الامام علي وحقوق المواطنة

هلال آل فخرالدين

يقول العلماء ان الامام علي سباق عصره في كل ماكان يطرحه من علوم ومعارف ونظم تتلائم وطبيعة البشر وحاجات المجتمع وقيام الدولة ومن افاق افكار حكمته الواسعة المستوعبة للقضايا المجتمع والمعالجة لها والملبية للطموحات بروح الاحترام الالفة والعدالة..

فقد عبر رجال القانون عن المواطنة الحقيقية قائلين انها تعبر عن منظومة الحقوق المتكاملة في ظل واجبات وطنية محددة والمواطنة بهذا المعنى تعني عدم التميييز بين ابناء الوطن الواحد رجلا او امرأة كبيرا او صغيرا ابيضا ام اسودا غني او فقيرا مسلما ام مسيحيا عربي ام اعجمي فالمعيار الاساسي ان هذا المواطن او ذاك يحمل الهوية الفلانية وله الحق في الحياة تالكريمة المتساوية المتكافئة على كافة المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية والنفسية والصحية والبيئية كماتعبر عن التزامات وواجبات في الانتماء والولاء ولهذا الوطن وهو يترجم عمليا من خلال الدفاع عن البلد في الازمات ودفع الضرائب والالتزام بالنظام والقانون...

وبابتالي فإن اعتراض ينصب على (تديين) المواطنة..لان هذا امر يعني مصادرة مفهوم المواطنة لصالح دين محدد وهو مايعد تمييزا ترفضه مباديء المواطنة وقيمها كما يمثل ذلك (اختطافا) المباديء وقيم إنسانية عامة لايجوز تخصيصها لصالح فئة او دين او مصلحة شخصية او تعصبات عرقية..

كما ويؤكد علماء القانون والاحوال الشخصية في ان الاسس النظرية الحديثة لبناء ثقافة المواطنة تنطبق من عملية بناء الدولة العصرية من خلال منظور حقوق الانسان بمعزل عن الانقسام الجنسي او التمايز الطبقي واختلاف العرق واللون وللغة ةالدين ايضا..فالمواطنة ليست منحة من أحد بمقدار ماتلرتبط بالتقدم الحضاري والحفاظ على منظومة حقوق المواطن والاصرار عليها والثبات على مكتسباتها..

ويذهب الغرب بان الفضل يعود بشكل مباشر الى قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 التي قامت بتأصيل المواطنة الحديثة من خلال الفصل بين المؤمن (في إيجاد للانتماء الديني) والمواطن (في إيجاد للانتماء الوطنى)  وهذه الحالة حدثت عبر مسار طويل ومعقد من الثورات القومية والديمقراطية والتطورات الفكرية والعلمية على مستوى العديد من الدول والحضارات  وهو ما أدى الى التاكيد على حقوق المواطنة من خلال بناء الدولة المدنية الحديثة والوعي بأن الديمقراطية لاتتحقق بمجرد وجود دولة مدنية بل بوجود ضمانات لحفظ التوازن بين المصلحة الخاصة للمواطن والمصلحة العامة لوطنه.

وتتجاوز المواطنة بهذا الشكل روابط الدم (القبيلة) والقرابة(العائلة) الى الاهتمام بالتكوين السياسي للمواطنين بوجه عام..بمعنى إنها تجعل من السياسة موضوع مشاركة عامة للمواطنين في تقرير مايخص مصيرهم..

وفي هذا الصدد لايمكن ان نتجاهل مفهوم (المواطنة) في ادبيات التيار الاسلامي فكلمة (مسلم)  تعني مواطنا له حقوق وعليه واجبات لان كلمة (مواطن) و(مواطنة) هي ابتكار حديث..غير ان تتمتع المسلمين بحقوق المواطنة كان مسألة نظرية لانه –في الواقع- تم حرمان أغلبيتهم من المشاركة السياسية الاسباب سياسية ومذهبية ودينية ولعل اهمها سيادة النظم السلطوية السياسية في العديد من الاقطار الاسلامية.

واني لاعجب من بعض المفكريين الاسلامين في اسلوب تديينه لكل ماهو مدني من تحرير المراة مرورا باليات الاقتصاد وصولا الى المواطنة  الان وهو امر اعتقد في خطورته وذلك من على غرار الربط القسري بين النظريات العلمية وبين النصوص الدينية بدون انتباه الى النصوص الدينية هي ثوابت على مر الزمان  والمكان وان النظريات العلمية متغير حسب التقدم العلمي والتكنولوجي   ممايجعل البعض يرفض محاولة إيجاد صيغة توفيقية بين العلم والدين تحت بند الاعجاز العلمي النصوص  وهي في مخيلة البعض نوع من التاكيد علة قوة هذا الدين او ذاك في اختزال مخل لصالح الدين..

وهذا يؤدي الى تفكيك النصوص الدينية لصالح اهداف خاصة او تفسيرات محدودة تتطابق مع مصالح واهداف شخصية او نظرات ضيقة...بعد هذه المقدمة  نقول:

اولا: ان الامام علي في زمانه كان قائد لاعظم دولة واوسعها

ثانيا: عندما اقدم الامام في خلافته على تلك الاصلاحات بل الانقلاب على كل تلك النظم والتطبيقات التي انتهجها من كان قبله من الخلفاء ما كانت صادرة عن هواجس او خوف او ضعف لمحابات جهة او ماشاكلها من المصالح واغايات  بل كانت نابعة من جوهر طبيعته في اقامت العدالة وتطبيقها على جميع الموطنين بدون استثناء.

ثالثا:  فقد اقدم الامام منذاليوم الاول لتوليه الخلافة بالغاء (العطاء الطبقي)الذي ابتدعه عمر في بداية خلافته حسب السابقة في الاسلام ووفق المنزلة الاجتماعية والذي استمر حتى خلافة عثمان..لكن الامام الغى ذلك النظام وجعله عطاء يتساوى فيه السابق والاحق بالاسلام والزعيم والوضيع والمسلم وغيره والكل سواء والكل مواطن فلافرق بين زيد ولاعمر.

رابعا: كما واصدرقرارا وفي بداية خلافته ايضا بان كتب الى ولاة الامصار ان ينفقوا مايحصل لديهم من الاموال على ولاياتهم واوطانهم اولا وابلذات ليتمتع المواطن بثروته وبناء وطنه ولا ينقلوها  الى المركزالى ما فاض وزاد عن حاجاتهم وهذا مخالف وعكس ما كان يفعله من سابقه من الخلفاء حيث كانت ترسل اليهم اكداس الاموال وهذا ماتعسف به بعد ذلك خلفاء بني امية حيث يقول الخليفة (الوليد) لعماله احلبهم فاذا انتهى الحليب فاحلبلي (الدم).

خامسا: اعطائه الحقوق لكافة الاديان في حرية مباشرت طقوسها وعباداتها في بيعها وكنائسها وصوامعها واديرتها ضمانا لحقوق المواطنة.

سادسا: اطلاقه العنان لحرية الفكر والرأي بشرط ان لا يتعارض والقانون ويمس بالمجتمع فالجميع سواء.

سابعا: ان مفهوم المواطنة الحديثة هو تكافىء دماء كل المواطنين فلافرق بين سيد ووضيع ولا كبير وصغير وهذا ما طبقه الامام علي بحذافيره عندما وصله نبأ غارة الغامدي –احد قادة معاوية الذين كان يرسلهم الى حواضر الدولة الاسلامية للنهب والذبح والرعب والارهاب – بنهم ذبحوا النصارى واليهود وسلبوا الحلي والاموال فتنهد الصعداء وقال:  لو مات الانسان كمدا وحسرة ماكان عندي ملوما  انهم اخواننا (دمائهم دمائنا). انظر الغارات للثقفي وشرح النهج للمعتزلي وتاريخ الطبري

ثامنا:فقد حوت وثيقة عهده الى مالك الاشتر واليه على مصر كثيرا من النظم المدنية والمساوات والعدالة بين الناس في مصر وعلى الوالي يجب مراعات التنوع في النسيج الاجتماعي لمصر.

تاسعا:ان مابشر به الامام علي نابع من طبيعته الانسانية المثالية في نشر قيم العدالة والمساوات في المجتمع و التسوية في الحقوق والواجبات ويصرح بها في موضوعية وشفافية تامة  حيث يؤكد ومن منظومة قيمه الاخلاقية الرسالية كقوله كلكم ابناء ادم وادم من تراب و(الوطن ماحملك) حيث لم يجعله مؤطرا بمكان معين بل المتعين الاساسي للانسان ان يتوفر ما يكفل حقوقك فيه فذاك هو الوطن فمادمت في اي مكان وانت محترم وامن ولك كرامتك ومصونة حقوقك فتلك الارض (وطنك) وطبعا مع مراعات الواجبات وكذلك قوله (لا وطن مع فقر ولا غربة مع غنى)..

هذا المبدأ العلوي الكبير الذي تجاوز نظرية المواطنة حتى في قمة مفهومها القومي الذي كان يعطي الأولوية للتراب والأرض أو حتى للإنسان المتميز بصفات عنصرية معينة تجاوزها إلى قمة عصر العولمة حينما بدأ الإنسان بذاته يتحول إلى قيمة مقدسة من هنا كان وصفه الذي جعل الوطن يتلازم مع الغنى ـ والغنى هنا يتجاوز المال والثروة ليعمّ حتى الحياة الاجتماعية التي لا تحرمه أي من رغبات الإنسان المشروعة بدءا من الاستقرار الجنسي النفسي والسكن وما إلى ذلك ـ كما أن الوطن ينتفي وجوده بمجرد أن يتحول الإنسان إلى مخلوق مستباح عديم القيمة وتكون شعارات أخرى دينية وقوميةوآيديولوجيةهي مقياسالكل شيءدون الإنسان.

ومرة أخرى حينما يُعلمنا علي أن القرآن (حمّــال أوجه(وأن الإنسان يرتكب جريمة حينما يقوم بتفسير القرآن ليتطابق مع اهوائه واطماعه ونزعاته وأنانيته لا مع ما جاء من اجله لاحقاق الحقوق والغاء العبوديات وتقرير حرية الإنسان و حقه في البحث والتفكير الحر وإذا ما كان البعض فهم كلماته خطأ فنفى نسبتها إليه فإنني أعتبر كلماته هذه اختصارا لكل الخلافات المذهبية الإسلامية والتي تشربت بالدم والحروب فلو نظرنا إلى القرآن على أنه كتاب يتعامل مع عقول وفهوم متعددة الأنواع والمستويات الثقافية والاستيعابية فمن الطبيعي إذا أن تتعدد معانيه.

حقا أن المسلمين ـ سنة و شيعة ـ والاديان –مسيحية ويهودية وغيرها -مقصرون تماما لأنهم لم يستطيعوا استخلاص فلسفة شاملة كاملة تقوم على مبدأ أن الإنسان هو محور الكون والقدسية وأن في هذا الفلك تدور كواكب الحرية والواقعية وقبول تعدد الرأي، وأعذرني أيها الامام العظيم يا علي بن أبي طالب فلطالما تاه بلجج فكرك العظماء وحارت في كنهك الايات فقد كنت الاممي المؤسس الحقيقي للحرية وسيبقى فكرك املا للبشرية جمعاء تتمنى صياغته ليخرج للناس كتابا يوصلهم إلى رحاب الحرية وكرامة الإنسان بفضل كلماتك الفلسفية التي تمثل الأساس الديمقراطي السليم والحوار القويم والاحترام لكافة مكونات المجتمع وجعل التسامح ركيزة سامية للتلاقح والانفتاح الحضاري لاثراء الفكر الانساني لذين شوهه كما يقول العلامة الشيخ محمد الغزالي فقهاء (البداوة) اصحاب الجلباب والسواك والحى الكثة ومرتزقة معممين السلفية.

hilal.fakhreddin@gmail

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  27/تموز/2008 - 23/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م