الإزدواج الإقتصادي الخليجي مابين التقاليد والتحديث

شبكة النبأ: استفادت الدول الخليجية ذات الاحتياطيات والإنتاج المرتفع من النفط والغاز الطبيعي من ارتفاع أسعارهما في السوق الدولية، والذي مكن تلك الدول من تحقيق ثروة طائلة، هدفت بعض الدول من تلك الثروة الطائلة تحديث مجتمعاتها، وبناء المدن الصناعية مثل المملكة السعودية، في الوقت الذي استفادت فيه بعض تلك الدول من الفائض المالي في تحديث مجتمعاتها على غرار الدول الغربية من بناء فنادق ومنتجعات سياحية ومجمعات للتسوق، كما هو الحال في دولة الإمارات.

وتثير كثرة الفائض المالي لتلك الدول الخليجية حفيظة العديد من الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة، والذي كان محور تقرير سابق بعنوان "مخاوف أمريكية من صناديق الثروة الخليجية"؛ نظرا لزيادة الاستثمار الخليجي بالعديد من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، وانخراط تلك الدول في المنظومة الاقتصادية الأمريكية من شراء حصص كبيرة بالمؤسسات والشركات الكبرى الأمريكية، ويتزايد الخوف الغربي والأمريكي من تزايد الدور والانخراط الخليجي في المنظومة الاقتصادية الغربية والأمريكية من احتمالية وجود أجندة سياسية خفية وراء هذا الدور المتنامي مع ارتفاع أسعار الطاقة، واحتياج تلك الدول إلى الاستثمارات والاستفادة من الوفرة المالية الخليجية. وتلك القضية، والازدواج الخليجي ما بين التقاليد والتحديث، ومعارضة وتأييد الغرب والولايات المتحدة كما هو الحال بقطر حيث توجد بها أكبر قاعدة أمريكية وقناة الجزيرة، كانت محور حوار أجراه "برنارد جورتزمان "من مجلس العلاقات الخارجية مع يوسف إبراهيم مستشار المخاطر والمراسل السابق بالشرق الأوسط لصحيفة "نيورك تايمز". وجاء الحوار على النحو التالي، بحسب موقع تقرير واشنطن.

- مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، حققت دول الخليجية مكاسب تُقدر بمليارات الدولارات. كيف تُوظف تلك الدول هذه الأموال الطائلة؟، وما هو شكل مجتمعاتهم في الوقت الحالي؟

إنهم الآن يمرون بمرحلة تحول جذري؛ لتزايد العائدات النفطية بصورة غير عادية. فدولة مثل الإمارات العربية المتحدة (التي تشمل أبو ظبي، عجمان، دبي، الفجيرة، رأس الخيمة، الشارقة، وأم القيوين)، وبالتحديد أبو ظبي التي تُعد أكبر صندوق سيادة في التاريخ، فبعض المصادر تُقدره بـ 800 بليون دولار. ويصل تعدادها السكاني 5.5 مليون نسمة منهم 1.5 مواطن إماراتي. والذي يُظهر مدى عدم التوازن الذي ينتج عن هذا، فضلاً عن تأثيره الثقافي.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ماذا تفعل بالأموال الطائلة وأنت لديك وفرة مالية في الوقت ذاته؟، والقرار السريع الذي نراه، بالتأكيد، يتمثل في تزايد الممتلكات؛ لأنها أسهل وأضمن وسيلة لادخار الأموال والثروة. كما بُنيت الجزر في منتصف الخليج العربي، وأقيمت هناك المنتجعات. والكثير منها ليس ذو عائد اقتصادي، فما هو الهدف من بناء منتجع للتزحلق داخل مول تجاري بدبي في الوقت الذي تصل فيه درجة الحرارة في الصيف إلى 120 و 130درجة؟. وبينما تدخر بعض الدول المال، تستخدم دول أخرى خليجية هذا الفائض المالي في الشراء بالاقتصاديات الغربية. فعلى سبيل المثال اشترت السعودية حصصاً كبيرة بشركة أبل Apple Corporation الأمريكية، والبنوك، وميريل لينش Merrill Lynch، ومورجان Morgan ، وسيتي بنك Citibank. ونحن الآن نشهد الوسيلة الثانية لاستخدام الفائض المتزايد في الثروة المالية.

- يبني السعوديون حالياً، ما يطلقون عليه المدن الاقتصادية، هل هذا صحيحاً؟

هذا صحيحاً، ولكن المشكلة – رغم أنها فرصة أيضاً - تكمن في من أين سيستقدمون القوة العاملة. فالقوة العاملة يتم استيرادها للمملكة العربية السعودية. فالسعودية دولة بها 22 مليون عامل منهم 8 مليون عامل من غير مواطني المملكة. وهي حقاً نسبة كبيرة تقوم بالعمل داخل المملكة. ولذلك فالمشكلة لم تُحل بعد. وتتمثل المشكلة في كيفية استخدام هذا الفائض المالي الكبير في تطوير المجتمع في الوقت الذي تستمر فيه معوقات تطوير المجتمع، وتتنوع تلك المعوقات ما بين معوقات تتعلق بالكثير من العائدات والتقاليد الاجتماعية. فعلى سبيل المثال المرأة لا تستطيع العمل بالمملكة السعودية. وهناك العديد من القيود على نمط حياة العمال المغتربين. وأصبحت مشكلات إدارة النمو داخلياً أكثر أهمية.

- بالقرب من الحدود السعودية هناك دولة قطر، حيث تستطيع المرأة قيادة السيارة، هل إنها مجتمعات مختلفة فيما بينها؟

أضيف، وأيضاً، في الكويت والإمارات العربية المتحدة. تُعد قطر ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي بعد روسيا، ولذا فسوف تظل دولة غنية إلى الأبد بصورة غير متوقعة.

والمشكلة تتمثل في كيفية تحويل الثروة إلى داخل المجتمع. ولكن المشكلة الرئيسية صغيرة الحجم. وقطر على سبيل المثال أصبح لها دور سياسي في الآونة الأخيرة، والذي يفوق دور الكثير من القوى الإقليمية التقليدية. فمؤخراً رتبت لما يُمكن أن نطلق عليه تسوية الأزمة اللبنانية. وقد تم هذا بتوزيع كمية هائلة من الأموال، وتُقدر العديد من المصادر المبلغ من 300 إلى 400 مليون دولاراً لكل المشاركين في الاتفاق.

- هل تقصد الأحزاب المختلفة كحزب الله؟

نعم أقصد حزب الله، الدروز، السنة، وأنصار الحريري. ولكن كان الهدف الذي يقودها هو نفس هدف إنشاء قناة الجزيرة الفضائية. والتي أصبحت أكثر تحديداً لدولة قطر. بمعني أخر الأفراد يعرفون قناة الجزيرة القطرية أكثر من أنها قناة برعاية قطرية. فقناة الجزيرة أعطت قطر بعداً سياسياً يتجاوز حجمها الحقيقي. وهذا الدور الذي تلعبه حالياً هو أساسي في التنافس على النفوذ ضد الدول الكبرى في المنطقة كالمملكة العربية السعودية. وقد أصبح المال عامل رئيسي في هذا، فحالياً يثور تساؤل حول كيفية استخدام المال في تعزيز مكانة الدولة؟. فعلى سبيل المثال تعاقدت أبو ظبي مع متحفي اللوفر Louvre جوجنهايم Guggenheim لفتح فروع لهما هناك. ولكن هذا ليس مجدي؛ لأن التقاليد والشريعة الإسلامية تُحرم الصور والتماثيل. فالدولة أنفقت 500 مليون دولار لافتتاح فروع لمتاحف لن تُضيف شيئاً ولكن لإظهار الصورة والمكانة.

- هل القواعد لا تتبع في أبو ظبي؟

نعم ليس هناك قواعد، لعدم وجود نظام قوي ومتماسك يستوعب كل هذا. فهي متقدمة في نواحي متعددة، ولكن هذا التقدم يقف في الظلام. فالدولة تفعل هذا ثم تقلق عليه بعد فترة. أقصد تُنشأ المتاحف على غرار متحف اللوفر Louvre لأنها تملك المال الذي يُمكنها من شراء اللوحات والرسومات، وتُنفق المال الكثير لخلق تدفق في المعارض، ولكن كيف تخلق تدفق في الزوار، هل تأتي بهم من أوروبا بالطائرات، أم ماذا؟. هناك نسبة بسيطة وليس كافية من الشعب تُقدر الفن والذهاب إلى المتاحف، وجعل هذا نوع من العادة، مما يُؤدي إلى وجود فجوة واسعة، ولكن إستراتيجيتهم هي "سوف يتم ملء الفجوة فيما بعد".

-هل يذهب السياح إلى تلك الدول حالياً؟

نعم حيث هناك في دبي العديد من المنتجعات والفنادق التي تم إنشائها. نعم هناك سياح من ألمانيا، فرنسا، وأوروبا. والكثير من روسيا. وسيكون هناك سوق للسياحة إذا كانت الأسعار مناسبة.

- هل هناك شواطئ في عدد من تلك المناطق؟

هناك شواطئ. وهنا يجب التفرقة بين شيئين متضادين بين مواطني الدولة والذين بالتأكيد لن يذهبوا إلى الشواطئ العامة؛ لأن المرأة ليس مسموح لها أن تلبس زى السباحة. ولكن الكثير من مواطني تلك الدول على درجة عالية من الغني، مما يمكنهم من أن يكون لهم شواطئهم الخاصة أو حمامات السباحة. وهو الأمر الذي يُحدث العديد من التعارض بين الحياة الغربية والقيم الشرقية.

- نعود إلى قطر، حيث أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، هذا تعارض آخر مهم، حيث توجد هناك القيادة المركزية الأمريكية.

إنها عملية ضخمة، وإنها في الحقيقة أكبر داعم للوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة. وهي لا تبعد كثيراً عن المقر الرئيسي لقناة الجزيرة.

وهذا يُرجعنا إلى شيء بسيط نشاهده كثيراً في المطار عندما نسافر إلى المملكة العربية السعودية، وعند مغادرتنا لها. ففي أثناء الذهاب إلى المملكة نجد في المطار نساء ورجال يرتدون جينز أزرق وجاكيت. وعندما يقول الطيار" سندخل الأجواء السعودية" نجد نساء تخرج من المرحاض بزي أسود (أي تُغير ملابسهم إلى الزى المتعارف عليه في تلك الدول). وفي حال مغادرة الأراضي السعودية يحدث العكس. فالطائرة تكون ممتلئة بالملابس السوداء وبعد ترك الأجواء السعودية تعود الأجواء إلى سابقتها مع خلع الزى الأسود.

- الكثير من تلك الدول تعلم أن أسعار النفط سوف تنخفض. ولكنها حققت فائض مالي مدخر، والعديد من الاستثمارات، هل هذا صحيحاً؟

نعم، هذا ما يُطلق عليه صناديق السيادة sovereign funds فهم يُكدسون الأموال التي لا يستطيعون إنفاقها بصورة سريعة. وشرعوا في استثمارها، والذي أثار جدلاً. فمنذ الحرب العالمية الثانية كان الأوروبيون ثم الكوريون واليابانيون أكبر المستثمرين من الخارج في الغرب. وقد كانت هناك نسبة معارض قليلة، ويمكننا تذكر ما حدث عندما رغب اليابانيون شراء مركز روكفيلر Rockefeller Center، ولكن البعض رأي فيها شيء جيد، وكانت هذه الدول تُشارك الغرب في القيم الإستراتيجية بطريقة أو أخرى، فإنهم كانوا يُمارسون الديمقراطية ولم تكن هناك مشاكل.

ولكن حالياً فإن تلك الأموال تأتي من دول لا تُشارك الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في قيم الديمقراطية، حقوق المرأة، المساواة، وحكم الأغلبية، وهنا تكمن المشكلة في وقت يتزايد فيه دور تلك الدول في المنظومة الاقتصادية، فعلي سبيل أراد صندوق أبو ظبي شراء مورجان ستانلي Morgan Stanley، كيف تشعر بهذا؟ أو عندما يشترون حصصاً كبيرة من سيتي بنك Citibank، كيف يمكن القول أن هذا لن يُؤثر على أكبر بنك بالولايات المتحدة الأمريكية؟، بالتأكيد سوف يُؤثر. هذا سوف يكون له كبير التأثير. ويري البعض أن هذا جيد، فليس هناك خطأ في شراء أسهم به، ولكن ستكون هناك جملة من الأخطاء لو كانت هناك أجندة سياسية وراء أجندتهم الاجتماعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  2/تموز/2008 - 29/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م