ملف النفط: بين الأوضاع الدولية القلِقة وتراجع الأسعار

شبكة النبأ: تراجعت في الفترة الأخيرة أسعار النفط نسبياً، في مفارقة عجيبة إلى جانب تأزم الوضع العالمي السياسي، وتوتر العلاقات الدولية، من جهتها هددت إيران بغلق مضيق هرمز، ثم سرعان ما أندلعت المعارك في أوسيتيا بين روسيا وجورجيا مضيفة احتمالات تفجر الاوضاع في بلاد القوقاز بأكملها.

وهذا الوضع يشير له البعض بالقول أن مفاتيح الموازنات الدولية مقتصرة على أياد معينة لها صلة بالذي يحدث عالميا، وهي الوحيدة القادرة على خلق موازنة دولية بين الإقتصاد والسياسة.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على أهم التطورات الحاصلة في المجال النفطي مع رصد تحركات الأسعار العالمية والمردودات الخاصة بالأسواق:

تطور الاوضاع الدولية وراهنية التراجع في اسعار النفط

تراجع سعر برميل النفط 32 دولارا في اقل من شهر بعدما توقع البعض ان يصل الى مئتي دولار بحلول نهاية السنة لكن المحللين يحذرون من احتمال ارتفاعه مجددا في ضوء اي مستجدات قد تطرأ في العالم مثل نشوب ازمة مع ايران.

وانخفض سعر برميل النفط من 147,27 ي 11 تموز/يوليو الى حوالى 115 دولارا الجمعة في نيويورك مسجلا تراجعا بنسبة تفوق 21% خلال اربعة اسابيع.

وادى ذلك الى تراجع اسعار معظم المواد الاولية التي كانت ارتفعت بموازاة النفط فتراجع سعر اونصة الذهب من الف الى 800 دولار فيما تراجعت اسعار المنتجات الزراعية ما بين 25 و40% وتراجع سعر ليتر البنزين في محطات الوقود بحوالى 6%.

وقال ايليس ايكلاند المحلل المستقل في شيكاغو وصل النفط الى منعطف. من المبالغ به التحدث عن انهيار الاسعار بل يمكن القول اننا نشهد استراحة. بحسب فرانس برس.

واعتبر جيمس وليامز من شركة دبليو تي ار جي انرجي ان قواعد العرض والطلب غلبت مجددا معتبرا ان المستثمرين باتوا اخيرا يأخذون في الاعتبار تباطؤ عجلة الاقتصاد العالمي متوقعا تواصل انخفاض الاسعار.

ويشير المحللون الى ان تراجع النمو الاقتصادي ينعكس الى حد بعيد على استهلاك الطاقة في الدول الصناعية.

وعلى سبيل المثال تراجع استهلاك البنزين في الولايات المتحدة المعروفة باستهلاك السائقين الكبير للوقود في ايار/مايو الى ثلث ما كان عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي.

ومن المتوقع ان يتسع هذا التوجه ليمتد الى الدول الناشئة حيث سترغم اعادة النظر في الدعم الحكومي لاسعار الوقود على الحد من استهلاك البنزين.

في المقابل تعيد الدول تشكيل مخزوناتها النفطية التي انخفضت في مطلع السنة وسجلت منذ بضعة اسابيع زيادة في المخزون النفطي في الولايات المتحدة اكبر مستهلكي النفط في العالم.

وقال دانيال كاتنبرغ من مؤسسة اوبنهايمر ان: المستثمرين كانوا بالغوا في رد فعلهم حين ايقنوا ان الطلب ازداد وان التضخم ارتفع. وحين رأى المضاربون ان الاسعار ارتفعت تحركوا بدورهم بشكل مبالغ ايضا. والان بعدما سجل النمو العالمي تباطؤا ترد السوق بشكل مبالغ ايضا في الاتجاه المعاكس.

وكان المحللون فوجئوا بالارتفاع التاريخي في اسعار النفط فراجعوا على عجل توقعاتهم للاسعار في العام 2008 لرفعها ووصلوا الى حد ذكر مئتي دولار للبرميل خلال الاشهر الستة المقبلة.

واسقطت فيما بعد هذه الاحتمالات التي كانت ستشكل كارثة على الاقتصاد العالمي في حال تحققت لتحل محلها توقعات اكثر اعتدالا تتراوح بين ثمانين دولارا و110 دولارات للبرميل في نهاية السنة.

غير ان المحللين يحذرون من ارتفاع الاسعار مجددا في حال عادت مشكلات التزود بالطاقة الى الواجهة.

وذكر انطوان هارف من مجموعة "نيو ايدج" من الحالات المحتملة لهذا السيناريو تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة ما سيكشف هشاشة المخزونات العالمية التي تعتبر محدودة.

وهددت ايران ثاني منتجي النفط في منظمة اوبك باغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره اربعون بالمئة من صادرات النفط العالمية في حال تعرض مصالحها للخطر.

ومن المحتمل ايضا ان يزداد الطلب في ضوء الازدهار الاقتصادي في الصين والهند وانتعاش النمو المتوقع في الدول الصناعية عام 2009.

وقال جون كيلدوف من شركة ام اف غلوبال ساخرا ان هذه المخاوف لن تتحقق: الا اذا تم اقناع ملايين الصينيين والهنود بان عليهم الاستغناء عن السيارات والبرادات.

رغم الهبوط وكالة الطاقة تقول بإستمرار ارتفاع أسعار النفط

قال رئيس وكالة الطاقة الدولية ان استهلاك النفط في الولايات المتحدة ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يضعف لكن لم تظهر حتى الان بوادر على تراجع الطلب في الصين والهند لذا من غير الواضح ما اذا كان نزول السعر عن 120 دولارا هو نقطة تحول.

وقال نوبو تاناكا المدير التنفيذي لوكالة الطاقة لرويترز: نحن لا نعلم ما اذا كان هذا نقطة تحول. نود أن نعرف لكن ليست لدينا اجابة حتى الآن. بحسب رويترز.

وأضاف أن المستوى السعري الحالي بين 119 و120 دولارا للبرميل مازال مرتفعا جدا بعدما تراجعت الاسعار عن مستويات قياسية قرب 150 دولارا للبرميل كانت لامستها في 11 يوليو تموز.

وتقول الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا وتقدم المشورة الى 27 بلدا صناعيا ان الاستهلاك الذي لايزال قويا في الاقتصادات الصاعدة ولاسيما في الصين والهند والشرق الاوسط سيدفع الطلب على النفط صعودعا هذا العام رغم التباطوء العالمي مما يجعل الامدادات مصدر قلق رئيسيا.

ويلقى باللوم الى حد كبير على تزايد الاستهلاك المحلي للوقود في الصين والهند والشرق الاوسط في تأجيج موجة صعود النفط وارتفاع الاسعار لاكثر من ستة أمثالها منذ العام 2002. وقال تاناكا ان وكالة الطاقة الدولية لاتزال تتوقع نمو الطلب على النفط مليون برميل يوميا هذا العام. ومن ثم لاتزال أكبر مخاوف الوكالة بحسب مديرها على جانب العرض لا الطلب.

وقال: أكبر مخاوفنا هي نيجيريا وموسم الاعاصير وما الى ذلك... لا يمكننا الاسترخاء أكثر من اللازم. هناك طلب قوي جدا في الصين والهند والشرق الاوسط. لكنه أضاف أنه راض عن التزام منظمة أوبك بتعهدها زيادة الامدادات وأنه لا يطلب المزيد.

وقال تاناكا عندما سئل ما اذا كانت الوكالة ستطلب من أوبك رفع الانتاج لخفض أسعار النفط أكثر: لقد التزموا باجراء زيادة معينة وقد وفوا بها. اذا حافظوا على المستوى الحالي يكون وضع المعروض أفضل. لكننا نريد رؤية الحفاظ على المستوى الحالي.

وأضاف تاناكا الذي سيتحدث في اجتماع لمسؤولي الطاقة خلال منتدى اسيان لمشاريع الطاقة أنه يؤيد قرار بعض دول المنطقة تقليص دعم الوقود.

وقال ان الغاء كل أشكال الدعم سيساهم في النهوض بترشيد استهلاك الطاقة ويحد من الطلب ويكبح الاسعار.

وقال: اذا أردت كفاءة استهلاك الطاقة عليك أن تبقي حافزا جيدا للمستهلك النهائي وسعر مباشر هو أفضل السبل.

الأسعار غير الطبيعية للنفط العالمي

اعتبر رئيس منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في جاكرتا ان اسعار النفط التي تتجاوز حاليا 120 دولارا للبرميل غير طبيعية.

وقال شكيب خليل للصحافيين: في حال استمر الدولار بالتحسن وفي حال تحسن الوضع السياسي (بشأن ايران) فان الاسعار على المدى الطويل ستتراجع الى حدود 78 دولارا.

وسبق لرئيس اوبك ان قال: اسعار النفط يجب ان تميل الى 70-80 دولارا في حال تحسن سعر صرف الدولار وتراجع التوتر الجيوسياسي. واستبعد فرضية ان تخفض دول اوبك انتاجها في حال تواصل اسعار النفط. بحسب فرانس برس.

وتساءل: لم تخفض انتاجها؟ تريد دائما التأكد من ان العرض جيد والطلب جيد وتلبية الطلب. وتشهد اسعار النفط ارتفاعا في المبادلات الالكترونية في آسيا في حين ان السوق لا تزال قلقة من مؤشرات تباطوء الطلب.وفي اقل من اسبوعين تراجعت اسعار النفط حوالى 25 دولارا في لندن ونيويورك.

نجاد يتهم القوى العالمية وراء التلاعب باسعار النفط

اعتبر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان الاسعار الراهنة للنفط ليست واقعية لافتا الى ان قوى تتلاعب بالاسعار داخل السوق في حديث الى شبكة ان بي سي التلفزيونية الاميركية.

وقال احمدي نجاد: الوضع اليوم ليس واقعيا. انه مصطنع وانطلاقا من هذا الامر فان الاسعار غير واقعية. بحسب فرانس برس.

واضاف، هل تعتقدون فعلا ان اسعار النفط ناتجة من منافسة صحيحة في السوق؟ الجواب هو كلا. وايران هي ثاني منتج للنفط داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) ورابع منتج عالمي.

ورغم تراجع اسعار النفط بما يزيد على عشرين دولارا مقارنة باسعاره في بداية تموز/يوليو فان سعر البرميل لا يزال اعلى مما كان عليه قبل عام بنسبة ستين في المئة.

تراجع النفط عن أسعاره القياسية وحديث المختصين

تراجعت أسعار النفط خلال إلى قرابة 123 دولاراً، متنازلة بذلك عن المستويات القياسية التي بلغتها قبل فترة، عندما تجاوزت حاجز 140 دولاراً.

ورغم توقعات العديد من الخبراء في إمكانية أن تأخذ الأمور هذا المنحنى، إلا أن التقديرات اختلفت بشكل واضح.

البعض في الدول المنتجة للنفط، كان يلقي باللائمة على تراجع قيمة الدولار، والبعض الآخر يحمل المسؤولية كاملة للمضاربين، أما الدول المستوردة، فكانت ترى أن موازين العرض والطلب مختلة لعدم وجود كميات كافية بالأسواق، وتتهم الدول المنتجة ضمناً بعرقلة دخول شركات الإنتاج الجديدة إلى أراضيها. بحسب (CNN).

ومن المفيد، لمعرفة كيفية توجه الأمور، استرجاع مواقف وتحليلات كبار المسؤولين عن القطاعين النفطي والاقتصادي حول العالم.

فوزير النفط الجزائري، شكيب خليل، الذي يشغل منصب رئيس منظمة الدول المنتجة للنفط أوبك كان قد أكد في لقاء مع برنامج أسواق الشرق الأوسط CNN أن أسعار الطاقة الحالية مرتفعة للغاية، ولا تتوافق مع قواعد العرض والطلب في السوق.

وحدد خليل، في حديث أدلى به مطلع يوليو/تموز الماضي، ثلاثة عوامل تقود إلى ارتفاع أسعار النفط، وهي ضعف الدولار والتوتر السياسي في الشرق الأوسط، والذي يضفي شعوراً من القلق حيال توفر الإمدادات، إلى جانب ارتفاع استهلاك البنزين خلال أشهر الصيف، مبدياً إصراره على توقعاته السابقة باقتراب البرميل من مستوى 170 دولاراً في الفترة المقبلة.

كما حمّل خليل المضاربين مسؤولية كبيرة حيال ما يحصل في أسواق النفط، داعياً إلى إجراء تحقيقات واسعة لمعرفة خفايا وطبيعة دورهم في العقود الآجلة. ورجّح عدم حاجة الأسواق للمزيد من النفط في الخريف المقبل، وذلك بسبب تزايد وتيرة الركود العالمي في أوروبا والولايات المتحدة.

اما وزير الخزينة الأمريكي، هنري بولسون، فيخالف شكيب الرأي، حيث قال في الثالث من يونيو/حزيران الماضي، إن أسعار النفط الحالية ناجمة عن ضغوط العرض والطلب.

وقلل بولسون من تأثير المضاربات وضعف الدولار على أسعار النفط القياسية الحالية، مشيراً إلى أن العامل الأبرز في هذا الإطار هو قضية العرض والطلب، حيث يزداد الاستهلاك بصورة مطردة.

واستبعد الوزير الأمريكي التوصل إلى حل سريع لهذه المشكلة، داعياً إلى حزمة معالجات تقوم على زيادة الاستثمار في بنية النفط التحتية لرفع الإنتاج، وزيادة سعة المصافي، إلى جانب العمل على تطوير مصادر الطاقة البديلة.

من جهته، طمأن وزير النفط العراقي، حسين الشهرستاني، الأسواق العالمية إلى أن بلاده ستزيد إنتاجها النفطي قريباً، وأنها نجحت في وقف الهجمات على أنابيب النفط من خلال إقناع المهاجمين بالانضمام إلى وحدات حراسة المنشآت وتقاضي أجور، مما مكّن العراق من رفع صادراته إلى مليوني برميل يومياً.

وذكر الشهرستاني، في لقاء مع برنامج أسواق الشرق الأوسط CNN أن جهود زيادة الإنتاج سترفع صادرات العراق إلى 4.5 ملايين برميل يومياً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

وكشف الشهرستاني أن بلاده تعتزم زيادة صادراتها بمعدل 400 إلى 500 ألف برميل يومياً، مما سينعكس ارتفاعاً في الإنتاج إلى ما بين 2.8 و3 ملايين برميل يومياً.

وذكر أن بغداد ستستعين في سبيل تحقيق هذا الهدف بمساعدات تقنية، ستحصل عليها بعد التوقيع على عقود للتعاون الثنائي مع أكبر شركات النفط في العالم.

أما في المدى المنظور، فقد أكد الشهرستاني أن عدد الآبار المكتشفة في العراق يبلغ 80 بئراً، لا يتجاوز عدد العاملة منها حالياً 27 بئراً.

وأكد أن بغداد قادرة على رفع إنتاجها النفطي من هذه الآبار فقط إلى ما بين 4 و4.5 ملايين برميل خلال الأعوام الثلاثة أو الأربعة المقبلة، فيما تتوفر إمكانيات هائلة في الآبار الخمسين الباقية، بما يمكن أن ترفع الإنتاج إلى أكثر من ستة ملايين برميل يومياً.

وبشكل عام، فإن الأيام المقبلة، وما سيطرأ على صعيد الأسواق وتبدلاتها سيكشف بشكل أوضح طبيعة حركة النفط والعوامل التي كانت تؤثر في تداولاتها، وسيكون هذا الأمر دافعاً للمشرعين والخبراء، على حد سواء، لمعرفة لتحديد أسلوب التعامل الأمثل مع هذه الأوضاع مستقبلاً.

إمكانية نفاذ النفط وتصديق الخرافة

ربما يكون سوء الفهم حول اسواق النفط واسع النطاق اكثر منه بالنسبة لاي موضوع آخر. ففي الولايات المتحدة يستشيط السائقون غضبا ويطالب السياسيون بتفسيرات لوصول اسعار الغالون من البنزين الى 5.3 دولارات، أي ما يوازي 47 بنسا لليتر، ولكن هذا السعر برغم ارتفاعه، يعتبر اقل من نصف ما هو عليه في بريطانيا. وهكذا فان عبارة السعر المرتفع جدا في الولايات المتحدة قد تعني سعرا منخفضا جدا بالنسبة للسائقين في المدن البريطانية.

جاء ذلك في تحليل لصحيفة صنداي تايمز البريطانية بقلم اروين ستلزر، وهو مستشار في الاعمال ورئيس قسم دراسات السياسة الاقتصادية بمعهد هدسون الاميركي، الذي قال ان اسعار النفط فعلا مرتفعة جدا وفقا للمعايير التاريخية، ولكننا نخطئ عندما نظن ان هذه الاسعار المرتفعة تتسب في احداث التضخم. بحسب صنداي تايمز.

اذ يمكن لهذه الاسعار ان تدفع المستهلكين الى انفاق المزيد من الاموال ثمنا للوقود والمحروقات الاخرى، وذلك على حساب سلع اخرى هم بحاجة الى شرائها. ويمكنك ان تتعرف على مدى صحة هذا القول اذا سألت ايا من العاملين في قطاعات التجزئة، الا ان اسعار النفط المرتفعة لا يمكن ان تكون سببا في ارتفاع المستوى العام للاسعار ـ أي التضخم، الا اذا ضخت احدى الجهات اموالا في الاقتصاد، بمعنى ان هناك المزيد من الاموال التي تلاحق نفس القدر من السلع المتاحة. واذا ما كان هناك من طرف ينحى باللائمة عليه، فلننظر الى مليارات الدولارات التي يضخها خبراء مجلس الاحتياط الفيدرالي الاميركي واعوانهم في وزارة الخزانة الاميركية في النظام الاقتصادي العالمي.

وقال الكاتب ان ثمة خرافة اخرى، وهي التي تقول ان العالم سيعاني نضوبا في النفط. فقد جاء في استطلاع اجراه موقع متخصص في استطلاعات الرأي العالمي ان غالبية من أدلوا برأيهم في 15 دولة من اصل 16 دولة شملها الاستطلاع، ان النفط في طريقه الى النضوب، وان هناك فقط %22 في المتوسط يعتقدون باحتمال اكتشافات جديدة تبقى بمثابة مصادر رئيسية لتوفير احتياجات العالم من الطاقة في المستقبل المنظور.

غير ان تلك الغالبية التي يتحدث عنها الاستطلاع، والتي ترى اننا سنشهد جفافا لمنابع النفط، تشمل %85 من البريطانيين و%76 من الاميركيين الذين استطلعت آراؤهم. ومن حسن الحظ ان هؤلاء واؤلئك خاطئون على حد سواء.

ان انتاج النفط تقيده عوامل عديدة ليس من بينها عدم وجود كميات كافية من الذهب الاسود تحت اقدامنا، اذ ان عددا من الدول التي تختزن كميات هائلة من النفط والتي تعتبر من المصادر المهمة له تعاني من اضطرابات سياسية، وهي عاجزة عن ايصال ما تستطيع انتاجه من النفط الى الاسواق العالمية.ولننظر الى نيجيريا على سبيل المثال، التي اغلقت فيها الاضطرابات الامنية الباب امام انتاج اكثر من %20 من طاقتها الانتاجية البالغة 2.5 مليون برميل يوميا، كما صرفت الانظار بل شجعت على عدم الاستثمار في اكتشافات جديدة.وهناك مثال آخر هو العراق الذي ما زالت اوضاعه السياسية تكبل قدرته على الانتاج، فيما يعمل الارهابيون على تقليص هذا الانتاج الى نصف الطاقة الانتاجية.

وهناك دول اخرى تجد نفسها غير راغبة في تطويرها ثرواتها النفطية واحتياطياتها المؤكدة من النفط.

من جهتها، اوضحت روسيا مثلا ان الشركات الاجنبية التي تستثمر في صناعاتها النفطية قد تخسر اذا لم يحالفها الحظ في اكتشافات جديدة، واذا ما اكتشفت مصادر جديدة فان الدولة ستمارس الضغوط عليها حتى تجعلها في اوضاع لا تستطيع معها الاستمرار في العمل، وبالتالي تصبح هدفا للهجوم من قبل مساهميها.

وتقول صحيفة صنداي تايمز ان الشركات ذات الملكية الروسية بنسبة %51 على الاقل ـ التي تسمى الشركات الصديقة لبوتين ـ هي التي يسمح لها بالتنقيب في الاماكن الجديدة. ومن غير المثير للدهشة ان انتاج النفط خلال الربع الاول من هذا العام قد انخفض عن مستوياته المألوفة.

وحاول الرئيس المكسيكي فيليب كالديرون ضخ دماء الحياة في شركة بيميكس النفطية، ثالث كبرى شركات انتاج النفط في العالم، وذلك من خلال التعاقد مع شركات اجنبية يعهد اليها بتطبيق تكنولوجيات جديدة لزيادة الانتاج من الحقول النفطية القائمة واكتشاف حقول جديدة. الا ان التشريع المتعلق بهذه الخطوة اصطدم بمعارضة اليساريين في الهيئات التشريعية المكسيكية.

من ناحية اخرى اعلنت السعودية انها ليست بصدد زيادة الانتاج وذلك على لسان الرئيس التنفيذي لشركة النفط السعودية، الذي قال ان اسعار النفط المرتفعة لا تعني ان العالم بحاجة الى المزيد من النفط وذلك لان مؤشرات الاسواق كانت منقوصة، كما اعلن وزير الطاقة علي النعيمي انه ليست ثمة خطط لجولة جديدة من زيادات الانتاج. ان النفط موجود، غير انه في ضوء الايرادات الضخمة المتمثلة في 120 دولارا للبرميل، فليس هناك داع او حافز للبحث عن حقول جديدة ، خاصة ان المزيد من الانتاج قد يؤدي الى تخفيض الاسعار في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب من الولايات المتحدة التي تعاني من بطء النمو الاقتصادي.

اما فنزويلا، فان الاضطراب والفوضى هما الوصف الوحيد الذي يمكن اطلاقه على الصناعة النفطية هناك، اذ ان حاشية الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز واعوانه لا يصلحون بديلا كفؤا للخبراء والفنيين النفطيين الذين حلوا محلهم. ومن هنا فان الانتاج في تراجع في حين يتمنع المستثمرون الاجانب في ان يضعوا مئات ملايين الدولارات بين يدي نظام يعتبر العقود بمثابة الخطوة الاولى في المفاوضات.

وفي الولايات المتحدة، فان الكونغرس الاميركي يراوح مكانه بين الدعوات الى استقلال الطاقة وبين رفض السماح باجراء عمليات استكشاف في مناطق يعتبرها حساسة من الناحية البيئية في الاسكا وسواحل كاليفورنيا وفلوريدا.

وهناك المزيد من الحقائق التي يمكن طرحها حول هذا الامر. ان هناك الكثير من النفط الذي ما زال يتعين العثور عليه وانتاجه، حتى بدون ان يشمل ذلك الاحتياطيات الكندية من الرمال النفطية. ربما نكون قد بلغنا مرحلة عصر ذورة الهلع حول الامدادات النفطية، ولكننا لم نبلغ ذروة النفط ذاته.

هناك امر واحد نعتقد بصحته في المسألة النفطية، وهو ان الاسعار المرتفعة التي تجاوزت 120 دولارا للبرميل، وانبعاث الغازات الحرارية الناجمة عن استخدامه لها نتائج جيوسياسية بالغة الاهمية، وادت الى تدفق الثروات الضخمة وبالتالي السلطات من الدول المستهلكة الى المنتجة. فلو كانت الاسعار في حدود 20 دولارا او حتى 40 دولارا للبرميل، لما توفرت لدى روسيا الوسائل التي تمكنها من الاستئساد فيما يتعلق بسياستها الخارجية، ولما طاف رجال المصارف الامريكيون على العواصم العربية وقد انحنوا احتراما واجلالا سعيا وراء استثمارات عربية جديدة.

ولو لم تكن اسعار الوقود قد لامست 4 دولارات للغالون لما كسدت الجرارات الزراعية وسيارات الشحن الصغيرة، ولما ظلت قابعة في معارض الوكلاء والموزعين . ولو لم تصل اسعار النفط الى اكثر من 100 دولار للبرميل، لما وصل الحماس لاستخدام الطاقة النووية باهظة التكلفة الى هذه الدرجة المحمومة.

ولو لم يكن النفط مصدرا لهذه الانبعاثات الحرارية عند تشغيل السيارات وتدفئة المنازل، فربما لم تكن هناك حاجة لمبالغ الدعم الضخمة المخصصة لانتاج الايثانول، ولما تم تحويل مساحات زراعية شاسعة من انتاج الطعام الى انتاج الوقود العضوي، ولما تسارعت اسعار المواد الغذائية بنفس الوتيرة التي نشهدها حاليا.

النمو الخليجي وتأثيرات تراجع النفط

يقول اقتصاديون ان التراجع الأخير في أسعار النفط لن يُضعف النمو الاقتصادي بالدول العربية الخليجية التي تشهد توسعا وكذلك تضخما قياسيين في ظل أرباحها من صادرات الطاقة.

ويقول الخبراء ان الدول الخليجية ستظل تنعم بوفرة العائدات من صادرات الطاقة رغم هبوط أسعار النفط مما يعني أن النمو في المنطقة سيستمر بفضل ازدهار قطاع الاستثمار.

وقال سايمون وليامز الاقتصادي ببنك اتش.اس.بي.سي في دبي ان انخفاضا من 140 دولارا الى 123 دولارا للبرميل لن يؤثر على اقتصاديات المنطقة. كل ما يفعله هو تقليل بسيط للفائض الذي يدخره الخليج في الخارج. بحسب رويترز.

وأظهرت بيانات حديثة أن التضخم في السعودية أكبر دولة مصدرة للطاقة في العالم بلغ أعلى مستوى منذ 30 عاما اذ سجل 10.6 في المئة في يونيو حزيران مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والايجارات وهي أرقام تشبه تلك التي سجلتها دول أخرى بالخليج.

وتراجع سعر النفط منذ سجل مستوى قياسيا تجاوز 147 دولارا للبرميل في 11 يوليو تموز وبلغ سعره 125.10 دولار للبرميل. وقال شكيب خليل رئيس منظمة أوبك ان سعر النفط الخام قد يهبط الى ما بين 70 و80 دولارا للبرميل. غير أن متوسط سعر النفط خلال عام 2008 حتى الان يبلغ 114.54 دولار مقارنة مع 72.36 دولار في عام 2007 .

وضخ المستثمرون الخليجيون ومنهم صناديق سيادية أكثر من تريليون دولار في استثمارات خارجية مثل العقارات والاسهم. وذهبت مليارات لبنوك غربية تضررت بشدة من الأزمة الائتمانية.

وقال هاني جنينة الاقتصادي في بيت التمويل الخليجي: ادخرت حكومات مجلس التعاون الخليجي مبالغ هائلة حتى عندما كان مستوى السعر 70 دولارا للبرميل.

وأتاح هذا لأعضاء مجلس التعاون الخليجي الاستثمار بقوة في قطاعات العقارات والبنية التحتية وتعزيز التنمية في قطاعي التصنيع والبتروكيماويات. وقال جنينة: ما يهم ليس مستوى النفط ولكن ما ستفعله الحكومات بالمال.

وسعت الدول الخليجية التي يعد الانفاق الحكومي من عائدات النفط المحرك الرئيسي للنمو فيها الى تطوير القطاع الخاص لتحقيق توسع ثابت لا يعتمد كلية على سعر النفط.

ويتوقع الاقتصاديون نمو الاقتصاديات الخليجية بما يصل الى 11 في المئة عام 2008 في حالة قطر أو بنحو 5.7 في المئة في حالة السعودية في مواجهة ضعف بل حتى ركود في العالم الصناعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين  25/تموز/2008 - 22/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م