محاكمة البشير: اقتراب وقت الحساب وإنهيار السلام الهش

 

شبكة النبأ: تسعى المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي ومنذ تأسيسها إلى تقديم المذنبين في جرائم الحرب والإبادة والقتل والتهجير والإغتصاب الجماعي، وهي جرائم من شأنها ان تطال الإنسانية بشكلمباشر، وقدمت المحكمة إلى العدالة أمثال الرئيس الليبيري،والرئيس اليوغسلافي، في جرائم حرب ضد الإنسانية.

(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تعرض على القارئ الكريم آخر المستجدات في مسألة مذكرة التوقيف الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية بشأن الرئيس السوداني عمر البشير وإتهامه في جرائم جنائية وإبادة وتهجير جماعي وإغتصاب:

المحكمة الجنائية الدولية تصدر أمراً باعتقال البشير

اتهم ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتدبير حملة إبادة جماعية في دارفور أودت بحياة 35 ألف شخص وتسببت في اضطهاد 2.5 مليون لاجيء.

وطلب المدعي لويس مورينو أوكامبو من المحكمة إصدار أمر اعتقال بحق الرئيس البشير ابرز الشخصيات التي تطلبها المحكمة منذ انشائها عام 2002.

والبشير هو أول رئيس دولة حاكم يصدر بحقه مثل هذا الأمر منذ رئيس ليبيريا تشارلز تيلور والرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش.

ونفى البشير الاتهامات وقال ان المحكمة الجنائية الدولية ليست لها ولاية قضائية في السودان.

واضاف البشير في تعليقات نقلها التلفزيون الحكومي ان كل من زار دارفور والتقى بالمسؤولين وتعرف على عرقياتها وقبائلها سيعرف ان كل تلك الامور اكاذيب.

وسيسعى السودان لطلب دعم الحلفاء مثل الصين وروسيا لكي يعرقل مجلس الامن الدولي صدور أي مذكرة اعتقال. وكان مجلس الامن الدولي طلب من المحكمة التحقيق بشأن وقوع جرائم في دارفور عام 2005. بحسب رويترز.

وامتنعت الصين عن التعليق على القضية التي قد تحرج أكبر مورد للسلاح للخرطوم والمستثمر الكبير في قطاع النفط السوداني.

وقال مورينو أوكامبو إنه بالاضافة الى الالاف الذين قتلتهم القوات المسلحة السودانية وميليشيا تدعمها الخرطوم تعرض 2.5 مليون آخرين لحملة: اغتصاب وتجويع وترهيب، في مخيمات اللاجئين التي استمرت فيها الابادة الجماعية: تحت اعيننا.

واضاف مورينو أوكامبو في مؤتمر صحفي: البشير شخصيا هو الذي اتخذ قرار ارتكاب أعمال الابادة الجماعية.. إن البشير ينفذ هذا الابادة من دون غرف للغاز ومن دون رصاص ومن دون مدى. إنها ابادة جماعية عن طريق الاستنزاف.

ويقول خبراء دوليون ان 200 الف شخص على الاقل لقوا حتفهم في دارفور وتشرد 2.5 مليون منذ اندلاع التمرد في عام 2003 . وتقول الخرطوم ان حوالي 10 آلاف فقط قتلوا.

وكان آلاف المتظاهرين قد اجتمعوا في الخرطوم للاحتجاج ضد المحكمة الجنائية الدولية بينما شددت منظمات الإغاثة والسفارة الامريكية الاجراءات الامنية خوفا من تصاعد أعمال العنف من جانب البشير الغاضب والمتمردين في دارفور.

وتظاهر بضع عشرات من الناس خارج السفارة البريطانية ومقر الأمم المتحدة في الخرطوم عقب الأنباء الواردة من المحكمة الجنائية الدولية.

وقبل صدور الاتهام تعهدت الخرطوم وهي ليست عضوا في المحكمة بمواصلة خطوات السلام في دارفور وقالت إنها ستوفر الحماية لموظفي الأمم المتحدة في دارفور التي يوجد بها اكبر عملية اغاثة في العالم.

وبينما تسعى حكومة البشير الى الحصول على دعم من الخارج قال شريك في الائتلاف الحاكم انه يفضل اجراء محادثات مع المحكمة الجنائية الدولية وهو الامر الذي رفضه حزب المؤتمر الوطني المهيمن بزعامة البشير.

وقال ياسر عرمان المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان لرويترز: يتعين علينا أن نفتح نافذة مشاورات وتبادل للاراء مع المحكمة الجنائية الدولية.

وقال وزراء خارجية عرب إنهم سيعقدون اجتماعا طارئا لمناقشة اتهامات الإبادة الجماعية الموجهة للرئيس السوداني من الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية.

وحث رئيس الاتحاد الافريقي المحكمة الجنائية الدولية على تعليق اي تحركات لالقاء القبض على البشير من اجل المساعدة في جهود انهاء الصراع الذي تجاوز حدود اقليم دارفور في غرب البلاد ليمتد إلى الشرق والجنوب وإلى الدول المجاورة.

وقال وزير الشؤون الخارجية التنزاني برنارد ميمبي متحدثا لرويترز نيابة عن رئيس الاتحاد الافريقي رئيس تنزانيا جاكايا كيكويت: اذا القيتم القبض على البشير فستخلقون فراغا في القيادة في السودان. وستكون النتيجة مساوية لما حدث في العراق. ستكون هناك زيادة في الفوضى.

وقال ريتشارد ديكر من جماعة هيومان رايتس ووتش (منظمة مراقبة حقوق الانسان) ومقرها نيويورك: إن اتهام الرئيس البشير في الجرائم المروعة في دارفور يظهر أنه لا أحد فوق القانون.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون انه يتوقع من السودان ضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة هناك برغم الاتهامات بشان دارفور مضيفا في بيان ان: الامم المتحدة ينبغي ان تحترم استقلال العملية القضائية.

وقال مورينو أوكامبو إن تطبيق أمر الاعتقال يستغرق عادة شهرين أو ثلاثة ولكن قد يستغرق أكثر من ذلك لأن القضية معقدة للغاية. وأضاف أنه سيطلب من المحكمة تجميد الأموال الخاصة بالبشير.

واضاف المدعي ان البشير دبر خطة لتدمير جماعات الفور والمساليت والزغاوة العرقية في اقليم دارفور الذين شنوا تمردا عام 2003 ضد حكومة الخرطوم متهمين أياها بتهميش الاقليم الغربي الشاسع.

وتضمنت مذكرة الاتهام ثلاث تهم بارتكاب أعمال قتل جماعية وخمس جرائم ضد الإنسانية منها القتل والإبادة والترحيل القسري والتعذيب والاغتصاب وجريمتي حرب.

وقال الادعاء إن البشير أصدر أوامر بترقية الذين نفذوا أوامره بالقتل الجماعي، مثل الوزير أحمد هارون الذي وجهت إليه المحكمة اتهامات بشأن دارفور العام الماضي.

وقال سليمان صندل من حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور: القرار في صحيفة الاتهام هذه يمثل انتصارا للانسانية. هذا القرار سيضع البشير في مأزق وسيساعدنا على تجاوز هذا النظام. لا ينبغي ان يكون رجل مجرم رئيسا لدولة عضو في الامم المتحدة.

حلفاء البشير يقفوق حائلا بينه وبين الإعتقال

يستعد ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية على ما يبدو للسعي لاعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير بزعم ارتكاب جرائم حرب في دارفور في خطوة يحذر السودان من انها قد تشعل النار في المنطقة كلها.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير ان ممثل الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية سيطلب على الارجح القبض على البشير ليصبح اول رئيس توجه له محكمة دولية اتهامات اثناء وجوده في السلطة منذ الرئيس الليبيري تشارلز تيلور في عام 2003.

وقال السودان ان اي خطوة من هذا القبيل قد تقوض عملية السلام في دارفور كما يخشى مسؤولو الاغاثة من احتمال حدوث رد فعل عنيف.

وشددت منظمات الإغاثة اجراءات الأمن في السودان تحسبا لاصدار لائحة اتهام مما قد يؤثر على نشر قوة سلام دولية في دارفور حيث تجري اكبر عملية انسانية في العالم.

وقال بيان لمكتب الادعاء ان ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو سيقدم للقضاة أدلة على جرائم ارتكبت في دارفور بأكملها على مدى الاعوام الخمسة الماضية وسيطلب توجيه الاتهام لفرد او أفراد. بحسب رويترز.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست نقلا عن مسؤولين ودبلوماسيين بالامم المتحدة أن ممثل الادعاء بالمحكمة سيتهم البشير بالابادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية. وتتهم واشنطن الحكومة السودانية بالابادة الجماعية في دارفور وهو اتهام تنفيه تماما.

وقال اندرو ناتسيوس المبعوث الخاص الامريكي السابق للسودان: هذا الاتهام قد يقضي على اخر أمل أمام التسوية السلمية في البلاد.

وقال مورينو اوكامبو في يونيو حزيران ان جهاز الدولة كله في السودان ضالع في حملة منظمة لمهاجمة المدنيين في دارفور وقال انه سيقدم للقضاة أدلة على تورط مسؤولين سودانيين كبار في يوليو تموز.

وانشئت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 كأول محكمة دائمة في العالم لجرائم الحرب. وبالاضافة الى دارفور تجري المحكمة تحقيقات بشأن اوغندا وجمهورية افريقيا الوسطى وجمهورية الكونجو الديمقراطية ولكنها لا تملك قوة شرطة وليس لديها سوى اربعة مشتبه بهم في الحجز.

وأصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أمري اعتقال بحق اثنين من السودانيين المشتبه بهما العام الماضي هما وزير الدولة أحمد هارون وقائد الميليشيا علي قشيب. ورفضت الخرطوم تسليمهما.

وقالت جماعات التمرد الرئيسية والتي تواجه ايضا اتهامات بانتهاك حقوق الانسان ان اصدار المحكمة الجنائية الدولية أمر اعتقال ضد البشير سيكون نصرا للعدالة وتعهدت بتسليم قادتها العسكريين اذا طلبت المحكمة ذلك.

وقد يضغط حلفاء السودان على مجلس الامن التابع للامم المتحدة الذي احال مسألة دارفور الى المحكمة الجنائية لتمرير قرار بتعليق أمر القاء القبض والتحقيق لمدة عام وان كان من غير المرجح ان تؤيد الدول الغربية ذلك.

تطبيق العدالة يصطدم بسلامة الشعب السوداني

يقول محللون ان طلب ادعاء المحكمة الجنائية الدولية بالقاء القبض على الرئيس السوداني بشأن جرائم حرب مزعومة في دارفور يحمل مخاطر تقويض أي احتمالات لتحقيق السلام.

وسعى لويس مورينو اوكامبو كبير ممثلي الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية الى استصدار أمر اعتقال لعمر حسن البشير ولكن حتى أنصارا للمحكمة يقولون ان الخطوة ستضع مباديء السلام والعدالة في صراع في اكبر دولة في افريقيا.

وقالت مريم المهدي السياسية المعارضة وابنه اخر زعيم سوداني منتخب ديمقراطيا: هذه حالة كلاسيكية للمواجهة بين العدالة والاستقرار... كلاهما حق.

وأضافت قائلة: نحاول الى حد كبير التوصل الى طريقة للمصالحة لتجنب هذا الاشتباك المباشر بين حقين.. العدل والسلام. بحسب رويترز.

ورفض مؤيدون للتحركات من أجل اعتقال البشير الجدل بأن هذا سيخرج عملية السلام في دارفور عن مسارها قائلين ان السلام لا يتمتع بزخم يذكر كي يتم تقويضه. كما أشاروا الى أن اتهام رئيس ليبيريا تشارلز تيلور لم يعترض سبيل التوصل الى تسوية هناك.

لكن الصراع الداخلي في السودان يتجاوز دارفور الواقعة في غرب السودان الى شرق البلاد وجنوبها وعبر الحدود الى دول افريقية مجاورة. ومن الامور الاساسية لتطبيق أي اتفاق للسلام من النوايا الطيبة التي يقول منتقدون ان قيام المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه اتهامات سيدمرها.

وقال اندرو ناتسيوس مبعوث الولايات المتحدة السابق للسودان: النظام سيتجنب الان أي حل وسط او أي شيء من شأنه اضعاف موقفهم الضعيف بالفعل لانهم اذا أطيح بهم من مناصبهم سيواجهون محاكمات امام المحكمة الجنائية الدولية.

واستعر الصراع بين شمال السودان وجنوبه بشكل متقطع منذ عام 1955 وانتهى باتفاق للسلام عام 2005 نص على انتقال ديمقراطي واجراء أول انتخابات حرة خلال 23 عاما بحلول عام 2009.

وعلى صعيد منفصل عن الصراع في دارفور المستمر منذ خمسة أعوام ونصف العام والذي يقدر خبراء أنه أودى بحياة 200 الف شخص أسفرت مشكلة الشمال والجنوب عن مقتل مليونين وتكلفت مليارات الدولارات من المساعدات الانسانية. وسبق اتفاق السلام عام 2005 عقد من محادثات السلام والمشاركة الدولية.

كما يساور القلق الحركة الشعبية لتحرير السودان وهم خصوم البشير الجنوبيين السابقين والذين هم شركاء الان في الحكومة.

وقال ريك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان: من المؤكد أن هذا سيكون له أثر على تطبيق الاتفاق لان البشير زعيم الحزب الذي وقع الاتفاق مع الحركة الشعبية.

ومضى يقول: الاتهام سيحد من بعض أنشطتهم خاصة السفر للخارج وهو الامر الذي نريد رؤيته تعزيزا (للاتفاقية).

وأيدت الحركة الشعبية المحكمة الجنائية الدولية حين أصدرت أوامر اعتقال العام الماضي للوزير احمد هارون وزعيم ميليشيا في دارفور.

وطلب برلمان المنطقة التي تتمتع بشبه حكم ذاتي من مجلس الامن الدولي تعليق أوامر الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية لصالح السلام في كلتا الدولتين.

ويجادل المنتقدون لاي تحرك من جانب المحكمة ضد البشير بأنه في الوقت الذي يظل فيه رئيسا فانه لا المحكمة الجنائية ولا الامم المتحدة تستطيع حماية المدنيين من رد فعل عكسي عنيف.

وقالت جولي فينت مؤلفة كتاب عن دارفور: رأينا كيف كان رد فعل الحكومة على التمرد في (دارفور) من خلال انتهاكات صارخة ومنظمة لحقوق الانسان.

وأضافت، ليس هناك سبب للاعتقاد بأن رد فعلها لن يكون بقدر مساو من الشر على هذا التحدي الجديد لاستمراريتها.

ورفعت الامم المتحدة من درجة اجراءاتها الامنية حيث سحبت الموظفين غير الاساسيين من دارفور وقامت بتدريبات على الاجلاء مما أثار قلق السودانيين الذين يأملون في حماية الامم المتحدة من خلال بعثات حفظ السلام في البلاد.

وقال عبد الباسط سعيد وهو أكاديمي: الشعب السوداني واوكامبو ليسوا على نفس الخط... الى اي مدى سيحترمه الشعب السوداني بسبب اتهام لن ينهي الحرب في دارفور او يضمن وحدة السودان بشكل مباشر.

مصير الزعماء المعتقلين المشابه لمصير البشير

ربما لن يتم تسليم الرئيس السوداني بسرعة لأيدي العدالة الدولية لكن مصير القادة السابقين لليبيريا ويوغوسلافيا السابقة يشير إلى أنه ربما لن يفلت من قبضة القانون إلى ما لا نهاية.

ويقول نيك جرونو من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات: من المستبعد بشدة أن ينتهي الامر بالبشير في قاعة محكمة في أي وقت عما قريب.

ولهذا الاتهام الذي صدر الان دلالة رمزية للغاية على الاقل في السودان ان خيرا وان شرا. فالبشير يحكم قبضته على السلطة وربما يسعى الى استخدام تدخل المحكمة الجنائية الدولية لتعزيز الدعم. والمعارضون من المتمردين من جانبهم يقولون ان الاتهام سيعضد المقاومة.

والبشير هو أول رئيس دولة توجه له المحكمة الجنائية الدولية اتهاما وهو في منصبه منذ رئيس ليبيريا تشارلز تيلور والرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش وكلاهما نقل الى لاهاي في نهاية المطاف. وتوفي ميلوسيفيتش قبل اصدار حكم في محاكمته التي استمرت أربعة أعوام. بحسب رويترز.

وأرسى مصير الزعيمين اللذين وجهت لهما محكمتان خاصتان لجرائم الحرب أنشئتا للتحقيق في تفكيك يوغوسلافيا والحرب الاهلية في سيراليون وضع المحاكم الدولية كقوة يعتد بها في التعامل مع جرائم الحرب.

وقال ريتشارد ديكر من منظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش): العدالة الدولية اتجاه حديث نسبيا يرجع الى انشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة عام 1993.

ومضى يقول: خلال فترة قصيرة نسبيا من الزمن حقق هذا الاتجاه نجاحا أذهل المنتقدين والمؤيدين على حد سواء بالطريقة التي قام فيها بمساءلة رؤساء دول وهم في مناصبهم.

وتمت الاطاحة بميلوسيفيتش من رئاسة يوغوسلافيا في اكتوبر تشرين الاول عام 2000 عقب ثورة شعبية كانت الاتهامات بجرائم الحرب التي وجهت ضده قبل عام أحد عوامل قيامها.

وبعد ذلك بستة اشهر اثر حصار دام 36 ساعة للفيلا الخاصة به في بلجراد اعتقلته السلطات الصربية وكان هذا في البداية بتهم تتصل بالفساد. وسلمه رئيس الوزراء الصربي الاصلاحي فيما بعد زوران جينجيتش للاهاي. ولعب نظام سياسي جديد دورا رئيسيا في تسليم تشارلز تيلور للعدالة الدولية.

وفر تيلور من ليبيريا الى نيجيريا عام 2003 بعد أن تولى خصومه السياسيون السلطة. وطلبت الرئيسة الليبيرية الجديدة ايلين جونسون سيرليف من نيجيريا في وقت لاحق اعتقاله ونقله الى المحكمة الخاصة لسيراليون حيث واجه اتهامات بالتخطيط لاعمال عنف وانتهاكات.

وبدأت محاكمته في لاهاي عام 2007 بعد مخاوف من أنه اذا احتجز في غرب افريقيا فقد يذكي هذا الاضطرابات. ويجد تيلور نفسه الان في السجن الذي كان ميلوسيفيتش نزيلا به.

لكن موقف البشير يختلف اختلافا كبيرا عن ميلوسيفيتش وتيلور. فهو يحكم قبضته بقوة اكبر على مقاليد السلطة كما أن هؤلاء الذين يمكن أن يسلموه للاهاي تفصلهم عنه مسافة كبيرة.

وقال جرونو من المجموعة الدولية لمعالجة الازمات: ليس هناك احتمال حقيقي بأن تتم الاطاحة بالبشير عما قريب.

غير أن سليمان صندل نائب رئيس أركان حركة العدل والمساواة المتمردة وهي أقوى حركة عسكريا في اقليم دارفور قال ان الخطوة التي اتخذها ممثل الادعاء ستساعد في تشجيع التغيير.

ومضى يقول: نحن في حركة العدل والمساواة نضع كل قوانا في خدمة المحكمة الجنائية الدولية للمساعدة في تقديمه للعدالة... هذا القرار سيضع البشير في مأزق وسيساعدنا الان في التغلب على هذا النظام.

وحذر ديكر من هيومان رايتس ووتش بأنه على الرغم من أن جميع الفصائل في السودان ستسعى الى استغلال أي أمر اعتقال لمصلحتها فان البشير يستطيع أن يستغله ايضا لتعزيز الدعم له بتصوير تصرف المحكمة الجنائية الدولية على أنه تدخل أجنبي.

واذا أصدر القضاة أمر اعتقال فمن المؤكد أنه سيقيد البشير مما يجعل السفر الى الخارج بالنسبة للرئيس مستحيلا بشكل خاص ويجعل من الصعوبة بمكان اجراء اتصالات دبلوماسية رفيعة المستوى.

وقالت المحكمة انها كانت تعتزم اعتقال احمد هارون وزير الشؤون الانسانية السوداني المطلوب من قبلها ايضا خلال توجهه لاداء فريضة الحج العام الماضي عن طريق تحويل مسار طائرته لكنه سمع بأمر الخطة وتخلى عن الرحلة.

وحقق ممثلو الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية نجاحا في مايو ايار حين القت السلطات البلجيكية القبض على امير الحرب ونائب الرئيس في الكونجو جان بيير بيمبا بناء على أمر اعتقال أصدرته المحكمة.

شرعية المحكمة الدولية وقصور سلطتها القضائية

وقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير إن المحكمة الجنائية الدولية ليست لها ولاية قضائية في السودان وإن اتهاماتها اكاذيب.

جاء ذلك في اول تعليقات البشير على اتهام الادعاء في المحكمة له بارتكاب اعمال قتل جماعي وجرائم حرب.

واضاف البشير في تعليقات نقلها التلفزيون الحكومي على الهواء ان السودان قال منذ البداية إنه ليس عضوا في المحكمة. وتابع ان المحكمة ليست لها ولاية قضائية على السودان.

وقال إن كل من زار دارفور والتقى بالمسؤولين وتعرف على عرقياتها وقبائلها سيعرف ان كل تلك الامور ومنها التطهير العرقي اكاذيب. بحسب رويترز.

وكان البشير يتحدث قبيل التوقيع على قانون الانتخابات السوداني الجديد. وفي حفل التوقيع كان البشير يرتدي الزي الشعبي وكان يرقص مع وزراء اخرين فيما كانت فرقة سودانية تعزف الموسيقى.

ومن المتوقع أن يمهد قانون الانتخابات الطريق لاول انتخابات حرة في السودان منذ 23 عاما. ومن المقرر اجراؤها في عام 2009. ولكن محللين حذروا من أن مذكرة الاعتقال التي قد تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية من شأنها أن تزيل الحافز الذي يدفع البشير لاجراء انتخابات ديمقراطية.

عواقب ومخاطر اعتقال البشير

وحذرت احزاب المعارضة السودانية من ان صدور امر دولي بالقاء القبض على الرئيس عمر حسن البشير سيزعزع استقرار اكبر دولة في افريقيا من حيث المساحة وسيتسبب في انهيار دستوري.

وايد كثير من رموز المعارضة السياسية في السودان المحكمة الجنائية الدولية حين اصدرت امرا بالقاء القبض على الوزير السوداني احمد هارون وقائد ميلشيا متحالف مع الحكومة العام الماضي بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور.

لكنهم يشعرون بأن صدور امر بالقاء القبض على البشير قبل اول انتخابات حرة في 23 عاما في السودان والمقرر اجراؤها في 2009 سيضر بفرص السلام.

وقال حزب الامة المعارض الذي فاز في اخر انتخابات حرة في السودان ان صدور اي لائحة اتهام بحق رئيس الدولة سيؤدي الى انهيار دستوري في السودان. بحسب رويترز.

وتتواجد قاعدة الدعم التقليدية لحزب الامة في دارفور حيث يندلع تمرد منذ خمسة اعوام ونصف العام لجماعات غير عربية في الاغلب وادى الى مقتل 200 الف شخص وتشريد 2.5 مليون شخص اخرين من منازلهم مما استدعى تنفيذ اكبر عملية للمساعدة الانسانية في العالم.

وسجن البشير مسؤولي حزب الامة وبينهم نجل زعيم الحزب وابنته عقب مظاهرات بشأن ارتفاع الاسعار في 2006 .

وقال الحزب في بيان ان الجميع يتفقون على ان صدور امر بالقبض على البشير ستكون له عواقب خطيرة على الامن والنظام العام وسيهدد ارواح المواطنين بطريقة خطيرة.

وقال الحزب الاتحادي الديمقراطي المعارض انه يرفض تسليم البشير الى المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي.

وقال المتحدث باسم الحزب تاج السر محمد صالح ان الامر سينعكس بصورة سيئة جدا على عملية السلام في دارفور وفي الجنوب. واضاف انه لابد من وقف ذلك والبحث عن تسوية اخرى.

وكان علي محمود حسنين وهو من كبار شخصيات الحزب الاتحادي الديمقراطي سجن لعدة شهور بسبب محاولة انقلاب العام الماضي لكن افرج عنه في وقت لاحق.

وحتى حزب المؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي الخصم اللدود للبشير قال ان نموذج جنوب افريقيا للجنة الحقيقة والمصالحة هو السبيل للمضي قدما.

واعرب بشير ادم رحمة امين الامانة السياسية للحزب عن اعتقاده بأنه اذا تم حل مشاكل دارفور فسيمكن حل كل الامور ذات الصلة. وقال ان من الممكن اتباع نموذج جنوب افريقيا للتوصل للحقيقة والمصالحة والعدالة.

وتعرض كثير من هذه الاحزاب للاستهداف من حزب المؤتمر الوطني المسيطر بزعامة البشير لكنهم لا يعتبرون أن تصرف المحكمة الجنائية الدولية سيفيد السودان على المدى الطويل.

ودعا حزب الامة الحزب الحاكم الى التحلي بضبط النفس واشار الى ان امر الاعتقال النهائي قد لا يصدر قبل بعض الوقت بعد ان يوافق عليه قضاة المحكمة الجنائية الدولية.

وقالت الحكومة السودانية انها تجري محادثات غير رسمية مع الصين وروسيا بشأن تقديم قرار لمجلس الامن الدولي لتعليق امر الاعتقال لمدة 12 شهرا قابلة للتجديد.

لكن حتى اذا وجد القرار دعما فان كثيرين في السودان يعتقدون ان الضرر حدث بالفعل.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاربعاء  16/تموز/2008 - 12/رجب/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م