زوال الإرهاب المدني

نهج الإسلام في نشر السلم والسلام

الباحث الاجتماعي: عبد الكريم العامري

  

شبكة النبأ: استمرارا لسلسلة "نهج الاسلام في نشر السلم والسلام" والذي يركز على نبذ الارهاب المدني وكيفية العمل على استئصاله من الواقع الاسلامي والعالمي بحسب رؤية الامام الشيرازي (قدس سره)

 اذ ان من مقومات الإسلام الرئيسة عنصر السلم الذي ما فارق منظومة القوانين الإسلامية التي جاء بها خير البشر الرسول الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله. كما أمره بذلك العلي الأعلى سبحانه وتعالى، حتى يتم التعايش العالمي بين مختلف طبقات وألوان أبناء آدم، وليتحقق إذ ذاك الرخاء والأمن والأمان.

ويعد الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) من اهم منظري مشروع السلم الانساني والعالمي حتى ان كتابه الفقه السلام يعتبر من اهم الكتب المعاصرة في هذا الباب، ذلك ان مشروعه يمثل تاصيلا حقيقيا لمنهج الاسلام القائم على الرحمة والمحبة والتعايش البشري والحكمة والموعظة الحسنة.

وفي ما يلي (الجزء الثاني) من سلسلة نهج الاسلام في نشر السلم والسلام:

تعريف الإرهاب المدني

الارهاب المدني هو الذي يهدد الناس في مختلف مجالات حياتهم المدنية، كالظلم والقتل والسرقة والانتقام والفساد والتخريب وغيرها من هذه الجرائم، وقد نهى الاسلام عن كل ذلك، يقول تعالى في الانتقام والعدوان: (( ولا يجر منكم شنان قوم ان صدوركم عن المسجد الحرام ان تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب )).

وكذلك منع الافساد والتخريب، فقال: (( ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها )).

ومن حكم الاسلام تشريعاته المختلفة وفق طبيعة الجريمة فتراه حرم الامور التي تؤدي الى القيام بالاعمال الارهابية ومنها على سبيل المثال شرب الخمر والزنا.

ومن حكمه انه شرع الوعيد لمن يسرق، وأقل منه لمن يغصب لأن السارق يهدد أمن الناس وحياتهم.

وكذلك موقفه من العصابات الاجرامية الذين صورتهم الآية الكريمة: (( أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً).

فجاء لهم الاسلام بأشد العقوبات لأنه حرص على الامن والاسلام المدني والاجتماعي.

وكل جريمة من هذه الجرائم وضع لها الاسلام عقاباً أو أرشاداً لردعها، كإدانته لجريمة الخطف مثلاً: تقول الاية: (( كل نفس بما كسبت رهينة )).

وأيضاً الاية: (( ولا تزروا وازرة وزر اخرى )).

والايات التي تحدثت عن مقاومة الاسلام للأرهاب المدني والاجتماعي كثيرة جداً، وكذلك التي أشارت الى اهمية الامن والسلام، ومنها الاية: (( الذي أطعمتهم من جوع وأمنهم من خوف )).

ومنها الآية: (( أدخلوا مصر ان شاء الله امنين )).

والأية: (( انا جعلنا حرماً أمناً )).

ومن هذه الايات يستدل على ان من جملة السنن الاجتماعية المدنية هي ان المجتمع اذا انعم الله عليه يعم الامن والسلام، وأذا عذبه يعمه الخوف والعذاب.

كيفية زوال الارهاب المدني

هناك جملة من الامور يجب الالتزام بها لزوال الارهاب المدني المتمثل في الظلم والقتل والسرقة وما اشبه من سائر مصاديق العنف.. منها:

1- تقوية الورع والتقوى والخير والفضيلة والواقعية وأمثال هذه المفاهيم وتطهير النفوس والقلوب واصلاحها وترقيها وتقويمها.

2- الايمان بالله واليوم الاخر، وتقوية الروح في مقابل شهوات الجسد لأن الانسان مركب من الروح والجسد ولا يمكن الانتفاع الصحيح بأحدهما الا في عرض الانتفاع الصحيح بالاخر، ولهذا نشاهد كثرة الجرائم في عالم اليوم حتى في العالم المتحضر، لا لنقص في المال ولا لنقص في المعرفة أو في الشهوات... بل لأن الانسان لا يقف عند حد أذا لم يكن خائفاً من الله راجياً لثوابه وهارباً من عقابه ومترقباً ل (( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من اتى الله بقلب سليم )).

إن الايمان بالله واليوم الاخر وتوقع الثواب العظيم والعقاب الصارم هو الشيء الوحيد الناجح لكبح جماح الشخص المنفلت الشاذ.

3- بيان ونشر الايات والروايات التي ورد فيها وعيد الظالمين كي يرتدعوا عن ظلمهم وإرهابهم.

ثم ان التشريع لم يقم حداً من الحدود الا بعد الوعيد والانذار الشديد كي يكون فيه قوة رادعة عن الظلم والاقدام على الفعل المحرم الذي يسبب أقامة الحد هذا... ومن الواضح ان ظلم الحاكم وأنما يكون بمعونة ظلم اعوانه من الائمة فأن الحاكم لا يتمكن بقوة غيبية قهرية من السيطرة وانما تكون السيطرة والجبروت والغشم بالتخاذل والتواكل والاستئثار والوهم وعدم الدعوة الى الخير وترك الامور بالمعروف والنهي عن المنكر ولذا ورد في الحديث (( كيفما تكونوا يول عليكم )) ومثل هذه الامة المتواكلة تكون من اشد امثلة الظالمين، فقد قال الله تعالى: (( وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون )).

4- إقامة القصاص والحدود من اجل احلال السلام... الحدود والقصاص والديات والحقوق كلها ناشئة من الامر الوجداني لترسيخ السلم والسلام في المجتمع، فأن جعل العقوبات ونحوها وبالكيفية المقررة شرعاً، مرتبطة أوثق ارتباط بسياسة الاسلام في التربية والتنظيم والتعليم والمال نحو ذلك، من الناحية الفقهية ان العقوبة في الاسلام ليست على ما يذكره بعض الكتاب من التضخيم، وانما هي شيء قليل جداً ولها شرائط كثيرة جداً قلما تجتمع هذه الشرائط، كما هو المشاهد في زمان الرسول (ص) وأمير المؤمنين علي (ع).

أما في الحال الحاضر وحيث اخذ المسلمون بقوانين الشرق فقد زاد الكبت والعنف والارهاب، فجعلوا الجو موبوء والمكان وخيماً والزمان وبيلاً، لذا كثرت الجرائم،بينما الاسلام يهيء المكان المعافى والزمان الرخى الوديع والجو السليم جداًَ والذي يلبي جميع حاجات البشر من مال أو زوجة أو صحة أو نحوها فأذا كانت بعد ذلك جريمة فقد برهن هذا الفرد الذي افترض تلك الجريمة بالبرهان الساطع والبينة الجلية على انه في حاجة الى العلاج والعلاج قد لا يكون بالعقوبة فقط، بل قد يكون بغير العقوبة كمنع بعض الحقوق أو غير ذلك.

5- وقد ذكر القرأن الكريم جملة من الايات التي تتحدث عن هذه الحدود والقصاص وهي التي يعبر عنه الفقه الجنائي، اي ما شرع من العقوبات للجرائم والجنايات، ومن اشهر احكام هذا التشريع واسبابه:

أ _ صيانة المجتمع من الانحراف والفساد:

من الواضح ان جميع الامم وحتى البدائية منها لها عقوبات توجب صيانة المجتمع من الانحراف والفساد، لأن كثرة الجرائم والجنايات سبب للفوضى وتخلق الانحراف وتكثر الفساد، فالالتزام بالحدود والعقوبات يوجب صيانة المجتمع ويمنعه من الانحراف ويجعل منه مجتمعاً سوياً معافا.

ب_ احلال الامن والسلام في المجتمع:

للحدود والقصاص ( العقوبة ) الاثر الكبير في احلال السلم والسلام في المجتمع، لانها تكون رادعة للظلم وما نعة لأرتكاب الجرائم العنيفة والارهابية وقد قال سبحانه وتعالى: (( ولكم في القصاص حياة يا أولى الالباب لعلكم تتقون )).

فالقصد من القصاص هو حقن الدماء وكف العدوان عن الارواح وهذا هو احد اسباب عيش الناس بأمن وسلام وحفظ الدماء من الهدر والعرض من الهتك، والحياة من السفك، والمال من السطوة والاجتياح.

ج _ ارجاع الحقوق واخذها لأصحابها:

تقع الجرائم وتهدر الحقوق، وقانون العقوبات تضمن للضحايا ارجاع حقوقهم، فأذا اثبت لدى الحاكم الشرعي المعتدي والمعتدى عليه يؤاخذ حق المجني عليه وهو صاحب الحق عن طريق الحدود والقصاص والعقوبات من الجاني حسب التشريع والقانون الاسلامي لتلك القضية وهذا من جملة الحقوق التي جعلها الله للأنسان، وأذا لم يستطع ان يأخذ في الدنيا اخذ حقه في الاخرة، ومن تلك الحقوق المعتدي عليها من قبل المجرمين والارهابين، حق الحياة، حيث ان كل انسان له حق الحياة لا بالنسبة الى الانسان العاقل ذي الشعور، بل حتى بالنسبة الى النطفة في الرحم فأنها اذا استقرت فيه لا يحق لشخص ان يسقطها واذا اسقطها كان محرماً عليه من ناحية وموجباً للتأديب من ناحية ثانية وسبباً للدية من ناحية ثالثة، حتى لو كانت النطفة من زنا أذا الولد لم يجرم شيئاً وانما المجرم هو الزاني سواء كان كلاهما فعل محرماً عمداً أو احدهما كان زانياً.

تقول الآية الشريفة: (( ومن يقتل مؤمناً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذاباً عظيماً )).

وفي أية اخرى: (( من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً )).

وذلك لأن الشر يبيد الحياة والخير يثمر الحياة.

وكما ان الله سبحانه وتعالى قد جعل القتل في إزاد القتل كذلك جعل قطع العضو في ازاء قطع العضو على ما هو مذكور في احكام القصاص، قال سبحانه: (( وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص )).

ان هذا الحكم شرع عندما قتل احد بين ادم اخاه، فقالت الاية: (( من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً )).

نعم... حكم القتل لا يكون الا اذا كان عن عمد، وأما اذا كان قد قتل خطأ أو شبه عمد فالشارع لم يجز قتل القاتل وانما جعل فيه الدية.

وفي القتل العمد جعل العفو للولي، كما يحق له اخذ الدية أو الاقل من الدية أو الأكثر حسب التراضي.

ان الاسلام برحمته الواسعة وقوانينه السمحة يقلع جذور الفساد والظلم، ورعاية الحقوق بالنسبة للآخرين.. شرع قانون العقوبات بشروط كثيرة، مع ذلك يحث الولي على العفو.

وهنا ملاحظة مهمة حول سماحة التشريع الاسلامي وهو انه ينظر قبل اجراء الحدود في كل النواحي التي يترتب عليها حفظ الارواح فمع ان العقوبة تزجر فاسد الاخلاق الذي تجري في دمه شهوة اراقة الدماء أو ما اشبه ذلك، الا انه يجب النظر الى ما يرفع الاحقاد والضغائن من النفوس حقناً للدماء وحفاظاً على الارواح ولسلامة المجتمع عن الاخذ بالثأر الذي كان عادة جاهلية ليعيش الناس في آمن وسلام، وحينما يشرع حكم القتل للولي فالتشريع الاسلامي ينهاه عن السرف في هذا الحق وهو الحكم الذي كان الى جانبه وهذا ما أشارت له الآية: (( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلناه لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل انه كان منصوراً)).

قال الرسول الاكرم (ص): (( عليكم بالعفو فأن العفو لا يزيد العبد الا عزاً فتعافوا يعزكم الله )).

وقال امير المؤمنين (ع): (( من لم يحسن العفو اساء الانتقام )).

زوال الارهاب الدولي والارهاب السياسي

اقترحت اللجنة المشكلة في الامم المتحدة عام ( 1972) على دول العالم بعض الاجراءات المؤدية الى تلافي الارهاب الدولي، وأهمها التقيد بالاعلان العالمي لحقوق الانسان القائل بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وبالحفاظ على الحريات الفردية والعمل من اجل مساعدة الشعوب الضعيفة على تحقيق حريتها، واقترحت ايضاً عدم تدخل الدول الكبرى في شؤون الدول الصغيرة، والغاء التمييز العنصري، والاستعمار بجميع اشكاله ووجوهه، وأعطاء الشعوب حقوقها القانونية المشروعة وحقوقها الاساسية، وهي حقوق لا يمكن التنازل عنها ولا يعفى عليها الزمن وهي الحرية الكاملة التي تؤمن لتلك الشعوب المساواة بين هذه الدول القائمة والمعترف بها، ولكن هذه اللجنة الخاصة التي شكلت في الامم المتحدة اثنين وسبعين لا يمكن الرهان عليها، لأن شرعة حقوق الانسان التي تبنتها جميع دول العالم، غير معمول بها في دول العالم اطلاقاً وخاصة من قبل الدول الاستعمارية الكبرى، وان القرارات الصادرة في دول العالم عن الامم المتحدة لا تتقيد بها الدول المعنية، ولذلك يجد الانسان هيئة الامم المتحدة عاجزة عن فرض هيبتها وتطبيق قراراتها بشكل مطلوب.

وقبل عقود من الزمن حيث عمت موجة الشيوعية عالج عقلاء العالم الرأسمالي ذلك بأصلاح وضع العمال والفقراء والمستضعفين والعاطلين مما سبب انحسار مد الشيوعية عن تلك البلاد ومما يؤدي الى زوال الارهاب السياسي الامور التالية:

أ- الوعي العام والتعددية السياسية والانتخابات الحرة و المؤسسات الدستورية.

ب_ تطبيق العدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه حتى يعم السلم والسلام من اقصى الشعب الى اقصاه، وحتى لا يكون لذوي الحقوق المهدورة سبب للقيام بالارهاب والمخاطرة بأنفسهم وما يملكون ورفع الحيف عن المظلومين ورد الحقوق المسلوبة الى اصحابها وربط الشرعية بالقوة والقوة بالشرعية، فأنه وكما قال امير المؤمنين (ع): ( ظلامة المظلومين يمهلها الله تعالى ولا يهملها ).

ج_ ارضاء الارهابين الصغار وأقناعهم بأن الارهاب ليس وسيلة محققة للغرض، بل اللازم ان يحققوا اغراضهم بالموازين الدستورية والقوانين العادية والعرفية، والمعايير السلوكية والضغوط الاعلامية و الدبلوماسية، وهذا هو سبيل اللا عنف الذي تدعو إليه ودلت الايات والروايات، وقد المحتا إليه، فاللاعنف واللأرهاب، هو الذي يتغلب على القوى المادية، كما استعمله رسول الله (ص) في اول البعثة النبوية المباركة، ولهذا اتغلب على الماديات.

وربما يستشكل البعض هذه النقطة الاخيرة، فيقال: بأن ما ذكر فيها من النقاط التي تنسجم مع مفهوم اللاعنف، فجميعها طرق سلمية تواجه ارهاباً منظماً، محاولة تغيير منهجيته ومن اجل تحقيق اهدافه وفق الموازين الدستورية والقوانين العادية والعرفية، وهذا يتعارض مع المفهوم الاسلامي في الرد بالمثل على المعتدي، لزوال ظاهرة الاعتداء والجواب:

1_ ان المفهوم الاسلامي بجواز الاعتداء بالمثل، اذا كان يتحدث عن الجانب الفردي في العقاب واجراء الحدود كالعين بالعين والسن بالسن وهو بأن يقتص من الاخر أذا حصل لك ضرر، فهذا ليس من الارهاب.

2_ واذا كان الكلام في مواجهة الارهاب المنظم فلا يمكن تحقيق هذه النظرية ( الرد بالمثل ) لأن العمل الارهابي على سبيل المثال، لو صدر من مجموعة كبيرة ويشكل معين ضد افراد الشعب الابرياء فقتلوا عدداً منهم، لا يمكن الرد بالمثل عليها وبتلك الصورة التي صدرت منها

3_ ان الارهاب المنظم لا يوجد فيه وازع ديني يردعه عن ارتكاب الحرمات والجرائم، والقتل والخطف وسائر الاعمال الارهابية، بل حساباته تجري وفق المنهج المادي، بينما في المفهوم الاسلامي بالرد بالمثل هناك رادع ديني عن ارتكاب الخطأ وهو حقن الدماء لأنه من قتل نفساً متعمداً فهو في النار، ولهذا اتخذ منهج الرد الاسلامي ما يتعلق بأرهاب الصغار لزوال الارهاب.

زوال الارهاب الاستعماري

لقد ترك الاستعمار أثاراً سيئة في مختلف المجالات، ففي المجال المعنوي من ضعف الدين، وانحطاط الخلق، وتخلف العالم، وفي غيرها من الآفات الاجتماعية والدينية الخطيرة، فلا يمكن القضاء عليها الا اذا عادت الامة الى القرأن الكريم وسنة النبي العظيم (ص) وسيرة الائمة المعصومين (ع) موحدة الهدف، متراصة البنيان، مجتمعة الكلمة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، عند ذلك يصعب على الاعداء مجابهة الامة المتماسكة كما قال رسول الله (ص): (( المؤمن للمؤمن بمنزلة البنيان يشد بعضه بعضاً ))، وقال (ص): (( مثل المؤمنين فيما بينهم كمثل البنيان يمسك بعضه بعضاً ويشد بعضه بعضاً )).

وعندما يتحد الضعيف بالضعيف يصبح قوة وعندما تبتعد القوة عن القوة تصبح ضعفاً.

وأما ما تركه الارهاب الاستعماري في المجال السياسي في تجزأته للدولة الاسلامية الى اكثر من خمسين دول لها حدود جغرافية مصطنعة بألوف القوانين التي وضعها الغربيون وعملاؤهم لبقاء هذه التجزئة، بالاضافة الى رصدهم المبالغ الكثيرة لبقاء هذه التفرقة، فمواجهة الاسلام لهذا الارهاب هو سعيه الدؤوب لتحقيق الروابط الاسلامية الاصيلة بين المسلمين حتى يخلق مجتمعاً متماسكاً، وكياناً قوياً، يستطيع مواجهة الاحداث ورد عدوان المعتدين، وما احوج المسلمين في هذه الاونة الى هذا التجمع السلمي، لتطبيق هذه المعاني السامية في حياتنا اليومية، لأقامة دولة اسلامية، واحراز كسب سياسي واجتماعي وديني وتحقيق القوة المرجوة التي تكون كفيلة بحماية وجود المسلمين وحقوقهم.

وأما مواجهة الارهاب الاستعماري الاحتلالي من اجل احلال السلام و الامن تكون في احدى حالتين:

الاولى: هي ان يزول بالطرق السلمية، ومن أمثلته الحاضرة أستعمال حزب المؤتمر الهندي طرق السلم والسلام في مقابل المستعمرين الذين كانوا يملكون مشارق الارض ومغاربها.

الثاني: مواجهة الارهاب الاستعماري بالقوة، علماً بأن هذه المواجهة أنما تكون مشروعة أذا كانت ضمن الشروط الخاصة والكيفية المقررة شرعاً وبأجازة من شورى الفقهاء المراجع، ولا تكون الا في اقصى حالات الضرورة على ما هو مذكور في كتاب الجهاد.

أما المواجهة الارهابية بالاغتيال والغدر والخطف وسائر مصاديق العنف فهذا مما لا يجوز ويوجب تشويه سمعة الاسلام والمسلمين والبعد عن الهدف.

ومن هنا لا يصح دعم الجماعات الارهابية بحجة التخلص من ارهاب الدولة أو إرهاب المستعمرين، بل يلزم اتخاذ الطرق السلمية على ما هو مقرر شرعاً وربما ترى المستعمر الظالم والمستعمر المظلوم ولكنه لم يكن واعياً، يمارسان الارهاب مع فارق ان الاول يهدف الى تحقيق مصالحة وحقوقه ولكن عن طريق خاطىء.

رحلة في رحاب سلم القرآن

يدعو الله سبحانه وتعالى الناس الى الايمان بالاسلام باسلوب المسالمة واللا عنف، يقول سبحانه: (( ولو شاء ربك لا من من في الارض كلهم جميعاً أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )).

وقال تعالى: (( أنما انت مذكر * لست عليهم بمصيطر )).

فلا اكراه في الدين ولا عنف، وانما الاسلوب الحسن والكلمة الطيبة والمجادلة بالحسنى والقاء السلام والاستماع الى رأي الاخرين ومحاولة الاقناع.

قال تعالى: (( لا إكراه في الدين )).

وقال سبحانه: (( أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ))، وقال سبحانه: (( الذين يسمعون القول فيتبعون احسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الالباب )).

وقال عزوجل: (( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فأذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )).

وعلى ضوء ذلك فأن الدين الاسلامي وخاصة مدرسة أهل البيت (ع) لا يتفق مع من يؤمن بالارهاب والعنف كوسيلة لغرض رأي او محاولة تغيير، حتى وأن كان مسلماً ويتبع مذهباً ما أو معتقداً ما.. فموجة العنف والقسوة والارهاب تأسست في افكار بعض المتطرفين وعشش في افكارهم، فأخذوا بالتصفية الجسدية والتدمير أولاً، بدلاً من المحاورة الفكرية والمسالمة، ولكن الاسلام لا يؤمن مطلقاً بمفهوم العنف أو مفهوم المعاملة السيئة أو ايقاع الظلم بالاخرين أو استخدام القسوة أو التعسف ببني الانسان، فأفعال العنف بأنواعه التي تقع في المجتمعات وتستهدف الاخرين، والتي قد تبلغ احياناً مستوى من التطرف والشدة أو الخروج عن القوانين، تعد خروجاً عن الدين عن الدين وتعاليمه السمحة ودعوته الى السلم، وقوله تعالى: (( وقولوا للناس حسناً)).

وقد خطى الاسلام خطوة جبارة في رسم معالم المنهج المسالمة والسلام وتمثل ذلك في الدعاء للعدو والصلاة لأجله، فرسول الله (ص) وعلى الرغم مما تسبب به الاعداء لم من الاذى كان يدعو لهم بقوله: (( اللهم اغفر لقومي فأنهم لا يعملون )).

لذا فالرسول الاكرم (ص) وآل بيته الطاهرون (ع) هم دعاة السلم وحملة مبدأ الانسانية في المسالمة واللا عنف، ونبذ ما هو نقيضه في الحياة اليومية.

وقد ورد عن رسول الله (ص) مبدأ اللا عنف أو المسالمة في العديد من الاحاديث حيث قال (ص) مبدأ: ( إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ).

وقال (ص) ايضاً في استخدام العفو ومبدأ اللا عنف: (( تعافوا تسقط الضغائن بينكم)).

ويطرح الرسول (ص) التطبيق العملي لمبدأ المسالمة واللا عنف بقوله: ((العفو احق ما عمل به)).

وقول الامام علي (ع): (( شر الناس من لا يعفو عن الزلة، ولا يستر العورة )).

لقد عد الامام علي بن ابي طالب (ع) حكيم القوم في زمانه، وداعية السلم والمسالمة، وراعي مبدأ اللا عنف.. ورغم شجاعته وقدرته الفائقة على المواجهة، فقوله (ع):

(( متى اشقي غيضي أذا عضبت ؟ أحين اعجز عن الانتقام، فيقال لي: لو صبرت، أم حين اقدر عليه، فيقال لي: لو عفوت، غفرت ).

فقد عد (ع) فارساً في الجهاد والبسالة في القوة وبنفس القدر من المسالمة، واللا عنف والسيطرة على المشاعر المخلتفة، يقول (ع): (( اذا قدرت على عدوك فأجعل العفو عنه شكر للقدرة عليه)).

أن آل البيت (ع) مارسوا السلام واللا عنف المطلق بكل اشكاله وابعاده، ثم اوصوا المسلمين بعدهم بالسير على خطاهم، لأنهم كانوا دعاة صلح ووفاق بين عامة المسلمين ودعاة سلم بين البشرية، وقد تناغم طروحات ال البيت (ع) في تطبيق السلم ونبذ العنف في معالجة الكثير من المشكلات التي تنتج عن العنف وحالات الغضب، لقد كانوا (ع) دعاة سلام ومسالمة في السلوك والتعامل والتعايش السلمي مع عامة الناس، رغم ما تحملوه من مصاعب ومتاعب من ابناء قومهم، ولكنهم كانوا على حق في استمرار دعوتهم السلمية ومبدئها اللا عنف في السلوك والتطبيق، والمسالمة وتحقيق السلام بين الناس التي هي سمة من سماتهم (ع) والتي هي من مصاديق قوله سبحانه وتعالى: ((وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين)).

وقول الامام علي (ع): ((شيئان لا يوزن ثوابهما، العفو والعدل)).

وقوله (ع): ((من قابل الاحسان بأفضل منه فقد جازاه)).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس  12/حزيران/2008 - 8/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م