التقريب بين المذاهب من جديد

برير السادة

 تمثل العقيدة الخط الفاصل في التقريب بين المذاهب, وهي النقطة الجدلية الساخنه التي تتراشق بها الاطراف المختلفة, لهذا يعتقد البعض ان العمل على تفريغ العقيدة من مراكز التصادم والارتطام من شأنه ان يحقق نوع من التلاقي والتعاطي مع الاخر, وهو ما تكون نتيجته الرفض المطلق, وتضيق معه دائرة التعاطي ضمن فئات وشرائح اجتماعية ونخب ثقافية محددوه.

الامر الذي يشير لتجذر العقيدة وعمق انغماسها في القلوب والنفوس, وهو ما يعني امتزاجها بالوجود الفردي والاجتماعي, بما يعني الهوية او المهاهوية الاجتماعية فكما ان الماهية ضرورية لتمييز الوجود وابراز صورته بشكل مختلف لوجود اخر, فكذلك العقيدة ضرورية لابراز الهوية الاجتماعية لامة ما وتمييزها عن مجتمعات و امم تؤمن بعقيدة مختلفة.

لهذا فان تهذيب العقيدة يجب ان يمر ضمن القنوات العقدية نفسها, من غير ان يمس ماهية الوجود الاجتماعي, ولصعوبة هذا الامر, وللحرج الذي يقع على المهتمين في هذا المجال ندرك اهمية البحث عن جسور جديدة للتلاقي والتعاطي الانساني والاخلاقي مع الاخر.

من هنا نعتقد ان نظرية التقريب بين المذاهب يجب ان تنطلق من الخطوط القرانية الكبيرة ولكونه نقطة التقاطع بين مختلف المذاهب والتيارات.

اولى هذه الخطوط: الكرامة الانسانية التي جعلها الاسلام مبدا للتعاطي مع الانسان في دعوته لعبادة الله عز وجل يقول تعالى "ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" , لهذا كانت دعوة الاسلام للانسان عبر تذكيره بالنعم الالهية, واستنطاق عقله الغارق في بحر اناته وهواه, فدعوته للتوحيد وعبادة الله جائت ضمن الكرامة الانسانية ولتمييزه عن باقي الموجودات بكل تنوعها.

لهذا من المهم ان يكون التقريب قائما على اساس احترام الانسان ومكانته التي تناسب وجوده الكوني والتكويني, فيحرم كل ما يسيئ للانسان او يمتهن كرامته ويتعدى على حقوقه الفكرية والاجتماعية... ويتعدى على حقة في الحياة, بل يجب ان يكون شعار الكرامة الانسانية هو مرتكز التعامل مع الانسان وقضاياه المختلفة والمتنوعة.

واما ثاني هذه الخطوط  فهي دعوة التعارف التي جعلها القران علة للاختلاف البشري وخصوصا في محيط الدوائر الكبرى "الشعوب والقبائل" يقول تعالى "يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير" "و المعنى: أنا خلقناكم من أب و أم تشتركون جميعا فيهما من غير فرق بين الأبيض و الأسود و العربي و العجمي و جعلناكم شعوبا و قبائل مختلفة لا لكرامة لبعضكم على بعض بل لأن تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا و يتم بذلك أمرا اجتماعكم فيستقيم مواصلاتكم و معاملاتكم فلو فرض ارتفاع المعرفة من بين أفراد المجتمع انفصم عقد الاجتماع و بادت الإنسانية فهذا هو الغرض من جعل الشعوب و القبائل... " 

فدعوة التعارف القائمة على حفظ الحقوق واحترام الكرامات هي منطلق لتعزيز التعاون وتنمية المشتركات وتنمية المكاسب الانسانية والمنجزات الحضارية التي تكاملت في الطور الانساني الطويل.

فهذه الدعوة قائمة على اساس الاخوه الخلقية والخلقية, دون ان تتضمن بالضرورة المشتركات الدينية واللغوية... فهي تتركز على البعد الانساني والوجداني كاحساس مشترك بين الوجود البشري كافة يقول تعالى "ولا تهنوا في ابتغاء القوم ان تكونوا تالمون فانهم يالمون كما تالمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما" انها دعوه للاستماع لصوت الضمير الانساني المتدفق, والفطرة الصافية التي لم تخالطها قرائات نصية قلقة ومشوهه, تستخدم الدين لمسخ الكرامة الانسانية وتتعدى باسمه على حقة في الحريه والحياة والعيش الكريم.

لهذا فان التقريب بين الاديان والمذاهب يجب ان يرتكز في تعاطية على الانسان بما هو انسان, ووجدانه الذي ينبض قلقا عندما تمس الكرامة الانسانية في اي جزء من اجزاء الكون.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26 نيسان/2008 - 19/ربيع الثاني/1429