الكاشي الكربلائي.. الفن الذي عانق السماء

عدسة وتحقيق:عبد الأمير رويح 

شبكة النبأ: كل أنواع الفنون جميلة ورائعة. ولكن لهذا الفن لمسة مميزة وسحر خاص فألوانه أبهرت الناضرين وخطوطه المتداخلة بأشكالها الهندسية حيرت العقول والألباب وأثارت في نفس المتلقي والمشاهد الكثير من الأسئلة والاستفسارات على مر الزمن. فما أروع تلك الأنامل التي أبدعت وصممت النقوش والزخارف والآيات التي زينت هذه الجدران العالية وتلك المنارات والقباب الشاهقة التي عانقت السماء منذ مئات السنين.

أن كل هذه السمات والميزات الرائعة والجميلة اجتمعت في قطع مترابطة تعرف بـ(الكاشي  الكربلائي). هذا التراث والفن الخالد الذي تميزت به مدينة كربلاء منذ أكثر من ثلاثة قرون من الزمن حتى أصبح من سمات وفنون هذه المدينة المقدسة فمن عِظَم كربلاء أتت شهرة الكاشي  الكربلائي، الذي أصبح مضرب الأمثال في مختلف بقاع الأرض.

ومن ميزات الكاشي  الكربلائي تحمله ومقاومته العالية لأصعب الظروف المناخية وهذه الميزة أفردته وأعطته صفة الاستمرارية والدوام لفترات طويلة استمرت  لمئات السنين..

عن الكاشي  الكربلائي وميزاته وبعض أسراره كان لـ شبكة النبأ المعلوماتية هذه الوقفة القصيرة مع رائد من رواد هذه الحرفة، وهو الفنان التشكيلي المتمرس والمتخصص برسم أللوحات والجداريات على الكاشي الكربلائي والسيراميك  الفنان (صباح الزيادي)، الذي أطلعنا على بعض خصائصه وميزاته وطرق عمله حيث قال: هناك مرحلتين مهمتين في تاريخ صناعة الكاشي  الكربلائي. الأولى مرحلة الصناعة اليدوية البدائية القديمة والأخرى هي مرحلة الصناعة الحديثة، والمرحلة الأولى أي المرحلة القديمة تتلخص بعدة أمور تبدأ من استخدام المواد الأولية الأساسية حيث يخلط (التراب والرمل ) بنسب معينة ويوضع بعد ذلك في أحواض خاصة ويضاف إليه الماء لغرض التنظيف والتخمير. وتستمر عملية التخمير لهذه المواد مدة تقارب الثلاثة أيام. وتبدأ بعد ذلك عملية إعداد القوالب الخاصة وهي عدة أنواع منها:

1. القالب( المربع): ويستخدم هذا النوع من القوالب في عمليات إعداد الزخارف والكتابة.

2. قالب(النر): وهو بأطوال مختلفة ويقسم إلى (النر) الطويل الذي يتراوح طوله مابين(7-21سم) و(النر) العادي الذي يكون طوله مابين (10-15سم) وهذا النوع من القوالب يستخدم لتغليف القباب.

3. قالب(ألجوك): وهي قولب خاصة تستخدم للإطارات الخارجية وهي غالبا ماتكون بلونين هما(الأخضر والأسود).

4. قالب (الانكلي): وهو قالب خاص يستخدم لفتحات الشبابيك ويكون بأشكال معينية.

5. المقرنصات: ويستخدم هذا النوع من القوالب لأحواض المنائر.

6. قالب(الشيف): ويستخدم هذا النوع من القوالب لقباب المنائر. والنوعين الأخيرين يعملان يدويا ويحتاجان إلى مهارات ودقة عالية في العمل.

واضاف الفنان الزيادي لـ شبكة النبأ، بعد إتمام هذه العملية تنقل القوالب المعدة إلى أماكن خاصة معتدلة الحرارة لغرض تجفيفها مع ملاحظة ضرورة أن تجف(100%) كي تكون جاهزة لعملية (الفخر).

وبعد التأكد من جفافها نهائيا يتم إدخالها إلى أفران خاصة تعرف باسم (الكورة) وهي عبارة عن بناء أسطواني الشكل يرتفع عن الأرض قرابة الثلاث أمتار مبنية من طابوق خاص يسمى(الصميجلي) وهو طابوق يتحمل درجات حرارة عالية.

 كما وتحتوي الكورة على أربعة فتحات إضافة إلى الفتحة الرئيسية التي يدخل ويخرج منها الكاشي. ويستخدم في عملية الفخر مشاعل نفطية قديمة. حيث يوضع النفط  داخل براميل ترتفع عن مستوى بناء الكورة وتنزل من هذه البراميل أنابيب تدخل في فتحة تعرف باسم(بيت النار). ويفخر الكاشي  الكربلائي بدرجة حرارة تتراوح مابين(1000-1100 درجة مؤوية). ويجب ملاحظة ضرورة ترتيب الكاشي داخل الكورة فلكل قالب وضعية خاصة وطريقة في الترتيب وهذه الملاحظة تجنبنا الوقوع في أخطأ قد تتسبب في تلف الكاشي.

وأضاف الزيادي قائلا لـ شبكة النبأ، بعد أتمام عملية الفخر وإخراج الكاشي من الكورة تأتي عملية أو مرحلة أخرى مهمة تعرف بمرحلة (التزجيج). ويختلف التزجيج مع اختلاف القالب المصنع. ويستخدم في هذه العملية (الزجاج المطحون) والممزوج مع بعض الاكاسيد وحسب الألوان حيث يخلط بالماء ويطلى به الكاشي المراد تزجيجه، وغالبا مايكون باللون الأبيض، ويستخدم بكثرة في الكاشي الربع.

وتأتي بعد هذه العملية مرحلة الطبع واختيار النقوش. حيث ترسم هذه النقوش والزخارف والآيات على أوراق وبأيدي أساتذة مهرة ومتخصصين. وبعد ذلك تخرم وحسب ما مثبت بها من رسومات ونقوش وآيات لتثبت بعد ذلك على الكاشي المزجج المطلي بللون الأبيض لغرض طبعها، ويستخدم في عملية الطبع  (الفحم) المطحون.

وبعد أكمال عملية الطبع ولصق النقوش تأتي عملية التحديد بللون الأسود والمسمى بـ(ألمغن) وهو أكسيد الغنيسيوم المطحون والمخلوط بالماء وتتم عملية التحديد بواسطة أقلام مدببة خاصة لهذا الغرض.

وعن بعض التسميات الخاصة بالنقوش قال الزيادي لـ شبكة النبأ: هناك عدة تسميات منها(النقش النباتي والنقش السلمي والنقش الهندسي). وبعد أتمام التحديد تأتي مرحلة استخدام الألوان الخاصة بهذه النقوش والزخارف والآيات.

وعن كيفية تحضير الألوان في السابق قال:كانت عمليه تحضير الألوان في السابق عملية صعبة ومعقدة تحتاج إلى جهد ومهارة ودقة في العمل حيث كان يطحن (الزجاج والرمل والحصى) وتخلط بمواد خاصة وبنسب معينة ثم تحرق هذه المواد مجتمعة في كُوَر خاصة تعرف بكور(السبج) ومن ثم تستخرج ليتم طحنها مرة أخرى بمطاحن قديمة تسمى(الرحى) لتخلط بعد ذلك بالاكاسيد الملونة (كالنيلي والأزرق والأسود).

والألوان المستخدمة في عمل الكاشي متعددة ومختلفة فهنالك اللون(الأزرق)الذي يستخدم في كاشي (النر) العادي الخاص بتغليف القباب. كما توجد ألوان أخرى خاصة بالنقوش والزخارف والآيات القرآنية وهي متعددة من أهمها (أللون النيلي وأللون ألشذري وأللون الأخضر والأصفر والأسود). وبعد الطلاء باللون المخصص يدخل الكاشي  الكربلائي مرة أخرى إلى (الكوره) وبدرجة حرارة تتراوح مابين (850-950 درجه مئوية) وذلك لتثبيت الألوان وإظهارها بمظهرها النهائي وتعتبر هذه المرحلة آخر مراحل تصنيع الكاشي  الكربلائي يدويا.

أما أسعار العمل فتحسب على أساس المتر المربع مع الأخذ بنظر الاعتبار نوع القالب المستخدم. فمثلا الكاشي  المنقوش يتراوح سعر العمل للمتر الواحد مابين (120-150 ألف دينار) أما الكاشي العادي أو المعروف بالسادة فيتراوح سعر عمل المتر منه مابين (85-95 ألف دينار).

أما الطريقة الأخرى والتي تعرف بالطريقة الحديثة فهي طريقة سهلة وبسيطة حيث تستخدم فيها المعدات والمكائن والآلات الحديثة والأفران الإلية الكهربائية المستوردة. وهذه المكائن تقوم بأكثر من عمل في وقت واحد.فمثلا الكابسة الهيدروليكية تقوم بعملية العجن والقص والكبس، وهنالك أيضا مكائن لطحن وغسل وإعداد الطين. كل هذه الآلات والمعدات وفرت الجهد والوقت.

ويضيف الزيادي لـ شبكة النبأ، لقد تميز عملنا وذاعت شهرته عالميا فقد وصلت أعمالنا إلى مختلف دول الخليج كالإمارات العربية والبحرين ودولة الكويت بالإضافة إلى الأردن كما أرسلنا لوحات فنية عملت من الكاشي الكربلائي والسيراميك إلى لندن ومدن أخرى في معارض عديدة.

أما عن معوقات العمل فقد تحدث الزيادي بألم قائلا اكبر المعوقات والتي أثرت على عملنا بصورة مباشرة  هي ارتفاع أسعار الوقود  وهو الشريان الرئيس في عملنا بالإضافة إلى الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي والذي يعتبر الأساس بتشغيل الأفران الكهربائية، لذا نطلب من الحكومة الالتفات لهذه الصناعة الوطنية التراثية المهمة ورفدها بكل احتياجاتها لأجل دوامها واستمرارها.

إلى هنا انتهينا من حديثنا المشوق عن الكاشي  الكربلائي ذلك الإرث العظيم الذي تشرف بتزيين أضرحة الائمة الطاهرين والأولياء والصالحين وأحتضن بكل فخر جدران ومآذن وقباب بيوت الله معلنا عن وحدانية الخالق، أبداع أيدي المخلوق الذي تفنن في إخراجه.

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  19/حزيران/2008 - 15/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م