في الحديث عن علي

عبد الامير علي الهماشي

في الحديث عن علي يجد المؤمن المحب لذة ونشوة..

ويجد الاخرون فيه حرجا وضيقا ((كأنما يصعد الى السماء))

ويمثل الحديث عن علي قلقا للمؤمن لأنه المثل الاعلى في طريق الانسان نحو انسانيته على خط التكامل التصاعدي.

ويمثل الحديث عنه لدى الاخرين قلقا من نوع آخر وتراهم يفرون من((كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة)).

ونعيش لوعة وحسرة لأننا لم ندرك عليا وتتجدد هذه الخلجات كلما قرأنا أو سمعنا شيئا من سيرته ونعيش الحيرة والدهشة لحكمة الباري عزوجل ونسبح ونهلل لايداعه مثل هذه الصفات فيه ،وعندما يقرأ الاخرون او يسمعوا من سيرته تصيبهم حيرة من نوع آخر فلا يستطيعون تصديقها وإن صدقوها فنراهم يحاولون أن يرفعوا من شأن من عاصروه بأي طريقة كانت لايمانهم بسواسيتهم جميعا ولكنهم نسوا وتناسوا بأن ((الله أعلم حيث يجعلُ رسالته)).

 ولكي لانُتهم بالغلو ونسب الرسالة إليه نوضح بأن رسالات الله تختلف من رسالة النبوة الى إظهار حكمته وبديع صنعه الى غيرها من الرسالات وقد أودع الله في علي كل أنواعها التي أرادنا أن نقرأها ونتلقاها إلا النبوة فجعله أحد المعاجز عليها.

ولطالما تفاخر علي بطاعته واتباعه للنبي ((كنت أتبعه إتباع الفصيل إثر اُمه)) ولم يتفاخر بولادته في البيت الحرام في جوف الكعبة وحسبه من شرف لم ينله ولن يناله أحدٌ بعده.

وعندما تفاخر العباس عم النبي وغيره بما قاما به بسقاية الحاج وعمارة المسجد لم يكن لولادته في البيت الذي يطوفه ويقصد الحجيج من كل صوب وحدب وانما حاججهما بايمانه بالله ورسوله ((أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كن آمن بالله واليوم الاخر...)).

وقيمة علي أنه يتفاخر بايمانه وبما فعله وصنعه للاسلام لابشيء كان خارج ارادته كما هي الولادة بالرغم من انها حدثت في المسجد الحرام وان كان يفضل المسجد على الجنة لان فيه عبادة وعمل وفي الجنة لاعمل.

وتبقى شخصيته المحيرة بصفاتها المتقابلة التي تتوازن فيما بينها ولاتكاد تنفصل احداها عن الاخرى وهو سر لايمكن لنا أن نعرف كنهه حتى قيام الساعة (( ياعلي لايعرفك إلا الله وأنا ولايعرفني إلا الله وأنت)) فهو البكاء في المحراب ليلا العابد الزاهد المفارق المطلق للدنيا، الى الضحاك اذا اشتد الضرب وكأنها لهوه المفضل.

ومع كل فروسيته وحبه لسيفه الذي دافع به عن رسول الله وقاتل أعداؤه يستبدله بمكنسة في البيت ليُعين زوجته في تنظيف الدار ولايبالي بغبار الدار أوغبار المعارك فهو ابوها.

ولم تكن لشخصيته وصفاته أن تتغير بتغير ظروف حياته وأوضاعه ففي المراحل الاولى مع الرسول كان الربيب المدلل والوزير والخليل والمناجى حتى وصل الامر ببعضهم أن يهمس في اذن اصحاب الرسول ليصل الى ضجيج ناسبين الى الرسول الضلال والهوى بابن عمه فجاء الوحي قاطعا مدافعا عن نبي الله (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)) وانه لامر طبيعي عندما تجد القران يوثق ويؤرخ لعمل صغير قام به علي (ع)اولا ويمدحه ثانيا ثم يُعطيه بعده الحقيقي ثالثا وهذا ما رأيناه في مسألة التصدق بالخاتم وهو راكع ليشير لذاك السائل أن يأخذ الخاتم فيمزج علي بين عبادة وعبادة وهو في أشد حالات القرب الى الله ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الين يقيمون الصلوة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) ونسب الى آخرين أنهم حاولوا التصدق بأضعاف ذلك الا أنها لم تلق صدىً لافي آية ولاحديث نبوي((إنما يتقبل الله من المتقين)) ومن سيد المتقين ومن فِهم التقوى وأبعادها غيره.

ولكن النفوس أبت إلا أن تحول الضجيج الى فعل بُعيد وفاة الرسول ليبدأ عليٌ مشوارا آخر فمن بيت الحاكم الاول الى معارض مسلوب الحقوق ولم تتأثر تلك الشخصية العظيمة بفعل الاخرين لتبقى تمارس دورها وتزداد تألقا ووهجا وكان ناصحا تارة وحريصا اُخرى ومادا يد العون ومنقذا لشريعة يمارس دور حراستها بحكمة وموعظة بالغة.

ومن ثم تأتي الخلافة اليه ليزينها بدلا من تزيينه وأعطى درسا آخر في الحياة ((معارضا وحاكما)) ولم تتبدل شخصيته وبقت تسير في خطاها الثابتة وهذه المرة حاكما خليفة يملك ما يملك وله مقاليد الامور جميعها وركز في حقوق الرعية ليؤصل لمبادئ حقوق الانسان وحق الرعية وواجب الحاكم ولم يمنع من معارضيه من سبه واتهامه بانواع التهم ولم يرفع السيف بوجههم وكان شعاره الاخوة مالم يقم السيف بينهم بل ويصرف لهم من بيت المال ليعينهم على قضاء حوائجهم.

وتزداد شخصية علي قربا لله كلما اشتدت البلاءات والمحن ولم تشغله أوقات الحرب والفتن عن ذكر الله فانتج لنا دعاءا نسعد بترنيمته وتناسق جمله ونردده مساء كل خميس وقيل أنه قرأه وعلمه لتلميذه كميل بن زياد في مسجد البصرة أثناء فتنة الجمل.

وفي صفين لم تشغله ساحة الوغى وحمي الوطيس عن ذكر الله وأحكام القتال فلم يقتل مدبرا موليا ويكون مهللا مكبرا بعد كل ضربة سيف التي قيل أنها لاتثنى التي أراد لكل ضربة منها أن تكون لله في قمة صفاء النفس وتكون الغضبة لله وحده لاشريك في ذلك وإن كانت نفسه هو.

لا أريد أن أنهي حديثي وأشعر بعدم اكتمال الحديث الذي يمثل مسؤولية وان كانت شرفا وأرى نفسي حينما أتحدث أو أكتب عن الامام علي -ع- كمتسلق جبل يفاجأ بأن لهذا الجبل قمم متقابلة مكونة قمة واحدة في سلسلة متناسقة لاتعلو إحداها عن الاُخرى وكلما احدث نفسي بالوصول الى إحداها حتى اُفاجأ ببعدها ولذلك أشعر بالقلق والخوف أحيانا فهو طريق ((صعب مستصعب)) بحاجة الى أقدام ثابتة تعبد طريقها وتعينها رياضة خاصة لتكمل مشوارها لأستطيع السياحة في هذا الطريق لتنفتح لي أفاق الانسانية في طريق الكدح الى الله.

وسيبقى عليٌ محيرا جاذبا لاُناس ونافرا لاخرين بشتى اعتقاداتهم وانتماءاتهم ونسال الله أن نكون في صف المنجذبين اليه في ذكرى ولادته الميمونة اُحاول تقليل المسافة بيني وبينه وأكون من شيعته متفاخرا في دنياي بلا تقية تذكر وفي اخرتي اقول أن الله شاهد أني ذكرت عليا.

شبكة النبأ المعلوماتية- االسبت  19/تموز/2008 - 15/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م