عودة العقول المهاجرة وعلاقتها بالأوطان

شبكة النبأ: شيء طبيعي جدا ان تنزح جميع العقول خارج البلدان التي تشتعل فيها الأزمات، أو تتراجع فيها المستويات الإجتماعية او حقوق الإنسان، فإحترام العقول والشهادات وأصحاب الإنجازات في جميع البلدان هو من مظاهر وأشكال التقدم، فهم من أركان تقدم وإزدهار هذه البلدان، وبعكسه لاوجود لفرص التقدم والتطور. وعلّ البلدان الشرقية من أكثر بلدان العالم تعرضاً لهجرة منظمة في عقولها وحملة شهاداتها، ذلك ان هذه البلدان تمتاز إما بقمع شبه سري لكل بؤر التفكير، أو إنها لاتحترم هذه الكفاءات من حيث وضعها في مكانها الصحيح.(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على عودة العقول بعد هجرتها إلى نيجيريا، وآراءهم بعد تطوافهم في أنحاء العالم، والتاثيرات الاقتصادية لرحيلهم وعودتهم:

هجرة العقول أم عودتها

من حفلات الكوكتيل التي يشارك فيها نجوم موسيقى الهيب هوب إلى تناول السوشي مع رجال بنوك متأنقين لا عجب أن النيجيريين الذين يعودون بعد عقود قضوها في نيويورك ولندن يشعرون أنهم في وطنهم بين نخبة تعيش في رغد في لاجوس.

هذا الامتداد الحضري الذي يضم 14 مليون نسمة والذي يعد محور الفوضى في أكبر بلد افريقي من حيث عدد السكان قد يجسد ما يخشاه الكثير من الاجانب بشأن المدن الكبرى في العالم النامي كالجرائم العنيفة والشرطة الفاسدة والبنية التحتية المتهالكة.

غير أن أعدادا كبيرة من الشبان النيجيريين الذين تلقوا تعليمهم في مدارس حكومية انجليزية وجامعات أمريكية يتركون وظائفهم ذات الرواتب المرتفعة في بنوك وول ستريت والمؤسسات الاستشارية بلندن ليعودوا إلى صخب لاجوس. بحسب رويترز.

ليس مجرد عائد يقارب او يضاهي المعروض في الولايات المتحدة او أوروبا بل نزعة وطنية: فرصة للمساعدة في تحقيق حلم بناء مؤسسات تجارية نيجيرية لتكون مثالا لبقية افريقيا. حيث يقول مايكل اكينديلي الذي ترك عمله في مؤسسة اكسنتشر الاستشارية بالولايات المتحدة ليقيم مشروعه الخاص ويستثمر في قطاع الاعلام والترفيه بنيجيريا: في الولايات المتحدة اقتصاد مستقر. لا يستطيع المرء انشاء شركة ابل أخرى أو مايكروسوفت أخرى. لا تستطيع أن تنشيء ديزني أخرى.

ومضى يقول: تركت هذا الراتب وهذا المناخ المريح والمستقر حيث توجد الكهرباء طوال الوقت والمياه طوال الوقت. لكنني هنا أستطيع خلق نمط الحياة الذي أريده.

ونيجيريا ثامن اكبر دولة مصدرة للنفط على مستوى العالم لكن اقتصادها كان مكبلا بعقود من الفساد المتوطن كما أن معدل البطالة مرتفع. وأدت أزمة في قطاع الكهرباء تجعل البلاد أحيانا بلا تيار كهربائي لاسابيع او شهور الى اغلاق مئات المصانع والقضاء على آلاف الوظائف في اكبر اقتصاد بافريقيا جنوب الصحراء بعد جنوب افريقيا.

وتم ارسال الكثير من النيجيريين ميسوري الحال من جيل اكينديلي إلى مدارس داخلية في انجلترا او الولايات المتحدة في اواخر الثمانينيات والتسعينيات حين كانت نيجيريا دكتاتورية عسكرية لا يوجد بها استثمار أجنبي يذكر فضلا عن تردي نظام التعليم.

وراقب هؤلاء الاوضاع بتفاؤل حذر مع بدء عودة البلاد إلى الديمقراطية عام 1999 بانتخاب اولوسيجون اوباسانجو بعد ثلاثة عقود من الحكم العسكري ورحبوا بالاصلاحات التي بدأ في تطبيقها بعد فوزه بولاية ثانية عام 2003.

وحين استغلت نيجيريا 12 مليار دولار من مدخرات النفط لسداد ديونها لنادي باريس للدول الغنية المانحة عام 2005 ونجحت في اسقاط ديون أخرى قيمتها 18 مليار دولار في المقابل لفت هذا انتباه مستثمرين أجانب ونيجيريين مقيمين بالخارج.

وقال كايودي اكينديلي (28 عاما) الذي عاد ليعمل لدى بنك يو. بي.ايه ذراع الاستثمار المصرفي لبنك افريقيا المتحدة: كنت أتابع كل هذا من لندن وبدأت أؤمن أن الوقت قد حان لبدء التخطيط للعودة.

وكان كايودي اكينديلي خريج جامعة اكسفورد الذي عاش في بريطانيا لاكثر من 16 عاما يعمل لدى بنك لويدز تي.اس.بي في لندن حين تعرف على طوني ايلوميلو الرئيس التنفيذي لبنك يو.بي. ايه قبل عامين.

وكان ايلوميلو يتطلع الى انشاء بنك استثماري على مستوى عالمي في نيجيريا وكانت مهارات اكينديلي هي ما يحتاجه تماما.

يقول اكينديلي الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس في يو.بي.ايه جلوبال ماركتس: كان هناك حس وطني. كنت أنظر إلى نفسي دوما على أنني نيجيري وخططت للعودة إلى نيجيريا في نهاية المطاف.

وأجبرت الاصلاحات التي شهدها القطاع المالي عام 2005 البنوك في نيجيريا على الاندماج لانشاء مؤسسات بمليارات الدولارات لديها القدرة على التوسع بانشاء فروع في أسواق جديدة رفيعة المستوى وأن تدفع رواتب تضارع بعض نظرائها الغربيين.

كما شهدت البنوك نموا كبيرا على أثر ارتفاع قياسي في أسعار النفط فضلا عن نمو الطبقة المتوسطة بين سكان نيجيريا البالغ عددهم 140 مليون نسمة. وهي ترفع رأس مالها باستمرار وتزيد من قدرتها على الاقراض.

وكان سوق الاسهم النيجيري البالغة قيمته 95 مليار دولار واحدا من أفضل الاسواق الناشئة اداء في العالم السنة الماضية حيث استقطب مستثمرين في الاسهم وفي صناديق التحوط من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة.

وربما يكون عالم أسواق المال ببريقه الاخاذ بعيدا كل البعد عن واقع الحياة في شوارع لاجوس حيث يبيع باعة متجولون كل شيء من بطاقات شحن الهواتف المحمولة إلى المكاوي يسعون جاهدين لممارسة تجارتهم بين الحافلات الصغيرة وسيارات الاجرة.

لكن المصرفيين يأملون في أن يساعد بناء مؤسسات مالية قوية في فتح خطوط ائتمان للملايين الراغبين في اقامة مشروعات تجارية مما يسمح لهم بتطوير مشاريع صغيرة.

أهمية تحويلات المهاجرين إلى بلدانهم في الدول النامية

أفاد بنك معلومات الهجرة والتحويلات المالية التابع للبنك الدولي بأن مصر حصلت على أكبر حصّة من تحويلات العمال العاملين في منطقة الخليج، خصوصاً السعودية، ومن الدول الصناعية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2007، لكن الهند والصين والمكسيك والفيليبين وفرنسا احتفظت بمواقعها التقليدية المتقدمة في تلقي أموال المغتربين.

وبلغ حجم تحويلات العمال المغتربين، التي تشمل المبالغ المحوّلة عبر القنوات الرسمية فقط، إلى الدول النامية 251 بليون دولار السنة الماضية، وفقاً للبنك الدولي، مسجلة زيادة بنسبة 11 في المئة مقارنة بعام 2006. بحسب صحيفة الحياة.    

ولاحظ خبير الهجرة في البنك الدولي، ديليب راتا، أن تحويلات العمال المغتربين تشكّل أكبر مصادر التمويل الخارجية المتوافرة للدول النامية وتضاهي في قيمتها الحقيقية حصيلة المساعدات الانمائية، المعروفة باسم المساعدات الرسمية.

وتلقت الدول النامية 75 في المئة من الرصيد الاجمالي للتحويلات العالمية السنة الماضية، وهي تحتضن 85 في المئة (5.5 بليون نسمة) من سكان العالم الذين يقدر عددهم بنحو بـ6.6 بليون نسمة.

وحصلت أميركا الجنوبية على أكبر نصيب من تحويلات عمال الدول النامية، لكن هذه الحصة التي بلغت قيمتها 61 بليون دولار سجلت أقل زيادة سنوية بلغت ستة في المئة، كما يتوقع أن تنمو بوتيرة هزيلة هذه السنة. أما أكبر نسبة زيادة سنوية، وهي 22 في المئة، فكانت من نصيب مغتربي دول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى الذين بلغ حجم تحويلاتهم 47 بليوناً.

وارتفعت قيمة تحويلات عمال شرق آسيا بنسبة 11 في المئة إلى 59 بليوناً، وبلغت تحويلات مغتربي دول جنوب آسيا 44 بليوناً، مسجلة نسبة زيادة مماثلة. وارتفعت التحويلات التي تلقتها الدول الأفريقية بنسبة 13 في المئة إلى 11 بليوناً.

واحتكرت أربع دول قرابة 40 في المئة من تحويلات العمال، الذين قدّر البنك الدولي عددهم السنة الماضية بزهاء 145 مليون مهاجر ومغترب. وتصدّرت القائمة الهند التي بلغت حصّتها 27 بليون دولار، تلتها الصين (25.7 بليون) والمكسيك (25 بليون) والفيليبين (17 بليوناً). واحتلت فرنسا المرتبة الخامسة عالمياً بعدما بلغت قيمة التحويلات التي تلقتها 12.5 بليون دولار.

وزادت تحويلات مغتربي ومهاجري الدول العربية بنسبة 89 في المئة في السنوات الخمس الأخيرة، مقارنة بثمانية في المئة عام 2007، إلى 29 بليون دولار.

وارتفعت حصّة مصر بمقدار 600 مليون دولار إلى 5.9 بليون بين عامي 2006 و2007. وتوزعت تحويلات عام 2007 على النحو الآتي: المغرب (5.7 بليون) الأردن (2.9 بليون) الجزائر (2.9 بليون) تونس (1.7 بليون) اليمن (1.3 بليون) سورية (800 مليون) فلسطين (600 مليون).

واحتفظت الدول الصناعية الأعضاء في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» بموقعها كأكبر مَصدر للتحويلات إذ بلغت حصيلة تحويلات المهاجرين منها إلى بلدانهم الأصلية السنة الماضية 160 بليون دولار، مسجلة زيادة بنسبة 13 في المئة، إلا أن التحويلات المصدّرة من الدول النامية ارتفعت بنسبة 23 في المئة (وبنسبة 177 في المئة في السنوات الخمس الأخيرة) إلى 52 بليوناً.

وصـــدّرت أميركــا أكبر حصّة من التحويلات (42 بليوناً) فيما ارتفعت تحويلات العمال في الدول الخليجية بنسبة اثنين في المئة، وتضاعفت في الفترة الممتدة من 2002 إلى 2007 إلى 28 بليوناً في العام الماضي.

وتوقع البنك الدولي تسجيل زيادات كبيرة في تحويلات المغتربين العاملين في الدول الخليجية التي تشهد طفرة اقتصادية هائلة جراء ارتفاع أسعار النفط، ولاستقبالها أعداداً متزايدة من العمال، خصوصاً من الفيليبين وبنغلادش وباكستان في السنوات القليلة الماضية، مشيراً إلى أن هذه التحويلات تساهم في تخفيف أعباء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود في كثير من الدول النامية.

ولفت إلى أن أميركا والاتحاد الروسي وألمانيا تتصدر قائمة الدول الأكثر استيعاباً للمهاجرين، لكن الدول الخليجية ودولاً عربية أخرى تنفرد بأعلى مستويات استضافة للعمال المغتربين، إذ تصل نسبة المغتربين إلى عدد السكان إلى 78 في المئة في قطر و71 في المئة في الامارات و62 في المئة في الكويت و41 في المئة في البحرين و39 في المئة في الأردن و26 في المئة في السعودية و24 في المئة في عُمان.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  30/آب/2008 - 27/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م