النخب الثقافية بين إثبات الذات وتوجيه المجتمع

برير السادة

تواجه النخب الثقافية العديد من الإشكاليات التي تقلص من دورها في الإصلاح والبناء الثقافي والحضاري, فمن إشكالية المثقف والسلطة, والمثقف ورجال الدين وطبيعة الأدوار, واثبات الذات  إلى الطرق والأساليب الصحيحة في نشر الوعي والإدراك.

ولعل الإشكالية الأولى في طريق النخب الثقافية هي إثبات الذات, والتي تتمحور فيها توجهات وطبيعة اهتمام المثقفين, وتأثرهم ببعض المناهج الثقافية ...يحرص المثقفون في هذه الفترة على استعراض قدراتهم الذهنية في الفهم والتحليل وقراءة النصوص.

 بل ربما اشبعت المقالات والكتابات بالمصطلحات العلمية المتنوعة, تزامنا مع رغبة العديد من الصحف والمجلات, فبرغم من إدراك النخب الثقافية لأهمية هذه الخطوة في الإصلاح الثقافي والبناء الحضاري والتأثير في المسارات الاجتماعية والحضارية, إلا أنها تظل مدفوعة بالمشهد الثقافي الإقليمي والعالمي, وهو ما يظهرها في صوره غريبة ومتعالية عن الثقافية المحلية والمشهد الثقافي الواقعي.

الأمر الذي قد يؤسس لقطيعة بين النخب الثقافية والمجتمع, فتعيش النخب الثقافية العزلة وبذلك تبني مجتمعها وكيانها المثالي البعيد عن ارض الواقع والإشكاليات الحقيقية, ويكون لها مصطلحاها ومسارها الخاصة لدخول عالم النخب الثقافية, كما هو الحال في الفلسفة التي ظل مسارها العلمي يبني العزلة النفسية, ويؤسس لمسارات فردية ذاتية رغم أن موضوعها الوجود

فلقد شهدنا في الفترات القريبة الماضية العديد من الإسهامات الثقافية التي تتضمن العديد من النماذج الثقافية الإسلامية وغيرها مثل النموذج الإيراني والمغرب العربي والغربي.

بل رأينا أن العديد من الإسهامات والنتاج الثقافي  في نقذها وقراءتها للمشهد الداخلي تستعين بالقراءات الخارجية وتستعمل أدواتها متجاهلة الاختلاف الاجتماعي والتربوي والبيئي عن مشهدنا الثقافي.

 ونحن لا نمنع من الاستفادة من التجارب الأخرى شريطة الوعي الكامل لهذه التجارب وإدراك الفارق الظرفي والقدرة على زرعها بصوره تتلاءم مع الطبيعة الثقافية والبيئية للمجتمع. يقول الدكتور حسين رحال في كتابة اشكاليات التجديد دراسة في ضوء علم اجتماع المعرفة ص 292 " ان ادراك خصوصية كل مجتمع وبلد هي خطوة ضرورية للتعامل معه من دون ان يعني ذلك مغادرة الخطاب دائرته الاسلامية .." 

من هنا فان الإشكالية في إثبات الذات إغراقها في التعالي, ونقل المصطلحات العلمية الكثيرة والتي وضعت لقراءت وإشكالات ثقافية مغايرة لثقافتنا المحلية والداخلية هذا أولا.

وثانيا ابتعادها عن الواقع الحقيقي والإشكالات العميقة والكبيرة التي يعاني منها المشهد الثقافي والحضاري الداخلي, وهي بذلك تظل استجابة لا إرادية للمشهد العالمي والإقليمي الضاغط.

الأمر الذي يولد نوع من الشعور بالإحباط واليأس من دور النخب الثقافية في التعاطي مع المشاكل الحقيقية, ويؤسس لقطيعة تقلص الدور الحقيقي للنخب الثقافية لتبقى ضمن اهتمامات شرائح معينة. 

من هنا نحن امام إشكالية ثانية تتمحور في العلاقة بين النخب الثقافية والجماهير, والقدرة على الاتصال معها بفعالية, لهذا نقترح أن يكون إثبات الذات جماهيرا وليس نخبويا, وان يمس القضايا الحيوية للجماهير حفاظا على دور النخب الثقافية في المجتمع وتعزيز دورها في البناء الحضاري.

ولعلنا امام تجربة جميلة وفريدة للكاتب الأستاذ حسن حمادة في تناوله لمشكلة القراءة, كهاجس وقلق معرفي يمثل أزمة حقيقية بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. فهذا التجربة رائدة في البناء الذاتي والتأسيس المعرفي والاستقطاب الجماهيري, وهي تلمس واقعي لإشكالية عميقة في الوسط الثقافي-الاجتماعي.

فمن المهم أن لا تكون تجربتنا الثقافية صورة لمشاهد ثقافية خارجية, فرغم تقارب وتشابه الإشكالات في المجتمعات  العربية والإسلامية, إلا أن هناك تفاوت في التعاطي والمعالجة لهذه الإشكالات. ونؤكد مرة أخرى على أهمية الاطلاع على هذا النتاج الثقافي ... والاستفادة منه شريطة أن يبلور بصورة وطريقة تناسب المشهد الثقافي الداخلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس   7/تموز/2008 - 5/شعبان/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م