ملف النفط: التوترات وأزمة الإقتصاد العالمي تُديمان سعير الفورة النفطية

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: بين نُذر الحرب في الشرق الاوسط والأزمة الاقتصادية العالمية وازدياد الطلب العالمي على النفط أخذت تنفلت أسعار الأخير لتصل الى مقاييس لم تصلها سابقا، وبينما يعني هذا الامر تزايد واردات الدول المصدرة للنفط لتبلغ ارقاما خيالية فإنه يلقي بظلاله القاتمة على الدول الفقيرة ذات الاقتصاد المتدني وكذلك ينقلب على الدول النفطية بإزدياد نسبة التضخم فيها..

سؤال يردده الجميع.. متى تنخفض أسعار النفط؟

جلست في مقعدي في سيارة أجرة مكيفة في طريق عودتي من اجتماع مجلس النفط العالمي بعد ان أرهقتني ايام أمضيتها في ملاحقة كبار منتجي النفط بحثا عن اجابة لسؤالي.. متى تنخفض اسعار النفط؟

وبينما أنا انظر من نافذة السيارة قاطعني السائق متسائلا "قل لي.. متى ستنخفض أسعار الوقود؟ "وأضاف وهو يرمقني من خلال مراة السيارة بنظرة اتهام "في كل يوم ترتفع الاسعار. لكن متى ستنخفض... هذا السؤال مرة اخرى.

كنت أرتدي حلة اشترتها من مدريد مقابل 69 يورو لحضور الاجتماع وشعرت باطراء لانه ظن على سبيل الخطأ انني خبير ثري.

وارتفع سعر النفط سبع مرات منذ عام 2001 ليحرق اصابع أيا من المحللين اصحاب الاجور الضخمة الذين توقعوا ان يفقد الاتجاه الصعودي.

ويتوقع بنك جولدمان ساكس أكبر بنك استثمار في قطاع السلع الاولية ان يصل السعر الى 200 دولار للبرميل في غضون عامين. بحسب رويترز.

ادركت انه لا يمكني ان اقول للسائق بامانة ان الازمة في سبيلها للحل كما ان استراتيجية البقاء التي تبنيتها حيث استقل دراجتي الى العمل لن تجديه.

لذا استعرت مزحة اطلقها وزير النفط السعودي علي النعيمي حين قال انه لو كان بوسعة التنبؤ بالمستقبل لذهب الى لاس فيجاس ليقرأ الطالع.. واعتذرت له قائلا انني مجرد صحفي.

واعتذر السائق قائلا "انت صحفي. أنا اسف لانني ازعجتك. تفرض علينا اجراءات امن صارمة حتى يمكننا اصطحاب مشاركين في هذا المؤتمر.. من المؤكد ان هناك بعض الاثرياء هناك...".

وأدت اسعار النفط المرتفعة لاحتجاجات من مستخدمي النفط في عملهم من مزارعين الى صيادين وسائقي سيارات اجرة وشاحنات في جميع انحاء العالم.

بدأت نبرة اسئلة سائق السيارة تهدأ مع اقترابنا من المطار حيث أمل ان تعود بي طائرة -تزود بوقود ابهظ ثمنا- الى بريطاينا دون ان استمع لموعظة من قائدها. ولكن الاسئلة لم تكن اسهل.

يقول السائق الذي يقود سيارة اجرة متوسطة الحجم "ادفع حاليا حوالي 36 يورو يوميا لشراء وقود الديزل" مضيفا ان سعر وقود الديزل ارتفع من 90 سنت يورو في العام الماضي الى اكثر من 1.30 يورو. وتابع "اذا كان سعر اليورو الآن اكثر من دولار و50 سنتا فلماذا ادفع سعرا اعلى للتزود بالوقود."

انه سؤال يصعب الاجابة عليه في الدقائق العشر التي استغرقتها الرحلة على الطرق السريعة الخاوية المؤدية لقاعة المطار الجديدة في مدريد.

واثناء اقامتي لفتت نظري حقيقة قوة العملة الاوروبية أمام الاسترليني ومن ثم يمكن ان ادرك السبب الذي يدفع مستهلكين في منطقة اليورو لتوقع ان ينخفض سعر السلع المسعرة بعملات اخرى.

ويتكلف قدح البيرة في المقاهي البسيطة حوالي أربعة جنيهات استرلينية وهو سعر لم يسمع به حتى في لندن بعد ان ارتفع اليورو حوالي 15 في المئة مقابل الاسترليني.

حاولت ان اشرح ان سعر النفط تضاعف في العام الاخير بصفة اساسية نتيجة ضعف اليورو وان اليورو زاد حوالي 15 في المئة مقابل العملة الامريكية لذا فان سعر النفط باليورو لا يزال اغلى.

ومن حسن الحظ ان الرحلة للمطار لم تكن طويلة بدرجة كافية لاجهد نفسي في شرح جميع العوامل المتشابكة وراء ارتفاع أسعار الوقود.

ومع وصولنا لقاعة المغادرة خلص السائق الى ان وسائل النقل التي تعمل بالكهرباء او الغاز ربما تكون حلا افضل على المدى الطويل. ثم فاجأني بتقاضي رسم خدمة في المطار ومركز المؤتمرات رفع فاتورتي الى 20 يورو.

الاسعار المرتفعة والازمة الاقتصادية تؤثران في الطلب

خفضت منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط خلال العام الحالي من 1,28 % الى 1,20 % نظرا للتباطؤ الاقتصادي وارتفاع اسعار الوقود.

وقدرت اوبك ان الطلب العالمي على النفط سيرتفع الى 86,81 مليون برميل يوميا العام 2008 مقارنة مع 85,78 مليون برميل يوميا في عام 2007.

وافاد تقرير المنظمة لشهر تموز/يوليو الحالي ان "نمو الطلب على الخام في العالم شهد ارتفاعا قويا في السنوات العشرين الماضية (...) لكن الهيكلية الجديدة للاسعار وتباطؤ الاقتصاد العالمي يؤثرون في نمو الطلب على الخام في مناطق عدة". بحسب فرانس برس.

واضاف التقرير الذي يراهن على استمرار هذا الاتجاه ان الاسعار المرتفعة والازمة الاقتصادية يشكلان عاملا مؤثرا في طلب الخام من جانب الدول الصناعية السنة الحالية.

اما بالنسبة للقطاعات سيشهد قطاع النقل حركة قوية في الطلب على الخام العام المقبل لكن "التوقعات تبقى خاضعة للشكوك" وفقا للتقرير.

ومع ذلك فان الزيادة على الطلب "قد تكون اكثر ضعفا اذا حافظت اسعار الوقود على ارتفاعها العام 2009 الا اذا انتعش الاقتصاد الاميركي سريعا او اذا كان الشتاء قاسيا".

وبلغ سعر البرميل اليوم في سوق لندن اكثر من 145 دولارا اي بزيادة 1,30 دولار عن اقفال الاثنين. اما في نيويورك فقد بلغ سعره اكثر من 146 دولارا اي بزيادة قيمتها 1,21 دولار.

ويفيد التقرير ان انتاج الوقود الحيوي سيزيد حوالى 170 الف برميل يوميا العام 2009 وفقا لخبراء اوبك الذين يراهنون على زيادة استخدام المفاعلات النووية والاتجاه في اوساط المستهلكين لشراء سيارات لا تستهلك الوقود بكميات كبيرة.

اوبك لن تتمكن من تعويض النفط الايراني في حالة حرب

من جهة اخرى قال الامين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في فيينا ان اوبك لن تكون قادرة على تعويض الانتاج النفطي الايراني في حال نشوب نزاع عسكري بين اسرائيل وايران.

وقال عبد الله البدري في مؤتمر صحافي في مقر المنظمة في فيينا "اذا حصل شيء سيكون من المستحيل تعويض انتاج ايران". وتحتل ايران المرتبة الثانية من حيث انتاج النفط الخام مع انتاج نحو اربعة ملايين برميل في اليوم.

واعتبر الامين العام لمنظمة اوبك "انها كمية هائلة ومن المستحيل تقريبا تعويضها". ولم تستبعد الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل تدخلا عسكريا ضد ايران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل الذي يعتبر الغربيون انه يخفي شقا لصنع قنبلة ذرية. بحسب رويترز.

وكالة الطاقة الدولية تتوقع ارتفاع الطلب على النفط في 2008

وأعادت وكالة الطاقة الدولية النظر في توقعاتها للطلب العالمي على النفط وقالت انه سيرتفع في العام 2008 كما توقعت ان يزيد في العام 2009 بنسبة 11% ليصل الى 87,7 مليون برميل في اليوم بسبب الدول الناشئة.

وقالت الوكالة في تقريرها لشهر حزيران/يونيو الذي نشر الخميس ان زيادة متوازنة للانتاج في العام 2009 ستحد من توتر الاسواق في العام المقبل.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية التي كانت خفضت توقعاتها للطلب للعام 2008 لخمسة اشهر متتالية زيادة بمقدار 890 الف برميل في اليوم لحركة الطلب هذه السنة لتصل الى 86,9 مليون برميل في اليوم اي بزيادة قدرها 80 الف برميل في اليوم. بحسب فرانس برس.

في الوقت نفسه ارتفع الانتاج العالمي في حزيران/يونيو بمقدار 285 الف برميل في اليوم ليصل الى 586 مليون برميل في اليوم بفضل زيادة عرض منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) بينما فقد انتاج الدول غير الاعضاء في اوبك 65 الف برميل في اليوم.

وضخت اوبك 32,4 مليون برميل في اليوم في حزيران/يونيو اي 350 الف برميل في اليوم اكثر من الشهر السابق بفضل المملكة العربية السعودية (9,45

ملايين برميل في اليوم) وايران (3,8 ملايين برميل في اليوم).

صواريخ إيران ترفع النفط 5 دولارات

وحقق برميل النفط مؤخرا مكاسب بلغت أكثر من خمسة دولارات خلال الجلسة المسائية للتداولات في بورصة نيويورك، مدفوعاً بعودة التوتر في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد المناورات الإيرانية التي أجرتها في مياه الخليج وإطلاق صواريخ جديدة يصل مدى أحدها إلى 2000 كيلومتر.

فقد ارتفع سعر برميل النفط الخفيف 5.60 دولاراً، ليستقر عند 141.65 دولاراً، بعد أن تراجع قليلاً إثر ارتفاعه إلى 142.04 دولاراً قبل الإغلاق. بحسب سي ان ان.

وقال المتعاملون بالبورصة إن زيادة التوتر في إيران وانتهاء الهدنة الهشة بين المتمردين والقوات الحكومية في نيجيريا دفعا أسعار النفط إلى الارتفاع.

وقال رئيس مجموعة "إكسل للسندات والأوراق المالية"، مارك واغنر، إن التوتر في أنحاء الشرق الأوسط يدفع أسعار النفط نحو الارتفاع، غير أن الأحداث الأخيرة في إيران، وتحديدا المناورات وإطلاق الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، أثارت قلقاً خاصاً. وأضاف واغنر: "إذا ما خفّت حدة التوتر في الشرق الأوسط، فإن الأسعار ستتراجع 10 دولارات فوراً."

تشافيز يقول ان سعر النفط قد يصل الى 300 دولار

من جهة ثانية قال الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز ان اسعار النفط قد تصل الى 300 دولار للبرميل اذا جمدت شركة اكسون الامريكية للنفط الاصول الفنزويلية في خلاف بشأن مشروع نفط تم تأميمه.

وفازت اكسون بأوامر قضائية بتجميد 12 مليار دولار من ارصدة تملكها شركة النفط الحكومية الفنزويلية/بدفسا/بعد ان استولت فنزويلا العضو في اوبك على مشروع نفطي تبلغ تكاليفه مليارات الدولارات مما سلط الضوء على التوترات مع الولايات المتحدة وساعد في رفع سعر النفط .

ورفضت محكمة في لندن في وقت لاحق تجميد اصول اكسون بشكل مؤقت ولكن تشافيز قال ان الشركة قد تسعى الى القيام بتحرك اخر ضد فنزويلا. بحسب رويترز.

وقال تشافيز خلال لقاء نقله التلفزيون مع رؤساء الكاريبي وامريكا الوسطى في اطار برنامج للتعاون في مجال الطاقة "اذا قاموا بتجميدنا فلن يتم ارسال مزيد من النفط الى الولايات المتحدة والسعر سيصل الى 300 دولار."

وقال تشافيز ايضا ان اسعار النفط اثر عليها "فقاعة مضاربة" يمكن ان يؤدي انهيارها الى انخفاض الاسعار الى 70 دولارا للبرميل.

ويتناقض هذا مع تصريحاته السابقة بان التوترات الجيوبولوتيكية ولاسيما التهديد بغزو ايران قد يدفع اسعار النفط الى 200 دولار للبرميل.

أسعار النفط تطلق حوارا جديدا بشأن الطاقة

من جهة ثانية أطلق الارتفاع القياسي لاسعار النفط موجة جديدة من الحوار بين منتجي ومستهلكي الطاقة لكن مواقف الطرفين مازالت متباعدة رغم اعتماد كل منهما على الاخر.

ومنذ اجتمع الجانبان اخر مرة في السعودية أكبر بلد مصدر للنفط في العالم الشهر الماضي لمناقشة ارتفاع الاسعار تسبب تصاعد التوترات بين الغرب وايران واستمرار صعود الاسعار الى تاكل حسن النوايا الذي تولد عن الاجتماع. وكان بعض المشاركين متشككين منذ البداية.

من بين هؤلاء شكري غانم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الذي قال في ذلك الوقت ان محادثات قصيرة لن تحدث فرقا. وقد تمسك بهذا الموقف.

وأبلغ رويترز هذا الاسبوع "قلت من البداية ان هذا موضوع أكبر من أن تجري مناقشته في اجتماع قصير. ستكون هناك مجاملات لا أكثر وكلمات قليلة هنا وهناك."لم ولن يتمكنوا من معالجة الموضوع بشكل ملائم."

وتوقعت السعودية التي كانت المحرك للمحادثات ألا تشهد السوق رد فعل فوريا لكنها قالت ان من الضروري محاولة تهدئة الاسعار.

وقال وزير البترول السعودي علي النعيمي خلال اجتماع جدة ان على الجميع بذل ما بوسعهم لتخفيف تلك الظروف الصعبة.

ومما ساهم في ارتفاع الاسعار حالة القلق من امكانية أن يؤدي تصاعد التوترات بشأن برنامج ايران النووي الى انقطاع امدادات النفط من منطقة الخليج.

وعلقت شركة توتال الفرنسية استثماراتها في الغاز الايراني انتظارا لتحسن العلاقات مع الغرب بينما تجري ايران محادثات أخرى مع روسيا. وتسعى الدول المستهلكة بشكل حثيث لتجنب الاعتماد على واردات النفط والغاز.

وعلى سبيل المثال قال رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني مطلع الاسبوع الحالي ان على كبرى البلدان المستهلكة عقد اجتماع لتحديد سقف للسعر الذي يمكنها دفعه مقابل النفط والا فيتعين عليها الاستثمار في الطاقة النووية.

لكن المشكلة بالنسبة للدول المستهلكة هي أن امتلاك طاقة نووية جديدة يتطلب سنوات كما أنها لا تفي باحتياجات قطاع النقل.

وحتى الدول المنتجة التي ارتفعت ايراداتها بشدة قلقة من التأثير المحتمل لارتفاع تكاليف الوقود على التضخم والنمو الاقتصادي وعلى الطلب من المستهلكين.

وقال مايك ويتنر من سوسيتيه جنرال "الامر مثل أي تجارة كبيرة اخرى. كبار المنتجين وكبار المستهلكين في حاجة ماسة الى بعضهم بعضا وهذا هو العامل الاهم."

وصرح كثيرون بأن محادثات جدة كانت اعترافا أكبر بحاجة كل طرف الى الاخر وانها كانت خطوة للامام في الحوار بين منتجي ومستهلكي الطاقة في روما في ابريل نيسان والذي عقد تحت مظلة منتدى الطاقة العالمي.

وطالما اعتبر منتدى الطاقة العالمي الذي يجمع منتجي ومستهلكي الطاقة كل عامين منبر حوار فحسب ولم تخرج محادثات روما بأي اجراءات ملموسة.

وارتفعت أسعار الطاقة عن مستوياتها منذ ابريل نيسان حتى موعد اجتماع جدة بواقع 20 دولارا للبرميل مما دفع السعودية لتقديم ضمانات فورية بتوفير مزيد من الامدادات.

وعرض أكبر موفد أجنبي بمحادثات جدة وهو رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون اجراء مزيد من الحوار باستضافة محادثات تكيميلية في لندن أواخر العام الحالي.

وبناء على توصية من براون قال زعماء مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى انهم سيدعون الى عقد منتدى عالمي للطاقة تستضيفه اليابان في سبتمبر ايلول لمناقشة تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وابتكار تقنيات جديدة.

وقال لورانس ايجلز من وكالة الطاقة الدولية التي تدافع عن مصالح مستهلكي الطاقة "رغم أننا لن نشهد تغيرا جذريا بين عشية وضحاها بسبب اجتماعات جدة ومجموعة الثماني الا أنها قد توفر بعض الفوائد السياسية الحقيقية التي ستحسن التوقعات بينما نمضي قدما."

وجون ميتشيل مراقب اخر للعلاقات بين المنتجين والمستهلكين وهو يتبع مؤسسة تشاثام هاوس البحثية ومقرها لندن وقام بدراسة للحوار بمنتدى الطاقة الدولي.

وقال ميتشيل ان محادثات جدة ربما زادت قوة الدفع. وأضاف "لدي انطباع بأنه كان هناك جو من التعاون في جدة وبأنه كان هناك تركيز أقل على تحقيق مكاسب."

شبكة النبأ المعلوماتية- االخميس  24/تموز/2008 - 20/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م