نحن والإمام المهدي (عج)

 أ.غريبي مراد

في الواقع الإسلامي، سيناريوهات متعددة الألوان والأهداف والرؤى، لايزال المسلمون يتجادلون على مسائل فصل فيها التاريخ قبل جهل المتعالمين، لكن ما العمل إذا كانت حال مسلم القرن ال21، هي الثرثرة الطائفية والجبن الثقافي والغوغائية المذهبية، فلا يزال هناك جدال حول أصول الدين وعن الإمامة وهل هي من الأصول أم الفروع، بالنص أم بالشورى، وتبقى الحقيقة العظمى والإمامة الخاتمة محل مد وجزر بين أهل الإسلام، فجهة إسلامية جعلتها وقفا على المستقبل واستبعدت  بدايتها وحضورها والارتباط بها في هذا العصر وأخرى استيقنت أنها على طول الزمن، لكن في منهج التعامل معها رساليا حصلت انحرافات واختلافات، وكلا الطرفين نظريا مؤمن بأنها خاتمة المشوار الإسلامي في الحياة والدنيا والمنقذة للناس والمسلمين لكنهما افترقا حيث يجب أن يجتمعا...

إنها ذكرى ميلاد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، تطل علينا من شمس الحقيقة الإسلامية، لتعيد ترتيب موازيننا، وتهذيب أخلاقنا التي ابتعدت عن جوهر التربية الإسلامية، بعدما مرت علينا ذكرى المبعث النبوي والإسراء والمعراج ومواليد السيدة زينب والسيدة فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين والإمام الحسين والإمام العباس والإمام زين العابدين وشهادة السيدة فاطمة الزهراء وشهادة  الإمام الكاظم عليهم السلام أجمعين..

 وبالرغم من كل هذا البقاء المستمر للأطهار عليهم السلام معنا وبجنبنا بأرواحهم الطاهرة وكلماتهم النورانية وعبقات سيرهم المعطرة، لكننا نزداد حماقة وبلاهة وتخلفا وانحطاطا وصداما بيننا وتشتتا ونفاقا، لأننا لا نقدرهم حق قدرهم، حيث ننظر إليهم كما نشاء ونفهم كلماتهم بأنانيتنا المتعصبة ونحيي ذكراهم بجهلنا المذهبي، لم نرتفع بعد لنستقبلهم إسلاميا ونقرأهم إيمانيا ونتحرك بإسمهم رساليا، كل ما نحسن فعله هوتصفيق وتبسم في ليالي الميلاد أونحيب وتباكي في ليالي الشهادة،وذلك كله جميل ومهم وواجب إسلاميا، لكن لماذا الصورة لا تكتمل  في صباح غد تلك الليلة ؟

لأننا نريد لذكرياتهم أن تجمد معنا لا نريد لنفوسنا وعقولنا وأرواحنا وسواعدنا أن تتغير وتتحرك حيث أرادونا أن نتحرك لنلتقي بخاتمة الإمامة بحق وصدق وعدل ...

هكذا تمر علينا كل المناسبات الإسلامية، دون أن نعيش وعيها بأن نندفع إليه بحكمة ورزانة وننفذ إلى أعماق أبعادها لننال جواهر أصدافها، نعشق البقاء على السطح، لأن العمق تعب مستتعب صعب مستصعب لا يصبر عليه إلا الصادقون، لا أريد في هذه الكلمة أن أطل على تفاصيل ومباحث الكلام حول العقيدة المهدوية كعنوان محوري ومصيري في العقيدة الإسلامية، لأن هذا المبحث هناك مصادر إسلامية أغنته بالبحث والتحقيق، ولكن أود ابتداءا التأكيد على شمولية هذا المبحث العقائدي وارتباطه الوثيق والعميق بالأبعاد الأخرى في العقيدة الإسلامية، يعني الإمام المهدي عليه السلام محل إجماع عام لدى المسلمين إلا من جحد، والخلاف حاصل بخصوصه من جهة في قضية الميلاد بين المدرستين، علما أن 56 عالما من العامة يقول بميلاده منذ قرون، ومن أخرى لكونه متعلق بقضية الإمامة التي هي في حد ذاتها خلافية بين المدرستين، ولثالثة فيما يتعلق بالغيبة، كما سبق وأن ذكرت المرتكزات الخلافية بين المسلمين يمكن التخلص منها لوانفتحت العقول وطهرت القلوب وحسنت الظنون، لأنها مسائل عقائدية كلامية، يرتكز  بناء الإيمان بها  أوعدمه على   النصوص الإسلامية الصحيحة والحقائق العلمية أوالعقلية.

ما يهمنا في هذا المجال هونظرتنا نحن للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وعليه السلام، مخلص ومنقذ وخاتم أئمة هذه الأمة المهديين عليهم السلام ؟ وتحديدا في مناسبة ذكرى ميلاده الشريف أقصد ما مدى وعينا للرمزية التي تحملها في طياتها هذه المناسبة وكيف نقرأ علاقتنا بصاحبها عجل الله فرجه الشريف؟

حيث نقترب من المناسبة من خلال تحريك مضامين خطين رئيسيين مع التركيز على الواقع الإسلامي:

1-حديث الثقلين

2- دور الثقافة المهدوية في صناعة التغيير

يقول الله تعالى في محكم تنزيله: ((نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين*ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)) (القصص/5-6)

في أجواء هاتين الآيتين نطل على عنوان الإمامة في إحدى تعبيراته القرآنية من خلال ثنائية العدل والظلم، الإستضعاف والإستكبار، ونستذكر أكبر رمز للظلم والإستكبار في التاريخ الإنساني، ونستلهم آفاق هذا النص القرآني في الواقع للإستفادة منه في مشورانا الدنيوي وحسب الرؤية الإسلامية نبحث عن مصداقه الإمامي، حيث نلتقي بحديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المعروف بحديث الثقلين، ثم ننتهي لخاتمة خط الإمامة المتمثلة في شخصية الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وعليه السلام...    

لكن أحبتي، لعل ما يواجه أهل العمل الرسالي في أمتنا، سواء على الصعيد الديني أوالسياسي أوالثقافي أوالاجتماعي أوالأمني هو: أنهم يصطدمون بالتخلف الجارف والتقوقع الزاحف والذهنيات التي قد نظنها إسلامية رسالية لكنها في حقيقة الأمر تثبيطية طائفية لا غير ...

على ضوء هذا أحبتي، نحن اليوم أمام مناسبة إسلامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى محمدي أصيل، لسنا أمام إحتفال شيعي كما يروج له  الإعلام الطائفي والأبواق المذهبية من المتعالمين دينيا والمتثاقلين وحدويا، هذه الأبواق  الحاقدة على سبل الوحدة واللقاء بين أبناء الأمة الإسلامية، أو أولئك من الحاملين صفة التشيع سطحيا أومصلحيا وحقدا واستكبارا على الناس، واللابسين لباس القضاة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فيقدمون صكوك التشيع لمن يشاءون، ويحدثون الناس عن المهدي عليه السلام بأنه للشيعة فقط لأنهم آمنوا به ويحيوا ذكراه إنطلاقا من حقدهم على الآخر المسلم...

بينما الأئمة كلهم عليهم السلام عاشوا رحابة الأفق في أخلاقهم فكانوا يحسنون لمن أساء إليهم ويعفون عمن ظلمهم وتتسع صدورهم حتى تحتضن الأعداء فتعلمهم كيف يحب الإنسان الإنسان بقطع النظر عن التعقيدات الحاصلة.

إن الإمام المهدي عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف، ولد وسيظهر ليجتمع المسلمون  والمستضعفون حوله، هذا الإمام المعصوم الغائب عن أعيننا الحاضر في وجداننا وتطلعنا لابد أن نقرأه القراءة الإسلامية الأصيلة في أفق الإسلام الواسع الممتد إلى عالم المعرفة والذي يربط الإنسان بالله عزوجل وكتابه ورسوله وأولي الأمر المعروفون بالنص والتاريخ، علينا أن نقرأه إمام الوحدة الإسلامية المضيئة الدائمة لا إمام المذهبية المظلمة، علينا أن نتواضع للمهدي عليه السلام وآبائه وأجداده عليهم السلام لنتثقف بثقافة الإسلام الصحيحة فنكون أهلا للقرب من الله ونيل درجة الولاية لمنقذ البشرية جمعاء من براثين الكفر والتخلف والإستكبار...

في هذا الجو المهدوي العظيم والمهيب، كلنا نعرف أنه باب الحوائج إلى الله كآبائه عليهم السلام، فلماذا لا نزوره  موحدين متوحدين لتكون حاجتنا المرجوة واحدة منه إلى الله تعالى، أم الأفضل أن ننتظر حتى يزورنا هو عليه الصلاة والسلام ويسعى للم شملنا المتناثر؟؟

بالله عليكم، هل مسؤوليتنا تجاه غيبة الإمام عليه السلام أن ننتظر؟ وما فلسفة هذا الإنتظار؟

ولعلي لا أبالغ إذا قلت أننا جعلنا من هذه الذكرى ملجأ للإختباء والتناسي للمسؤولية الإسلامية بدلا من وعيها على حقيقتها المتمثلة في بعث العدل في حياتنا، والذي هو أول أهداف الإمامة الخاتمة((يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا))...

إننا نريد المهدي الغائب ونخشى من حضوره ليزيح عنا ثقافة الهون والذل وحياة الظلم بيننا وعلينا، لا نريد أن نفكر في المهدي وفق المنطق الإسلامي بل نعمل ليبقى المهدي عند الشيعة هوغير المهدي عند السنة والعكس كذلك، وهذه لعمري أعظم مأساة هذه الأمة، التي تختلف من حيث تتفق وتلتقي، بربكم كيف نريد للمهدي عليه السلام، أن يظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا ونحن ..نعم نحن المسلمون نصنع الظلم والإستكبار في الفكر والبيت والمجتمع والإعلام والسياسة والسوق ومنابر المساجد وفي كل مجالات الحياة... بهذا الواقع لسنا منتظرون بل منافقون-والعياذ بالله- ندعي الارتباط بالطهر وسرائرنا خبيثة وبيوتنا مليئة بالظلم، فالزوج يظلم زوجته والوالدان يظلمان أبناءهم والأبناء يظلمون آباءهم، والجار يظلم جاره والمدير يظلم العامل والمعلم أوالأستاذ يظلم التلميذ والإمام في المسجد يخطب في المصلين لينشر الظلم للآخر المسلم والتاجر يغش ويخدع ليظلم المشتري والكاتب يكتب ليظلم الرساليين والإعلامي يموه ليظلم المتابعين والسياسي يزور ويحور ليظلم الجماهير والحاكم يستبد ويظلم الشعب، أين بصيص العدل ؟؟؟ الذي يمكنه أن يعجل ظهور صاحب العصر والزمان...

من طنجة إلى جاكرتا الظالمون في عالمنا الإسلامي يصنعون مأساة  بعد زمن الظهور، قد تقول عزيزي القارئ أين  المستكبر الخارجي في هذا كله؟؟

إنه في ذواتنا المريضة التي عبدت الطريق أمامه  ليحتل فلسطين وأفغانستان والعراق ويعت فسادا في لبنان والسودان والصومال والآن يهدد إيران، هذا المستكبر لا يمكنه أن يجازف إذا لم يجد أرضا صلبة للإستكبار في ذات القابل للإستضعاف، ذات ذلك الإنسان الذي أدمن الذل وألف العصبية التي تجعل العدل في طائفة دون أخرى ...عفوا أحبتي، علينا أن نفرح بميلاد الحجة المهدي عجل الله فرجه الشريف الفرح الواعي، الذي لا يجعلنا نسكر بالفرحة، فننسى بمن نفرح؟ ثم لماذا نفرح؟ وهل لنا أن نفرح الآن كل الفرح؟ أم علينا أن نخطط للفرح الكبير؟؟ 

لأنه الآن المسيحيون الذي يقيمون احتفالات للسيد المسيح عليه السلام ولنوابه وأمه العذراء مريم عليها السلام، لو جاء المسيح عليه السلام لفند مزاعم حبهم له، وبلحاظ هذا وغيره في تعاطينا مع الأطهار عليهم السلام، إننا لا نفرح لفرحهم ولا نحزن لحزنهم كما يجب، إننا نظلمهم لأن واقعنا كله يعيش الظلم لا لشيء لأن ثقافة القرآن وثقافتهم وكل روحانية أدعيتهم غائبة عنا، لنراجع مواقعنا الإيمانية والولائية والرسالية، قبل الإدعاء وإلا سنسقط في مطبات أهل الكتاب بإرادتنا العمياء ...          

لا مناص أن المشوار ليس محفوفا بالورود ولا يتصور واحد عاقل مؤمن عارف بزمانه ودينه، أن القضية المهدوية هي خلجة قلبية وكفى، بل إنها رسالة ومبدأ، إنها ثقافة حياة، إنها مستقبل الإسلام، إنها أمل المستقبل الإسلامي..

 وعليه من واجبنا في هذه المناسبة المباركة التي تحملنا بكل عناية وسلام إلى ثقافة العدل والصدق والإسلام الخالد، علينا أن نحترم أنفسنا وبعضنا البعض وقضايانا المصيرية وإنساننا المستضعف ولنتحرك كمسلمين في تربية شعوبنا ومحتمعاتنا والإنسانية، ونستحضر الصبر الإسلامي والأخلاق الإسلامية في حياتنا حتى يسهل علينا إحياء الإيمان بالعدل وتنشئة المسلم العادل العارف بإمامه والموالي له بصدق والمشرف له على طول الأيام إلى يوم اللقاء السعيد والظهور المنير، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى العمل للخير والاجتناب عن الشر ويعيننا على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم  في الأخذ بالخير والبعد عن الشر، ويوفقنا للتمسك بالقرآن وقيادة أهل البيت عليهم السلام ...((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ))  (النور /55)

والحمد لله رب العالمين...   

الجمعة 13 شعبان 1428 هجرية -عصرا-الجزائر

* كلمة حررت بمناسبة ميلاد الإمام المهدي (عج)

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت   16/تموز/2008 - 14/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م