الإقتصاد البرازيلي يحرر الطبقة الثالثة بعد سيطرة الطبقتين

شبكة النبأ: من الضروري جدا ولكل مجتمع تواجد الطبقات الثلاث في نسيجه، حتى تتحقق عملية الموازنة والديمومة للإستمرارية والمعيشة، فالطبقة الوسطى متى ما أختفت من تكوينة المجتمع باتت الحياة مهددة بشكل كبير، ذلك إنها لم تبق إلا على طبقتين أساسيتين هما الغنية والفقيرة، وهي طبقات لايتحقق الأمان الإقتصادي بظلهما أبدا.

البرازيل اليوم وبعد التحسن المالي والإزدهار الإقتصادي بدت وبشكل واضح مستعدة لرسم معالم الطبقة الوسطى في محاولة منها لردم الطبقة الفقيرة، رغم وجود العراقيل الاقتصادية الجمة التي تحيط بالبلاد.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على الجانب الإقتصادي لحياة الشعب في البرازيل بعد الإنجازات المهمة في المجال الإقتصادي ونشوئه الجديد:

إلتئام الهوة بين الطبقتين الفقيرة والغنية في البرازيل

مد باولو يده ليفسح مكانا بين زجاجات الجعة الفارغة وبسط اعلانا مطبوعا على ورق فاخر لامع عن مشروع للتطوير العمراني يليق بطوكيو أو سنغافورة لا بالحي العشوائي الذي يعيش فيه في ريو دي جانيرو منذ 50 عاما.

ويظهر في الاعلان جسر للمشاة على شكل قوس بجوار حوض للسباحة باللون اللازوردي تحفه أشجار النخيل. وسيقام مستشفى ومركز رياضي على مسافة غير بعيدة من مئات الوحدات السكنية التي سيجري تشييدها لمواطنين يعيشون الان في بيوت أشبه بالاكشاك على سفح التل. بحسب رويترز.

ويمثل المشروع عالما مختلفا عن الحياة اليومية التي يعيشها أكثر من مليون شخص في أحياء ريو الفقيرة مرت عليهم السنوات دون أن تهتم بهم الحكومة وكثيرا ما كانوا يجدون أنفسهم ضحية في الصراعات بين عصابات المخدرات التي لا تأخذها بهم شفقة وبين أساليب الشرطة العنيفة.

وقال باولو وهو أحد الزعماء المحليين في حي روسينها انه يصدق أن هذا المشروع حقيقي. لكنه بدا متشككا بعض الشيء في الحكومة البرازيلية وقال: اذا لم تنجزه فربما تعاني. ولم يشأ باولو أن يستخدم اسمه الحقيقي خوفا من انتقام عصابات المخدرات.

ومشروع تطوير روسينها جزء من برنامج اتحادي تبلغ استثماراته 315 مليار دولار يهدف الى تحسين البنية التحتية المتداعية في البلاد وهو مجرد مظهر واحد فقط من مظاهر استفادة ملايين الفقراء من فترة غير مسبوقة من النمو الاقتصادي في أكبر اقتصاد بأمريكا الجنوبية.

وقد قال البنك الدولي ان دخل أفقر عشرة في المئة من السكان نما بنسبة تسعة في المئة تقريبا سنويا فيما بين 2001 و2006 بالمقارنة مع ما بين اثنين وأربعة في المئة فقط لمن هم أيسر حالا.

ومع ذلك فمازالت البرازيل تمثل بعضا من أسوأ حالات التفاوت الطبقي في العالم لكن هذا الوضع يتغير بسرعة حيث ابتعد عشرات الملايين عن الجوع وأصبح بامكانهم اقتناء أول براد ( ثلاجة) أو تلفزيون أو جهاز كمبيوتر.

وتحقق جانب كبير من التقدم في السنوات القليلة الماضية بفضل برنامج لصرف رواتب للاسر وسع نطاقه الرئيس لويس ايناسيو لولا دا سيلفا يربط صرف معونات الرعاية الاجتماعية بعدم الغياب عن المدارس وهو برنامج بدأ يطبق في مناطق أخرى من العالم.

ومع ذلك فمازالت العوائق كبيرة أمام حياة أفضل بالنسبة للكثيرين في المناطق الريفية النائية والاف الاحياء الفقيرة حول المدن الكبرى. وتتمثل هذه العوائق في تردي حال المدارس وارتفاع معدلات الجريمة والتمييز وتفاوت تطبيق النظم القانونية والضريبية.

وفي ريو لا يشمل البرنامج الاتحادي لتطوير الاحياء الفقيرة العشوائية سوى حفنة من الاحياء من بين أكثر من 600 منطقة في المدينة. وأدت مقاومة عصابات المخدرات التي تخشى ان يهدد التطوير تجارتها الى تأخر تنفيذ مشروعات.

وقالت ليريانا فيجيريدو التي تعمل بمركز رياضي تموله مجموعة فايت فور بيس (الكفاح من أجل السلام) البريطانية في حي نوفا هولندا الفقير الذي لا يشمله برنامج التطوير: هذا النمو ليس لكل السكان. وأضافت، الاغلبية هنا ليست لديها وظائف.

وعلى مقربة من المركز وقف شبان مسلحون يبيعون الكوكايين على مناضد على جانبي الطريق وكأنهم يبيعون الفاكهة.

ويطلق على حي روسينها أكبر الاحياء الفقيرة في أمريكا الجنوبية ويعد من أكثر من جانب أرقى الاحياء الفقيرة في ريو اذ توجد به ثمانية بنوك ومجموعة كبيرة من منظمات المساعدات الاجنبية.

وهذا الاستقرار خادع لانه يرجع الى القبضة القوية التي تطبق بها واحدة من أقوى عصابات المخدرات في ريو على المنطقة لا لوجود مؤسسات الدولة. لكن مظاهر النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد بادية للعيان في الشوارع المزدحمة والمتاجر الزاخرة بالحركة.

وينوي بنك ازتيكا المكسيكي المملوك لرجل الاعمال ريكاردو ساليناس فتح فرع في روسينها بعد أن بدأ نشاطه في البرازيل هذا العام في الشمال الشرقي مستهدفا المدخرين من محدودي الدخل. ويمكن للعملاء استخدام تكنولوجيا بصمات الاصابع للتغلب على مشكلة الامية وفتح حساب بمبلغ ثلاثة دولارات فقط.

وخارج أحد متاجر كازاس باهيا الراقية بوسط ريو قالت نارا ماسيدو موريرا (27 عاما) ان مرتبها الشهري البالغ 600 ريال (375 دولارا) فقط لم يمنعها من شراء تلفزيون بشاشة مسطحة ومشغل دي.في.دي. وقالت موريرا: أعمل على تأثيث بيتي بالكامل بهذه الطريقة.

ورغم أن معدلات البطالة على مستوى البلاد انخفضت الى مستويات شبه قياسية فمازالت العزلة تحدد جانبا كبيرا من شكل الحياة في الاف الاحياء التي يغيب عنها القانون حول المدن الكبرى.

وتقول فيجيريدو ان أغلب الاطفال في نوفا هولندا يتغيبون عن المدارس عند سن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة فلا تصبح أمامهم فرصة للحصول على وظائف ويصبحون عرضة للانضمام الى عصابات المخدرات التي تتيح لهم المال والمهابة.

ومن العوائق الاخرى التمييز الذي يعاني منه سكان الاحياء الفقيرة وكثيرون منهم من السود. ويدون كثيرون من الباحثين عن عمل من المناطق الفقيرة عناوين زائفة عندما يتقدمون لشغل وظائف.

ويقول برونو سيلفا وكارول بيلو انهما كانا يأملان دخول الجامعة ذات يوم لكنهما يشعران ان سوء حال المدارس التي كانا يذهبان اليها مقارنة بمدارس أبناء الطبقة الوسطى كان عائقا أمامهما.

أحلام الطبقة المتوسطة وظاهرة التقسيط والائتمان

تعد مديرة المنزل ليونيديس دي مورايس جزءا من الطبقة المتوسطة الصاعدة التي تغذي الصحوة الاقتصادية في البرازيل لكن حاول أن تخبرها هذا.

فعلى غرار الكثير ممن يتمتعون بنفس معدل دخلها تعيش بالكاد حياة غير مستقرة تسلط الضوء على المخاطر التي تنطوي عليها طفرة متنامية في الائتمان الشخصي في البلاد التي ما زالت تعاني بعض اكبر معدلات التفاوت الاجتماعي.

أنها في السادسة والستين من العمر وتستقل حافلتين وقطارا في رحلة يومية مدتها ساعتان من الاطراف الفقيرة لريو دي جانيرو الى وسط المدينة. وتضحك من فكرة أنها جزء من أي طبقة متوسطة. بحسب رويترز.

وتمزح قائلة: تعني الطبقة الفقيرة.. الاوضاع صعبة، وبدون الوظائف الاضافية يجوع العمال.

ومثل الكثيرين ممن ينتمون "للطبقة ج" وتعريفها أنها الطبقة التي تنتمي اليها الاسر التي تتراوح دخولها بين 726 و1195 ريالا برازيليا (457 الى 753 دولارا) شهريا لجأت دي مورايس للتقسيط لشراء سلع معمرة مثل اول غسالة ملابس حصلت عليها.

وفي حين ترفض استخدام بطاقات الائتمان هناك كثيرون ممن لا ينهجون نهجها وقد ازدادت المخاوف من أن الطبقة المتوسطة الجديدة ربما تكون مهددة بالافلاس.

وقال نيلسون دي اوليفييرا الباحث في معهد فيرناند براودل للاقتصاد العالمي في ساو باولو: درجة عدم الاستقرار والعرضة للخطر هائلة.

وفي وقت تعاني فيه الولايات المتحدة اكبر اقتصاد في العالم من الافراط في الاقتراض مما عرضها لاخفاقات يخشى محللون من أن العواقب ربما تكون أسوأ في البلاد التي ما زالت تتسم بانتشار الفقر على نطاق واسع وتفاوت الدخول.

وتقول مؤسسة سيتيليم المتخصصة في أبحاث المستهلكين انه على مدار العامين المنصرمين صعد اكثر من 23 مليون شخص من الطبقتين (د) و(و) الى الطبقة (ج) في البرازيل وهو أمر ساعد عليه ارتفاع في الحد الادني للرواتب فضلا عن برامج حكومية حيث تتمتع البرازيل بأسعار مرتفعة للسلع وعملة مستقرة وتضخم مروض.

كما تسنى للكثير منهم الحصول على قروض عقارية وقروض للمستهلكين وبطاقات ائتمانية وهي امتيازات لم يكن يتمتع بها إلا الاثرياء حتى وقت ليس ببعيد.

وتقول نيلزا رودريجيز (45 عاما) التي تعمل في رعاية المرضى ببلدة بيلو هوريزونتي انها تملك الان جهاز تلفزيون ومشغل أقراص فيديو رقمية وميكروويف وأشارت بفخر الى أن ثلاجتها من نفس ماركة ثلاجة رئيسها.

وذكرت مؤسسة سيتليم أن عدد بطاقات الائتمان في البرازيل ارتفع بنسبة 91 في المئة بين عامي 2002 و2006 فيما زادت القروض الشخصية الى 12.3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي مقتربة من مستويات الولايات المتحدة البالغة 18 في المئة.

ويساور بعض المحللين القلق من أن عبء معدلات الفائدة من دفعات الاقساط المتعددة يمكن أن يسفر عن خليط خطير في البلاد التي ما زال بها الكثيرون ممن يعانون الامية المالية.

وقال تشارلز لطفي رئيس الغرفة التجارية في بيلو هوريزونتي: يجب أن نكون شديدي الحرص مع الائتمان. على المستهلكين أن يفكروا مرتين قبل أن يأخذوا على عاتقهم التزاما.

ومضى يقول: بالنسبة لرجال الاعمال من الاهمية بمكان أن يستهلك الناس لكن يجب أن يكون استهلاكا مستديما... لان التضخم موجود بالفعل ومخالبه جاهزة.

ومن شاطيء كوباكابانا في ريو دي جانيرو الى شوارع العاصمة برازيليا يوزع الباعة كتيبات على المارة مما يعدهم بالمال السريع، بحروف كبيرة.

ويستطيع المستهلكون شراء اي شيء من الثلاجة الى البقالة على خمسة أو 20 قسطا بينما تحتاج حتى اكثر العيون حدة الى نظارات لترى السعر الاجمالي المكتوب بخط صغير للغاية.

وكثيرا ما ينتهي الامر بالمستهلكين وقد دفعوا ضعف الثمن مقابل سلعة ما من خلال خطط للتقسيط على فترات طويلة بمعدلات فائدة تصل الى 31 في المئة في العام.

وتشير بيانات البنك المركزي الى أن عدد الاشخاص المدينين باكثر من خمسة الاف ريال برازيلي ارتفع بنسبة نحو 47 في المئة منذ ديسمبر كانون الاول عام 2005 فيما زاد الاقراض العقاري رغم أنه يأتي من قاعدة منخفضة بنسبة 26.5 في المئة في الاشهر الاثني عشر حتى مايو ايار.

في الوقت نفسه فان معدلات التخلف الفردي عن السداد ارتفعت ارتفاعا طفيفا لتصل الى 7.27 في المئة في مايو من العام الحالي مقابل 5.95 في المئة في نفس الشهر من عام 2001.

ويقول ريكاردو اموريم المدير التنفيذي للاسواق الصاعدة في بنك وست ال بي في نيويورك ان دين الاسر البرازيلية كنسبة من اجمالي الناتج المحلي الذي اقترب من 7.5 في المئة ما زال أقل من مناطق أخرى خاصة الاقتصادات المتقدمة اذ تتجاوز النسبة 50 في المئة.

لكن قلة الوعي بكيفية ادارة الدين في البرازيل تعني أن من المرجح أن يتضرروا اذا فقدوا وظائفهم او ارتفعت معدلات الفائدة اكثر من هذا.

وقال ستايل رياني الذي يرأس وكالة لحماية المستهلك في بيلو هوريزونتي: يلجأ الشخص الى بطاقات الائتمان وكثيرا ما يكون لا يعلم كيف تدار معتقدا أنه يقلل من القيمة (المدين بها) لكن في الواقع أن الدين المتبقي يتزايد.

وأطلقت الوكالة حملة تحت شعار: لنحيا بدون دين. لتوجيه النصح للمستهلكين في المدينة بشأن مخاطر الاقتراض اكثر من اللازم وهي التحذيرات التي كررتها دي مورايس مديرة المنزل في ريو.

وقالت: العامل بأجر لا يستطيع امتلاك بطاقة ائتمانية لانه يأخذ في الشراء دون اي معلومات... وعندما يدرك (ذلك) فأين هي الاموال ليسدد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين  28/تموز/2008 - 24/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م