المخطوطات القرآنية.. الفن والريادة

تعتبر الدراسة التي أعدها الباحث ديفيد جيمس بالإنكليزية أشمل وأوسع بحث عن المخطوطات القرآنية منذ البداية وحتى سقوط بغداد عام 656هـ - 1258م

يتضمن المجلد الذي يحوي النص على الدراسة بالإنكليزية والعربية، مع الهوامش وشرح الصور، ثم مصغر للصور بالأبيض والأسود تقدم معلومات عن 105 لوحات تغطي نماذج الخطوط القرآنية المستخدمة في كتابة المصحف الكريم في الفترة موضع البحث. أما اللوحات ذاتها فقد احتواها المجلد الثاني بالألوان الطبيعية على الورق المصقول حيث ظهرت وكأنها تحف مؤطرة داخل مجلد فاخر.

تشير الدراسة إلى أن هذا هو الجزء الأول من البحث الشامل، وتقف عند سقوط بغداد، على أمل أن تصدر أجزاء لاحقة تغطي الفترات الزمنية التالية والتي شهدت تطويرات مهمة في فنون الخط القرآني المستخدم في نسخ المصاحف الكريمة (أو في طبعها آلياً في القرنين الأخيرين).

ينطلق الباحث من عبارة أوردها في مقدمة دراسته تقول (أصبحت كتابة هذه النصوص باللغة العربية (ويقصد النصوص غير الدينية) ممكنة نتيجة تطور تقليد لصناعة الكتاب في أعقاب ظهور الدين الإسلامي والأهتمام الأساس لذلك التقليد لم يكن نقل علوم ما قبل الأسلام، وإنما السعي إلى الحفاظ على القرآن الكريم الذي هو الوحي الإلهي المنزل على نبي الإسلام (ص).

ولذلك، فإن فصول الكتاب السبعة تعمل على توثيق عملية النص القرآني بالتفصيل، اعتماداً على الكثير من المواد الموجودة في المتاحف العالمية الكبرى، إضافة إلى نماذج لم يسبق نشرها من قبل تقع في المجموعات الخاصة غير المتاح الإطلاع عليها إلا للباحثين، وهناك أيضاً مجموعات جديدة من المخطوطات القرآنية التي عثر عليها في السنوات الأخيرة، خصوصاً في اليمن، ولم ينشر عنها سوى معلومات قليلة ومتفرقة حتى اليوم، وقد استطاع الباحث دراسة جوانب عدة فيها.

ومن الملفت للنظر أن الباحث يشير إلى أن دراسة الزخارف الإسلامية هي ظاهرة حديثة اهتم بها في الأساس مؤرخون الفن الأوربيون (أما الخط القرآني فقد كان موضع اهتمام العلماء المسلمين ابتداء من العصور الوسطى، مع أن إدراكهم للجوانب التفصيلية من تطوره كان في بعض الأحيان ناقصاً نتيجة اختفاء القسم الأكبر من المخطوطات الأولى، القرن الأول الهجري، كذلك غياب الخاتمة في المخطوطات القرآنية قبل القرن الثالث الهجري.

يخصص جميس الفصل الأول للحديث عن دراسة الخط القرآني والزخارف المصحفية شرقاً وغرباً في سياقها التاريخي، في حين يغطي الفصل الثاني الخلفية التاريخية لتطور الخط القرآني في إطاره السياسي والاجتماعي والفكري. ويصل الفصل الثالث إلى المخطوطات الأولى وحتى نهاية العصر الأموي والتي لم يبق منها سوى نماذج معدودة. أما الفصل الرابع فيتناول (الفترة الكلاسيكية للخط الكوفي من العباسي الأول إلى الأسلوب الجديد). وفي الفصل الخامس يدرس الباحث (المصاحف بالخط الموصول من 1000 إلى 1300م) بينما يغطي الفصل السادس (مصاحف المغرب) على اعتبار أن تطور الخط القرآني فيها أتخذ منحى متبايناً عن تطوره في المشرق الإسلامي.

وأخيراً تأتي خاتمة الكتاب عن (تطور تقنية صناعة المخطوطات) ومن خلال الدراسة المتأنية المعتمدة على آخر المكتشفات، ليقدم لنا الباحث صورة حية لتطور أنواع الخط القرآني من الحجازي إلى الكوفي إلى الريحاني والثلث والمحقق والرقعي والاندلسي والمغربي، وكل ذلك مدعم بالنماذج النادرة. وهو يناقش في الوقت نفسه التعديلات التي أدخلت على تلك الخطوط وعلاقتها بالزخارف القرآنية سواء في فاتحة المصحف أو خاتمته، وكذلك في بدايات السور والآيات والوقفات وما إلى ذلك. وبقدر ما جاءت الدراسة معمقة وشاملة وغنية بالمعلومات الجديدة، فإن التمتع بهذا العمل الفني الراقي لا يكتمل إلا بالتأمل مطولاً في اللوحات المطبوعة، وقد أظهرت الطباعة الحديثة كل ما وضع فيه الفنان المسلم من خبرات ومعارف تراكمت على مر العقود وتوجت بمخطوطات لا تزال حتى اليوم آيات في الفنون البصرية.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا