من الملكية الى الجمهورية: النيبال نحو أفق جديد

شبكة النبأ: بعد عقود طويلة من الحكم الملكي والهيمنة البرجوازية والروحية والإختزال الفكري والتسلط والإقصاء والتهميش، وسياسة الفردنة والشخصنة والحكم الواحد، يحتفل اليوم شعب النيبال ببناء جمهوريتهم الجديدة التي ودّعوا على إثرها وإلى الأبد ملوكهم الغابرين.

(شبكة النبأ) في سياق هذا التقرير تسلط الضوء على التغيير الحاصل في النيبال بعد إقرار الجمعية التأسيسية وأعلان بيان الجمهورية وزوال الملكية وإلى الأبد:

اعلان الجمهورية في النيبال وسط احتفالات جماهيرية

اعلنت الجمعية التأسيسية في النيبال المنبثقة عن الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من نيسان/ابريل الغاء النظام الملكي المعمول به منذ 240 عاما في هذا البلد واقامة الجمهورية.

وقال كول باها دور غورانغ المسؤول الكبير في هذه الجمعية التي تضم 600 عضو وعضوة انه تم تبني اقتراح اعلان الجمهورية بالاكثرية.

واوضح ان 560 عضوا في الجمعية التأسيسية صوتوا لصالح هذا الاقتراح في حين عارضه اربعة.

وحقق الماويون الذين خاضوا كفاحا مسلحا طيلة عشر سنوات قبل التوقيع على اتفاق سلام في 2006 فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية في العاشر من نيسان/ابريل وحصلوا على اكثر من ثلث المقاعد ال601. بحسب فرانس برس.

ومهد اتفاق السلام الذي وقع عام 2006 بين ابرز الاحزاب السياسية والماويين ووضع حدا لحرب اهلية اوقعت 13 الف قتيل على الاقل لاقامة الجمهورية على انقاض النظام الملكي.

وافاد مصدر رسمي انه سيكون امام الملك جيانندرا مهلة 15 يوما لمغادرة القصر.

وحسب النص الذي صوتت عليه الجمعية التأسيسية فان النيبال اصبحت دولة مستقلة موحدة سيدة علمانية وجمهورية ديموقراطية.

واضاف النص الذي اعلن التاسع والعشرين من ايار/مايو "يوم الجمهورية" ان جميع الامتيازات التي اعطاها الملك والعائلة الملكية ستلغى ابتداء من اليوم، كما قضى النص بتحويل القصر الملكي الى متحف.

وفرضت اجراءات امنية مشددة في العاصمة كاتماندو بعد سلسلة تفجيرات استهدفتها وانتشر الالاف من عناصر الشرطة حول المجمع الذي عقدت فيه الجمعية التأسيسية اجتماعها.

وقبل بدء اجتماع الجمعية التأسيسية انفجرت قنبلتان ضعيفتا المفعول في العاصمة ما ادى الى اصابة شخص بجروح حسب ما افادت الشرطة.

وكان شخصان بينهما طفل اصيبا بانفجار عبوة ناسفة في حديقة كاتماندو العامة حسب الشرطة.

كما وقعت ثلاثة اعتداءات اخرى من دون وقوع اصابات تبنت اثنان منها مجموعة قومية هندوسية مجهولة .

وتجمع الاف الاشخاص في شوارع كاتماندو وهم يطلقون شعارات مؤيدة للجمهورية ومناهضة للملك.

وينظر انصار الملك اليه على انه تجسيد للاله الهندوسي فيشنو وهو تسلم العرش عام 2001 بعد ان قام ولي العهد وهو بحالة سكر وتخدير شديدين بقتل تسعة من افراد العائلة المالكة قبل ان ينتحر.

ووصلت شعبية الملك الى الحضيص عندما اقال الحكومة ومنح نفسه صلاحيات كاملة في البلاد في شباط/فبراير 2005.

وادى هذا العمل الى تحالف غالبية الاحزاب السياسية الكبيرة مع المتمردين الماويين رغم العداوة المستأصلة بين الطرفين والتوقيع على اتفاق سلام عام 2006 وضع حدا لحرب اهلية اوقعت اكثر من 13 الف قتيل.

احتفالات النيباليون بالغاء الملكية وطرد الملك

تدفق الاف النيباليين على شوارع العاصمة كاتمندو وأخذوا يرقصون ويغنون احتفالا "ببزوغ فجر الجمهورية" قبل ساعات من الغاء الملكية في الدولة الواقعة في جبال الهيمالايا والتي ظلت تقدس مليكها الهندوسي طوال 239 عاما.

وتعقد جمعية تشريعية خاصة انتخبت في ابريل نيسان أول اجتماع لها لتعلن رسميا نهاية الملكية وهو جزء رئيسي من اتفاق سلام أبرم عام 2006 مع المتمردين الماويين السابقين وأنهى عقدا من الحرب الاهلية التي أودت بحياة أكثر من 13 ألفا.

وقال المتحدث في مكبر صوت مثبت على سيارة اجرة: دعونا نحتفل ببزوغ فجر الجمهورية بطريقة رائعة.

وخرج أكثر من عشرة الاف ماوي هم الان اعضاء في اكبر حزب سياسي بالجمعية في مسيرة في العاصمة يحملون اعلاما عليها شعار المطرقة والسندان ويلوحون بقبضات ايديهم في الهواء وهم يرددون "تسقط الملكية". بحسب رويترز.

وتجمع الاف النيباليين في المناطق الاثرية من العاصمة كاتمندو وقرب مقر اجتماع الجمعية الذي طوقته الشرطة. وردد المحتفلون "عاشت الجمهورية" وغنوا اغاني سخروا فيها من الملك جيانيندرا.

وشددت اجراءات الامن في العاصمة النيبالية بعد سلسلة من الانفجارات وقعت مؤخرا الماضية ولم توقع خسائر في الارواح والقيت مسؤوليتها على انصار الملكية.

ومن المتوقع ان يغادر الملك غير المحبوب قصره الوردي ذا السقف التقليدي المتعدد الادوار فور ان تقترع الجمعية على الغاء الملكية في البلاد. ولم يدل الملك بكثير من التصريحات عن خططه المستقبلية بخلاف رغبته البقاء في نيبال.

ويعتقد كثير من النيباليين أن الملك سيرحل في هدوء بعد تصويت الجمعية. ويعيش جيانيندرا في قصر نارايانهيتي الملكي في قلب كاتمندو منذ أن اعتلى العرش عام 2001 .

وخروج الملك من القصر يرمز الى سقوطه المدوي بعد ان كان يعمل تحت أمرته الاف الخدم وبعد ان ظلت نيبال ملكية طوال تاريخها وكان ملكها يلقى تقديسا من غالبية الشعب الهندوسية بوصفه تجسيدا للاله فيشنو الذي يحمي الشعب.

وأزيلت صورة الملك الان من الاوراق النقدية واختفى اسمه من النشيد الوطني وطلب منه الان دفع فاتورة الكهرباء.

وقال وزير السلام والاعمار رام تشاندرا بودل: الملك سيعطى مهلة 15 يوما ليغادر القصر وسيحول القصر الى متحف تاريخي بعد مغادرته.

وقال كمال دحال (22 عاما) وهو مقاتل ماوي سابق: هذا هو انتصار الشعب وأضاف، باعلان الجمهورية اليوم نكون قد حققنا ما قاتلنا من أجله.

زوال القداسة

منذ زمن ليس ببعيد قدسه النيباليون كاله هندوسي وقام على خدمته الاف من موظفي القصر توجت الاوراق المالية بصورته وهتف باسمه النشيد الوطني.

اما الان فلا يلقى ملك نيبال جيانيندرا سوى الذم بعد أن فقد تاجه بل انه سيسدد الضرائب وفواتير الكهرباء الخاصة به.

وتعقد جمعية تشريعية خاصة اجتماعا لتعلن رسميا انتهاء الملكية منهية بذلك حكم أسرة استمر 239 عاما ليسجل التاريخ أن جيانيندرا هو آخر ملوك نيبال.

ويقول كثيرون من مواطني نيبال ان رجل الاعمال الذي أصبح ملكا والبالغ من العمر 60 عاما يجب الا يلوم الا نفسه بعد قراره الذي افتقر الى الحكمة بالسيطرة على السلطة عام 2005 حين أقال الحكومة واعتقل ساسة وأعلن حالة الطواريء.

ويبدو أن جيانيندرا ضاق ذرعا بساسة نيبال الفاسدين والمتنازعين وقرر أنه الوحيد القادر على انقاذ البلاد من حركة تمرد الماويين.

لكن انقلب السحر على الساحر واضطر الى التراجع عن هذا في العام التالي عقب أسابيع من الاحتجاجات في الشوارع التي حددت مصيره ومصير مملكته.

يقول كوندا ديكسيت رئيس تحرير صحيفة نيبالي تايمز الاسبوعية: كان يعتقد أن نيته هي الاحسن... لكن نزعته الاستبدادية هي التي قضت عليه.

كان جيانيندرا صبيا في الثالثة من العمر عند توليه العرش عام 1950 حين فر جده الى الهند لفترة قصيرة وسط صراع على السلطة مع الاسرة التي تتوارث منصب رئيس الوزراء وهي أسرة رانا. بحسب رويترز.

وعندما عاد الملك تريبوفان بعد بضعة اشهر انسحب جيانيندرا مجددا الى الخلفية ليكون ثروة من تجارة الشاي والتبغ والفنادق وينخرط في مجال الحفاظ عن البيئة.

ومنذ قرابة سبع سنوات قتل شقيقه الملك بيريندرا صاحب الشعبية الكبيرة فضلا عن ثمانية اخرين من أفراد الاسرة الحاكمة بالرصاص على يد ولي العهد الذي انتحر بعد قتلهم.

فعاد جيانيندرا لتولي العرش وعلى غرار كثيرين من أسلافه تربى على فكرة أنه يعرف اكثر من شعبه ما هو أفضل لنيبال.

وأزالت هذه المذبحة سحر مملكة قدس النيباليون ملوكها ذات يوم بوصفهم تجسيدا للاله الهندوسي فيشنو فيما أطلقت سيطرة جيانيندرا على السلطة العنان لغضب الناس.

وقالت سونتالي خاتري (48 عاما) وهي عاملة: أعتقد أنه أخذ ما يستحقه.

وأصبح المتمردون الماويون اكبر حزب في نيبال بعد اتفاق سلام أبرم عام 2006 والانتخابات التي أجريت في ابريل نيسان. وكان مطلب المتمردين الرئيسي اسقاط الملكية الاقطاعية.

ويقول الماويون ان جيانيندرا يستطيع البقاء في البلاد كمواطن عادي ورجل أعمال شريطة أن يحترم قرار الجمعية.

ونقل عن الملك قوله انه ليست لديه نية لمغادرة نيبال. ومن المرجح بدلا من ذلك أن ينتقل من قصر نارايانهيتي المهيب الى مقر اقامته الخاص الفخم في كاتمندو.

ويذكر ان جيانيندرا التحق بالمدرسة في دارجيلينج في شرق الهند وتخرج في جامعة تريبوفان في كاتمندو.

وقال موهان براساد لوهاني الذي كان يدرس له اللغة الانجليزية في الجامعة انه لم يكن تلميذا عاديا فكان مهتما بالسياسة اكثر من اهتمامه بالدراسة. وأضاف: كانت له رؤيته الخاصة بشأن كيف يجب تغيير الامور. كان طموحا للغاية.

ويقول محللون اِن هذا الطموح ربما يكون السبب في سقوطه.. وقد كان سقوطا مدويا.

في العامين الاخيرين استولت الحكومة على الاف الافدنة من الاراضي الملكية وأممت اكثر من 12 قصرا من قصوره وأقالت الكاهن الخاص به في عملية تطهير لموظفي القصر.

وخفضت المخصصات السنوية المالية للملك الذي حددت اقامته في قصره فعليا كما طالبته الضرائب بسداد مبالغ وطولب بدفع فواتير كهرباء لم تسدد قيمتها. ورأى وجهه وقد حلت محله صورة لجبل ايفرست على أوراق النقد بالبلاد وحذف اسمه من النشيد الوطني.

ملك النيبال المطاح به يوافق على مغادرة قصره

قالت وزارة الداخلية في النيبال ان ملك النيبال المطاح به وافق على مغادرة قصره قبل 12 حزيران/يونيو وبدء حياة جديدة كمواطن عادي.

وقال وزير الداخلية كريسنا براساد سيتاولا بعد التقائه الملك للصحافيين ان الملك السابق جيناندرا قال انه على استعداد للعيش كمواطن عادي. بحسب فرانس برس.

واضاف، لقد رحب وقبل بقرار الجمعية التأسيسية الذي الغى الملكية في 28 ايار/مايو.

وكانت الجمعية التأسيسية التي انتخبت في 10 نيسان/ابريل ويهيمن عليها الماويون الغت النظام الملكي في النيبال الذي يعود ل 239 عاما واعلنت النيبال جمهورية.

عطلة الاحتفال بالجمهورية والملك يبحث عن ساعة سعده

عادت نيبال الى العمل مع فتح المصالح الحكومية والمدارس أبوابها لاول مرة منذ تحول البلاد الواقعة في منطقة جبال الهيمالايا الى النظام الجمهوري بعد 239 عاما من الحكم الملكي.

وأمهل برلمان خاص أجرى تصويتا حول مصير النظام الملكي الملك المخلوع جيانيندرا 15 يوما لاخلاء القصر الملكي المهيب الذي يقع في مكان متميز بقلب العاصمة الوطنية.

وأعلنت الحكومة عطلة رسمية مدتها ثلاثة أيام احتفالا بميلاد الجمهورية الذي كان شرطا أساسيا وضعه المتمردون الماويون السابقون في اتفاق سلام عام 2006 أنهى الحرب الاهلية التي استمرت عشر سنوات وأسفرت عن سقوط أكثر من 13 ألف قتيل.

وقال مسؤول رفيع في القصر طالبا عدم نشر اسمه: اليوم هو أول يوم في العمل بعد تصويت البرلمان وهناك تشوش في كل مكان...لا يوجد أحد يبلغنا بما علينا أن نفعله وما علينا الا نفعله...نحن بلا رأس. بحسب رويترز.

وهناك نحو 600 موظف مدني ما زالوا يعملون في القصر بينهم موظفون في دواوينه ومصورون ملكيون وسائقون وطهاة وخدم. وهم تابعون للملك ويتلقون أوامر مباشرة منه. وتقول الحكومة انها اما ستحيلهم للتقاعد أو تنقلهم الى ادارات حكومية.

وقال المسؤول في القصر: نحن موالون لجلالته...ولكن لا يمكننا أن نفعل شيئا لاجله.

وطالب الالاف الذين نظموا مسيرات في الشوارع احتفالا بالجمهورية بأن يترك جيانيندرا القصر على الفور.

وتقول وسائل اعلام نيبالية انه يتشاور مع الفلكيين بحثا عن ساعة "سعيدة" يمكن ان يخرج فيها من القصر الذي ما زال يخضع لحراسة مشددة حيث يعيش الملك هناك منذ اعتلائه العرش عام 2001 بعد مذبحة غريبة في القصر.

ويقول محللون ان قدرة الاحزاب السياسية المتناحرة على توجيه البلاد خلال الفترة الانتقالية ستكون موضع اختبار في الايام المقبلة في حين يثور بينهم خلاف حول تشكيل حكومة وحدة للاشراف على اعداد دستور جديد وهو شرط أساسي اخر لاتفاق السلام.

وتحاول نيبال التي تعاني من فقر شديد وخرجت لتوها من سنوات من تمرد الماويين والاضطراب السياسي القفز الى عصر جديد من السلام والتنمية بعد قيام الجمهورية.

شبكة النبأ المعلوماتية- االثلاثاء  10/حزيران/2008 - 6/جمادي الثاني/1429

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م