفتح باب لا يمكن اغلاقه امام مطالب الانفصال.

وتبلغ الميزانية السنوية لارض الصومال ما بين 35 الى 40 مليون دولار. ويقول محللون ان نحو 80 في المئة تأتي من رسوم الجمارك وايرادات ميناء بربره على خليج عدن ويساهم مواطنون في الشتات بتحويلات تقدر بحوالي 450 مليون دولار سنويا.

وفي خطوة لجذب لاجئين لوطنهم اعلنت الادارة عن اعفاء ضريبي على الاستثمارات الجديدة لتعزيز النمو.

ونصف اعضاء الحكومة والبرلمان في ارض الصومال لاجئون سابقون عادوا من اوروبا والولايات المتحدة. واضحى اللاجئون السابقون اصحاب مصانع صغيرة او اقاموا انشطة في قطاعات مثل الاتصالات.

ولدى ابراهيم رئيس الجامعة حلم اكبر..تغيير اسلوب قادة المستقبل. ويقول: ليس لدينا قادة في بلدنا لدينا مديرون. هدفنا ان نفرز قادة لديهم رؤية للمستقبل يمكنهم ان يعيدوا الامل وتوحيد شعبنا وهناك رغبة كبيرة في مثل هذه القيادة ونأمل ان تكون المصدر.

واستخدم ابراهيم واصدقاؤه مدخراتهم لبناء جامعة وبعد افتتاحها حصلوا على منح من بنوك اسلامية ومؤسسات من دول الخليج بصفة اساسية.

وتشير تقديراته الى انفاق حوالي 500 الف دولار حتى الان فيما تساهم المنح في تمويل تسيير الامور اليومية للجامعة بما في ذلك دفع اجور العاملين.

ويأتي محاضرون من اوغندا وكينيا ودول اسيوية للتدريس في الجامعة التي تمنح درجتي الماجستير والدكتوراه بالتعاون مع جامعة ماليزيا المفتوحة. ويدفع نحو 500 طالب 450 دولارا في الفصل الدراسي الواحد في المتوسط.

ورغم الفقر تتيح ارض الصومال والمنطقة فرص استثمار لمن لديه الشجاعة الكافية للعودة.

وتفيد دراسة للاتحاد الاوروبي اطلعت عليها رويترز ان المنطقة بها مصادر كبيرة غير مستغلة من النفط والفحم والمعادن مثل الذهب والبلاتين والنحاس والنيكل والزنك.

ويقول رئيس بلدية هرجيسة محمد جير وهو لاجئ سابق عاش في بريطانيا ان الاستثمارات الجديدة غذت طفرة البناء في المدينة التي لا زال بها انقاض مبان قصفت في عام 1988.

ويملك جير المهندس شركة بناء تشيد نحو 50 مبنى جديدا في العاصمة كل شهر ويقول: نعفي قطع غيار للمصانع وسلعا اخرى من الضرائب لتشجيع استثمارات من عدد اكبر من المواطنين في الشتات. الاقتصاد يعتمد عليهم انهم بمثابة شريان الحياة. مشيرا لمن يعودون من الخارج او يحولون اموالهم للبلاد.

الثراء الفاحش لدى قراصنة الصومال من جرائم الخطف

يستثمر قراصنة صوماليون بقوة في تهريب القات الى جانب تجارتهم في أشياء أخرى حيث يسعون الى انفاق المكاسب الكبيرة التي حققوها مما حصلوا عليه من فدى بعد أشهر من الهجمات.

ويقول مسؤولون في القطاع البحري ان 26 سفينة على الاقل اختطفت قبالة ساحل البلد الواقع بمنطقة القرن الافريقي حتى الان هذا العام.

وفي معظم هذه الهجمات تم تحصيل فدية قدرها عشرة الاف دولار على الاقل وفي بعض الحالات كان المبلغ اكثر من هذا بكثير. وهناك مبالغ طائلة الان في أيدي القراصنة في منطقة بلاد بنط التي تتمتع بشبه حكم ذاتي وتقع في شمال الصومال. بحسب رويترز.

وفي الاونة الاخيرة اقتسم سياد محمد وعصابته فدية قيمتها 750 الف دولار بعد أن أفرجوا عن سفينة المانية كانوا قد احتجزوها في مايو ايار. وقال محمد انهم قرروا الاستثمار في تهريب القات وهو نبات مخدر خفيف يحظى باقبال كبير في المنطقة.

وقال محمد بالهاتف لرويترز من جاروي عاصمة بلاد بنط: بدأنا نستورد. اشتريناه من كينيا بعد تناقص الامدادات المعتادة بسبب التأخيرات. رأينا فرصة واستغللناها.

وأضاف أنه جنى 750 الف دولار من الفدية الالمانية وهو مبلغ ضخم في منطقة بهذا الفقر.

وقال الصياد السابق البالغ من العمر 30 عاما: نعمل في ثلاث مجموعات. هناك مجموعة في البحر الان تبحث عن سفن لخطفها. المجموعتان الاخريان ومنهما مجموعتي هي التالية في الصف. جميعنا نتقاسم أموال الفدية... والزملاء القراصنة يحصلون على مؤن من القات.

ونبات القات المحظور في الكثير من الدول الغربية نبات مزهر موطنه الاصلي شرق افريقيا وشبه الجزيرة العربية ويعتقد أنه نشأ في اثيوبيا. ومعظم متعاطوه من الرجال وهم يمضغون أوراقه الطازجة للحصول على درجة خفيفة من الانتشاء تشبه تعاطي الامفيتامينات.

واستفاد قراصنة اخرون بدرجة اكبر من التجارة. ويقول سكان جاروي وبوصاصو البلدة الرئيسية الاخرى في بلاد بنط ان معظم الخاطفين معروفون جيدا.

وبعد الزيادة الحادة التي شهدتها الهجمات في البحر هذا العام حقق القراصنة الاثرياء وضعا اشبه بوضع المشاهير في المنطقة حيث قاموا ببناء فيلات أقرب الى القصور على الشاطيء ومبان أخرى ويتجولون في البلدة في سيارات باهظة الثمن ولديهم أكثر من زوجة.

ويتوقع بعض السكان أن يسيطر القراصنة على المزيد من المؤسسات التجارية المحلية قريبا ويقولون ان العصابات تهدد السلطات المحلية وتستطيع أن تدفع الاموال مقابل الحصانة مما يزيد الاوضاع الامنية سوءا في واحد من اكثر أجزاء افريقيا انعداما للقانون.

وازدهرت القرصنة في الصومال منذ أطاح أمراء الحرب بالرئيس محمد سياد بري عام 1991 وهو ما أوقع البلاد في حالة فوضى. لكن القرصنة وصلت الى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ بداية العام الماضي.

ومن بين أحدث الضحايا المانيان خطفا في يونيو حزيران وما زال مسلحون من بلاد بنط يحتجزونهما ويطلبون فدية قيمتها مليونا دولار. ويعامل معظم القراصنة الرهائن معاملة جيدة أملا في الحصول على عائد جيد.

يقول اندرو موانجورا المسؤول بالقطاع البحري ومقره كينيا: لقد اكتسبوا خبرة وهم يختطفون سفنا كبيرة تدر عليهم أموالا جيدة... يزدادون ذكاء على ذكاء.

ويستخدم القراصنة الزوارق السريعة التي يتم اسقاطها من "سفن ام" اكبر حجما. ثم يستخدم الخاطفون الزوارق الاسرع لاعتراض السفن التجارية قبل أن يصعدوا على متونها ملوحين بالبنادق وفي بعض الاحيان بالقذائف الصاروخية.

ويقول سكان في بلاد بنط انه لن يكون هناك عجز في تجنيد قراصنة جدد ما دامت العصابات تجني مكاسب ما تفعله.

وأقام القرصان جاما شينو واحدا من اكثر حفلات الزفاف التي تشهدها جاروي فخامة منذ سنوات. وحضر مئات المدعوين الحفل الذي تزوج فيه شينو، وهو اب لطفلين ويبلغ من العمر 35 عاما، زوجته الثانية.

يقول شينو مبتسما: لا نخشى الحكومة. الفتيات هنا لا يخافون منا. انهم يحبوننا لاننا نملك الكثير من المال لهذا يرغبون في الزواج منا.

وقالت رودو عبد الله (19 عاما) التي حضرت حفل الزفاف ان كل فتاة تحلم أن يقام لها زفاف ضخم مثل هذا لكنها اضافت أن القراصنة هم وحدهم الان الذين يملكون المال الكافي لتحقيق هذا الحلم.

ومضت تقول لرويترز: لو أني تزوجت رجلا لا يملك المال الوفير فلن يستطيع أن يقيم لي عرسا كبيرا هكذا. وأضافت، لهذا تفضل الفتيات هنا الزواج من قراصنة.

أعمال العنف تطال عاملات للتنظيف في شوارع مقديشو

قتل حوالى عشرين شخصا معظمهم نساء كن ينظفن شوارع مقديشو في انفجار قنبلة في حين تغرق الصومال في ازمة غداة اعلان عشرة وزراء من اصل 15 نيتهم الاستقالة من الحكومة.

وقد وقع الانفجار في حي كاي-4 جنوب العاصمة الصومالية حيث وظفت منظمات محلية عشرات النساء لتنظيف الشوارع مما خلف مشاهد مجزرة حقيقية في الشارع.

وقال احد الشهود ويدعى حسن علي محمد لوكالة فرانس برس: كن ينظفن الشارع عندما هز انفجار ضخم الحي. واحصيت حتى 15 جثة تناثرت اشلاء معظمها لنساء.

وقال شاهد عيان اخر يدعى علي حسن عدن: ان عدد الضحايا في تزايد، بينما يسعى بعض السكان الى تنظيم عمليات الاغاثة ونقل الجرحى الى المستشفى. بحسب فرانس برس.

واكد حتى الان تم احصاء حوالى 15 قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى لا اعرف كم تحديدا واضاف لم ار يوما مثل هذه المجزرة. بحسب ما شاهدت ان معظم الضحايا من النساء اللواتي كن ينظفن الحي.

وفي مستشفى المدينة قال الطبيب ضاهر محمد محمود ان 47 جريحا نقلوا اليه بينهم خمسة توفوا متأثرين بجروحهم ما يرفع عدد القتلى الى عشرين على الاقل. واضاف، انه اخطر اعتداء نشهده منذ اسابيع.

ولم تتبن اي جهة الهجوم حتى الان لكن السلطات تنسب هذا النوع من الاعتداءات الى الاسلاميين الذين يبثون الرعب منذ ان اطيح بهم في اواخر 2006 اثر تدخل القوات الاثيوبية لدعم الحكومة الصومالية الانتقالية.

وكثيرا ما يشهد الحي الذي وقع فيه الانفجار هجمات للمتمردين على القوات الاثيوبية والجنود الصوماليين.

وابرمت الحكومة الصومالية في حزيرن/يونيو برعاية الامم المتحدة اتفاقا على هدنة مع قسم من المعارضة الاسلامية رفضه هذا الاسبوع قسم اخر وهم متمردو حركة "الشباب" الاسلامية.

وكان يفترض ان يدخل الاتفاق حيز التنفيذ في التاسع من تموز/يوليو لفترة ثلاثة اشهر تمهيدية لكن المعارضة انقسمت حول الاتفاق واصر القسم الاكثر تطرفا على انسحاب القوات الاثيوبية من البلاد قبل بداية المفاوضات.

وتشهد الصومال معارك شبه يومية تقريبا بين المتمردين والقوات الاثيوبية والحكومية. كما تشهد حربا اهلية منذ 1991 اثر سقوط الرئيس السابق محمد سياد بري.

واعرب عشرة وزراء صوماليين من اصل 15 عن نيتهم الاستقالة من الحكومة بسبب سوء استخدام رئيس الوزراء نور حسن حسين اموال الدولة وفق بيان من الوزراء.

وياتي اعلان استقالة ثلثي اعضاء الحكومة بعد يومين من اقالة رئيس الوزراء رئيس بلدية مقديشو محمد عمر حبيب بتهمة سوء استغلال السلطة والفساد.

وكان حبيب احد زعماء الحرب الصوماليين سابقا وكان يدير منطقة شابيلي الوسطى قبل ان يطرده الاسلاميون عام 2006 وعينته الحكومة الصومالية رئيسا لبلدية مقديشو في نيسان/ابريل 2007.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/أيلول/2008 - 15/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م