مدينتي الصدر والشعلة على مذبح حفظ القانون

محمد الوادي

منذ حوالي شهر وبشكل يومي مستمر يجري ذبح عشرات الفقراء يوميا تحت شعار اصبح من اكثر الشعارات بؤسآ في عراق اليوم أسمه " حفظ القانون " ومحاربة الخارجين على القانون. وتحت هذا العنوان الفضفاض تم تصفية الالاف من العراقيين  بين قتيل وجريح ومشرد دون رقيب ودون أدنى مراجعة تذكر ودون اي جهد يبذل للبحث عن حلول اخرى اكثر عقلانية واكثر انسانية واكثر وطنية وحتى اكثر تقرب الى الخالق جل جلاله. بدلا عن هذا الموت المجاني وهذا الموت المستباح دون رقيب او حسيب.

بل ان بعض الاوباش والجهلة مازال حتى يومنا هذا يصفق ويزمر ويهلل لاطباق الموت العراقي المستمر منذ عقود طويلة مع اختلاف الوجوه والشعارات وحتى لاانسى واختلاف الهيئات ايضا من اصحاب الزيتوني الى حاملي " السبح " !!

فمنذ شهر واكبر مدن العراق وفي وسط العاصمة بغداد مدينة الصدر مليونين ونصف نسمة ومدينة الشعلة مليون ونصف نسمة تتعرض الى الحصار والقصف اليومي المستمر والمداهمات اليومية. ولااحد يسال في العراق عن الاسباب الحقيقية ولاعن النتائج الدموية ولاحتى حتى مجرد التسأول متى ينتهي كل هذا !؟ والى متى !؟ وماهي النتائج !؟ بل ولماذا!؟

فهل ايضا مدينتي الصدر والشعلة تهرب النفط  كما يقول البعض على البصرة !؟ فمن اين تهرب النفط مدينتي الصدر والشعلة ؟ وقبل ذلك من اي بئر نفط يسرقون !؟ واذا كانت هذه هي اختلاساتهم فلماذا فقر الدم يستوطن اطفالهم , ولماذا هذا الفقر العقيم يحيط بهم , وهم يسكنون بيوت عبارة عن خربه تسمى منزلآ. 

واذا كان المبرر ان كل هذا القتل لأجل محاربة الخارجين على القانون. فهل توقف العقل البشري عن ايجاد حلول اكثر عقلانية لاحتواء البعض سياسيآ او على الاقل متابعتهم والقبض عليهم بطرق أقل دمويه. شخصيا أدعم كل جهد حكومي وطني لمحاربة الارهاب والخارجين على القانون. لكني سوف اكون اكثر دعمآ و صدقا بهولاء لو بدؤا بتطهير انفسهم وداوئرهم قبل الشوارع والمدن. فنحن العراقيين امام اكثر من خمسين مليار دولار سرقت خلال خمسة سنوات من ثرواتنا ومازالت فوهة الاختلاسات مستمرة , ومع ذلك " الحرامية " يجلسون في البرلمان والوزارات وكأنهم ملائكة الله التي أنزلت من السماء على العراقيين.

فلا احد يحاسبهم ولايعاقبهم ولايوجد الا مبرر واحد وكبير  لغياب الحساب والعقاب هو " الكل في الهوى او في الاختلاس سوى ".  لا عتب على مجموعة المهازل التي اسمها " البرلمان العراقي " فهولاء نزعوا الخجل والحياء امام العراقيين الكرام في اول جلسة لهم بعد انتهاء الانتخابات حين سنوا القانون الاول برواتبهم لكل عضو مايعادل "32" مليون دينار عراقي شهريا وهي بالضبط تعادل راتب شهري ل "600" مواطن عراقي متقاعد !! ناهيك عن الحقوق والاختلاسات القانونية وغير القانونية الاخرى. فمثل هؤلاء.. العتب اكبر من حجمهم الطبيعي وبكثير. فلقد وصل حال العراقيين ان تاتي النساء العراقيات الكريمات تستجدي على ابواب المنطقة الخضراء , ومع ذلك هؤلاء.. لايسالون انفسهم سؤال واحد ومحدد. الى متى؟

ان على التيار الصدري وعلى حزب الدعوة والمجلس الاعلى وحزب الفضيلة  ان يجدوا طريق اخر اكثر سلام وأمان لتصفية امورهم السياسية بغض النظر عن المكاسب السياسية الحالية او المترقبة في انتخابات مجالس المحافظات. على الاقل حينها يتم الفرز وبشكل واضح من هو " الخارج على القانون " ومن الذي يقتل ويسلب في وضح النهار. والا ليس من المعقول ان يتم هذا الحصار اليومي للمدن والقتل اليومي بهذه الطريقة الدموية تحت شعار " فرض القانون ".

اللعبة وقواعدها ومتطلباتها جدا واضحة بغض النظر اذا جاءت بشكل حكومي وقوات رسمية او بشكل حزبي و مليشيات مسلحة. لكن الثمن الذي يدفعه العراقيين من ابناء القوات المسحلة والشرطة الابطال او الابرياء الاخرين ثمن لايستهان به. وحتى واذا كانت من مجاميع خارجة على القانون كما تسمى. فان مثل هولاء لايوجد اختلاف جوهري او تكفيري معهم لذلك افضل فرصة لجلبهم الى الطريق الصواب من خلال توفير فرص العمل وفرص الزواج وبناء عائلة وفرص الدراسة. وليس من خلال القتل والمداهمات ولا حتى من خلال بناء الجدران المعيبة والمشينة داخل المدينة الواحدة. فتلك اخر التصورات وابعدها في ايجاد حلول دائمية ومنطقية وعادلة من خلالها.

بل ان هذه الاساليب حتى وأن بدت ناجحة في بعض الاحيان , ان هذا النجاح هو نوع من الوهم والسراب. بل ان هذه الاساليب هي الطريق الامثل لبناء جدران صد نفسي ومعنوي بين الحكومة وابناء هذه المدن الفقيرة وهي الطريق المثالي لانهار من الدماء الاضافية ستسفك في اقرب فرصة قادمة. وهي ايضا الطريقة الامثل لحرب " التضاد النوعي " التي صفق ويصفق لها كل بقايا البوكيمون الكارتوني الجبان اذا كانوا داخل او خارج الحكومة والبرلمان. وفرح بها كل المتربصين والطائفيين. لقد صعد كل اعضاء البرلمان والحكومة من قائمة الائتلاف على تضحيات ودماء ابناء هذه المدن الى مناصبهم. ولقد وقف ابناء هذه المدن الفقيرة وقفة تاريخية مشرفة بوجه  الطائفية الاسلامجية والعروبجية المقيته في العراق المتمثلة بالمقبور الزرقاوي ومن على شاكلته.

ولقد خرج هولاء الفقراء الى صناديق الاقتراع وهم يحملون ارواحهم وحياتهم على أكفهم لغرض انتخابكم. فكيف تكون معاملتهم بهذه الطريقة المؤلمة وبهذه الطريقة الدموية حتى اذا سلمنا ان مجاميع خارجة على القانون توجد في مدنهم فان هناك الف طريقة واسلوب للمعالجة باقل الخسائر البشرية والمعنوية.

ان الامور بحاجة الى ضمير واعي وبحاجة الى فكر تنويري اكثر  من حاجتها الى الدبابات والجدران المعيبة والفاشلة. ان ابناء مدينتي الصدر والشعلة وكل المدن الاخرى يتوهم من يتصور سوف تمر عليهم هذه العمليات العسكرية حاليا او  مأسيها وذكرياتها لاحقا مرور الكرام. هذا وهم كبير ومستنقع اكبر ومن يريد ان يرى الصورة مخلصا وبشكل واضح عليه ان يبتعد ولو قليلا عن قوقعة السلاح وعن بعض الابواق المحرضة والحاقدة. ان العراق ليس بحاجة الى زيادة نسبة الارامل بل بحاجة الى مدارس اضافية والعراق ليس بحاجة الى زيادة نسبة الايتام بل بحاجة الى بناء دور رياض الاطفال والعراق ليس بحاجة الى زيادة نسبة المعوقين بل بحاجة الى بناء مستشفيات جديدة والعراق ليس بحاجة الى الفكر الحاكم المتسلط بل بحاجة الى المسارح وقاعات الرسم وقاعات الفكر والابداع.

 العراق ليس بحاجة الى مليشيات مسلحة لكن بحاجة الى دور طبع ودور نشر لبث الوعي بعيدا عن الفكر الاحادي الذي يحاول ان يسود في الساحة. والعراق ليس بحاجة الى الوجوه الملثمة في الشوارع  بل بحاجة لبناء الكليات والجامعات المتطورة  وكل الذين يمثلون الواجهات السياسية في العراق بحاجة الى العراقيين وليس الى غيرهم.

فلا ينتظر من يعمل في السياسة العراقية اليوم ان يصفق له الاخرين من خارج الحدود بل عليه ان يكون اكثر حلم واكثر وطنية ويقرأ تصرفاته في وجوه العراقيين الكالحة.

 والعراق اليوم ليس بحاجة لبناء جدران فاصلة بين ابناء المدينة الواحدة في مدينة الصدر او مدينة الشعلة بل العراق وكل العراقيين بحاجة الى يوم عظيم يتم فيه فتح جسر الآئمة بين مدينتي الكاظمية والاعظمية لان القلب لايعمل بصورة طبيعية مع انسداد احد الشرايين.

 وبغداد العظيمة تبكي وتعاني من انسداد اهم شراين قلبها  التاريخية بين الرصافة والكرخ وبين الكاظمية والاعظمية. فارفعوا الحواجز ولاتزيدوها وهدموا الجدران البائسة ولاتزيدوها لان قلوب العراقيين قبل عيونهم تحتاج الى ذلك. فهل تفهمون. ياابطال الحسابات السياسية الدموية !!؟.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 27 نيسان/2008 - 20/ربيع الثاني/1429