اللجوء إلى الآخر ثقافة أم تكتيك

علي الطالقاني

الذي ينظر إلى العراق سيشاهد منظرا مؤلما ومشينا لكل إنسان، كثيرة هي المشاهد ومن أبرزها مشهد الموت والدمار والفساد الإداري والمالي ونقص الخدمات بشكل مزري كذلك مشهد المهجرين العراقيين من بغداد وباقي المناطق التي تشهد عمليات عنف، وهم يتضورون لهفة لأبسط مستلزمات العيش فضلا عن تهميشهم حياتيا!

هل هذا قدر العراقيين وهل كتب عليهم أن يعيشوا متناحرين ومتقاتلين مع بعضهم من جانب ومع نظرائهم من دول المنطقة من جانب آخر؟ وهل هذا هو الدفاع عن العراق باسم الدين والوطنية؟! وأي تبرير للعراقيين أمام الله والعالم، في أن يدافعوا عن حقوقهم المسلوبة، بعد كل الذي حصل في العراق؟!

لم يبقى شيء يضاف إلى ما ذكرته وسائل الإعلام، والمتتبع للشأن العراقي سيشاهد نزاعا يدور بين الأشقاء العراقيين. بين الطوائف الثلاثة الرئيسة، الشيعة، الكرد، السنة. والحرب شبه أهليه التي نشبت بين الشيعة والسنة في فترات سابقة والآن نرى بين العرب بمختلف مسمياتهم والأكراد بخصوص قضية كركوك. في وقت أعترف العالم بأن العراق له الحق بإقامة دولة مستقلة تعيش بحرية وسلام ورفاهية.

ما حدث في العراق وما قد يحدث، إنما يصب في مصلحة أعداء العراق ،أولا، ويضعف من ثقة العالم بقضية الشعب العراقي،ثانيا. وهل يبقى للحق العراقي المضيع شرعية، وخصوصا عندما يكون الشعب منقسما فكريا وثقافيا، متقاتلا بعضه مع بعض و يطعن أحدهم الآخر؟

من الممكن بأن يقال أن الحكومة العراقية ليست مسؤولة بشكل كبير عما جرى أو يجري، وإنما المسؤولية تقع على عاتق تيارات معينة، وآخر يلقي باللائمة على دول مجاورة وهكذا من مبررات.

هذه الادعاءات لا تخلو من بعض الصواب. ولكن ألم تكن هناك أطراف دخلت بين التيارات السياسية العراقية للوصول إلى حل يرضيهم؟ ومن هي الجهة التي لم تحترم اتفاق المصالحة الوطنية واتفاقية مكة؟ من يسعى لتهميش هذا الاتفاقيات؟ هل كان تقسيم مدن بغداد ردة فعل كما يقول بعض الساسة العراقيين؟ أم كانت مؤامرة أمريكية كما يقول البعض الآخر وغيرهم للخروج من المأزق؟

ليس خفيا أن استراتيجيات بعض الأحزاب العراقية والساسة العراقيين تختلف عن بعضها البعض وانها جزء من جبهة مدعومة من قوى وأطراف دولية. وهذا يزيد صعوبة الموقف في عملية الاتفاق بين الإستراتيجيات لهذه الأحزاب والشخصيات، حتى وأن كان هنالك أتفاق ، بأن أمريكا لم تصل إلى حل يرضي العراقيين بشأن الانسحاب، وبالخصوص أن بعض هذه القوى تتلاقى في أفكار معينة وتتعارض بأخرى.

أما رد بعض أطراف الحكومة العراقية وغيرها، الرافضة للأمريكيين وباقي التدخلات الإقليمية معروف، ولا يخلو هذا الرد من المنطق الذي يقول بان أمريكا لن تعترف بحقوق العراقيين، إلا تحت ضغط المقاومة المسلحة. غير أن هذا المنطق لا يتبناه غالبية الشعب العراقي  فضلا عن ممانعة المجتمع الدولي.

أما هذا الشعب فهو يوجه تساؤلات من أبرزها هل كتب على العراقيين أن يعيشوا تحت وطأة الحروب وعدم الاستقرار في بلادهم؟ وهل من مكان يأويهم وهم مشردون ينتظرون من يقدم لهم المساعدة في مخيمات لا تقيهم من حر ولا تأمنهم من جوع؟

و أن ينتقلوا من معركة سياسية إلى أخرى؟ وهل من المعقول أن يعمل السياسيون على سحب البساط من تحت كل زعيم ويحدثون انقلابا سياسيا على زعامته؟ ليشهد العراق مرحلة جديدة بقيادة حزب جديد؟ وهل كتب على العراقيين أن يكونوا مسرحا للتمثيل عسى أن ينال أعجاب هذه الطائفة أو تلك؟

فالعراقيون شاهدوا كل معان الإهانة. ويكفي لكي تدرك جميع الأطراف العراقية انه مؤشر على انحراف القضية العراقية نحو وضع خطير. وهو وضع يعطي أمريكا فرصة جديدة للتهرب من استقلال العراق، ويجعل من الشعب العراقي، مرة أخرى، ضحية النزاعات الإقليمية والدولية.

 أما من يسعى لبقاء العراق تحت وطأت الحروب والنزاعات والحرمان، ليس باستطاعتهم أن يحققوا أي مبتغى عندما يكون الشعب موحدا، ملتفا حول قيادات الكفاءة و المهنية ومقتنعا بمرجعيته الدينية الرشيدة والسياسية الواعية. لا تلجئه الظروف من اللجوء الى أعداء العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس   21/تموز/2008 - 19/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م