النقد الخليجي ومعدلات التضخم والسعي نحو العملة الموحدة

 

شبكة النبأ: يبقى عصب الحياة الأوحد، الاقتصاد الذي يعد الشريان الأبهر لسير الحياة وديمومتها وميكانيكية الحركة الكونية.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على الاقتصاد الخليجي، وعرض لبعض معدلات التضخم في دول مجلس التعاون:

الاتحاد النقدي الخليجي وخفض الفوارق في معدلات التضخم

اكد تقرير اصدره مركز دبي المالي العالمي بعنوان: تقييم مسيرة الاتحاد النقدي الخليجي. ان على دول مجلس التعاون الخليجي العمل على مقاربة معدلات التضخم قبل الموعد المقرر لاطلاق الاتحاد النقدي الخليجي في 2010.

كما يوصي تقرير الهيئة المالية لامارة دبي باعادة النظر في ربط عملاتها بالدولار الذي شهد تراجعا كبيرا. بحسب فرانس برس.

واكد التقرير: يجب ان يكون التضخم أبرز الأولويات في جدول أعمال السياسة النقدية إذ يقتضي الوضع الحالي تغيير هذه السياسة نحو كبح التضخم ويمكن الهدف الى ابقاء التضخم ضمن مستوياته المحددة.

وقال ناصر السعيدي كبير اقتصاديي مركز دبي المالي العالمي لدى عرضه التقرير ان ابرز الاولويات يجب ان تكون الالتزام بموعد العام 2010.

ويستند التقرير الى ستة معايير وضعتها لجنة فنية في مجلس التعاون الخليجي وتم استيحائها من معايير ماستريخت المعاهدة التي تنظم اعتماد اليورو كعملة واحدة في الاتحاد الاوروبي.

وتتضمن هذه المعايير التقارب في مستويات التضخم واسعار الفائدة واحتياطات العملات الصعبة والعجز المالي والديون العامة وكذلك الحفاظ على مؤشر ثابت لربط العملة بالدولار.

وقد اتاح ارتفاع اسعار النفط لدول مجلس التعاون الخلجيي تراكم فوائض مالية ضخمة وخفض الديون العامة بحيث اصبحت لا تمتص سوى نسبة بسيطة من الانتاج الاقتصادي وزيادة حجم احتياطاتها من العملات الصعبة.

لكن التضخم - المرتفع بصورة غير اعتيادية في الدول الست - ازداد بصورة كبيرة جدا في قطر والامارات العربية المتحدة الى 13,76% في الاولى و11,1% في الثانية خلال 2007.

اما في البحرين والكويت وسلطنة عمان والسعودية فظلت نسب زيادة الاسعار تحت العشرة بالمئة السنة الماضية رغم انها تجاوزت هذه انسبة في الكويت والسعودية في المعدلات الشهرية خلال 2008.

وقال التقرير ان معدل التضخم في كل دولة من الدول الاعضاء ينبغي الا يزيد باكثر من 2% عن معدل التضخم المتوقع في دول مجلس التعاون. وحدد التقرير المعدل المتوقع التضخم عند 6,91% في 2007.

وتتقارب نسب الفائدة في دول مجلس التعاون نتيجة ربط عملاتها بالدولار. الكويت هي الوحيدة التي لم تعد تربط عملتها بالدولار منذ العام الماضي بعد ان اختارت سلة من العملات.

وادى ربط العملات بالدولار الى حرمان البنوك المركزية في دول مجلس التعاون من استخدام معدلات الفائدة للتحكم بالتضخم حيث ارغموا على اللحاق بركب المصرف المركزي الاميركي وخفض معدلات الفائدة رغم الازدهار الذي تشهده اقتصادياتها.

وقال السعيدي ان ربط العملات بالدولار ليس بالضرورة الخيار الافضل للتحكم بالتضخم.

وفي حين وفر ربط العملات بالدولار استقرارا في العملة والاسعار في الماضي (فان تغييرات جمة) وضعف الدولار الاميركي يقدم اساسا منطقيا لتغيير السياسة النقدية بهدف التحكم بالتضخم.

واوصى التقرير كذلك دول مجلس التعاون بالاستثمار في بناء وتعزيز قدراتها الإحصائية لتوفير بيانات اقتصادية ومالية متناسقة وقابلة للمقارنة سعيا الى دعم الاتحاد النقدي الخليجي والسوق الخليجية المشتركة.

واضاف انه لكي يتحقق الاتحاد النقدي الخليجي ويحقق الأهداف التي قام من أجلها فانه سيحتاج إلى استثمارات داعمة في البنية التحتية للقطاع المالي (بما في ذلك البنية القانونية والتنظيمية) بالإضافة إلى تطوير انظمة الدفع وربط اسواق النقد بأسواق رأس المال لضمان توحيد سعر الفائدة والتحويل السريع للأموال عبر دول الخليج العربية.

وأشار التقرير إلى أن معالجة هذه القضايا ستتيح للاتحاد النقدي إضفاء قيمة كبيرة على اقتصادات المنطقة. وشدد على أن الاتحاد النقدي سيعزز التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتكامل الاقتصاد الإقليمي.

وقرر قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال اجتماعهم في قطر نهاية 2007 الالتزام بموعد 2010 لاطلاق الاتحاد النقدي. وفي كانون الثاني/يناير انشأوا السوق الخليجية المشتركة بعد اعتماد اتحاد جمركي منذ 2003.

يبلغ عدد سكان دول مجلس التعاون اكثر من 35 مليون نسمة وان كان عدد المواطنين منهم يصل الى 60% والباقي من الموظفين والعاملين الاجانب وعائلاتهم.

ومن أسباب لرفض فك الارتباط بالدولار: فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار يؤدي الى تخفيض قيمة ايراداتها الحكومية، كما سيكون له اثر سلبي كبير على بعض صفقات البنوك المحلية الخليجية بالاضافة الى صناديقها الحكومية المحلية، هذا فضلاً عن الخسائر التي ستلحق بالاستثمارات الخارجية في الاصول المقومة بالدولار، فدول الخليج لديها استثمارات بالملايين، كلها مرهونة بقوة الدولار، وسوف تنهار بانهياره، كما ان الامر لا يقتصر على تلك الدول فقط، بل على الكثير من دول العالم التي لها استثمارات بالدولار والذي يشكل %60 من حجم الاستثمارات العالمية.

من المتوقع بعد فك الارتباط بالدولار ان ترتفع الاسعار مرة اخرى طالما ان هناك عوامل اخرى مؤثرة في التضخم، كما ان التكاليف طويلة المدى نحو هذا الاتجاه تضر بالاقتصادات الخليجية، وتأتي هذه التكاليف من التأثير السلبي في تنافسية التجارة والاستثمار وجذب السياحة، وتجدر الاشارة الى تأكيد محافظ المصرف المركزي الاماراتي مؤخراً على ان السياسة الخاصة بالدولار مسؤولة فقط عن %30 من التضخم، بينما النسبة المتبقية  %70  فهى مسؤولية داخلية.

وبالتالي فان الاتجاه الى فك الارتباط بالدولار او اعادة تقييم العملات الخليجية تجاهه سيؤثر بشكل سلبي على الاهداف الكلية التي تسعى اليها دول المجلس من اجل تقليل الاعتماد على النفط، والتوجه نحو قطاعات انتاجية وغير انتاجية اخرى في المستقبل، ويساعد ربط العملات الخليجية بالدولار على استقرار ايراداتها من الصادرات.

دول الخليج لاتستطيع الارتباط بغير الدولار لان دخلها الاساسي مرتبط بسلعة واحدة وهي النفط المرتبط بالدولار، وفك الارتباط على المدى البعيد لا يحقق فوائد، بالاضافة الى انه بصرف النظر عن الارتفاعات الحالية لليورو والين والاسترليني امام الدولار، فان المؤشرات المستقبلية تؤكد عودة الدولار الى قوته ومكانته امام تلك العملات، كذلك فان الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الاكبر مع دول المنطقة الخليجية، وتستثمر دول المجلس بشكل ملحوظ في ديون الحكومة الامريكية.

في التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي الصادر مؤخرا تقرير التنمية والتجارة 2007، افرد الصندوق ملحقاً خاصاً عن تجربة الاتحاد الخليجي قلل فيه من مخاطر ربط العملات الخليجية بالدولار على المدى المتوسط بالنسبة للاقتصاديات الخليجية.

لكون دول المجلس تعتمد بصورة رئيسية على تصدير النفط الذي يعتبر الطلب عليه غير مرن بالنسبة للاسعار، فإن الارتفاع المعتدل في معدلات الصرف لا يمثل مشكلة رئيسية في المدى القصير، ولكن سوف يضر بجهود الدول الخليجية في مجال تنويع الصادرات غير النفطية للولايات المتحدة وآسيا.

تتمتع اسواق العمل في دول المجلس ـ سواء حجم العملة او تكلفة العمل ـ بمرونة كبيرة نظراً لاعتمادها الكبير على الايدي العاملة الاجنبية، وهو الامر الذي يمثل عاملاً ايجابياً في تقليص الآثار السعرية للهزات، وبالتالي الحاجة إلى اعادة تقييم سعر الصرف.

اذا ما استمر انخفاض قيمة الدولار امام اليورو، فان الاسواق الاوروبية سوف تصبح هدفاً للصادرات غير النفطية الخليجية، نظراً لان سعرها سوف يصبح منخفضاً في تلك الاسواق، مما يسمح بتنويع الصادرات الخليجية، بصورة اكبر.

بالرغم من ارتفاع الدولار.. بقاء إصلاح نظام الصرف في الخليج

لن تتبدد الأسباب التي قد تدفع دول الخليج المنتجة للنفط للتحول إلى نظام صرف أكثر مرونة لمكافحة التضخم وتعزيز قيم عملاتها حتى مع ارتفاع قيمة الدولار الذي يكسبها بعض الوقت لإعادة النظر في ربط عملاتها بالعملة الأمريكية.

وشعر صناع القرار في دول الخليج - الذين واجهوا ضغوطا شعبية متنامية لرفع قيمة العملات - بالارتياح بعد أن عوض الدولار أغلب خسائره في عام 2008 وتوقف مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي عن خفض أسعار الفائدة. بحسب رويترز.

ورغم ان انتعاش الدولار سيحد من الضغوط التضخمية عن طريق تخفيض تكلفة واردات المواد الغذائية والسلع الى هذه الدول الصحراوية الا ان اقتصاداتها المزدهرة وما تتطلبه من تشديد للسياسة النقدية يخالف الوضع في الولايات المتحدة.

وقال سايمون وليامز كبير الاقتصاديين في اتش.اس.بي.سي في دبي: الموقف الداعي لاصلاح العملات مازال قويا حتى اذا كان ارتفاع قيمة الدولار قد جعل ذلك الامر أقل الحاحا.

وأضاف، الخليج اقتصاد سريع النمو ونشط وسيستفيد بدرجة كبيرة من السيطرة على سياساته النقدية.

وحتى قبل أن يبدأ الدولار في الارتفاع في أواخر يوليو تموز الماضي كان صناع القرار في الخليج يؤيدون انعاش خطة اقليمية لطرح عملة خليجية موحدة وتمكنوا من الحد من المراهنات على أن دولا أخرى ستتبع خطى الكويت وتنهي ربط عملتها بالدولار.

واستبدلت الكويت بالدولار سلة عملات لم يكشف عن تكوينها في مايو أيار عام 2007 عندما كان سعر اليورو 1.34 دولار قائلة ان ضعف الدولار يزيد التضخم عن طريق جعل الواردات أكثر تكلفة.

وظلت عملات الخليج ضعيفة مع مخالفة اقتصاد المنطقة المتوقع ان يرتفع حجمه متجاوزا تريليون دولار هذا العام، موجة تباطؤ يشهدها الاقتصاد العالمي اذ يعزز الخليج ارتفاع أسعار النفط الى اكثر من خمسة أمثالها منذ عام 2002 .

وفي فبراير شباط قبل شهور من ارتفاع سعر اليورو الى 1.60 دولار قال رئيس وزراء قطر ان عملة بلاده الريال أقل من قيمتها بنحو 30 بالمئة. وفي ذلك الوقت كان سعر اليورو 1.48 دولار أي اعلى قليلا من مستواه.

ومنذ ذلك الحين ارتفع معدل التضخم متجاوزا عشرة بالمئة في خمس من الدول الست الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي مما أثار احتجاجات بين الوافدين العاملين في الامارات والبحرين والكويت بسبب تراجع قيم أجورهم مع انخفاض الدولار.

وقال بول جامبل: العملات مازالت مقومة بأقل من قيمها الحقيقية لذلك فان ارتفاع الدولار لم يغير من الموقف الداعي للاصلاح.

وأضاف السلطات المعنية كانت أكثر اتساقا في تعبيرها عن استعدادها للابقاء على هذا الربط. ارتفاع الدولار يسهل عليها بدرجة كبيرة عدم القيام بشيء.

واذا استمر الدولار في الانتعاش معوضا خسائره أمام اليورو والعملات الاسيوية فان ذلك سيخفض من تكلفة واردات الغذاء المقومة بعملات غير الدولار لدول الخليج وهي من المحركات الرئيسية للتضخم في المنطقة. كما ان ارتفاع الدولار يزيد من قيمة أصول الصناديق السيادية لادارة الثروات.

لكن في حين تشهد الولايات المتحدة أسوأ أزمة مالية تمر بها منذ الحرب العالمية الثانية فان دول الخليج المزدهرة تشهد أعلى معدلات نمو في تاريخها.

والبنوك المركزية الخليجية ليس لديها الادوات اللازمة لمعالجة التضخم. واضطرت دول الخليج لاتباع سبعة تخفيضات في سعر الفائدة الامريكية بدأت قبل نحو عام في حين ان مشكلاتها التضخمية كانت تتطلب رفع الفائدة وليس خفضها.

كما أن سعر الفائدة الحقيقي وهو سعر الفائدة الرسمي مخصوما منه التضخم سالب كذلك مما يجعل السكان يسحبون أموالهم من الحسابات المصرفية لاستثمارها في أصول مثل العقارات.

وحتى اذا بدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي في رفع الفائدة مرة أخرى لاحتواء التضخم في الولايات المتحدة فان ذلك لن يكون كافيا.

ودعت هيئات استشارية في الخليج الحكومات لدراسة اصلاح العملات في اطار التحضير للوفاء بالموعد النهائي للوحدة النقدية الخليجية المقرر في عام 2010 والمتوقع أن يتم تعديله.

ودعا الاقتصاديون في مركز دبي المالي العالمي لاصلاح العملات في أغسطس بعد شهر من تردد دعوات مماثلة من جانب مجلس الشورى السعودي وادارة التخطيط والاقتصاد في أبوظبي.

لكن حشد التأييد لاصلاح العملة مرتبط بالسياسة في الوقت الذي تواجه فيه دول الخليج المتحالفة مع الولايات المتحدة تصاعد التوترات مع ايران المجاورة.

وايا كانت الايجابيات أو السلبيات الاقتصادية لتعويم العملات فان هذه الاراء يتعين أولا أن تصل الى اذان حكام البلاد الاغنياء.

وقال جامبل: يمكن النظر في المواقف الاقتصادية لكن الامر يحتاج لقرار سياسي في نهاية الامر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/أيلول/2008 - 7/رمضان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م