الحل في حل المليشيات أم في إنصاف الجيش المنحل؟

بشرى الخزرجي

لم يزل هناك من يتغنى بأمجاد طاغوت العراق السابق السيئ الصيت صدام وبسيرته القمعية الاستبدادية التي يرونها وبعين الحقد والعناد سيرة مجد وانتصارات!، فمن تلك المقاييس وغيرها تجدهم يحولون الباطل حقاً مشروعاً وعزاً مرفوعاً، مدافعين بذلك عن حقبة زمنية مظلمة سوداء في تاريخ الأمة العراقية وبطريقة تبعث على القرف وتكشف عن سخف أفكار أصحابها دعاة العودة إلى زمن الحزب الواحد والزعيم القائد المفدى الأوحد الذي حكم العراق بسياسة الحديد والنار مستهترا بجميع القيم الإنسانية، حتى بلغت جرائمه وممارساته التعسفية بحق الشعب العراقي ما يعجز التاريخ بكل ما يحمل من صفحات قاتمة من تاريخ الشعوب المضطهدة على حملها وتسطيرها.

 فهل فشل هؤلاء المدافعون عن فترة حكم صدام حقا في اكتشاف جرائم قائدهم المقبور القمعية للحد الذي يجعلهم يبررون عمليات إبادة الشعب العراقي الوحشية من مقابر جماعية شاهدة وحية، إلى تحويل مدن وقرى آمنه آهلة بالسكان إلى ركام وجثث متناثرة كما جرى في مجزرة مدينة حلبجة الشهيدة التي ضربت ظلماً بالأسلحة الكيماوية في 16 آذار_مارس سنة 1988 وضمن عمليات الأنفال الواسعة التي كانت تهدف إلى القضاء على الشعب الكردي (الجينو سايد) وبأمر (القائد الضرورة) صدام وابن عمه علي المجيد الملقب بـ "علي الكيماوي"...والكثير من عمليات الإبادة التي طالت المناطق الجنوبية في العراق!

يدافع هؤلاء عن النظام الساقط و جيشه المنحل السابق بعقلية البعث النافق المنافق، لا بدافع الضمير والواقع، فهم يرون أن ما قام به الجيش السابق من (بطولات) في حرب إيران والكويت والأهوار وكردستان وسحق الانتفاضة الشعبانية إنما هو شرف ووسام "نوط شجاعة" على جيد الأمة العراقية والعربية!.

لا أحد ينكر حق الجيش العراقي فالشعوب تفخر بجيوشها إن كانت تستحق هذا الفخر! ولا نريد في الوقت ذاته أن نطمس حقائق ومظلومية شريحة واسعة من جنود وضباط هذا الجيش المغلوب على أمره، وقد أثبتت لنا الوقائع والشواهد أن نظام صدام الساقط وقياداته البعثيه تعمدوا المسح بكرامة الجندي العراقي الأرض حتى وصلت الحالة وفي فترة التسعينات تحديدا، أن وضع هذا العسكري الفقير والمحطم المعنويات (طاسة) متسولا على قارعة الطريق وبزيه الخاكي الرث طلبا لبعض النقود التي تعينه على مصاعب الحياة، وما نذكره هنا هو صورة وخبر كنت قد قرأته في حينها نشر في أحدى الصحف البريطانية يبين الحالة المؤلمة التي وصل إليها جيشنا (الباسل) المغوار!

وبعد أن حل هذا الجيش وبطريقة غير مدروسة طبعا! تحول شطر منه إلى مجاميع مسلحة ومليشيات تنهش بجسد المجتمع العراقي تحت مسميات وأهداف مختلفة، فأي صفحة بيضاء تركها هذا الجيش كي نتغنى بها يا ترى؟

لقد حول نظام صدام الجيش السابق إلى فدائيين يدافعون عنه وعن بقاء حكمه القمعي الفاشي، ومن يشذ عن هذه القاعدة كان معروف المصير فإما القتل أو التعذيب وبتر الأعضاء! فكم من جندي وضابط آنذاك تم قطع أذنه ولسانه أو بترت أحد أعضاء جسده من يد أو رجل؟!

كل هذا وغيرها من الحقائق المؤسفة التي مرت على العراق تدعونا وبإلحاح  إلى أن نعيد قراءة الواقع قراءة صحيحة بعيدة عن روح التعصب والانفعال، وأن يحاول كل من هو داخل العملية السياسية ومن خارجها إلى مراجعة الكثير من المواقف والسياسات التي لم تخدم الفرد العراقي بأي حال من الأحوال إن كان جندياً سابقاً أو عسكرياً لاحقاً أو أي شريحة من شرائح المجتمع الأخرى، الذين ينتظرون نتائج سقوط الدكتاتورية من خلال  لملمة الجراح والبدء بمشاريع البناء والخدمات وتوفير فرص العمل التي تضمن الحياة الحرة الكريمة.

فما يلاحظ في الآونة الأخيرة من تقدم في العملية السياسية قد يترك  لنا شيئا من هذا الأمل نستطيع من خلاله أن نتلمس ما نتج عن العمليات المستمرة ضد الخارجين عن القانون والمجموعات المسلحة في البصرة والعاصمة بغداد وبعض المدن الأخرى التي ينشط فيها العنف والقتال،مع تمنياتنا أن تكون القوات العراقية بحجم المسؤولية وتقدم ولاءها للوطن ليس للأحزاب والتيارات، وقادرة فعلا على بسط الأمن في مدن العراق كافة.

أما عن التقارب الأخير في وجهات النظر بين الكتل النيابية التي توصلت إلى قناعة وحقيقة أن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة حصراً، فأنه يقدم  فرصة وأجواءً مناسبة أمام انتخابات حرة ونزيهة قادمة لا تسمح بمشاركة ميليشيات متعددة الانتماءات فيها، ويعد أيضا الخطوة الصحيحة أمام تثبيت دعائم الأمن و الاستقرار في عموم العراق والعاصمة بغداد دار السلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15 نيسان/2008 - 8/ربيع الثاني/1429